خاص الاجتهاد: وفقا لتقرير العلاقات العامة في مركز بحوث الثقافة والفكر الإسلامي ونقلا عن وكالة إيكنا كتب فضيلة الشيخ الدكتور أحمد علي يوسفي مدير قسم الاقتصاد في هذا المركز مقالا علّق فيه على كلمة آية الله محمد جواد الفاضل اللنكراني في مراسم تكريم ذكرى آية الله الموسوي الأردبيلي؛ هذه الكلمة التي لاقت ردود أفعال واسعة بين الأساتذة والباحثين.
يقول الدكتور يوسفي: بداية أعود وأؤكد أنّه إذا ما تمّ تبيين الكلمات والألفاظ المستخدمة في كلمة الشيخ اللنكراني بشكل صحيح ودقيق فإنّه يغدو من الممكن حلّ الكثير من هذه الخلافات،
وبناء عليه سوف أقدم هذا المقال مقسما إلى عدد من الفقرات:
سماحة الشيخ جواد فاضل فقيه ينتمي إلى عائلة برزت في علم الفقه، ودعمت الثورة، وأنا أكنّ له كلّ الاحترام، وعليه ما سيأتي من دراسة ونقد ليس موجهاً “لمن قال” بل “لما قال”.
يجب أن ننظر إلى الأفكار والأمور التي طرحها فضيلته على أنّها فرصة علمية؛ تدفعنا لتعزيز وتكميل فقه النظام، وأنا لن أتحدث إلا حول ما تفضل به في مجال الفقه الاقتصادي.
وليس واضحاً ماذا كان يقصد من المصطلحات والكلمات التي استخدمها، من قبيل: الفقه، فقه النظام، الفقه الفردي، النظام، النظام الاقتصادي، حتى أنّ بعض الكلمات استعملت في محاضرته بنوع من المسامحة، وهذا يمكن أن يبعد المستمع أو القارئ عن هدف وقصد المتحدث، وأنا اعتقد أنّه لو تمّ توضيح وتبيين هذه الحالات بشكل صحيح فمن المحتمل جداً أن يتحول النزاع والخلاف إلى مجرّد نزاع لفظي.
أ: الفقه الاقتصادي هو عمليات استنباط الأحكام الوضعية والتكليفية لأنواع السلوكيات والعلاقات في مجالات الإنتاج والتوزيع والاستهلاك.
كلّ مكلف في المجالات السابقة يمكن أن يكون له أنواع من التعامل والعلاقات مع الباري تعالى، وسائر الناس، والدولة، وكذا مع الموارد الاقتصادية، فالفقه الاقتصادي هو عملية استنباط الأحكام الوضعية والتكليفية لأنواع هذه السلوكيات والعلاقات بمنهج اجتهادي واستنادا إلى مصادر ومنابع الاجتهاد في المجالات المذكورة.
ب– النظام الاقتصادي هو عبارة عن مجموعة الأعمال والعلاقات المنظمة والهادفة في ثلاثة مجالات: الإنتاج، والتوزيع، والاستهلاك، ومهمة الفقيه تتحدد باستخراج الأحكام الوضعية والتكليفية لهذه الأعمال والعلاقات من المصادر الفقهية وفق منهج فقهي مقبول،
وعليه يمكن أن نقول أنّ مصطلحات فقه النظام، أو الفقه العام، أو الفقه الاجتماعي هي بالأساس أنواع استخدامات مجازية فيها الكثير من المسامحة، لأنّ نفس تلك السلوكيات والعلاقات يمكن أن تكون فردية أو عامة، وعمل الفقيه هو مجرّد استنباط حكم هذه السلوكيات والعلاقات فقط، ويمكن أن تكون هذه السلوكيات والعلاقات مرتبطة بالأشخاص الحقيقيين أو الحقوقيين،
وعليه لا يمكن إطلاق فقه النظام الاقتصادي على نفس هذه السلوكيات والعلاقات، ولكن عندما يتم استنباط وكشف مجموع الأحكام الوضعية والتكليفية لأنواع السلوكيات والروابط في المجالات المبينة آنفا فيمكن أن نسميها علم الفقه الاقتصادي.
