الاجتهاد: إنّ مسألة الحكم والولاية تشكل “نقطة جوهرية” في الفكر الشيعيّ وهي الأساس الذي يفسر على ضوئه الخلاف التاريخي بين الاتجاه السنّي والإماميّ.
لقد اتفق علماء الإمامية على “مرجعية النصّ” و “الاستخلاف” بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأن الأئمة المعصومين من أهل البيت هم الخلفاء المنصوص عليهم من قبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
إلا أنهم ميّزوا بين نوعين من “الولاية”بالنسبة إلى الأئمة:
أولا: الولاية الذاتية، أو ما عبر عنها فيما بعد بـ “الولاية الكلاميّة”، والتي تعني ” أنه لا بد في كل زمان من إمام موجود يحتجّ الله عز وجل به على عباده المكلفين، ويكون بوجوده تمام المصلحة في الدّين(1).
وهذه الولاية بالنسبة إلى الأئمة حسب الإمامية ذاتية، وإلهية (ربانية)، ومرتبطة في التصور الإمامي بمفاهيم واعتبارات عدّة، كحراسة الدّين، وتفسيره، ووجود القدوة والأسوة والشاهد، وعنصر العصمة، وقاعدة اللطف (2).
وحسب الاعتقاد الإمامي ف “إنهم أولوا الأمر الذين أمر الله بطاعتهم وأنّهم شهداء على الناس، وأنهم أبواب الله، والسبيل إليه، والأدلّاء عليه، وأنهم عيبة علمه، وتراجم وحيه، وأركان توحيده، وأنهم معصومون من الخطأ والزلل، وأنهم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً (3)
ثانيا: الولاية السياسية، أي أحقية الأئمة في ممارسة الحكم السياسي، بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتعتبر الحكومة هذه من الآثار والنتائج الفرعية لمسألة الإمامة (4)، نظرا إلى أن الجانب السلطوي التنظيمي – السياسي، مهمة ثانوية للإمام المعصوم، باعتبار أن الإمامة – في الأساس – استمرار لمهمة النبوة في التبليغ، والتشريع والحفظ، والشرح، والتفسير(5) ، كما ذكرنا.
وقد أقام علماء الإمامية أدلة عقلية ونقليّة لإثبات هاتین الولايتين(6)، للأئمة (عليهم السلام). ويعتبر عصر المعصوم، أي منذ البعثة النبوية (۱۳ق.هـ.) حتى عام ۲۶۰هـ (بداية الغيبة الصغرى)، «عصر الولاية الخاصة”، كما أن مرحلة الغيبة الصغرى (260 -۳۲۹هـ) تعتبر من توابع عصر الولاية الخاصة أيضا لجهة حضور نواب الأئمة الخواص بين الناس، وتأمين الارتباط بين الإمام المعصوم وأفراد الأمة من خلالهم.
وبعد مرحلة الغيبة الصغرى (أي في الغيبة الكبرى) شهد الفكر السياسي الإماميّ المراحل التاريخية الخمس التالية (7):
المرحلة الأولى: مرحلة تدوين الفكر الشيعي الإمامي
لقد تمّ تكوين “الهوية المذهبية للشيعة” والفكر الإمامي من خلال الأئمة من أهل البيت، كما تم تدوين الجزئي لهذا الفكر في عصرهم، أي عبر إملاء الإمام لتلامذته.
وقسم من هذه المدوّنات يتسم بالطابع الكلامي والسياسي مثل ما تم تدوينه بواسطة هشام بن الحكم(8) وغيره من تلامذة الأئمة. إلا أن التدوين الأساس تم في القرن الرابع للهجرة أي بعد انتهاء عصر الغيبة الصغرى وبدأ الغيبة الكبرى، حينما انقطع كل أنواع الاتصال بين الإمام المعصوم (القائد) والناس (القاعدة) حتى من خلال الوسطاء الخواص (أي النواب الأربعة).
حينها أصبحت الحاجة ماسة بالنسبة إلى الإمامية وعلمائهم إلى المدونات كمصادر للمعرفة في قضايا الدين والحياة، فتم تدوین الكتب الأربعة الأساسية لدى الإمامية(9)، وغيرها من الرسالات والكتب.
