خاص الاجتهاد: إنَّ الإشكال أو النقد الموجه للكتابات البحثية بشكلٍ عامّ والدينية منها بشكلٍ خاص – عندما تُقرر كمقرر دراسي – غير دقيق؛ لأنّ مؤلفي هذا اللون من الكتابة لم يكتبوها لهذا الغرض، فالإشكال يجب أن يُوَجَّه إلى مَن اختارها لتكون مقرراً دراسياً لا إليها ولا إلى مصنفيها.
تُقسم الكتابات في كلا نظامي التعليم (الأكاديمي والديني) بشكلٍ عامّ إلى النوعين الرئيسيين التاليين:
• الكتابة البحثية: وهي الكتابة التخصصية التي يطرح فيها الباحث نظرياته العلمية أو نقده لأفكار ورؤى الآخرين، وعادة ما تنشر هكذا كتابات إمّا في كتاب مستقل أو في المجلات المحكمة،
وينقسم هذا اللون من الكتابة إلى قسمين: أحدهما: فردي، والآخر: جماعي أو مؤسسي.
ومن أمثلة الكتابة البحثية المؤسسية ما يصدر عن مراكز الأبحاث المختلفة والمنتشرة حول العالم من أبحاث، ومنها على سبيل المثال:
– مركز أبحاث الحجّ في مكة الذي تموله وتشرف عليه الحكومة السعودية.
– مركز أبحاث الطاقة في الظهران الذي تموله وتشرف عليه شركة أرامكو.
– مراكز الأبحاث الطبية المنتشرة حول العالم.
– مراكز أبحاث الفضاء العالمية.
• الكتابة التربوية: وهي الكتابة التعليمية، وهي موجهة للطلبة ويراعى فيها المرحلة الدراسية للطالب، وتتميز هذه الكتابة عن رديفتها بخضوعها للتطوير والتجديد دورياً،
وتنقسم إلى قسمين أيضاً: أحدهما: فردي، والآخر: جماعي أو مؤسسي.
ومن أمثلة الكتابة التربوية المؤسسية ما يصدر عن الدوائر الخاصة بالمناهج في وزارات التربية من مقررات دراسية لطلاب المدارس الأكاديمية بمختلف مراحلها.فمن البديهي جداً أن تكون الكتابة البحثية موجهة للعلماء، وأن تكون الكتابة التربوية موجهة للطلاب.
وعليه، لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتماد الكتاب البحثي كمقرر دراسي.
وأخال أنَّ الإشكال أو النقد الموجه للكتابات البحثية بشكلٍ عامّ والدينية منها بشكلٍ خاص – عندما تُقرر كمقرر دراسي – غير دقيق؛ لأنّ مؤلفي هذا اللون من الكتابة لم يكتبوها لهذا الغرض، فالإشكال يجب أن يُوَجَّه إلى مَن اختارها لتكون مقرراً دراسياً لا إليها ولا إلى مصنفيها.
ولهذا على المؤسسات التعليمية الدينية أن تختار الأشخاص الكفوئين للعمل في دائرة المقررات الدراسية الخاصة بها القادرين على التمييز بين الكتاب البحثي والكتاب التربوي.
يقول الشيخ الأسعد بن علي: ((انّ عدم تمييز المعنيين بالمُقررات الدينية بين المعرفة العلمية والمعرفة المدرسية جعلهم يتمسكون بالمصنفات الفقهية القديمة كأساس في بناء الطالب)) .
فإذا ما ميَّز المسؤولون عن وضع المقررات الدراسية الحوزوية بين المعرفة العلمية والمعرفة التعليمية سيجعلهم يختارون المقررات التربوية المناسبة لكلّ مرحلة تعليمية، وهذا بالتأكيد سينعكس بشكل إيجابي على نظام التعليم الديني بشكلٍ عام وسوف يختصر على المُعلِّم الكثير من الجهد في شرح هذه العبارة أو بيان المراد من تلك الجملة أو ذلك النصّ.
ولكي تتضح فكرة الموضوع حول الكتاب الديني المكتوب بطريقة بحثية بجهد فردي والمكتوب بطريقة تربوية بجهد فردي أيضاً سنختار مُقرر علم أصول الفقه كمثال باعتباره أحد مقررات الدراسة الدينية الإمامية في مختلف مراحلها:
فمن أمثلة الكتب البحثية التي اعتمدت كمقرر دراسي لعلم الأصول ولسنوات عديدة:
• كتاب: كفاية الأصول للشيخ الآخوند (قدس).
• كتاب: فرائد الأصول للشيخ الأنصاري (قدس).
ومن أمثلة الكتب التربوية التي اعتمدت كمقرر دراسي لعلم الأصول في السنوات الأخيرة:
• كتاب: (دروس في علم الأصول) بأجزائه الثلاثة أو ما يُعرف بالحلقات، للشهيد الصدر (قدس).
• وكُتب العلّامة الفضلي (قدس) الأصولية التربوية الثلاثة:
1. كتاب: (مبادئ أصول الفقه) الذي خصّصه للمرحلة الدراسية الأولى.
2. وكتاب: (الوسيط في فهم قواعد النصوص الشرعية) الذي خصّصه للمرحلة الدراسية الثانية.
3. وكتاب: (دروس في أصول فقه الإمامية) بجزأيه والذي خصّصه للمرحلة الدراسية العُليا.
والجدير بالذكر – هنا – أنّ حلقات الشهيد الصدر (قدس) وكتب العلّامة الفضلي (قدس) الثلاثة قد جَمَعَتْ بين أصالة وعمق الدراسة الحوزوية بالإضافة إلى تنظيم وشمولية الدراسة الأكاديمية.
وأخيراً
لابُدّ من الإشارة إلى أنّ هذا اللون من الكتابة وأعني بها الكتابة التربوية يُعدّ تطبيقاً عملياً للتجديد في نظام ومقررات التعليم الديني الذي يجب أن يخضع للمراجعة والتجديد دورياً وعلى يد فقهاء لديهم إلمام تام بعلم التربية.
والحمد لله رب العالمين.