حسن الجواهري

العلاج بالرقية (العلاج الروحي) .. آية الله الشيخ حسن الجواهري

الاجتهاد: إن من المعلوم وجود أمراض نفسية يبتلى بها بعض الأفراد، وهي بحاجة علاج نفسي، لذا يمككنا أن نقسّم الأمراض إلى قسمين: 1- مرض جسمي يُبتلى به العضو نتيجة لعوارض خارجية، كالميكروب، أو التعرّض للبرد وما شابه. 2- مرض نفسي تُبتلى به النفس الإنسانية، وقد يؤثّر هذا المرض النفسي على بعض أعضاء الإنسان فتمرض تبعاً للمرض النفسي الذي حلّ بها، فهل يجوز في هذين القسمين العلاج بالرقية والتمائم، أو بما يُسمّى بـ العلاج الروحي والنفسي؟

الجواب: ۱- إذا كانت الوقاية أو العلاج من الأمراض النفسية ومن الأرواح “الجن” أو من العين “الحسد” من طريق السحر والأمور المحرّمة الأخرى فهي غير جائزة؛ لما تقدّم من حرمة التداوي بالأمور المحرمة إلا في صورة توقف العلاج عليها لنجاة نفس الإنسان من الهلاك والآلام الجسيمة.

2- إذا كانت الوقاية أو العلاج من الأرواح الشريرة “كالجن” والعين “الحسد” أو من شرّ المؤذين، أو كانت الاستعانة منها بقوى إلهية تفوق القوى الطبيعية بتدخّل غيبي من الخالق المسيطر عن طريق الدعاء وقراءة القرآن فهو عمل صحيح، ولا بأس به.

وتوضيح ذلك: أن الحسد والسحر أمران واقعیان موجودان في الخارج، وقد صرحت الآيات القرآنية بهما كما في سورة الفلق: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (*) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (*) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (*) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (*) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (*)، وقد دلّت هذه السورة القرآنية على استحباب أن يتعوّذ الإنسان برب الفلق، وهو الله سبحانه من شرّ الخلق ومن شر الحسّاد ومن شرّ السحر (النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ)، وقد ورد عندنا أن العين حقّ “تُدخِل الرجلَ القبرَ والجمل القِدَر”.

كما أن الشياطين والجن موجودات واقعية، ويجوز أن يتعوّذ الإنسان برب الناس من الشيطان الذي يوسوس في صدره، وقد يكون هذا الشيطان من الجن كما يمكن أن يكون من الناس، وقد صرّحت سورة الناس بذلك: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (*) مَلِكِ النَّاسِ (*) إِلَهِ النَّاسِ (*) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (*) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (*) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (*).

ثم إن الجنّ على قسمين: الصالحون وغير الصالحين، قال تعالى في سورة الجن: (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا)(1).

فإذا كان الإنسان يتعوّذ – من الشيطان ومن الجنّ المفسدين ومن العين الحاسدة ومن السحر – بالله تعالى وبالدعاء له، وبقراءة القرآن كان ذلك أمراً جائزاً لا بأس به، بل قد دلّت آيات الفلق والناس على استحبابه على الأقل، وقد وردت الروايات على أن ذكر الله سبحانه وخصوصاً البسملة يدفع الشيطان عن الإنسان ويُبعده.

ولماذا ننظر إلى الأمراض المادية التي تنشأ من التخمة والميكروب ولا ننظر إلى الأمراض التي يصاب بها العقل والقلب في المبدأ والمعاد، وما يتفرّع عليهما من أصول ومعارف، وهؤلاء المرضى هم الكافرون والمنافقون، وبعض من آمن بالله وبرسوله وشكّ في معاده ورجوعه إلى الحساب،

قال تعالى: (لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ،(2)

وقال تعالى: وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا(3)،

فالمرض الذي ذكره القرآن هو نوع من الشك والريب الذي يوجب اضطراب النفس الباطنية والميل إلى الباطل واتباع الهوى.

ولهذا نقول: إن في قراءة القرآن والأدعية التي وردت عن المعصومين تُزال أنواع الشكوك والشبهات المعترضة للحقائق والمعارف الحقيقية، ففي القرآن من المواعظ الكافية الشافية والقصص والعبر والأمثال والوعد والوعيد والإنذار والتبشير وما تنتهي إليه نتائج العلوم الصحيحة والأحكام الحقة ما يدفع أمراض القلوب،

وقد صرح القرآن بنفسه عن ذلك فقال: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ”،وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا)(4)

وقال أيضا: (قُل هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ )(5).

وقد ورد في دعاء كميل الذي علمه إياه أمير المؤمنين (عليه السلام) “یا من اسمه دواء وذكره شفاءه”.

بل إن الإنسان قد يتوسل بالله سبحانه لأن يتدخل بيده الغيبية لشفائه من المرض الجسماني، وقد أكّد هذا الأمر البروفسور “الکسیس کارل” الحائز على جائزة نوبل في كتابه “الدعاء” الذي ترجمه الدكتور محمد كامل سليمان، فقال:

“إن نتائج الشفاء عن طريق الدعاء يستثير اهتمام الناس على مرّ العصور. وحتى يومنا الحاضر وفي الأوساط التي ما زالت تمارس الدعاء وتقوم بالصلاة، ما زالوا يتحدثون بإسهاب عن الأشخاص الذين تم شفاؤهم عن طريق التضرّعات للباري عز وجل أو لأوليائه الصالحين.

أما بالنسبة للأمراض القابلة للشفاء تلقائياً أو بمساعدة الأدوية والعقاقير العادية فإنّه من الصعب أن نعرف العامل الحقيقي الكامن وراء الشفاء.

إن المكتب الطبي التابع لـ “لورد” أدّى خدمة كبيرة للعلم عندما يبرهن على أن حقيقة شفاء كثير من الأمراض المستعصية كان بفضل الدعاء وحده.. وهكذا فإن للدعوة قوةً سريعةً في الشفاء حتى يمكن تشبيهها بسرعة الانفجار.

هذا، وإن كثيراً من المرضى تمّ لهم يفضل العاطفة الصادقة وعن طريق الدعاء تمّ لهم الشفاء من أمراضٍ خطيرة مستعصية، كمرض القِراض الجلديّ في الوجه، وكالسرطان، وتعفّن الطحال، والفرحة، والتدرّن الرئوي أو السلّ العظمي، أو السلّ في الحجاب الحاجز.

إن ظاهرة الشفاء هذه كانت تحدث تقريباً دائماً بنفس الأسلوب يعاني المريض ألماً شديداً، ثم يعقبه شعور بإمكان الشفاء، وهكذا خلال بضع ثوانٍ أو بضع ساعاتٍ على الأكثر تختفي علامات المرض، والجروح التشريحية تلتئم لتتمّ معجزة الشفاء بعد ذلك بسرعةٍ هائلةٍ، تختصر مراحل العلاج العادية بشكلٍ مذهل.

ومن الجدير التنوبه به هنا أن هذه السرعة المتناهية في مسيرة الشفاء لم يلاحظها أي أحد من الجراحين النطاسيين أو أخصائيي وظائف الأعضاء المشهورين خلال ما أجروا من عمليات لمرضاهم حتى أيامنا الحاضرة.

هذا، ولكی تتم ظاهرة الشفاء بسبب الدعاء – كما سبق وأشرنا – ليس ضرورياً أن يكون الداعي هو المريض نفسه، فإنّ هناك أطفالاً صغاراً لا يستطيعون الكلام تمّت لهم معجزة الشفاء بالدعاء، كما أن هناك أشخاص غير مؤمنين شُفوا من أمراضهم بسبب دعاء غيرهم لهم بالقرب منهم، هذا وأن الدعاء للآخرين يكون دائماً أكثر نتيجةً من الشخص لنفسه.(6)

إن نتيجة الشفاء بالدعاء وسرعة الاستجابة لا يتوقّفان على كثافة الدعاء أو مدى الصدق والإخلاص فيه..

تلك هي آثار الدعاء في الشفاء التي يوجد عندي معرفة يقينية بها لأنني عايشتها عن كثب… ولكن ينبغي أن لا يعزب عن بالنا حقيقة أنّ كلّ مَن يسعى لشيء لا جرم أن يصل إليه، كما أن كلّ مَن طرق الباب يُفتح لاستقباله.(7).

فالنتيجة: أن قراءة القرآن والأدعية الواردة عن المعصومين سلام الله عليهم، وقراءتها والدعاء بها للغير تفيد في دفع الأمراض النفسية والجسيمة، كما أن التوسل إلى الله تعالى لدفع الشر والحسد والشياطين والجن غير الصالحين يفيد في دفع المرض الذي ينشأ عن هذه الأمور.

وحينئذٍ نقول: إن حمل الآيات القرآنية والأدعية على شكل تعویذات للتخلص من كثير من الأمراض أمر مفيد أيضا، كما وردت في ذلك الآثار الشرعية من قبل جميع المسلمين،

فممّا ورد في ذلك؛

صحيحة داود بن فرقد عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن التعويذ يعلّق على الحائض؟ قال(عليه السلام) : لا بأس: وقال : تقرأه وتكتبه ولا تصيبه يدها”(8).