ويمكن أن نعبّر عن هذه المرحلة بمرحلة التدوين المحض لخلوِّ المدونات عن الشرح والتعليق والجهد النظري حولها، بخلاف “المرحلة اللاحقة”، التي تشكل الجهود النظرية حيّزاً مهما من المدونات الشيعية.
المرحلة الثانية: مرحلة تأصيل الإطار النظري للفكر الإمامي:
بدأت هذه المرحلة من النصف الثاني للقرن الرابع للهجرة، وتضمنت الجهود التأصيلية التي قام بها كبار علماء الإمامية في هذا العصر (أي مساهمات الشيخ المفيد(10)، والمرتضی(11)، والطوسي(12)، التأسيسية). إضافة إلى المساهمات الأخرى.
واستمرت هذه المرحلة لغاية القرن العاشر للهجرة. ومن خصوصياتها التركيز على الإطار النظري السياسي للفكر الإمامي المختلف عن الإطار النظري السني في قضية «الولاية والحكم».
ذلك الإطار الذي يؤكد على “حكم الإمام المعصوم”، ويطمح في الوصول إليه، وينظر إلى الحكّام المسلّطين على أنهم غير شرعيين وغاصبون.
لقد برز في هذه المرحلة العديد من المصطلحات والمفاهيم المتّصلة بقضية الولاية والإمامة وطريقة الاستدلال عليها، مثل قاعدة اللّطف، وانتخاب الأصلح ووجوب نصب الإمام وغيرها(13).
ثم إن الظلم والقمع الذين مورسا بحق الشيعة كجماعة معارضة تقليدية للحكّام سلب منهم كل أنواع “الفرص الفعلية” للتنظير لـ “حكومة شرعية” في عصر الغيبة، إبّان هذه المرحلة.
كما ساهمت هذه الأجواء في عدم استطاعة الحكام انتزاع الاعتراف منهم بشرعية سلطتهم. من هنا، أضحى الموقف السائد للشيعة هو “المعارضة الشاملة”، واعتبار السلاطين حكّام الجور، والامتناع عن الإنخراط معهم، إلا في موارد خاصّة، حيث أجاز العلماء، وقبلهم الأئمة العمل مع السلطان”(14) الجائر.
إن الفقهاء والمتكلمين في هذه المرحلة ركزوا في دراساتهم وأبحاثهم على مواصفات وشروط «الولاية الخاصة». واقتصر اهتمامهم في قضية الحكم والعمل السياسي (الشأن العام) بدائرة القضاء وإقامة الحدود الشرعية (15).
إلا أن النهج التقليدي في البحث عن «الولاية الخاصة» استمر حتى العصر الحاضر، مما دعى الشيخ المظفر أن يوجه نقده الضمني لهذا النمط من البحث عبر نفي الجدوائية عنه في العصر الحاضر، قائلا: «ولا يهمّنا في بحث الإمامة في هذه العصور إثبات أنهم هم الخلفاء الشرعيون وأهل السلطة الإلهية، فإن ذلك أمر مضى في ذمة التاريخ وليس في اثباته ما يعيد دورة الزمن من جديد أو يعيد الحقوق المسلوبة إلى أهلها وإنما الذي يهمّنا منه ما ذكرنا من لزوم الرجوع إليهم في الأخذ بأحكام الله الشرعية، وتحصيل ما جاء به الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) على الوجه الصحيح الذي جاء به”(16).
المرحلة الثالثة: عصر الصفوية والتنظير للولاية السياسية العامة:
بدأت هذه المرحلة من القرن العاشر واستمرت لغاية القرن الثالث عشر الهجري. وتمّ في هذه المرحلة ولأول مرة انتزاع الاعتراف لـ «حكومة زمنية» خارج “الولاية الخاصة” من كبار علماء الشيعة. حيث اعترف المحقق الكركي، والمحدث المجلسي (17) وغيرهما بـ «حكومة الصفويين” الحاكمين في إصفهان باسم المذهب الإمامي وانطلاقا من نظارة الفقيه على تنفيذ الأحكام الشرعية.
