المحقق كريم الأنصاري ينعي الراحل العلامة السيد علي الخراساني

الاجتهاد: بمزيدٍ من الحزن والألم والأسى ننعى علمًا خفاقًا من أعلام البحث والعلم والتحقيق وركنًا ساميًا من أركان مؤسّسة آل البيت (ع) لإحياء التراث، الفقيد الراحل العلّامة المحقّق الجليل السيد علي الخراساني.

إن الراحل قضّى حياةً مباركةً في الذود عن قيم الدين الحنيف والمذهب الحقّ المنيف؛ إذ لم يألُ جهدًا في تحقيق ونشر علوم مدرسة آل العصمة الأطهار (ع) بعزمٍ راسخٍ وإخلاصٍ شامخٍ منقطع النظير رغم المرض العضال الذي ألمّ به طيلة العقدين الأخيرين من عمره الشريف، وبقي حتى الرمق الأخير المثال الصادق الوفيّ للمبادئ النبيلة والمقاصد العظيمة ولمؤسّسته الغرّاء الكبيرة.

فكان محورًا شاخصًا في تشييدها ورقيّ نتاجها ودوام توفيقاتها، ونبتهل إلى الله تبارك وتعالى أن ينزل عليه شآبيب الرحمة والغفران ويقرّه عالي الجنان ويحشره مع آل المصطفى العدنان ويمنّ على ذويه ومحبّيه ورفاق دربه الخضل المنير – ولاسيّما عميد مؤسّسة آل البيت (ع) ومؤسّسها العلّامة الحجّة السيّد جواد الشهرستاني دام عطاؤه الوفير – بالأجر الجزيل والصبر الجميل.

السيرة الذاتية للعلامة للسيد علي الخراساني رحمة الله عليه بخط يده:

ولدتُ عام ١٣٦٧ هـ = ۱۳۲٦ ش = ١٩٤٨م في مدينة النجف الأشرف، انتقلت مع العائلة – للظروف القاهرة والملحة عليها – إلى مدينة الكاظمية، وقضيت أيام الصبا فيها، ودخلت المدرسة الابتدائية، ومن ثم المتوسطة وأنهيتها، ومن ثم يممتُ الشطر نحو الدراسة الدينية، فتلقيت أوّلياتها في مدينة الكاظمية على سماحة آية الله سيّدي الوالد، وآية الله الشيخ حامد الواعظي (١٤١٢ هـ = ١٩٩٢م).

وفي يوم ١٧ ربيع الأول من عام ١٣٨٤ هـ = ١٩٦٤م يوم مولد النبي الأكرم وحفيده الإمام الصادق افتخرت بارتداء الزي الروحاني لأهل العلم، وقد أرخ هذه المناسبة السعيدة العلامة الخطيب الفاضل السيد عبد الرسول الكفائي بمقطوعة شعرية، أنشدها في حفل أقيم في دارنا ضمّ نخبة من رجال العلم وأئمة الجماعة،

جاء فيها:
قَدْ رَدَّدَ الهَزَارَ لِي
شَدواً نَشِيْدَ الغَزَلِ
مُعَبّرَاً عَنْ فَرْحَةٍ
وَمُعْلِنَا فِي جَذَلِ
يَا فِتْيَةَ الحَقِّ انشِدِي
آيَاتِ بِشر واجتل
في أفق المَجْدِ بدا
كوكب فضل مِن عَل
أطَلٌَ في إشراقة
تُنِيرُ دَرْبَ الأَمَلِ
مِنْ دَوْحَةٍ زَيْتُونَةٍ
بارَكَها الله العلي
فَقُلْ لِمَن قَدْ رَامَ وَص..
..لا لِلسُّهَا لَنْ تَصِل
مُذْ تَوَجُوْهُ أَرّخو:
«لخَيْرُ تَاجِ لِعَلِي»

ثم هاجرت إلى النجف الأشرف في شهر رجب عام ١٣٨٤ هـ = ١٣٤٣ ش = ١٩٦٤ م، فتلقيت دروس السطوح الأولية – المعالم، المطول، الباب الحادي عشر، اللمعة، القوانين – على أساتذة أكفاء فيها منهم آية الله الشيخ المدرّس الأفغاني (١٤٠٦ هـ = ١٩٨٥ م)، و آية الله السيد كلانتر ( ١٤٢١ هـ = ۲۰۰۰م) وآية الله الشيخ محمد هادي معرفت ( ١٤٢٧ هـ = ۲۰۰۷م، قدّست أرواحهم وحشرهم مع الأئمة الطاهرين، وآية الله الشيخ البهادلي حفظه الباري تعالى

وحضرت السطوح العالية: المكاسب عند آية الله المرحوم الشيخ الباقري الأصفهاني ( ١٤٢٧ هـ – ٢٠٠٦م)، والكفاية الجزء الأول عند آية الله الشيخ مجتبى اللنكراني ( ١٤٠٦ هـ ۱۹۸۵م)، و الجزء الثاني عند آية الله الشيخ صدرا البادكوبي ( ۱۳۹۲ هـ = ۱۹۷۲ م)، وقسم من الرسائل لدى آية الله الشهيد الشيخ محمد تقي الجواهري ( المستشهد حدود عام ١٤٠٠ هـ = ۱۹۸۰م) قدس الله أسرارهم، وقسم لدى آية الله العظمى الشيخ الفياض حفظه الباري تعالى.

وفي بدايات عام ۱۳۹١ هـ = ۱۹۷۱م حضرت بحث الدرس الخارج لدى آية الله العظمى السيد الخوئي ( ١٤١٣هـ = ۱۹۹۲م)، و آية الله العظمى الشهيد السيد محمد باقر الصدر ( ١٤٠٠ هـ = ۱۹۸۰م) قدس الله أرواحهما مدة عشر سنوات متواصلة وفترة وجيزة عند آية الله العظمى السيد السيستاني حفظه الباري تعالى.

وكنت مواظباً على ذلك حتى عام ( ١٤٠٠ هـ = ١٣٥٨ ش = ١٩٨٠ م)، حيث انتقلت إلى الكاظمية وجرى ما جرى علينا من حبس ومصادرة دورنا وما تحويه، وأهم ما فيها مكتبتنا ومعها ما كتبته من بحوث الخارج لأساتذتي المتقدمين والتي أتلفت ولم يبق منها شيء، ولها حديث مفصل.

الزواج والأولاد:
اقترنتُ عام ١٣٩٠ هـ = ١٣٤٩ ش = ۱۹۷۰ م بكريمة الوجيه المرحوم الحاج رضا عنوان قدس الله روحه، المتوفى عام ١٤٢٤ هـ = ۲۰۰۳ م، أحد أعيان ووجهاء الشيعة في بغداد، ورزقت منها بولدين وبنتين.

الهجرة:
وللظروف التي عصفت بالعراق، وما جرى على العراقيين عامة والشيعة خاصة من ظلم و اضطهاد وقتل وحبس وتشريد و …و… و… ) . لم نكن بمنأى عنها، فشملتنا العاصفة، وكان ذلك بعد أن قطعوا الأمل من جرنا إلى تأييد النظام قبال الجمهورية الإسلامية وبطرق عدة من إغراء مادي ضخم، ومن تهديد بالسجن والتشريد والقتل، فلم ينفع ذلك في عزم السيد الوالد على مقاطعة النظام فكان أن أُلقي القبض علينا و سجنا جميعاً – رجالاً ونساءاً – وبعد الحبس وتجريدنا مما بحوزتنا هجرنا إلى الجمهورية الإسلامية الايرانية، واستقر بنا المقام في مدينة قم المقدسة جوار السيدة المعصومة عليها السلام.

العمل العلمي:
عدا ما تقدّم من بيان مراحل الدراسة، فقد جريت التدريس للمراحل الأولية، وهكذا السطوح مثل: المعالم، واللمعة والشرائع، وشرح ابن عقيل، وغيرها، سواء في النجف الأشرف أو قم المقدسة، كما حضرت فيها على سماحة آية الله العظمى السيد المرعشي النجفي (١٤١١هـ = ۱۹۹۰ م ) خارج الفقه وكان بحثه في كتاب القضاء من الشرائع.

وقد شرفني بالانتظام في سلسلة رواة حديث الطائفة الحقة بالإجازة الكتبية أستاذي آية الله العظمى السيد النجفي المرعشي بطرقه المعروفة إلى أصحاب المجاميع والكتب والمرويات.

وبعد عدة سنين ولظروف خاصة اتجهت صوب العمل التحقيقي، فكان باكورة عملي الاشتراك مع الأخوة الأعزاء حجج الإسلام والمسلمين السيد جواد الشهرستاني والشيخ محمد مهدي طه نجف في تحقيق كتاب الخلاف للشيخ الطوسي، وفاز بجائزة كتاب السنة عام ١٣٦٤ ش.

ومن ثم كان لي فخر المساهمة الفعلية في تشكيل مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ومنذ تأسيسها عام ١٤٠٤هـ = ١٩٨٤م على يد باذر فكرتها والمتحمل للمشاق في سبيلها الأخ الكريم حجة الإسلام والمسلمين السيد جواد الشهرستاني مشاركاً في كافة مجالاتها إدارياً وعلمياً ومنصرفاً غالباً إلى التحقيقية منها.

فقد شاركت في تحقيق أغلب إصدارتها، ومنها:
۱ – مستدرك الوسائل للشيخ النوري وصدر في ۲۷ مجلداً، وفاز بجائزة الكتاب السنوي عام ١٣٦٦ ش = ١٤٠٨ هـ = ١٩٨٧م.
۲ – جامع المقاصد للمحقق الكركي في ١٤ مجلداً. و فاز بجائزة الكتاب النسوي عام ١٣٦٧ ش – ١٤٠٩ هـ – ١٩٨٨م.
٣- وسائل الشيعة للشيخ الحر العاملي في ٣٠ مجلداً. و فاز بجائزة الكتاب السنوي عام ١٣٦٨ ش = ١٤١٠ هـ = ١٩٨٩م.
٤ – تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي في ٢٠ مجلداً.
ه – ذكرى الشيعة للشهيد الأول في ٤ مجلدات.
٦ ـ فقه الرضا المنسوب للإمام الرضا مجلد.
٧. قرب الأسناد للحميري 1 مجلد.
٨. إعلام الورى للطبرسي . ۲ مجلد
٩ – تفسير التبيان لشيخ الطائفة الطوسي في حدود ٣٠ مجلداً. قيد التحقيق.
۱۰ – الإفصاح عن أحوال رواة الصحاح للمظفر في ٤ مجلدات.

والأعمال الخاصة والمطبوعة هي:
۱ – شرح دعاء الهلال (الحديقة الهلالية) للشيخ البهائي ١ جلد.
٢ – كشف الريبة للشهيد الثاني 1 جلد.
٣. تعليقات على الصحيفة السجادية ١ جلد.
٤ – قاعدة لا ضرر لشيخ الشريعة الاصفهاني ١ جلد.
٥ – أسرار العارفين للسيد بحر العلوم مجلد واحد.

وقيد التحقيق:
1 – المبسوط في الإمامة للشيخ الجزائري.
۲ – شرح خطبة الزهراء للرضوي.

 

هذا وانتقل إلى رحمة الله تعالى عليه يوم أمس الجمعة العلامة السيد علي الخراساني في مدينة قم المقدسة.

و شيع الفقيد، الساعة الخامسة عصرًا اليوم السبت، من مسجد الإمام الحسن العسكري عليه السلام بمدينة قم نحو مرقد السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام.

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

Clicky