الاجتهاد: هناك نظرية للإمام الخميني (قدس سره) وهي نظرية تبدل الموضوع، وقد أصبحت هذه النظرية معروفة، غير أنها بقدر ما تُعرف، فهي مهجورة من حيث التفسير والتحليل، وبقدر ما تتبلور، فهي متروكة في عملية الاستنباط والاستغلال فيها،
فالنظرية ليست مهجورة من حيث العرض والعنوان، ولكنها مهجورة من حيث أنها لم تظهر حقيقتها ولم تنكشف قدرتها على حل مشاكل العصر من وجهة نظر الفقه، ولم تستغل بعد في الاجتهاد.
هذه النظرية المهمة تندرج ضمن النظريات المطروحة في مجال الثابت والمتغير.
وبما أنه يجب أن تتميز كل نظرية تقدم في مجال الثابت والمتغير، بمواصفات مثل: صلاحيتها وفاعليتها وشموليتها وتغطيتها للقضايا المعاصرة، ينبغي الفحص عن هذه المواصفات في نظرية تبدل الموضوع .
والحقيقة أن نظرية تبدل الامام الخميني نظرية كبيرة جدًا تحمل على عاتقها فكرة وعملية تحديد الثابت والمتغير، فإن لها أولا: الوضوح والشفافية، وثانيا: قدرة الأداء والقدرة على تفعيل الفقه متناسبا مع التحولات الاجتماعية، وثالثا: قوة تغطية التطورات الاجتماعية المهمة.
اتحدث عن النظرية في محورين:
– منطلقات النظرية
– مكونات النظرية
أولا: المنطلقات
المبادئ الفكرية لنظرية الإمام هي الأفكار المقبولة في مرحلة ما قبل النظرية، وهي المبادئ التي تشكلت بموجبها وبقبولها هذه النظرية، وبدونها، لن تكون النظرية منطقية، وهي عدة مباديء: غير اني اشير فقط الى مبدئين مهمين من هذه المبادئ:
المبدء الأول: ديمومية واستمرارية الشريعة:
التنظير حول الثابت والمتغير هو فرع الاعتقاد بأن القانون الإلهي مستمر ، لأن الثابت والمتغير هو نظرية يتم تأسيسها وتقديمها وتفعيلها بهدف شرح وتصوير آلية كيفية استمرار الشريعة في سياق الظواهر المتطورة، وما لم نؤمن بديمومة القانون الالهي، فإننا لم نعد بحاجة إلى الحديث عن الثابت والمتغير.
المبدأ الثاني: الوظيفية:
الوظيفية تعني فكرة التركيز على فاعلية وأداء الموضوع، وليس على اسمه أو على هيكلته اللفظية أو وجوده التاريخي دون النظر الى مكانه وأداءه في الواقع الاجتماعي.
تقول الوظيفية أنه يجب علينا الانتباه إلى تاثيرات الموضوعات على الانسان وعلى المجتمع.
عندما يحرم القرآن الخمر والميسر بسبب اثمهما (إِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا)، يتضح أن نظام التشريع الالهي قد تبنى التركيز على الجانب الوظيفي والأدائي للموضوع؛ ذلك أن الإثم الموجود في الخمر والميسر ليس كامنا في إسمهما ولا في شكلهما ولا في وصفهما المادي بل في أدائهما السلبي، الذي هو نشر العداوة والبغضاء وخلق الحركات المدمرة في المجتمع.
لهذا، ورد عن الفريقين أن حرمة الخمر ليست لاسمها.
“إن الله سبحانه لم يحرم الخمر لاسمها ولكن حرمها لعاقبتها”.
ثانيا: المكونات:
اهم مكونات النظرية عبارة عما يلي:
١. عنصر قبول التحول الاجتماعي:
هناك الكثير يخشون التحولات الاجتماعية من أجل الحفاظ على الشريعة. لهذا السبب عندما تسمع آذانهم تغييرًا أو ترى أعينهم تحولا، يلتقطون أنفسهم بسرعة، ويحدث لديهم نوع من القلق الديني، بل يستقبلون هذه الحالة ويكبرونها لاجل الحفاظ على الدين.