وقد بادر المحقق الكركي وفي منصب قاضي القضاة، وشيخ الإسلام في البلاط الصفوي، إلى التنظير لـ “ولاية الفقيه” نيابة عن الإمام المعصوم الغائب (18).
إلا أنه لم يستطع أن يبلور تجربته السياسية بشكل متكامل نتيجة الاختلاف الذي نشب بينه وبين حكام الصفويين، واضطر إثره للهجرة إلى العراق (19).
كما قام الفقيه الصفوي الأخر، المحقق الأردبيلي هو الآخر في البحث عن ولاية الفقيه السياسية(20). إلا أن الأثر الأهم في هذا المجال هو مبحث “ولاية الفقيه” من کتاب «عوائد الأيام» للشيخ أحمد النراقي، الفقيه الذائع الصيت في العصر القاجاري، الذي بادر إلى تخصيص بحث مستقل حول ولاية الفقيه، وقام بوضع اللبنات الأساسية لنظرية ولاية الفقيه القائمة حسب النراقي على مبادئ أساسية، كالمصالح العامة للأمة، وتنظيم أمور العباد الدينية والأخروية (المعاد والمعاش)، والتسوية بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والإمام المعصوم والفقيه العادل في قضية الولاية والسلطنة،
يقول: «إن كليّة ما للفقيه العادل توليه وله الولاية فيه أمران:
أحدهما كلّ ما كان للنبي والإمام- الذين هم سلاطين الأنام وحصون الإسلام – فيه الولاية وكان لهم، فللفقيه أيضاً ذلك إلا ما أخرجه الدليل من إجماع أو نص أو غيرهما.
وثانيهما، أن كل فعل متعلق بأمور العباد في دينهم أو دنياهم ولا بد من الاتيان به ولا مفر منه أما عقلاً أو عادة من جهة توقف أمور المعاد أو المعاش لواحد أو جماعة عليه، وإناطة انتظام أمور الدين أو الدنيا به »(21).
المرحلة الرابعة عصر القاجارية والتنظير للمشروطة والمشروعة
شهدت بدايات القرن الرابع عشر الهجري حركة المطالبة بالدستور، وسميت هذه الحركة ب «المشروطة» لأن القائمين بها اعتبروا مواد الدستور بمثابة الشروط التي يجب أن يتقيد بها الملك في حكم رعيته، وهذه فكرة مستمدة من نظرية «العقد الاجتماعي» التي شاعت في أوروبا بعد قيام الثورة الفرنسية ومنها جاءت إلى تركيا وإيران” (22).
وقد انقسم العلماء في الموقف من “المشروطة”، ففي حين كان أغلب علماء النجف الأشرف ومراجعها كالملا كاظم الهروي الخراساني، والملا عبد الله المازندراني، والميرزا محمد حسین النائيني يؤيدون هذه الحركة، فقد امتنع السيد محمد کاظم اليزدي صاحب (العروة الوثقى) في الفتاوی عن التأييد وأخذ موقفاً سلبياً تجاهها.
وكان موقف العلماء في إيران كموقف العلماء في النجف، فقد تزعّم أنصار المشروطة السيد محمد الطباطبائي، والسيد عبد الله البهبهاني في العاصمة طهران، في حين أخذ الشيخ فضل الله النوري وآخرون موقفا سلبيا تجاهها.
لقد قام الميرزا النائيني بالتنظير للمشروطة من خلال رسالته الشهيرة: «تنبية الأمة وتنزيه الملة” (23). كما قام الشيخ فضل الله النوري بالتنظير للمشروعة ونفي المشروطة، في رسالته: «حرمة المشروطة دواعي الدعم السابق والرفض اللاحق”(24).
لقد أورد النائيني في مقدمة الرسالة مجموعة من المفاهيم وقام بشرحها، وهي:
أ- حقيقة استبداد الدولة ومشروعيتها.
ب- القانون الأساسي (الدستور) وكيفية تحقيقه.
ج- المجلس النيابي الشّوريّ.
د- معنى الحرية والمساواة.
وفي صدد بیان مشروعية عمل المجلس النيابي يصرح قائلاً: وأما مشروعية نظارة هذه الهيئة المبعوثة عن الأمة وصحة تدخلها في الأمور السياسية، فهي بناء على أصول أهل السنة والجماعة، حيث كان المعتبر عندهم إجماع أهل الحل والعقد لا غير، متحققة بنفس هذا الانتخاب فقط، وغير مشروطة بوجود شرط آخر أصلا.
وأما بناء على مذهبنا – طائفة الإمامية – حيث نعتقد أن هذه الوظائف النوعية، وسياسة الأمور، هي من وظائف النواب العموميين لعصر الغيبة، فيكفي لصحّتها اشتمال هذه الهيئة المنتدبة على عدة من المجتهدین العدول أو المأذونين من قبلهم… ومجرد تصحيحهم الآراء الصادرة، وموافقتهم على تنفيذها كافٍ لمشروعية هذه النظارة لا غير”(25).
ويبدو من خلال هذه العبارة أن الميرزا النائيني يعتمد في تصحیح عمل المجلس النيابي على نظرية “ولاية الفقيه”. إلا أنه يرى أن هذه الولاية تتحقق من خلال نظارة الفقهاء وليست مشروطة بالمباشرة الفعلية لأمور السياسة والتدبير من قبلهم.
وفي مقابل هذا الاتجاه نرى اتجاه الشيخ فضل الله النوري، حيث ينفي المشروطة لابتنائها على مجموعة من المبادئ والأسس المنافية للإسلام، مثل: الحريّة، والمساواة، وحق التشريع للنواب، واعتماد مبدأ الأكثرية مقابل الأقلية.
ويرى أن الحرية والمساواة مفهومان غربيان يخالفان التوجه الإسلامي المعتمد على مبدأ العبودية لله – تعالى -، وعلى مبدأ التفاضل والاختلاف في المراتب والدرجات. كما أن حق التشريع يخالف الإيمان بكمال الإسلام واعتبارات أخرى(26).
إلا أنه لا يدعو إلى توحيد السلطة الدينية والسلطة الزمنية، بل يعتبر السلطة الدينية والمعرفية للعلماء والفقهاء، والسّلطة الدنيوية لأولي الشوكة من أهل الإسلام(27).
المرحلة الخامسة: عصر الجمهورية الإسلامية والتنظير لولاية الفقيه المطلقة:
إن نظرية ولاية الفقيه العامة بمفهومها السائد اليوم، تقترن باسم مؤسس الجمهورية الإسلامية الإمام الخميني (ره) وجهوده العلمية والعملية.
ويمكننا اعتبار هذه المرحلة “من أكثر المراحل الفكرية ثراء من الناحيتين النظرية والعملية، في مسيرة الفقه الشيعي والحقوق العامة. وإذا كان هذا الفكر لم يتطور خلال المراحل
{السابقة} إلا بصورة محدودة، حيث لم تتبلور خلال ألف عام سوى ثلاث نظريات(28) لنظام الحكم فإن {هذه المرحلة} شهدت ولادة ست نظریات (29) فقهية شيعية مهمة مدارها على الدولة ونظام الحكم”(30).
وقد تناول الإمام الخميني(ره)، الشأن السياسي ومسألة الحكم في فترات مختلفة يمكن أن نوجزها كالتالي:
1- مرحلة ما قبل النفي (المرحلة القمية):
لقد وضعت “البذور الأولى” من الفكر السياسي للإمام الخميني من خلال كتاب “کشف الأسرار” الذي ألّفه ردا على «كسرويّ» وكان عمره آنذاك 41 عاما تقريبا(31).
وينظر الإمام إلى قضية الحكم – عبر هذا الكتاب – من زاويتين:
الأولى سلبية، والثانية إيجابية،
ففي الجانب السلبي يعتبر جميع الحكومات البشرية غير المستمدة من “حكم الله” حكومات باطلة.
وفي الجانب الإيجابي، يؤكد على “ضرورة الحكم” ويعتبر أن “حكم الله” وولايته نافذ على جميع البشر بحكم العقل والنقل، كونه «المالك» لكل شيء(32).
ويرى بعضهم أن نظرية الإمام، في هذه المرحلة هي أشبه ما تكون بتصور الميرزا النائيني المؤيد لـ “نظام المشروطة”(33)
۲- مرحلة المنفى (المرحلة النجفية):
تبلورت “الصورة الأخرى” لفكر الإمام الخميني السياسي من خلال كتابه “ولاية الفقيه” أو “الحكومة الإسلامية“، ومبحث “ولاية الفقيه” من “كتاب البيع”، والمحاضرات والدروس التي كان يلقيها على طلاب العلوم الدينية في النجف الأشرف (34).
ففي كتاب “الحكومة الإسلامية” برى الإمام «أن الحكومة الإسلامية لا تشبه الأشكال الحكومية المعروفة فليست هي حكومة مطلقة يستبد فيها رئيس الدولة برأيه، عابثاً بأموال الناس ورقابهم.. وإنما هي دستورية، ولكن لا بالمعنى الدستوري المتعارف الذي يتمثل في النظام البرلماني أو المجالس الشعبية، وإنما هي دستورية بمعنى أن القائمين بالأمر يتقيدون بمجموعة من الشروط والقواعد المبينة في القرآن والسنة”(35).
وفي معرض بيان أطروحة “ولاية الفقيه” يورد الإمام قائلا: الولاية تعني حكومة الناس، وإدارة البلاد وتنفيذ أحكام الشرع، وهذه مهمة شاقة، ينوء بها من هو أهل لها من غير أن ترفعه فوق مستوى البشر … ولاية الفقيه أمر اعتباري جعله الشرع”(36).
وفي معرض الكلام عن حدود صلاحيات الولي الفقيه يصرح قائلا: «ويملك الحاكم من أمر الإدارة والرعاية والسياسة للناس ما كان يملكه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنین (عليه السلام) على ما يمتاز به الرسول والإمام من فضائل ومناقب في ذلك خاصة..”(37). وهو ما يطلق عليه: بـ”ولاية الفقيه العامة”.
3- مرحلة ما قبل انتصار الثورة (المرحلة الباريسية):
بدأ الإمام الخميني، يركز في هذه المرحلة من خطابه على مفاهيم واعتبارات مثل “الجمهورية الإسلامية”(38)، و “دور الشعب” (39)، و”حقوق الشعب”(40)، و “الديمقراطية”(41)، و “الالتزام بالقانون”(42). إلا أن هذه التصريحات لا تنفي نظريته الأساسية في مجال الحكم أي “ولاية الفقيه العامة”.
4- مرحلة الإعلان عن الولاية المطلقة للفقيه (المرحلة الطهرانية):
بدأت هذه المرحلة في فكر الإمام السياسي حينما قام بإصدار بيان هام حول “ولاية الفقيه” في الخامس من كانون الثاني ۱۹۸۷م وأعلن فيه عن “الولاية المطلقة للفقيه”.
وورد في البيان: «أن الولاية المطلقة هي من الأحكام الإلهية الأساسية، وتتقدم على جميع الأحكام الفرعية».
كما اعتبر “أن الحكومة هي شعبة متفرعة من هذه الولاية”. يمثل البيان وما تضمنه من نصوص “نقطة تحول تاريخية” في نظريّة الإمام السياسية. كما تعتبر نقطة مفصلية بالنسبة إلى مفهوم “ولاية الفقيه”.
الهوامش
(1) المفيد (أبو عبد الله محمد بن محمد الحارثي : ن 433 هـ): أوائل المقالات، المطبوع ضمن «مصنفات الشيخ المفيد”، ج4، قم 1413هـ، ص ۳۹.
(2) راجع، العلامة الحلي (الحسن بن يوسف بن المطهر: ت ۷۲۶ هـ): کشف المراد في شرح تجرید الاعتقاد، ط1، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 14۰۸هـ ۱۹۸۸م، ص 340 وما بعدها.
(3) الصدوق (أبو جعفر محمد بن علي ابن بابويه: ۳۸۱ هـ): الاعتقادات، دار الهداية، بیروت، د.ت.، باب الاعتقاد في عدد الأنبياء والأوصياء. قارن: الشريف المرتضى (علي بن الحسين الموسوي 636هـ): الشافي في الإمامة، ج1، مؤسسة آل البيت (ع)، بیروت، 1407هـ 1986م، ص ۷۵ وما بعدها. والمظفر (محمد رضا): عقائد الإمامية، ط۸، دار الإرشاد الإسلامي،بیروت، 1409هـ -۱۹۸۸م، ص۹۳ وما بعدها.
(4) أنظر : المطهري (مرتضی): الإمامة والقيادة (بالفارسية)، ص ۷۰ وما بعدها.
(5) أنظر : شمس الدين (محمد مهدي): نظام الحكم والإدارة في الإسلام (م.س.)، ص ۳۵۸
(6) راجع : العلامة الحلي: (م.س.)، ص 340 وما بعدها. والشريف الرضي :(م. م.)، ص ۷۵ وما بعدها.
(7) فارن : کدیور (محسن) : الحكومة الولائية (بالفارسية)، ط3، نشرني، طهران،۱۹۹۹م، ص ۱۲-۱۳. ونظريات الدولة في الفقه الشيعي (م.س.)، ص 14 -۲۸
(8) تلميذ الإمامين الصادق والكاظم () ، نسب إليه كتب عديدة منها : كتاب التوحيد، وكتاب الإمامة، وكتاب الجبر والقدر وكتاب الإستطاعة، وغيرها .
(9) أي المدونات الروائية الكبرى لدى الإمامية وهي عبارة عن:
أ- الكافي: الثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني (ت ۳۲۹ه).
ب- من لا يحضره الفقيه: للمحدث الكبير محمد بن علي بن حسين ابن بابویه الصدوق (ت ۳۸۱ هـ).
ج- تهذيب الأحكام (شرح المقنعة للمفيد): لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت 460 هـ).
د- الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: للطوسي
(10) هو الشيخ الجليل أبو عبد الله، محمد بن محمد بن نعمان الحارثي البغدادي المشتهر بابن المعلم والمفيد (ت 314 هـ). صاحب مدرسة فكرية وفقهية ببغداد. وقد ترك مساهمات ونتاجات مهمة في مجالات عدة في العقيدة (مثل: الإفصاح في الإمامة، وأوائل المقالات في المذاهب والمختارات…) وفي التاريخ والسيرة (مثل: الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، والجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة…) وفي الفقه مثل: المقنعة، ..) وفي أصول الفقه (التذكرة) وغيرها. (راجع النجاشي: رجال النجاشي، ص ۲۸۳؛ والطوسي: الفهرست، ص ۱۵۷؛ واین شهر آشوب : معالم العلماء، ص۱۱۳. والطهراني: الذريعة إلى تصانیف الشيعة، ج ۱، ص ۳۰۲ و ۵۰۹).
(11) هو السيد الجليل علي بن الحسين الموسوي (ت 436 هـ) فقيه الإمامية ونقيب نقباء الطالبيين في بغداد، كان يملك أضخم مكتبة في عصره قوامها ثمانون الف مجلد من الكتب القيمة، وقد قام بتصنیف وتأليف ثمانين مجلد كتاب في مواضيع شتى كالتفسير وعلوم القرآن (تنزيه الأنبياء، ورسالة المحكم والمنشابه و …) والعقيدة والكلام (الشافي في الإمامة، وانقاذ البشر من الجبر والقدر، والأصول الإعتقادية، والذخيرة في علم الكلام، وأحكام أمل الآخرة .) والفقه (رسالة الناصريات، والانتصار، ورسالة الولاية عن الجائر أو العمل مع السلطان، وكتب المسائل الطرابلسية، والرسية ، والموصلية، والطبرانية وغيرها) وأصول الفقه (الذريعة إلى أصول الشريعة…) والأدب والشعر (الشهاب في الشيب والشباب، وديوان المرتضى، وشرح قصيدة السيد الحميري) وغيرها. (راجع كتب التراجم العامة والخاصة: معجم الأدباء: باقوت الحموي؛ ووفيات الأعيان : ابن خلكان؛ وريحانة الأدب: محمد علي المدرس التبريزي؛ وروضات الجنان : محمد باقر الخوانساري).
(12) هو شيخ الطائفة، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه)، کبیر فقهاء الشيعة في القرن الخامس الهجري، وصاحب مدرسة اجتهادية ، ومؤسس الجامعة الإسلامية الكبرى في النجف الأشرف/ العراق، ومؤلف کتابين من الكتب الأربعة الأساسية لدى الإمامية. لقد ترك تناجات هامة في مجالات عدة في الأخبار والأحاديث (تهذیب الأحکام، والاستبصار)، وفي الفقه والفقه المقارن (النهاية، والمبسوط، والخلاف). وفي أصول الفقه (عدة الأصول) وفي الكلام والعقيدة (تمهيد الأصول وتلخيص الشافي) وفي التفسير (التبيان) وغيرها. (راجع: آغا بزرك الطهراني : رسالة حياة الشيخ الطوسي، المطبوع في بداية كتاب التبيان . ومحسن عيسى الحكيم : الشيخ الطوسي. و…).
(13) راجع : المرتضى (علي بن الحسين الموسوي : ت 436هـ): الشافي في الإمامة، ج ۱، مؤسسة النشر الإسلامي، قم 1410 هـ ص ۳6-۳۹ و 4۷ – 54، و ۱44 – ۱۶4 و 326. والذخيرة في علم الكلام، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1411هـ. ص ۱۹۹-۲۱۰ و 409 – 429، والعلامة الحلي: کشف المراد في شرح تجرید الاعتقاد، مؤسسة الإمام الصادق، قم، 1417هـ ص ۱۸۱-۱۸4.
(14) نموذج اعلي بن يقطين الموظف الكبير في البلاط العباسي، في عهد المهدي والهادي والرشيد، الذي تربطه بالأئمة صلة وثيقة، وكان من كبار أتباعهم، والراوي عن الإمامين الصادق والكاظم ()، فقد ورد عن الإمام الكاظم لعلي بن يقطين: «إن الله مع السلطان أولياء يدفع بهم عن أوليائه “. (الكليني، الكافي، ج ۵، ص ۱۱۲). كما ورد أن ابن يقطين كان يعيد إلى أتباع الإمام سراً، ما دفعوه من خراج أراضيهم للسلطة. (الكليني: (م.س.)، ص ۱۱۰. والكشي: رجال الكشي، ص435). ونموذج الوزير “أبي القاسم الحسين المغربي” وزير الدولة البويهي ببغداد (415 هـ). الذي كتب له الشريف المرتضى (436 ه) رسالة “عمل السلطان”، و…
(15) راجع : المفيد (محمد بن نعمان : ت 413هـ): المقنعة، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1406هـ. ص ۸۱۰ وما بعدها. وسلار الديلمي (حمزة بن عبد العزيز، 448 هـ). المراسم العلوية، دار الحق، بیروت، 1414ه، ص 263-264، والطوسي (محمد بن الحسن: ت 460). النهاية، دار الكتاب العربی، بیروت، ۱۳۹۰ هـ ص ۳۰۱. والعلامة الحلي (الحسن بن يوسف المطهر: ت ۷۷۱ ه): قواعد الأحکام، ج ۱، کتاب الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1413هـ، ص 225 والشهيد الثاني (زين الدين العاملين 965 هـ) مسالك الأفهام في شرح شرائع الإسلام، ج ۱، الطبعة الحجرية، د.ت. ص۱۹۲ 162)
(16) المظفر (محمد رضا): عقائد الإمامية (م. م.)، ص 94.
(17) المجلسي (المحدث محمد باقر : ت ۱۷۰۱هـ): عين الحبوة (بالفارسية)، طهران، ۱۳۸۳ ه.ق. ص 491-4۹۲. أنظر کدیور (محسن): نظريات الدولة في الفقه الشيعي (م.س.)، ص61-69.
(18) راجع : الكركي (محمد عبد العال العاملي: ت 940 ه): جامع المقاصد في شرح القواعد، ج۱۱، مؤسسة آل البيت ()، قم،1409، ص 266
(19) راجع: الأمين (محسن): أعيان الشيعة، ج ۸، بیروت، ۱۹۸۳ م، ص ۲۰۹.
(20) أنظر : الأردبيلي (الملا أحمد: ت ۹۹۳ هـ) : مجمع الفوائد والبرهان في شرح ارشاد الأذهان، ج۸، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، ط 3، 1415 هـ، ص 160.
(21) راجع : النراقي (الملا أحمد: 1248 هـ): عوائد الأيام، الطبعة الحجرية، قم، 1408 هـ، عائدة رقم 540، ص 536.
(22) الوردي (د. علي): المشروطية الإيرانية وأثرها في العراق، مجلة الموسم، العدد الخامس، السنة الثانية، ۱۹۹۰، ص۵۰.
(23) كتب أصل هذه الرسالة الشيخ النائيني باللغة الفارسية، تحت عنوان: “تنبيهالأمة وتنزيه الملة در اساس وأصول مشروطیت یا حکومت از نظر اسلام”. وقام بترجمته إلى العربية “صالح الجعفري” في عام ۱۹۲۹م. وأرسلها من النجف إلى لبنان لتنشر تباعا في مجلة «العرفان» التي كان يصدرها الشيخ أحمد عارف الزين في مدينة صيدا.
(24) عنوان الرسالة باللغة الفارسية هو “حرمت مشروطة يا پاسخ به سؤال از علت موافقت اولیه با مشروطیت و مخالفت ثانوية با آن» نشرها “محمد ترکمان” ضمن رسائل ونداءات وكتابات الشيخ فضل الله النوري، رسا، طهران، (1404 هـ)
(25) النائینی (محمد حسين: ت 1356 هـ): تنبيه الأمة وتنزيه الملة، مجلة الموسم، العدد الخامس، السنة الثانية،۱۹۹۰،ص ۷۷.
(26) راجع : النوري (فضل الله): رسالة حرمت مشروطه (بالفارسية)، (م.س.)، ص 104- 114.
(27) راجع: النوري : (م.س.)، ص۱۱۰-۱۱۱
(28) و(29) إن الباحث بستعمل مصطلح النظرية بدرجة كبيرة من التجوّز والمسامحة، لولاها لصعب إطلاق النظرية حسب ما هو المعروف من المفهوم لهذه اللفظة، على العديد من الموارد التي أطلقها الباحث. وكمثال على ذلك فإن النظرية الثانية (ولاية الفقهاء التعيينية العامة)، والنظرية الرابعة (ولاية الفقهاء التعينية المطلقة)، والنظرية الخامسة (الحكومة المشروطة بإذن الفقهاء وإشرافهم)، والنظرية السابعة (ولاية الفقيه الانتخابية المقيدة)، هي كلها تقریبات مختلفة لنظرية واحدة هي: «نظرية ولاية الفقيه» والاختلاف في دائرة و حدود صلاحيات وكيفية اختيار الحاكم الفقيه، لا في أصل النظرية كما يوحي الباحث الفاضل الشيخ محسن كديور في كتابيه: الحكومة الولائية ونظريات الحكم في الفقه الشيعي.
(30) كديور (محسن ) نظريات الحكم في الفقه الشيعي 87. الترجمة العربية)، ط1، دار الجديد، بیروت، ۲۰۰۰م، ص 36 (بتصرف)..
(31) راجع: روحاني زيارتي : دراسة وتحليل حركة الإمام الخميني (بالفارسية)، ج ۱، ص۲۰.
(32) راجع : الخميني (روح الله): كشف الأسرار (بالفارسية)، ص ۲۳۰-۲۳۱، و365 – 369.
(33) أنظر : کدیور (محسن): مجلة «متین» (بالفارسية)، العدد 1، شتاء ۱۹۹۸، ص37.
(34) راجع: مقدمة مؤسة تنظیم و نشر آثار الإمام الخميني على كتاب : «ولاية الفقيه»، 1994.
(35) الخميني : الحكومة الإسلامية، طبعة لبنانية، د.ت.، ص 41
(36) الخميني: (م. س .)، ص 50.
(37) المرجع السابق ، ص49.
(38) صحيفة النور، ج۲، (بالفارسية)، ص 351.
(39) نفس المرجع، ص 62، و ۳۱۰، و ۳۱۳.
(40) نفس المرجع، ص ۷.
(41) نفس المرجع، ص ۱۰، و 219.
(42) صحيفة النور، ج4، ص 517.
المصدر: كتاب نظريات الحكم والدولة ..دراسة مقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون الدستوري الوضعي للدكتور محمد مصطفوي / الصفحة 187