والسؤال المهم الذي يطرح نفسه هنا هو: هل أنّ الفقه الموجود حالياً في الحوزات العلمية يمتلك القدرة على تقديم منظومته الخاصة به حول تلك العلاقات الهادفة والسلوكيات المبينة آنفا أم لا؟
سماحة الشيح اللنكراني يقول بأنّ الفقه لا يمتلك هذه الإمكانية على الإطلاق، وأنّ الفقه الحالي لا يحمل مثل هذه الرسالة، ونحن نقول: نعم هذا الكلام صحيح؛ نحن نعتقد أنّ الفقه الموجود لا يمتلك هذه الإمكانية، بل لم يقل أحد أنّ الفقه الأصغر فيه مثل هذه الإمكانية أو عنده مثل هذه الرسالة، فالفقيه في الفقه الأصغر يقوم فقط باستنباط أحكام تلك السلوكيات والعلاقات من المصادر الفقهية وفق منهج فقهي معيّن.
نحن نعلم أنّ هيكلية وقواعد الاقتصاد السائد حالياً في العالم تم تأسيسها بشكل متدرج وفقا للفكر العلماني ولغيره من المدراس التي لا تأخذ التعاليم الدينية بعين الاعتبار، ولأنّ مجتمعنا مجبر على التعامل مع العالم وفق قواعده كان ينبغي لعلم الفقه أن يستنبط ويستخرج أحكام هذه المعاملات الاقتصادية بمختلف أشكالها، وقد لا يكون هناك أي ارتباط منظم ومحدد بين القواعد والمعاملات الاقتصادية المقبولة في جهاز الفقه الإسلامي، وطبعا تسبب هذه المنهج بأضرار وخسائر كبيرة لسنا بصدد ذكرها الآن،
ولكن لدينا سؤال نطرحه هنا على الشيخ اللنكراني: لو درس شخص ما الاقتصاد الإسلامي، وكان عنده اطلاع جيد على الفقه الموجود، ومن ثمّ قام باكتشاف مجموعة من السلوكيات والعلاقات الهادفة والمنظمة على أساس الفقه الأكبر والمباني الإسلامية القطعية، ومن ثمّ نطلب منه أن يحلل هذا النوع من الفعاليات والعلاقات بالأسلوب الفقهي الموجود وأن يستنبط أحكامها الفقهية فهل يكون قد ارتكب فعلاً مخالفا للشرع؟
من الممكن أن يقال أنّ الفقه الإسلامي الأكبر لا يمتلك مثل هكذا إمكانية؛ في حين أنّ الأمر ليس كذلك، فكما أنّ العلمانيين يمكنهم بناء على أسس غير دينية أن يصلوا إلى مجموعة من السلوكيات والعلاقات الهادفة في مجالات الإنتاج، والتوزيع والاستهلاك، فكذلك يمكن وفقا للمباني والأسس التوحيدية أن نصل إلى منظومة من السلوكيات والعلاقات الاقتصادية الهادفة في المجالات الثلاث، فكيف نقبل أنّ العلماء والمفكرين العلمانيين يمكنهم أن يصلوا إلى تلك النظم الاقتصادية، بينما العلماء المسلمون لا يمكنهم الوصول إلى ذلك؟! نحن نعتقد أنّ الأسس والمعارف الإسلامية تحمل مثل هذه الإمكانية والقدرة.
وثانيا هذه الأمر ليس مخالفا للعقل، وثالثا مثل هذا الاعتقاد ليس مخالفا للشرع، عندما يصل عالم اقتصاد إسلامي إلى هذا الأمر، يضع بين أيدي الجهاز الفقهي والفقهاء الأفاضل هذه المنظومة من السلوكيات والعلاقات المنظمة، وهم بدورهم يقومون باستنباط أحكامها التكليفية والوضعية؛ فإذا كانت مخالفة للشرع توضع جانبا، وإن لم تكن يتم اعتمادها كمدرسة اقتصادية مقبولة، فهل يمكن لأحد القول أنّ هذا الأمر مخالف للشرع؟
بعبارة أخرى: عند استخدام أسلوب الإمضاء في الفقه الأصغر لتحديد الحكم التكليفي والوضعي لمختلف أنواع السلوكيات والعلاقات الهادفة فحينها يجب أن نتوقع ظهور هذه السلوكيات والعلاقات الناشئة على أساس غير إسلامي؟
لو قام علماء الاقتصاد الإسلامي _المطلعون على الفقه الإسلامي_ بوضع منظومة من السلوكيات والعلاقات المنظمة في مجالات الإنتاج والتوزيع والاستهلاك وذلك وفقا للأسس والمباني الإسلامية ثم يقوم الجهاز الفقهي الإسلامي الإمضائي بتحليل هذا النوع من الفعاليات والعلاقات ومن ثمّ استخراج أحكامها التكليفية فهل هناك إشكال في ذلك؟ ونسمي هذه المنظومة الاقتصادية مع أحكامها الشرعية بفقه النظام الاقتصادي، فهل في مثل هذه التسمية إشكالات فقهية أو عقائدية؟
النقطة المهمة الأخرى هي أنّه يمكن للفقه أن يكون له منهجان في التعامل مع مختلف الموضوعات والمسائل؛
أحدهما التعامل السلبي المنفعل، والثاني التعامل الإيجابي الفعّال والمبادر،
أمّا الاتجاه الأول فيعني أن ننتظر تشكل أنواع السلوكيات والعلاقات والقواعد والمؤسسات الاقتصادية في حياة الناس وفي عرفهم على أسس غير إسلامية، ومن ثم نطالب الفقه بإصداره أحكامه بشأنها، وندعوه للقيام بمسؤولياته تجاهها، بل قد يكون كثير من تلك الأسئلة غير مرتبط بنظامنا الفقهي، وينبغي ألا نشغل فقهنا بالإجابة عن هذه الأسئلة.