فإنهم إما أن يتجاهلوا التغييرات أو يتخلون عن آثارها أو يحاولون تصغير وتضئيل هذه التحولات.
في الواقع، إنهم يخافون من النظام التكويني الذي لله سبحانه، غافلين عن أن النظام التكويني مليئ بالحركة والتحول، وأن النظامين التكويني والتشريعي متلازمان ومتكاملان.
إنه بحسب تفكير الإمام الخميني الذي تمثل في نظريته المسماة بـ تبدل الموضوع ، يجب قبول التغيير، وتبنيه والانطلاق منه بل الترحيب به.
ببيان آخر، عندما يتحدث الإمام الخميني عن تبدل الموضوع ، فقد قبل في مرحلة سابقة، أن المجتمع يتطور وانه ستحدث وتنعكس تطوراته في الموضوعات الاجتماعية، وانه يجب ان ينطلق ويتحرك الاجتهاد منه.
٢. عنصر ظهور التغيير في اداء الموضوعات بسبب تأثير النظم الاجتماعية:
اليوم، يعتقد علماء الاجتماع أنه يتم تشكيل وتنظيم السلوكيات الانسانية في المجتمع في إطار ينظمه البناء الاجتماعي، وبما أن البناء الاجتماعي يتضمن عددًا من الأنظمة الاجتماعية، مثل الاقتصادية والثقافية ، … فإن القضايا الاجتماعية المختلفة، والظواهر البشرية المتعددة، مترابطة داخل هذه النظم الاجتماعية وتتفاعل مع بعضها البعض وتتقاسم التأثير مع بعضها البعض.
وفقًا لذلك، يمكن القول إن الأنظمة الاجتماعية، تؤثر على الموضوعات التي يتم وضعها في المجتمع. وهذا التاثير يعني انه يتم التغيير في الموضوع الذي كان له موقع وظيفي وأدائي خاص في النظام الاجتماعي السابق والمنصرم.
وبسبب هذا التغيير، يصبح موضوعا ذا اداء آخر في إطار النظام الاجتماعي الجديد.
ولقد اتخذ الإمام الخميني هذه الفكرة العلمية (التي طرحت وقدمت في علم الاجتماع) بالضبط كفكرته الأساسية للانطلاق الى نظريته عن الزمان والمكان في الاجتهاد، هو يقول:
“قد يكون للموضوع، الذي كان له في السابق حكم معين، حكم جديد في ظل العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية السائدة في نظام ما”.
3. عنصر حصول التغيير في موضوع الحكم لا نفس الحكم.
ان الامام الخميني لا يرى أن هذا التغيير يتم في الشريعة نفسها بل يرى انه يحدث في الموضوعات، فالموضوعات في الأساس هي ممثلات للظواهر الاجتماعية، بمعنى او التحولات الاجتماعية تنعكس على الموضوعات. فالموضوع هو مكان التحول ونقطة تظهر التطورات الاجتماعية فيها.
٤. الرابط بين الثابت والمتغير، هو الحكم:
في الواقع وحسب تحليل علمي، في رأي الامام الخميني، نحن نواجه ثلاثة اشياء: الثابت، والمتغير، والمتحرك.
اما الثابت فهو الشريعة، فإنها لا تتغير وهي مستقرة، واما المتغير فهو الموضوع الذي يقبل التغيير في ظل النظم الاجتماعية، وأما المتحرك فهو الحكم. فالحكم يربط المتغير الذي هو الموضوع بالثابت الذي هو الشريعة، فالحكم لا ينعدم بل يتبع موضوعه، فيذهب بذهابه وياتي باتيانه.
٥. احاطة المجتهد:
من منطلق التاثيرات التي تتركها الانظمة الاجتماعية على الموضوعات يجب على الفقيه المعرفة بهذه التاثيرات وعملية تبدل الموضوعات عبرها، يقول الامام الخميني: يجب أن يحيط المجتهد بقضايا عصره.
هذا شرح إجمالي لنظرية التبدل والتفصيل موكول الى مجاله