إن استخدام آلية الولاء والبيعة أثناء الرحلة،خاصة قبل المغادرة إلى الكوفة وفي مكة، أحد العلامات التي يمكن الاستشهاد بها بأن الإمام الحسين (ع) قد عزم على تشكيل الحكومة، حيث أن البيعة والولاء هو الآلية التي تُحدد معنى الخليفة وتشكيل الحكومة.
خاص الاجتهاد: من المؤكد أنّ تشكيل الحكومة هو في فلسفة انتفاضة الحسين عليه السلام، حيث يرى البعض أن الغرض من الانتفاضة هو تشكيل الحكومة من قبل الإمام نفسه في ذلك الوقت؛ وعلى العكس لا يقبل البعض مثل هذا الرأي، وعلى أي حال يجب أن نُميّز بين تشكيل الحكومة كفلسفة بالمعنى العام، والهدف كفلسفة خاصة في ذلك الوقت، حيث يستعرض الدكتور أحمد مبلغي بعض النقاط الهامة في كافة الآراء.
وجهة نظر الشيخ الطوسي
يقول الدكتور مبلغي إنّ الشيخ الطوسي كان تحت تأثير وجهة نظر خاصة يرافقها تحليل لمجريات زمن الإمام الحسين عليه السلام، حيث اعتبر أن ذهاب الإمام إلى الكوفة كحركة لتشكيل الحكومة، ووجهة نظره هذه تعتمد على أن الامام إذا وجد أي تأثير لقيام وتأسيس الحكومة كان سوف يعقد العزم ويفعل ذلك الأمر.
وفي تحليله وتقييمه التاريخي لوقوع حادثة كربلاء، استنتج أن شروط ما قبل كربلاء كانت قد أثّرت بشكل خطير على احتمال الاستفزاز السياسي ضد يزيد ونتيجة لذلك كانت الإجراءات المتخذة لتشكيل الحكومة، وفي ذلك بصيص أمل لانتصار الإمام الحسين (ع) وتشكيله للحكومة.
وجهة نظر الكتاب معاصرين:
ويسرد الدكتور مبلغي وجهة نظر الكُتاب المعاصرين فيما يخص الثورة الحسينية، حيث يقف صالحي نجف أبادي وهو أحد الدارسين المعاصرين بموقف خاص تجاه انتفاضة الإمام الحسين (ع) وخلص في رأيه إلى أن الغرض من انتفاضة الإمام هو تشكيل الحكومة، حيث مرّت انتفاضة وحركة الإمام الحسين (ع) بعدة مراحل؛
المرحلة الأولى وهي مقاومة الإمام لغزو الدولة وتجاوزاتها، حيث يقوم الإمام في هذه المرحلة بتقييم الظروف المحيطة به ويسعى إلى تحليل المعطيات، والوضع المحيط به؛ وبعبارة أخرى كان الشاغل الرئيسي للإمام الحسين (ع) في هذه المرحلة هو تقييم شروط تشكيل الحكومة.
وتتمثل الخطوة الثانية في وقوف الإمام ضد هجمة الحكومة من جهة، وإجراءاتها من أجل تحقيق الحكومة وإعداد الشروط اللازمة لها من جهة أخرى،
أما المرحلة الثالثة تبدأ بمواجهة الإمام للحر الشديد، حيث حاول الإمام الحسين (ع) في هذه المرحلة منع وقوع الحرب وتحقيق سلام نبيل، والإمام في هذا الجهد أراد الاحتكام لسيادة القانون من أجل السلام.
أما المرحلة الرابعة والنهائية كانت منذ لحظة هجوم قوات العدو، وما فعله الإمام الحسين (ع) في هذه المرحلة هو الدفاع الفخور ضد الغزو الوحشي والعدواني، وهو الدفاع الذي انتهى بشهادة الإمام (ع).
مؤشرات النظرية والتحديات التي تواجهها:
الزعم بأن الإمام الحسين (ع) قد عزم على تشكيل الحكومة من خلال السفر إلى الكوفة وكان هدفه تعزيزها يمكن رؤيته من خلال عدّة مؤشرات، وسوف نقوم بسردها بشكل غير معمق هنا، ومن أهم هذه المؤشرات:
1- قصة مسلم:
إن قصة سفر مسلم إلى الكوفة لتمثيل الإمام هي في كثير من الأحيان مؤشرًا على أنها أحد الخطوات العملية لتشكيل الحكومة.
2- أقوال ومواقف وردود أفعال أعداء الإمام الحسين (ع):
تتضمن الأقوال والأفعال التي قام بها ابن زياد وتجهيزه لجيوش كبيرة وتهيّجه للعامة ضد الإمام الحسين (ع)، وهناك الكثير من الأقوال والمواقف التي اتخذت ضد الإمام الحسين عليه السلام.
3- اختيار مدينة الكوفة :
إن اختيار مدينة الكوفة يأتي كتذكير على خلافة الامام علي عليه السلام، وفي ظروف تلك الفترة، يبدو أنه كانت خطوة وعلامة ورمز على أن الإمام ينوي تشكيل حكومة.
4- الاستفادة من ألية البيعة خلال الرحلة والحادثة:
إن استخدام آلية الولاء والبيعة أثناء الرحلة، خاصة قبل المغادرة إلى الكوفة وفي مكة، هو أيضاً أحد العلامات التي يمكن الاستشهاد بها، حيث أن البيعة والولاء هو الآلية التي تُحدد معنى الخليفة وتشكيل الحكومة.
5- أدب تلك الحقبة:
تشير دراسة الجو الحاكم ما قبل كربلاء إلى أن الأدبيات النخبوية المهتمة بإسقاط حكومة يزيد قد تشكلت بين النخب الاجتماعية والسياسية، وإن الأمثلة التي تذكر على ذلك هي أجزاء مهمة من الأدبيات السياسية في تلك الحقبة، والتي يمكن من خلالها أن نفهم بشكل أفضل أصل قرارات الإمام الحسين (ع).