فعلى سبيل المثال تواجه منظومتنا الفقهية اليوم مئات الأسئلة حول البنوك والأعمال البنكية، ومنذ مدة أصدر سماحة آية الله مكارم الشيرازي فتوى تقول أنّ استحداث النقود وإنشاء الائتمان هو أكل المال بالباطل،
ومن جهة أخرى يرى الخبراء الاقتصاديون أنّ البنك من دون استحداث النقود سوف يفقد ماهيته الأساس، وهذا يعني أنّه لا يوجد في الإسلام نظام أو مؤسسة اقتصادية مالية تشبه البنوك، فإذن لماذا ترى المنظومة الفقهية نفسها ملزمة بالإجابة عن مئات الأسئلة المتعلقة بمثل هذه المؤسسة (البنك) التي تحمل مثل هذه الماهية؟! فأصل مثل هذه المؤسسة غير موجّه من الناحية الفقهية.
أمّا الفقه الفعال والمبادر هو الذي يصل على أساس الفقه الأكبر إلى وضع منظومة اقتصادية مؤلفة من السلوكيات والعلاقات والأصول والمؤسسات، ويضع ما يصل إليه بين يدي الفقه الأصغر؛ ليقوم على أساس المنهج الاجتهادي واستنادا إلى المصادر الاجتهادية بعملية التحليل الفقهي لها، واستخراج أحكامها الوضعية والتكليفية، وفي هذا الأسلوب لن يصيب مكانة ومنزلة الفقه الأصغر أي ضرر إطلاقا.
ومن الممكن أن يطلق أحدهم على هذا الفقه المتشكل فقه النظام الاقتصادي للإسلام، ومثل هذه التسمية لا إشكال فيها أبدا، ومن جهة ثانية تنضم هذه المجموعة من السلوكيات والعلاقات إلى جانب بعضها البعض في نظم منطقي وتطبيقي، ويطلق على هذه المجموعة تسمية النظام الاقتصادي، وبالتأكيد مثل هذه التسمية ليس فيها إشكال، بالإضافة إلى أنّ هذا النتاج يمكنه أن يدفع المفكرين والعقلاء في العالم إلى دراسة وتحليل هذه النظام وتبنيه في النهاية؛ فمثل هذا الفقه يكون فقها فعالا ومبادرا،
وعليه إذا ما قامت المنظومة الفقهية بتحديد مكانة الفقه الأكبر والفقه الأصغر، وتحديد الارتباط والترابط فيما بينهما ووظيفة كلّ منهما يمكنها أن تصل إلى وضع نظام اقتصادي وفقه لهذا النظام.
وفي الختام أدعو سماحة الشيخ محمد جواد فاضل اللنكراني أن يتفضل مشكورا بتوضيح النقاط الغامضة في كلمته، وأن يعلق على كلمات العلماء التي تناولت بالنقد والتحليل محتوى كلمته، كما أدعو المفكرين والعلماء والفقهاء أن يعتبروا مثل هذه الأمور فرصة مغتنمة، وأن يرحبوا بها، وأن يبذلوا مزيدا من الجهود في النشاط العلمي حول المواضيع والمسائل العلمية والفكرية التي تهم نظام الجمهورية الإسلامية في إيران.
يذكر أن الأستاذ فاضل اللنكراني في كلمة له قبل أشهر في مراسم تكريم ذكرى آية الله الموسوي الأردبيلي في قم قال بأنه ليس عندنا شئء باسم فقه النظام، وعناوين كالنظام الاقتصادي والسياسي والقضائي و.. لا ينبغي أن تملأ أعيننا وآذاننا لنقول أن الإسلام لديه نظام. لا، للإسلام في كل مجال أحكام جزئي و قواعد، لكن ليس له شيء باسم النظام.