الاجتهاد: صدر حديثاً عن المركز الإسلامي الثقافي في مجمع الإمامين الحسنين(ع)، بيروت، كتاب “نظرات في مسألة القياس الفقهي”،(153 صفحة) تأليف الباحث السيد محمد طاهر الحسيني في طبعته الأولى العام 2018.
يسجّل الباحث الحسيني في المقدمة ملاحظاته على دراسة قام بها سماحة الشيخ حسن الجواهري تحت عنوان “إعادة النظر في القياس الفقهي“.
فالملاحظة الأولى على المقال أنه عمد إلى التجزئة في المناقشة وذلك من خلال الاقتصار على مصدر واحد. في وقت يفترض فيه أن يوسّع الدائرة بحيث تشمل عددا من المصادر العلمية للمعتَرَض عليه، خاصة في موضوع من هذا القبيل، وهو تطرق لنسبة مقولة خطيرة أو توحي بشيء من ذلك. وإذا كان من حق المعترِض الاقتصار على مصدر واحد فإن عليه – إذعاناً للمنطق العلمي على الأقل – أن يشير إلى ذلك، وأنه يتعامل مع مصدر واحد، ليعطي للقارئ و المتابع إشعارا بهذا المضمون وينبهه إلى ضرورة توسعة دائرة متابعته لو كان بصدد حكم نهائي في الموضوع.
هذا مضافاً إلى أننا لم نفهم ما ختم به المعترِض بحثه في التفكيك بین ما أسماه الدعوة إلى إعادة النظر في حجية القياس الظني، و بين العمل بالقياس، إذ نفی عن المعترَض عليه اعتبار القياس دليلا شرعيا لعدم ثبوت حجيته في علم الأصول، مما نقله عن أحد كتبه (کتاب النكاح – تقريرا لبحثه) ، إذ كيف يكون المعترَض عليه في وارد إعادة النظر في حجية القياس وهو لا يرى حجيته في علم الأصول و أنه لا يثمر لإثبات الأحكام الشرعية ؟
ألا يدل هذا الذي يشير إليه المعترض على ما بصدده المعترِض عليه وهو تحديد ما هو من القياس وما ليس منه، ما سنشير إليه تفصيلاً، وأنه في مقام الحديث عن الصغريات لا كبري القياس؟! ثم لماذا نبذل جهداً في كل هذه المناقشة ونحن نقر بأن الطرف الآخر لا يرى حجية القياس. و کیف تصح نسبة الدعوة إلى القياس إليه؟
وإنما نسوق هذه الملاحظة بعد افتراض صحة ما نسب للمعترَض عليه من الدعوة إلى النظر في حجية القياس، لأننا سنبرهن على عدم صحة هذه النسبة، ولو على مستوى المصدر الذي اعتمده المعترِض فضلاً عن المصادر الأخرى.
الملاحظة الثانية
ويلاحظ أيضاً على المعترِض الاجتزاء والتعامل مع بعض الأفكار الواردة في المصدر على نحو تُجتزأ معه هذه الأفكار عن سياقها كما سنشير إليه تفصيلا، فضلا عن التفسيرات الكيفية لبعض الفقرات، والتي استوحي منها أن المعترَض عليه في مقام الدعوة لإعادة النظر في القياس، مع أنها لا صلة لها بموضوع القياس، لأن حديث المعترض عليه في المصدر المذكور كان في إطار أوسع تناول فيه عدة قضايا تتّصل بالمنهج الفقهي ولم يقتصر على ما يتصل بالقياس.
الملاحظة الثالثة
ويلاحظ على المعترِض أنه يمارس نوعا من التبسيط في بعض معالجاته كما يظهر في حديثه عن الصيغ التي تتخذها الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام من حيث الإجابة عن الموارد الخاصة أو من حيث الإجابة بلحن أعم. وهو ما يظهر – أيضاً – في حديثه عن اكتشاف الخصوصيات في هذه الإجابات ومدى إمكانية التعميم مع عدمها. وسنشير إلى ذلك تفصيلا.
وفي الوقت الذي يمارس فيه ذلك يطيل في ما لا يستحقّ الإطالة، كما في حديثه عن حجية القياس وأنه مما ردع عنه الأئمة عليهم السلام في وقت نقل فيه عن الوحيد البهبهاني أن عدم جواز العمل بالظن بدیهي عند العوام فضلا عن العلماء، فلماذا هذه الإطالة، ليتحدث عن أقسام القياس في الاصطلاح الفقهي، وعن إمكانية التعبد بالظن ؟! فهل تحدث المعترَض عليه عن أصل الردع بالعمل بالقياس، أو ناقش في جواز التعبد بالظن والاكتفاء به؟ ليصار إلى بحث من هذا القبيل.
وإنما ننفي المبرّر لحديث من هذا القبيل وبهذا الإسهاب لأن المعترَض عليه قد أكد في (المصدر) الذي اعتمده صاحب المقال على عدم جواز العمل بالظن إلاّ بدلیل خاص، فضلا عن المصادر الأخرى. وهو ما سنشير إليه لاحقاً.
هذا مضافاً إلى الإكثار في عدد الدعاوى التي أتى على ذكرها المعترِض والتي جعلها شاهدا على ما أسماه بإعادة النظر في القياس الفقهي، إذ سيتبيّن لنا أن عددا من هذه الدعاوی – كما أسماها – لا علاقة له بالقياس أصلا.
ومهما يكن من أمر، فإن ما نحن بصدده من مناقشة المقال المذكور يمكن أن نصفه إلى ثلاثة أبحاث:
الأول: في الموقف من القياس على المستوى التاريخي. ونقتصر فيه على ما عليه الرأي الإمامي.
الثاني: في بيان رأي المعترض عليه في حجية القياس.
الثالث: في التعليق على ما يستأهل التعليق مما ورد في المقال المذكور.
سنرمز لسماحة الشيخ الجواهري بالمعترِض، وللمرجع السيد فضل الله بالمعترَض عليه.
ولا يفوتني أن أشير إلى أن هذا السجال العلمي لا ينتقص من مكانة المعترِض أو يسيء إليه، بقدر ما يجلي الحقيقة – كما سنراها في موضوع السجال.
محتويات الكتاب
يتعرّض المؤلّف في البحث الأوّل للقياس من الناحية التاريخية، لافتاً إلى عدم وجود تحديد دقيق لما هو جائز من القياس وما هو ممنوع، مستشهداً بأمثلة عن شخصيات فقهيّة نسب إليها العمل بالقياس، وما جرى من بحثٍ فقهيٍّ بين العلماء عن القياس في مراحل متقدِّمة.
في البحث الثّاني، إشارة إلى رأي المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض) في موضوع القياس، وبيان رأيه من خلال مقالته المنشورة في مجلّة المنطلق العدد 111، والذي اعتمده “الشيخ الجواهري ” في أصل دعاويه على المرجع فضل الله، كذلك نجد ما ادّعاه “الشيخ الجواهري” من خلال تقريراته الفقهيّة وأجوبته على السائلين، ويخلص المؤلّف الحسيني إلى عدم حجيّة القياس عند سماحة المرجع السيّد فضل الله(رض)، كسائر فقهاء الإمامية، كما جاء ذلك واضحاً في كتابه (رسالة في الرضاع)، وكتاب (النكاح )، و(فقه الشركة)، إذ القياسُ يعدّ من الظنون، حيث الأصل فيها عدم حجيّتها.
يتناول المؤلّف في البحث الثّالث بالتعليق والمناقشة أفكار المعترِض (الجواهري) بتسلسل وروح علميّة، مع إيراد الآراء العلميّة، لافتاً إلى كلام المعترِض النّظريّ في العديد من الأمثلة، وتغاضيه عن احتمالات وجوانب مختلفة في المسألة الواحدة، كذلك كلامه في العموميّات التي لا تعين وحدها في دعواه.
يذكر المؤلّف أنّ ما تمّ الاعتراض به على المعترَض عليه من خلال ذكره لمصطلح (استيحاء) (استلهام الحكم الشّرعي)، بأن ذلك هو القياس، غير صحيح، لأن هذا المصطلح مرادف لما يعرف بمناسبات الحكم والموضوع، وهناك أمثلة عديدة في كتاب المعترَض عليه في كتاب (النكاح).
في الكتاب عرض للملحق رقم واحد، كما ورد في مجلّة المنطلق العدد111العام 1995 تحت عنوان “الاجتهاد وإمكانيات التجديد في منهج التفكير”، للمرجع السيّد فضل الله(رض)، ثم عرض للملحق الثّاني تحت عنوان “إعادة النظر في القياسِ الفقهيّ” في مجلة “فقه أهل البيت(ع)، العدد 23، للشيخ حسن الجواهري، كي يتّضح المطلب أكثر.
في ختام الكتاب، عرضٌ للهوامش من مصادر ومراجع للبحث، وفهرست لمحتويات الكتاب.
تحميل الكتاب
تحميل كتاب “إعادة النظر في القياس الفقهي” للشيخ حسن الجواهري