الحوزات

دور المراجع و العلماء و الحوزات في تصدي التحديات التي تواجهنا / العلامة فضل الله “ره”

الاجتهاد: في زحمة التحديات الصعبة التي تواجه واقعنا المعاصر والمخاطر الكبيرة التي تهدّد وجودنا، وفي ظلّ التعقيدات التي تحاصرنا، يتساءل البعض: ما هو دور المراجع والعلماء و الحوزات في التصدّي لذلك؟

إنني أمام هذا السؤال أقول: لو كان الإمام الحجّة (عجل الله فرجه الشريف) موجوداً بيننا الآن، وكانت له الإمكانات الإعلاميّة والثقافيّة والسياسيّة والاجتماعيّة والأمنيّة.. لو كان موجوداً الآن، فكيف يتصرّف؟ هل يبتعد عن الساحة؟ هل يقف موقف اللامبالاة أمام التحديات الفكريّة؟ هل ينسحب من مواجهة التحدّي؟ أم أنَّه يتحدّى ويقتحم وينطلق ويصارع ويهيّى‏ء الأجواء، ويحلُّ المشاكل ويحتوي الواقع؟!

إنّني أعتقد أنَّ المسألة هي مسألة وجود فرص ملائمة للمراجع وللعلماء وللحوزات في اقتحام العالم ثقافياً، إذا لم نستطع أن نقتحمه سياسيّاً أو اقتصاديّاً.. ونحن نستطيع إذا أحسنّا أسلوبنا السياسيّ، أن نجعل العالم يحترمنا سياسياً، إذا ما انفتحنا على قضايا العالم في أكثر من موقع..

فلو توزّعنا الأدوار، وانطلق كلُّ فريق مسلم في موقعه بمسؤوليته تجاه قضايا الإسلام، ولو أنَّ كلّ الفعاليات، سواء كانت دينية بالمعنى المصطلح، أو كانت مجموعات المثقفين خارج الحوزات، شعرت بالمسؤولية تجاه قضايا الإسلام والمسلمين، لأمكننا أن نعمل شيئاً كبيراً في العالم..

إنَّ العالم اليوم منفتحٌ على الإسلام، ولكنّ علينا أن نعرف كيف نقدّم الإسلام له، ونعرف كيف نفهمه، ونعرف كيف نفهم نحن الإسلام.. وأنصح كلَّ إخواننا من العلماء، ومن طلاب الحوزات الدينيّة، ومن المثقفين المسلمين، بأنْ يفكروا بروح العصر ويتعلّموا لغة العصر وأسلوب العصر، وافهموا النّاس جيّداً، وافهموا حركة الحياة جيّداً، وافهموا أنفسكم جيّداً، وافهموا إسلامكم جيّداً..

فالعالم الآن منفتحٌ على الإسلام أكثر مما كان منفتحاً عليه في زمن النبي(ص)، لأنَّ الكثيرين صاروا يملكون فكراً ويحبّون أن يحاوروا صاحب الفكر، ويعيشون كثيراً من المشاكل، ويحبّون أن يحاوروا في كلِّ تلك المشاكل. لذلك لا تعتبروا أنَّ العالم معقّد، مشكلتنا أننا نحن المعقّدون، ونظنّ أنَّ الناس معقّدون، تماماً كما هو قولُ المتنبي:

إذا ساء فعلُ المرءِ ساءت ظنونه وصدَّق ما يعتـاده من توهّم

مشكلتنا أننا نحبُّ الراحة ونحبّ الاسترخاء، ولكنَّ المسألة في أن ننطلق، لنكون كما قال الله تعالى:{الذينَ يُبَلِّغُون رسالاتِ اللهِ ويَخْشَوْنَه ولا يَخْشَوْنَ أحداً إلاَّ اللهَ وكَفَى باللهِ حسيباً} [الأحزاب:39]، وأن نكون كأولئك {الذينَ قالَ لَهُم النَّاسُ إنَّ النَّاسُ قَدْ جَمَعُوا لَكُم فاخْشَوْهُم فَزَادَهم إيماناً وقالوا حَسْبُنا اللهُ ونِعْمَ الوكيلُ* فانقَلَبُوا بنعمةٍ من اللهِ وفَضْلٍ لم يَمْسَسْهُم سُوءٌ واتّبعوا رضوانَ الله واللهُ ذو فضلٍ عظيم} [آل عمران:173ـ174]،

كلُّ من يزرع الخوف في نفوسكم، والخوفَ في حركة الدعوة إلى الله، والخوف في حركة الموعظة من أجل الله، والحركة من موقع الجهاد في سبيل الله، كلّ من يزرع في نفوسكم الخوف، فإنَّ أسلوبه شيطاني، لأنَّ الله يقول: {إنَّما ذَلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّف أولياءَه فَلا تَخَافُوهُم وخافُونِ إنْ كنتُم مُؤمِنين} [آل عمران:175]، {إذْ يَقولُ لصاحِبهِ لا تَحْزَنْ إنَّ الله مَعَنا} [التوبة:40] في أشدِّ ساعات الحرج، القوم يقفون أمام الغار، وليس بينهم وبينه إلاَّ أشبار أو أصابع ويقتحمون الغار، وصاحبه خائفٌ حزين، ورسولُ الله يعيش الطمأنينة {لا تحزنْ إنَّ اللهَ معَنا فأنزلَ الله سكينَتَهُ عليه وأيّده بجنودٍ لم تروْها وجَعَلَ كلمةَ الذين كفروا السُّفلى وكلمة الله هي العليا} [التوبة:40].

