الاجتهاد: يُبشّرنا الرسول الأكرم بالجائزة الكبرى التي أعدها اللَّه لعباده الصائمين القائمين قائلاً: “إذا كانت ليلة عيد الفطر سميت تلك الليلة ليلة الجائزة فإذا كانت غداة الفطرة بعث اللَّه عزّ وجلّ الملائكة في كل البلاد فيهبطون إلى الأرض فيطوفون على أفواه السكك فينادون بصوت يسمعه جميع من خلق اللَّه إلا الجن والأنس فيقولون يا أمة محمد أخرجوا إلى ربكم رب كريم يعطي الجزيل ويغفر العظيم.
جرت عادة كثير من الناس على الاستعداد والتهيؤ للأعياد كعيد الفطر وغيره من الناحية الشكلية والظاهرية المادية فتراهم منهمكين قبل العيد بأيام وربما أسابيع في تحضير الثياب الجديدة والطعام الشهي والحلوى اللذيذة والزينة الفاخرة وغيرها من المظاهر الإحتفالية الدنيوية اللهوية مع غفلتهم عن الأبعاد المعنوية والجوائز الأخروية التي أعدها اللَّه تعالى للصائمين والقائمين والذاكرين والداعين والمتصدقين والمجاهدين والمخلصين الذين يستقبلون العيد وجلين خائفين من عدم قبول أعمالهم ومتهمين أنفسهم بالتقصير في أداء واجب الشكر لخالقهم المنعم المفضل عليهم الذي لا تعد نعماؤه ولا توصف آلاؤه وهذا ما جرت عليه سيرة النبي وأهل بيته الأطهار الأئمة الأبرار صلوات اللَّه عليه وعليهم في الإعداد والاستعداد لعيد الفطر السعيد.
فقد روي عن الإمام الحسن بن علي عليهما السلام أنه نظر إلى الناس يوم الفطر يضحكون ويلعبون، فقال لأصحابه والتفت إليهم : “إن اللَّه عزّ وجلّ خلق شهر رمضان مضماراً لخلقه، يستبقون فيه بطاعته ورضوانه، فسبق فيه قوم ففازوا، وتخلّف آخرون فخابوا، فالعجب كل العجب من الضاحك اللاعب في اليوم الذي يثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المقصرون، وايم اللَّه لو كشف الغطاء لشغل محسن بإحسانه ومسيء بإساءته عن ترجيل شعر وتصقيل ثوب”(1).
وفي المقابل يُبشّرنا الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله بالجائزة الكبرى التي أعدها اللَّه لعباده الصائمين القائمين قائلاً: “إذا كانت ليلة عید الفطر سميت تلك الليلة ليلة الجائزة فإذا كانت غداة الفطرة بعث اللَّه عزّ وجلّ الملائكة في كل البلاد فيهبطون إلى الأرض فيطوفون على أفواه السكك فينادون بصوت يسمعه جميع من خلق اللَّه إلا الجن والأنس فيقولون يا أمة محمد أخرجوا إلى ربكم رب كريم يعطي الجزيل ويغفر العظيم فإذا برزوا إلى مصلاهم يقول اللَّه عزّ وجلّ: يا ملائكتي ما جزاء الأجير إذا عمل عمله؟ فتقول الملائكة إلهنا وسيدنا جزاؤه أن توفيه أجره قال: فيقول عزّ وجلّ: فإني أشهدكم ملائكتي أني قد جعلت ثوابهم عن صيامهم شهر رمضان وقيامهم رضائي ومغفرتي”.
ويقول جلّ جلاله: “يا عبادي سلوني فوعزتي وجلالي لا تسألوني اليوم شيئاً في جمعكم لآخرتكم إلا أعطيتكم ولدنياكم إلا نظرت لكم وعزتي لأسترن عليكم عثراتكم ما رأيتموني وعزتي لا أخزينكم ولا أفضحنكم بين يدي أصحاب الخلود انصرفوا مغفوراً لكم قد أرضيتموني فرضيت عنكم فتعرج الملائكة وتستبشر بما يعطي اللَّه عزّ وجلّ هذه الأمة إذا أفطروا من شهر رمضان”(2).
فلكي نكون أهلاً لهذه البشارة والجائزة الإلهية ما علينا إلا اتباع النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام في التهيؤ المعنوي والروحي لليلة الفطر ويومه المباركين ولذلك سنستعرض بعض الروايات التي تبين كيفية إحيائهم عليهم السلام لهذه المناسبة المجيدة:
1 – إحياء ليلة عيد الفطر بالعبادة
أ – روي عن النبي صلى اللَّه عليه وآله قال: “من أحيا ليلة العيد لم يمت قلبه يوم تموت القلوب”(3).
ب – روي أن أمير المؤمنين عليه السلام كان لا ينام في السنة ثلاث ليال: ليلة ثلاثة وعشرين من شهر رمضان، ويقول: “إنها الليلة التي يرجى أن تكون ليلة القدر” وليلة الفطر ويقول: “في هذه الليلة يعطى الأجير أجره” وليلة النصف من شعبان يقول: “في هذه الليلة يفرق كل أمر حكيم” وهي ليلة يعظمها المسلمون جميعاً وأهل الكتاب(4).
وقد كان للإمام زين العابدين عليه السلام طريقته الخاصة والمميزة في وداع شهر رمضان واستهلال العيد حيث كان إذا دخل شهر رمضان لا يضرب عبداً له ولا أمة، وكان إذا أذنب العبد والأمة يكتب عنده أذنب فلان، أذنبت فلانة، يوم كذا وكذا، ولم يعاقبه فيجتمع عليهم الأدب حتى إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان، دعاهم وجمعهم حوله، ثم أظهر الكتاب ثم قال: “يا فلان فعلت كذا وكذا ولم أؤدبك أتذكر ذلك”؟
فيقول: بلى يا بن رسول اللَّه، حتى يأتي على آخرهم ويقررهم جميعاً. ثم يقوم وسطهم ويقول لهم: ارفعوا أصواتكم وقولوا: “يا علي بن الحسين إن ربك قد أحصى عليك كل ما عملت، كما أحصيت علينا كل ما عملنا، ولديه كتاب ينطق عليك بالحق، ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة مما أتيت إلا أحصاها، وتجد كل ما عملت لديه حاضراً، كما وجدنا كل ما عملنا لديك حاضراً، واصفح كما ترجو من المليك العفو وكما تحب أن يعفو المليك عنك، فاعف عنا تجده عفواً، وبك رحيماً، ولك غفوراً، ولا يظلم ربك أحداً، كما لديك كتاب ينطق علينا بالحق، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة مما أتيناها إلا أحصاها. فاذكر يا علي بن الحسين ذل مقامك بين يدي ربك الحكم العدل الذي لا يظلم مثقال حبة من خردل، ويأتي بها يوم القيامة، وكفى باللَّه حسيباً وشهيداً، فاعف واصفح يعفُ عنك المليك ويصفح، فإنه يقول: ﴿وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر اللَّه لكم﴾”
قال: وهو ينادي بذلك على نفسه ويلقنهم، وهم ينادون معه، وهو واقف بينهم يبكي وينوح، ويقول: “رب إنك أمرتنا أن نعفو عمن ظلمنا فقد ظلمنا أنفسنا، فنحن قد عفونا عمن ظلمنا، كما أمرت، فاعف عنا فإنك أولى بذلك منا ومن المأمورين، وأمرتنا أن لا نرد سائلاً عن أبوابنا، وقد أتيناك سؤالاً ومساكين، وقد أنخنا بفنائك وببابك، نطلب نائلك ومعروفك وعطاءك، فامنن بذلك علينا، ولا تخيبنا فإنك أولى بذلك منا ومن المأمورين، إلهي كرمت فأكرمني، إذ كنت من سؤالك، وجدت بالمعروف فاخلطني بأهل نوالك يا كريم”.
ثم يقبل عليهم ويقول: “قد عفوت عنكم فهل عفوتم عني ومما كان مني إليكم من سوء ملكة، فإني مليك سوء، لئيم ظالم، مملوك لمليك كريم جواد عادل محسن متفضل”، فيقولون: قد عفونا عنك يا سيدنا وما أسأت. فيقول لهم قولوا: “اللهم اعف عن علي بن الحسين كما عفا عنا، واعتقه من النار كما أعتق رقابنا من الرق”، فيقولون ذلك، فيقول: “اللهم آمين يا رب العالمين، اذهبوا فقد عفوت عنكم، وأعتقت رقابكم رجاء للعفو عني وعتق رقبتي” فيعتقهم. فإذا كان يوم الفطر أجازهم بجوائز تصونهم وتغنيهم عما في أيدي الناس، وما من سنة إلا وكان يعتق فيها آخر ليلة من شهر رمضان ما بين العشرين رأساً إلى أقل أو أكثر(5).
2 – الاحتفال بعيد الفطر
أ – حقيقة العيد عند أمير المؤمنين عليه السلام: قال الصادق عليه السلام: خطب أمير المؤمنين عليه السلام بالناس يوم الفطر فقال: “إن يومكم هذا يوم يثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المسيئون وهو أشبه يوم بيوم قيامتكم فاذكروا بخروجكم من منازلكم إلى مصلاكم، خروجكم من الأجداث إلى ربكم واذكروا بوقوفكم في مصلاكم وقوفكم بين يدي ربكم، واذكروا برجوعكم إلى منازلكم مصيركم في الجنة أو النار، واعلموا عباد اللَّه أن أدنى ما للصائمين والصائمات أن يناديهم ملك في آخر يوم من شهر رمضان ابشروا عباد اللَّه فقد غفر لكم ما سلف من ذنوبكم فانظروا كيف تكونون فيما تستأنفون”(6).
ب – الإفطار قبل الخروج من البيت: ففي الجعفريات: باسناده عن جعفر عن آبائه عن علي عليهم السلام: أن النبي صلى اللَّه عليه وآله كان إذا أراد أن يخرج إلى المصلى يوم الفطر كان يفطر على تمرات أو زبيبات(7).
وعن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم ويؤدي الافطار أي الفطرة(8).
ج – التكبير عند الخروج إلى الصلاة: كان النبي صلى اللَّه عليه وآله يخرج يوم الفطر والأضحى رافعاً صوته بالتكبير(9). وكان صلى اللَّه عليه وآله يكبر يوم الفطر من حين يخرج من بيته حتى يأتي المصلى(10).
د – الخروج ماشياً حافياً: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يخرج إلى العيد ماشياً ويرجع ماشياً(11). وعن زيد بن علي عليه السلام أنه كان علي عليه السلام يمشي في خمسة حافياً، ويعلق نعليه بيده اليسرى: يوم الفطر، والنحر، والجمعة، وعند العبادة، وتشييع الجنازة، ويقول: “إنها مواضع اللَّه تعالى، وأحب أن أكون فيها حافياً”(12).
وقد كان لخروج الإمام الرضا عليه السلام إلى صلاة العيد أصداء كبيرة ومؤثرة في نفوس المسلمين كما روى علي بن إبراهيم عن ياسر الخادم والريان بن الصلت قالوا: لما حضر العيد وكان المأمون قد عقد للرضا عليه السلام بولاية العهد بعث إليه في الركوب إلى العيد والصلاة بالناس والخطبة فيهم.
فبعث إليه الرضا عليه السلام “قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط فاعفني من الصلاة”. فقال له المأمون إنما أريد بذلك أن تطمئن قلوب الناس ويعرفوا فضلك. ولم تزل الرسل تتردد بينهما في ذلك فلما ألح عليه المأمون أرسل إليه إن أعفيتني فهو أحب إلي وإن لم تعفني خرجت كما خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له المأمون أخرج كيف شئت.
وأمر القواد والحجاب والناس أن يبكروا إلى باب الرضا عليه السلام فقعد الناس لأبي الحسن عليه السلام في الطرقات والسطوح واجتمع النساء والصبيان ينتظرون خروجه وصار جميع القواد والجند إلى بابه فوقفوا على دوابهم حتى طلعت الشمس فاغتسل أبو الحسن عليه السلام ولبس ثيابه وتعمم بعمامة بيضاء من قطن ألقى طرفاً منها على صدره وطرفاً بين كتفيه ومس شيئاً من الطيب وأخذ بيده عكازاً وقال لمواليه افعلوا مثلما فعلت فخرجوا بين يديه وهو حاف قد شمر سراويله إلى نصف الساق وعليه ثياب مشمرة فمشى قليلاً ورفع رأسه إلى السماء وكبر، وكبر مواليه معه ثم مشى حتى وقف على الباب فلما رآه القواد والجند على تلك الصورة سقطوا كلهم عن الدواب إلى الأرض وتحفوا وكان أحسنهم حالاً من كان معه سكين قطع بها شراك نعليه وكبر الرضا عليه السلام على الباب وكبر الناس معه فخيل لنا أن السماء والحيطان تجاوبه وتزعزعت “مرو” بالبكاء والضجيج لما رأوا أبا الحسن عليه السلام وسمعوا تكبيره. وبلغ المأمون ذلك فقال له الفضل بن سهل ذو الرياستين يا أمير المؤمنين إن بلغ الرضا عليه السلام المصلى على هذا السبيل افتتن به الناس وخفنا كلنا على دمائنا فابعث إليه أن يرجع فبعث إليه المأمون: قد كلفناك شططاً وأتعبناك ولسنا نحب أن تلحقك مشقة فارجع وليصل بالناس من كان يصلي بهم دفع أبو الحسن عليه السلام بخفه فلبسه وركب ورجع(3).
هـ- عدم اكتمال فرحة أهل البيت في العيد: فعن عبد اللَّه بن دينار، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: “يا عبد اللَّه ما من عيد للمسلمين أضحى ولا فطر، إلا وهو يتجدد لآل محمد فيه حزن”، قال: قلت: ولم؟ قال: “لأنهم يرون حقهم في يد غيرهم”(14). فكيف يمكن لأهل البيت أن يفرحوا في أي عيد من الأعياد وحقهم مسلوب وإرثهم مغصوب وقائمهم غائب محجوب وكم يجدر بنا نحن الموالين لهم والمنتظرين لفرجهم أن نحزن مثلهم إذ لا تكتمل فرحتنا في أعيادنا إلا بظهور إمامنا الحجة المهدي عجل الله فرجها.
المصدر: موقع بقية الله