خاص الاجتهاد: لقد كتب الشهيد آية الله السيد محمد باقر الصدر (رضوان الله عليه) كتباً كثيرة في شتى المعارف والعلوم الإسلامية والإنسانية، من أصول وفقه وتفسير وتاريخ وفلسفة ومنطق، وكلها كانت فتوحات فكرية لم يسبق لها نظير. لذا كان بحق مدرسة فكرية متكاملة. ولم يكتب السيد الصدر في الفكر فقط، بل كتب في المنهج، وأهل المعرفة يدركون معنى ذلك وأبعاده.
الهمّ الإسلامي في فكر السيد الصدر
لقد كانت الهموم الصدرية واحدة، وهي الهمّ الإسلامي العظيم في انتشال البشرية من التيه والضياع. ولكن بعض كتاباته كانت تخصصية في الحوزة العلمية، مثل حلقات الأصول الثلاثة. وبعضها فكرية تنفع المؤمن والشيعي، مثل تاريخ أهل البيت (عليهم السلام). وبعضها الآخر كتبه للمسلم بصورة عامة، مثل اقتصادنا وفلسفتنا، حيث بيّن فيهما رؤية الإسلام في مقابل المدارس الفكرية الأخرى.
الأسس المنطقية همٌّ إنساني عالمي
أما كتاب الأسس المنطقية للاستقراء، فهو همٌّ إنساني عام. فعلى الرغم من أن السيد الصدر لاحظ أن بعض المسلمين والمؤمنين تركوا إيمانهم بسبب الشبهات الإلحادية المعاصرة، إلا أن عينه كانت أيضاً على الإنسان بصورة عامة — على الإنسان الغربي خاصة، وعلى الإنسان العالِم الذي تخصص في العلوم التجريبية وابتعد عن الإيمان.
لذلك كانت الأسس المنطقية للاستقراء تستهدف ذلك الإنسان العالمي، أي الإنسان في بعده العقلي العام، دون تقييد بديانة أو بيئة معينة. فالسيد محمد باقر الصدر، مع أنه شيعي المرجعية، إلا أنه إسلامي الفكر وإنساني النظرة، ينفتح على الإنسان من حيث هو إنسان، لأن رسالة الإسلام هي رسالة الإنسانية.
لماذا تحتفي اليونسكو بـ«الأسس المنطقية للاستقراء»؟
إن احتفاء اليونسكو بكتاب الأسس المنطقية للاستقراء هو رسالة لنا جميعاً في العالم الإسلامي، وفي معاهد العلم والفكر، وفي الحوزات العلمية، بأننا إذا أردنا أن نصل إلى الآخر، فإن باب ذلك هو التفكير الفلسفي والمنطقي العام. ألم يفرض أرسطو طاليس منطقه ورؤيته على العالم كله؟ وكما نُقل عن السيد محمد باقر الصدر (رض)، فإن المنطق إنساني وليس دينياً. ومن خلال العلوم والفلسفة والتفكير العقلي المنهجي يمكن أن نوصل رسالة الإسلام إلى البشرية. وهذا يستدعي فتح الدرس الفلسفي من جديد، وإعادة النظر فيه، لأنه الجسر الذي يوصلنا إلى العالمية، كما أوصل السيد محمد باقر الصدر فكره إلى هذا الأفق الرحب. فهو وجهنا البارز، والصورة النقية للتفكير الإسلامي المنطقي العلمي الدقيق.
رسالة إلى الدولة العراقية والحوزات العلمية
وهذه أيضاً رسالة إلى الدولة العراقية بعد سقوط النظام البائد، بأن تهتم بالسيد محمد باقر الصدر أكثر من السابق، وذلك بإنشاء جامعة علمية كاملة باسمه تُدرَّس فيها علومه وفلسفته واقتصاده ومنهجه. وهي كذلك رسالة إلى الحوزات العلمية أن تنفتح على فكر السيد الصدر خارج إطار الحلقات الثلاثة فقط، وأن تدرس سائر علومه وفلسفته واقتصاده وأُسسه المنطقية. فالنجف الأشرف تستحق ذلك، والسيد أهلٌ لذلك.
رضوان الله على السيد محمد باقر الصدر
الشيخ عبد الحكيم الخزاعي
٣ جمادى الأولى ١٤٤٧ هـ
الاجتهاد موقع فقهي