نحتاج أن نثق بالله أكثر، أكثر مما نثق برؤساء الدول الكبرى.. فبعض الجهات أو الدول تقول، طالما أنَّ أميركا معنا وبريطانيا وفرنسا معنا فمن يستطيع الوقوف بوجهنا.. ولكن نحن نقول: حسبنا اللهُ ونِعمَ الوكيل.. لأنَّ ذلك يعمّق إحساسنا بقوتنا، ويجعلنا نثبت ونتماسك ونفكّر بكيفيّة تحريك عناصر القوّة، وليس من الضروريّ أن تكون قويّاً بحيث تهاجم فوراً، بل أن تكون قويّاً، بأن تخطّط وتتحرّك، بأن تدرس الواقع..

عندما انطلقنا على أساس {أشدّاءُ على الكُفَّار رحماءُ بينهم} [الفتح:29] انتصرنا، وعندما كان اليهود {بأسُهُم بَيْنَهُم شديدٌ تَحْسَبُهُم جميعاً وقلوبهم شتّى} [ الحشر:14]، انكسروا.. ولما تبدّلت القضية أصبحوا أشداء على المسلمين رحماء بينهم، وأصبح بأسنا بيننا شديداً وقلوبنا شتى، لذلك {ولَنْ تجدَ لِسُنَّةِ اللهِ تبديلاً} [الأحزاب:62]، لأنَّ الله سبحانه جعل قضايا النصر تنطلق من خلال الواقع.. والتجربة أمامنا..

ومشكلة بعض النّاس أنّهم عندما يؤمنون بالإمام الحجّة(عج) يقولون ممنوعٌ أن يقوم إنسانٌ بعمل إسلاميّ، حتى أنَّ بعضهم يرى أنَّ الإصلاح حرام، وأنَّ الموعظة حرام، لأنَّك كلما وعظت الناسَ أكثر، كلما صار الناس “أوادم”، وبالتالي يتعطّل خروج الحجّة (عج)، وكلما عملت للإسلام، وأسّست دولة إسلاميّة هنا، ودولة إسلاميّة هناك، خرّبتَ العمل على صاحب الزمان عجّل الله تعالى فَرَجَه الشريف.

هؤلاء يجمّدون الإسلام، والإسلام لم يتجمّد في أحكامه في أيِّ زمان: “حلال محمد حلالٌ إلى يوم القيامة، وحرامُ محمد حرامٌ إلى يوم القيامة”، لم يتجمّد الجهاد، ولا الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يتجمّد شرع الله.. وأما أنَّ كلّ راية تخرج في زمن الغيبة قبل الظهور (فإنَّها راية ضلال)، فهذه روايةٌ محلُّ تحفّظ كبير..

وعندما يدعو الإنسان للإسلام ولخطِّ أهل البيت(ع)، ويواجه العالم كلَّه كالإمام الخميني (قده)، هل يمكن القول إنَّ رايته راية ضلال؟ لذلك، فبعض الروايات، لا بدَّ للإنسان فيها أن يفهم إمَّا أنَّها موضوعة، أو أنَّه يُراد منها شي‏ءٌ آخر.. كما لو كان الأمر في حجم مرحلة معينة لا يملك فيها أهل الحق إمكانات الثورة وحركية التغيير.

هل يمكن أن يقول الله سبحانه للناس، لا تطالبوا بتطبيق الإسلام، ولا تُصلحوا الناس؟ هل هذا معقول؟ الله تعالى خلق لنا عقلاً، وأعطانا قرآناً، وأمرنا باتباع ما صحَّ من السنّة النبويّة ومن تراث أهل البيت(ع)، لذلك، لا يصحّ أنَّ مجرد رواية كهذه تعطّل لنا كل هذا.

إن الأمة المتخلفة تتصوّر قيمها بطريقة متخلّفة ، نحن نفرض التخلّف على الإسلام، لأن فهمنا متخلف، فنفهم الأشياء بطريقة معكوسة.

 

المصدر: كتاب: للإنسان والحياة. للعلامة  السيد محمد حسين فضل الله. “ره”

(تحميل الكتاب)

 

الحوزات العلمية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky