اليوم تتجه بعض الكتابات ومنذ مدّة، للحديث عن تعطيل إمكانية توظيف مفهوم تعدّد القراءات (الإسلامات)، ومن ثمّ إعلان وفاة الإصلاح الديني واستحالته، وهو ما نجده ـ على سبيل المثال ـ في بعض ما كتبه الباحث اللبناني علي حرب والباحث الإيراني محمد رضا نيكفر، وغيرهما، حيث الحديث عن أنّه لا فرق بين إسلام التنظيمات الإرهابيّة اليوم وبين كلّ ما يُسمّى بإسلامات اُخر
✍🏼الشيخ حيدر حب الله
موقع الاجتهاد: قبل مدّة من الزمن كان التيار النقدي للفكر الديني عندما يقدّم التيار الإسلامي (بالمعنى الأعم من السياسي وغيره) رؤيته في قضيّة دينيّة، كان الناقدون يؤكّدون الفكرة التالية: لا توجد قراءة واحدة للإسلام، فهناك إسلامات، ومن ثمّ فلا يمكن الحكم على إسلام نتيجة توصيف يتصل بإسلام آخر، فهناك إسلام سنّي وإسلام شيعي، وهناك إسلام عربي وإسلام غير عربي، و.. والحال نفسها في التسنّن والتشيّع، فلا يوجد تسنّن واحد ولا قراءة واحدة للتشيّع، ولطالما اتجه أنصار الإصلاح الديني لفكرة من هذا النوع.
اليوم تتجه بعض الكتابات ومنذ مدّة، للحديث عن تعطيل إمكانية توظيف مفهوم تعدّد القراءات (الإسلامات)، ومن ثمّ إعلان وفاة الإصلاح الديني واستحالته، وهو ما نجده ـ على سبيل المثال ـ في بعض ما كتبه الباحث اللبناني علي حرب والباحث الإيراني محمد رضا نيكفر، وغيرهما، حيث الحديث عن أنّه لا فرق بين إسلام التنظيمات الإرهابيّة اليوم وبين كلّ ما يُسمّى بإسلامات اُخر، فالجوهر واحد والأقنعة مختلفة، خاصّة بين الإسلام التجديدي المعاصر والإسلام التقليدي، ومن ثمّ فمن حقّنا اتخاذ موقف موحّد من الجميع.
يعزّز هؤلاء ـ وفريق آخر معهم ـ الفكرة بأنّ جوهر ما تقوم به هذه التنظيمات الإرهابيّة موجود في بطون كتب مدارس الفقه الإسلامي الأخرى، على تنوّعها المذهبي، ومن ثمّ فلا يمكن للشيعي ـ على سبيل المثال ـ أن يتحدّث عن شريعة مختلفة في التطبيق عن شريعة بعض التنظيمات السنيّة المتهمة بالإرهاب اليوم، فالرجم والحرق والرمي من شاهق وإلى آخر القائمة موجود عند الجميع، وليس قديماً، بل في كتبهم الفقهيّة اليوم.
بالنسبة لي ـ ومع غضّ النظر من الموقف من القضايا التي تصنّف اليوم على أنّها قاسية وعنفيّة وغير إنسانيّة في الإسلام ـ لا أوافق على التمييز المطلق بين المدارس الفقهيّة السائدة انطلاقاً من العنصر المذهبي؛ لأنّ فكرة حرب ونيكفر تبدو قريبة نسبيّاً على بعض الصعد هنا.
إلا أنّني أودّ التأكيد على أنّ كلّ هذه المقاربات هي مقاربات لإسلامٍ واحد بمعنى من المعاني، وهو الإسلام الكلامي والفقهي، بل الإسلام الفقهي والكلامي المدرسي، فيما نملك رؤى كثيرة تمثل الإسلام العرفاني الصوفي، والإسلام القيمي التاريخاني، وإسلام (الفقه بالحدّ الأدنى)، وإسلام القراءة التاريخيّة الفقهيّة، وغيرها من الإسلامات التي بات لها تياراتها وأنصارها ولو لم تكن مهيمنةً على المنبر الرسمي للمذاهب.. الأمر يحتاج لرصد معمّق في تحوّلات الفكر الإسلامي الحديث، فكيف أتجاهل كلّ هذه الإسلامات والفوارق بينها عميقة للغاية، ثم اُصدر حكماً عامّاً يتصل بالتشابه بل يكاد يكون هو التماهي بينها جميعاً؟!
ثمّ ما هو المبرّر المنطقي الذي يسمح لنا بأن نصدر حكماً بتّياً حتميّاً بأنّ كلّ تفسير للإسلام فهو مشابه تماماً للتجربة المأساويّة الحالية عند بعض التنظيمات الإرهابيّة؟ هل هي مقاربة منطقيّة حصريّة وكيف؟ هل هو استقراء كامل يفرض شيئاً من هذا القبيل؟ هل هو الإحباط الذي لحق تيار التجديد الديني فأوصله إلى قناعة الاستحالة؟ أو أنّ القضيّة أنّني تتبّعت كلّ القراءات الحاليّة ـ إذا حصل شيء من هذا ـ ولم أجد فيها ما يغيّر الحال، وهذا ينتج حكماً على القراءات الحالية للفقه الإسلامي، ولا يُنتج حكما كليّاً على كلّ قراءة للإسلام.. قل: القراءات الحاليّة للإسلام لا تقنعني بأنّها مغايرة لقراءة العنف والإرهاب، ولا تقل: لا يوجد قراءة، ولن توجد قراءة غير ذلك، ومن ثمّ الحلّ الوحيد هو التخلّي عن القراءات الإسلاميّة برمّتها، وإعلان (استحالة) التجديد والإصلاح الديني!
الموضوع طويل، أخذت منه جانباً واحداً من المقاربات المثارة، وأحببت فقط أن اُثير فكرةً فيه للتفكير والتأمّل. وللعلم فقط فهناك حوارات حوله تجري الآن في زاوية من المشهد الثقافي الإيراني.