خاص الاجتهاد: من له معرفة بتقريرات مختلف دروس المرجع الديني آية الله السيد علي السيستاني، ومن طالعها بعناية لا بدّ أن يكتشف ميزة مشتركة فيها؛ ألا وهي السعي لإيراد الأبحاث والمسائل المنسية أو الجديدة في أصول الفقه، وفيما يلي نذكر أمثلة على ما قدّمناه:
1. من الأمور التي يركّز عليها سماحته في التعامل مع الروايات مسألة التفاوت والتمايز بين مقامي الفتوى والتعليم في الخطابات الصادرة عن النبي الأكرم(ص) والأئمة المعصومين(ع)، وقلما نجد اهتماما بهذا الأمر بين العلماء.
2. الأمر الثاني: التركيز على الشأن والمقام الولائي للأئمة؛ كما يعتبر السيد السيستاني هذا الأمر أحد طرق حل التعارض بين الروايات.
3. الاهتمام بمقاصد الشريعة. (فيما يتعلق بمدى التزامه بهذه المسألة في استنباطاته فهذه مسألة أخرى). وهذا الأمر كان سببا في نظرته المتميزة في دراسة الروايات وتغليب أهمية مضمون الروايات على سندها، وهذا ما أسماه آية الله الشيخ السند “أصول القانون”، حيث كان منهج متقدمي فقهاء الإمامية مبنيا على هذا الأساس، ولكن فيما بعد باتت طيّ النسيان في مدرسة الحلة، كما أنّ منهج آية الله الخوئي (قدس سره) الاستنباطي قد زاد من مسافة البعد عنها.
4. النظرة الحقوقية إلى الفقه (وضع نظرية الاعتبار القانوني، والسعي إلى تقديم قراءة جديدة بديلة لنظام “العبد والمولى”)
5. الاستفادة من العلوم الحديثة في الأصول والفقه: ويمكن هنا دراسة بعض إبداعاته واستخدامه للعلوم الحديثة من قبيل: علم النفس، وعلم اللغة، وعلم الإنسان، والتاريخ، و… في أبحاث الوضع، والتعادل والتراجيح، (تعارض الأدلة) و…
6. إعادة النظر في ثنائية “القطع والظن” عبر الالتفات إلى عنصر الاطمئنان. (وفي هذا الإطار يعتقد سماحته بعدم صحة التفاسير الرائجة لبعض المفاهيم كالعلم والظن، وأنّ هذه التفاسير متأثرة بدخول الفلسفة إلى العالم الإسلامي)
7. اللجوء إلى نظرية الاحتمال في أبحاث الإجماع والشهرة والتواتر.
8. أمّا المسألة الأخيرة التي أشير إليها في هذا المقال، والتي أذكرها أولا بسبب اهتمام الباحثين والمحققين في الحوزة والجامعات بها؛ فهي: اهتمام سماحته بتقديم أصول فقه جديد وعمليّ وعدم الاكتفاء بالمباحث التقليدية،
وهنا أدعوكم إلى النظر ملياً بعباراته التالية، والتي يدعو فيها إلى ضرورة تطوير علم الأصول استناداً إلى ظروف العصر الحالي، وذلك عبر الاستفادة من مختلف العلوم؛ كعلمي الاجتماع والنفس:
“الدور الثالث: وهو عبارة عن المرحلة الفعلية التي نعيشها. بيان ذلك: أن الفترة التي نعيشها الان بمقتضى العوامل الاقتصادية والسياسية تمثل الصراع الحاد بين الثقافة الإسلامية والثقافات الأخرى على مختلف الأصعدة، فلا بد من تطوير علم الأصول وصياغته بالمستوى المناسب للوضع الحضاري المعاش. وقد ركزنا في بحوثنا على بعض الشذرات الفكرية التي تلتقي مع حركة التطوير لعلم الاصول من خلال الاستفادة من العلوم المختلفة قديمها وحديثها كالفلسفة وعلم القانون وعلم النفس وعلم الاجتماع ومن خلال محاولة التجديد على مستوى المنهجية وعلى مستوى النظريات الكبروية استمداداً من كلمات الأعلام (قدس سرهم) في عدة حقول.” (الرافد، ص۱۸-۱۷)
وهنا نفصح عن أملنا بأن تبادر الحوزات العلمية وعلى رأسها حوزة النجف الأشرف إلى الاهتمام أكثر بالأفكار والنظريات العلمية لسماحة السيد السيستاني قدر اهتمامها بالمسائل السياسية والاقتصادية (الرواتب الشهرية، و…) وأن تهتم أكثر بأبحاث العلوم الإنسانية الجديدة؛ ولاسيّما في دروس البحث الخارج.
وسوف نقدّم هنا في المستقبل القريب نماذجَ لاهتمام سماحته بالأساليب والمناهج الجديدة لفهم النصوص. إن شاء الله.