2– صحيحة منصور بن حازم عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال : «سألته عن التعويذ بعلق على الحائض؟ فقال : نعم إذا كان في جلد أو قصبة حديد.(9).

٣– وعن المفضّل بن عمر عن الإمام الصادق(عليه السلام) عن آبائه(عليهم السلام) : «أن جبريل(عليه السلام) نزل على النبي(عليه السلام) والنبي مصدع فقال: يا محمّد، عوّذ صداعك بهذه العوذة يخفّف الله عنك، وقال: يا محمد، مَن عوّذ بهذه العوذة سبع مرات على أي وجع يصيبه شفاه الله بإذنه، نمسح بيدك على الموضع وتقول: بسم الله ربنا الذي في السماء، تقدّس ذكر ربنا الذي في السماء والأرض، أمره نافذ ماضٍ، كما أن أمره في السماء، أجعل رحمتك في الأرض واغفر لنا ذنوبنا وخطايانا يا رب الطيبين الطاهرين، أنزل شفاء من شفائك ورحمةً من رحمتك على فلان بن فلانة، وتُسمّي اسمه)(10)

4– عن الإمام الباقر(عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) قال: ” قيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله) : رقي(11) نستشفي بها هل ترد قدراً من الله؟ فقال: إنها من قدر الله.)(12).

5– عن عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: “سألته عن رقية العقرب والحية والنشرة، ورقية المجنون والمسحور التي يعذّب؟ فقال: يا بن سنان، لا بأس بالرقية والعوذة والنشرة إذا كانت من القرآن، أو ليس الله يقول: وَنُنـزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ “؟! أليس يقول الله جل ثناؤه: «لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّه” وسلونا نعلمكم وتوقفكم على قوارع القرآن لكل داء. (13)

6- وعن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) أنتعوذ بشيء من هذه الرقى؟ قال: لا، إلا من القرآن، إن عليّاً كان يقول: إن كثيرا من الرقى والتمائم من الإشراك”(14)

٧– وقد ورد في مسند أحمد والسنن، وأخرجه الحاكم عن أبي خزامة قال: “قلت: يا رسول الله، أرأيت رقّي نسترقيها ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئاً؟ قال (عليه السلام) : هي من قدر الله”(15).

وغير هذه الروايات الكثيرة، وواضح أن النهي عن التميمة والرقى هو في خصوص ما إذا لم ندرِ ماذا في وسط التميمة أو الرقية؛ إذ لعل فيها شركاً وضلالاً كما هو الظاهر من تعليق المشركين لها.

 

الهوامش

1: الجن ۱۱.
2: الأحزاب: 60
3: المدثر: ۳۱.
4: الإسراء: ۸۲
5: فصلت: 44
6: ورد في الأخبار استحباب أن يدعو الإنسان لغيره في يوم عرفة، فإنّ له أربعين ملكاً يؤمنون على دعائه،
7: الدعاء، تأليف البرفسور «الكسيس كارل» الحائز على جائزة نوبل، ترجمة الدكتور محمد کامل سليمان: 63- 68
8: وسائل الشيعة (الحر العاملي) ۲: ۳4۲، ب ۳۷ من أبواب الحيض، ح 1.
9: المصدر السابق، ح ۳.
10: المصدر السابق:423، ب 14 من الاحتضار، ح 5
11: المصدر السابق، 425 ح ۱۲.
12: الرقي مفردها رقية، وهي أن يستعان بها للحصول على أمر بقوى تفوق القوى الطبيعية، وهو معنى التدخّل الغيبي في بعض الأمور الذي قد يحصل نتيجة دعاء أو توسل. والتمائم مفردها تميمة، وهي خرزة أو ما يشبهها، كان الأعراب يضعونها على أولادهم للوقاية من العين ودفع الأرواح الشريرة.
13: وسائل الشيعة (الحر العاملي) 6: 236، ب 41 من أبواب قراءة القرآن، ح 1.
14: المصدر السابق: ۲۳۷، ح ۳.
15: عن القضاء والقدر (أبو الوفاء محمد درویش): ۵۰، ط 2 / 1952م – ۱۳۷۱ هـ.

 

المصدر: مجلة الاستنباط، العدد الثاني – قسم من مقالة بعنوان: التداوي، أنواعه وحكمه الشرعي. لآية الله الشيخ حسن الجواهري.

 

# العلاج بالرقية

 

تحميل المقالة 

بي دي إف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky