الصفار

الفقيه وعوائق التجديد في الرأي والنظر

الاجتهاد: تنتصب أمام الفقيه عوائق مختلفة تعترض طريقه لتجديد الرأي والنظر فيما هو موروث مشهور، أو سائد متداول من الآراء الفكرية والفقهية.وأبرز تلك العوائق: سيطرة الأجواء المحافظة التي ترفض الرأي الآخر، ووجهة النظر المخالفة، في الحوزات العلمية والأوساط الدينية غالباً.

حيث ينظر البعض إلى الرأي الجديد وكأنه بدعة أو خروج عن الإطار الشرعي، أو تمديد للعقيدة والأصالة وثوابت الدين.
وقد تدخل الأغراض الشخصية والمصلحية على الخط، فيتداخل الاختلاف في الرأي مع التضارب في المصلحة أو النزاع على المكانة والموقعية.

وهنا يُشهر سلاح الإتهام والتشكيك تجاه صاحب الرأي المخالف الجديد، وتستثار عواطف ومشاعر الجمهور ضده. هذه المعاناة عادة ما يواجهها الفقهاء المجددون، وقد أخذ الشيخ ابن إدريس حظه من هذه المعاناة.

فقد اتهموه بترك أخبار أهل البيت والإعراض عنها، كما ذكر ابن داود الحلي في رجاله، حيث قال: «محمد بن إدريس العجلي الحلي، كان شيخ الفقهاء بالحلة، متقنا في العلوم، كثير التصانيف، لكنه أعرض عن أخبار أهل البيت».(۱)

فهل يعقل أن يُعرِض فقیه شیعی عن أخبار أهل البيت عليهم السلام ؟ ثم إن للشيخ ابن إدريس كتابا جمع فيه كثيرا من الأحاديث والأخبار عن أهل البيت عليهم السلام بعنوان (مستطرفات السرائر)، كما أن كتابه (السرائر) مملوء بأخبار أهل البيت، وفي كثير من الموارد حرص على نقل متون الأخبار بعينها. ولكن تحول الخلاف من نهجه العلمي إلى الخصام الشخصي ينتج مثل هذه الاتهامات.

كما أتهم ابن إدريس وقُدح فيه باعتباره قد أهان الشيخ الطوسي وطعن فيه، بل قال بعضهم: إن ابن إدريس توفي في سن مبكر من عمره جزاءً له على توهينه و إساءته الأدب مع الشيخ الطوسي !! حسب نقل الشيخ محمد المازندراني في منتهى المقال.(2)

وقد ناقش هذه التهمة باحث معاصر، واستقصی کتاب (السرائر) للشيخ ابن إدريس ليرى كيفية تعامله مع شخصية الشيخ الطوسي، فاكتشف أنه مع مناقشته الجادة لآراء الشيخ الطوسي، لكنه يذكره بكل احترام وتقدير وتجليل، ورصد هذا الباحث أربعة عشر موضعاً ذُكر فيها الشيخ الطوسي في كتاب ابن إدريس، ليس في شيء منها أي إساءة أو توهين ، حيث يعبر عنه بمثل قوله: «شيخنا أبو جعفر»، «شیخنا السعيد أبو جعفر»، «الشيخ الفقيه»، «رضوان الله عليه»، «رحمه الله»، «رضي الله عنه»، «الشيخ السعيد الصدوق أبو جعفر رضي الله عنه وتغمده الله تعالى برحمته»،

بل إن الشيخ ابن إدريس حينما وجد قولا نقله الشيخ الطوسي عن السيد المرتضى، مع عدم وجود ذلك القول في أي من كتب السيد المرتضی أو مصنفاته، بل المنقول خلافه، فإن ابن إدريس يبرر للشيخ الطوسي بقوله: «ولعل شيخنا أبا جعفر سمعه من المرتضى في الدرس، وعرفه منه مشافهة، دون المسطور، وهذا هو العذر البيّن، فإن الشيخ ما يحكي بحمد الله تعالى إلا الحق اليقين، فإنه أجل قدراً، وأكثر ديانة من أن يحكي عنه ما لم يسمعه ويحققه منه».

ويلاحظ في بعض الحالات التي يذكر فيها ابن إدريس كلاً من الشيخ الطوسي والشيخ المفيد والسيد المرتضى أن تعابيره في حق الشيخ الطوسی تكون أكثر احتراماً وتقديرا. مع كل ذلك، فإن قمة الإهانة والطعن على الشيخ الطوسي قد ألصقت بالشيخ ابن إدريس، بسبب جرأته على طرح الرأي الآخر.

————-

1 – 2 : بناري : علي همت، إبن إدريس الحلي، ترجمة حيدر حب الله، ص 444 و 447 ، الطبعة الأولى2005م، الغدير للطباعة والنشر، بيروت.

 

المصدر كتاب : الاجتهاد والتجديد في الفقه الإسلامي للشيخ حسن الصفار

تحيمل الكتاب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky