السيد-أحمد-مددي

التراث الروائي للإمام الهادي عليه السلام / الأستاذ السيد أحمد المددي

خاص الاجتهاد: لقد كان للإمام الهادي عليه السلام دور بالغ الأهمية في تراثنا الروائي، وأعتقد أن علمائنا لم يوفوا حقه كاملاً في هذا الصدد.(1)

منذ عصر الإمام الهادي، أطلق على سامراء لقب “الناحية المقدسة”، وذلك لأن الإمام كان مقيماً فيها تحت الحبس، وكان الإمام العسكري عليه السلام والشيعة يترددون على بغداد للاتصال بوكلائه هناك.

من الحرم والعتبة التي لا شك ولا ريب في أنها ملك خاص للإمام المهدي (عجل الله فرجه) هو حرم سامراء، والذي لا يدخل تحت باب الوقف ولا الإباحة، بل هو ملك خاص للإمام (ع) نفسه، وذلك لأنه انتقل بعد الإمام الهادي (عليه السلام) إلى ابنه، ثم إلى الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه). وكذلك الأمر بالنسبة لمقبرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث إنه كان منزل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وانتقل بالوراثة إلى السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) ثم إلى الأئمة من بعدها. أما بقية الأضرحة والحرم للأئمة، فلا يوجد دليل واضح على ملكيتها.(2)

ويبدو أن اسم المنطقة نفسه كان “عسكر” وليس “معسكر” بالمعنى الحديث، أي أنها كانت منطقة يسكنها العسكر والجنود، وليس بالضرورة أن تكون قاعدة عسكرية منظمة.

حسن بن راشد البغدادي
“في فترة الغيبة الصغرى، لم تتجاوز مدة نيابة عثمان بن سعيد العمري، قدس الله نفسه، ست سنوات. وقد بدأ عثمان بن سعيد نيابته منذ عصر الإمام الهادي (عليه السلام)، واستمرت في عهد الإمام العسكري (عليه السلام)، ثم في بداية عصر الغيبة الصغرى لمدة ست سنوات تقريبًا، ثم توفي.

وبعد عام 266هـ، تولى ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان النيابة حتى عام 304هـ، أي لمدة ثمانية وثلاثين عامًا تقريبًا. وخلال هذه الفترة، ظهرت انشقاقات كثيرة طائفية، حيث ادعى البعض البابية. وانفصل النصيريون، بقيادة محمد بن نصير النميري، عن الطائفة الرئيسية في ذلك الوقت، حيث رفضوا طاعة محمد بن عثمان في بغداد، وادعى محمد بن نصير النيابة والوكالة لنفسه. ولما اشتهر بأفعاله الشاذة، فر إلى البصرة ثم إلى لبنان، وتحديدًا إلى جبال اللاذقية، حيث يُطلق عليهم اليوم العلويون. والعلويون المتواجدون في الشام هم في الحقيقة نصيريون، أي أتباع محمد بن نصير، وقد نسب إليهم أعمال سيئة، والله العالم.

ورد في رواية مشهورة عن الإمام الهادي (عليه السلام) أن الخمس من منصب الإمامة. وهذا الحديث صحيح نسب إلى أبي علي بن راشد (أبي علي البغدادي أو حسن بن راشد)، وكان وكيلًا مطلقًا للإمام الهادي (عليه السلام) مقيماً في بغداد. وكان الشيعة يلجؤون إليه ويحملون إليه الأموال (الخمس) ليصلها إلى الإمام في الناحية المقدسة سامراء، حيث كانت التقية شديدة في تلك الفترة نظراً لحالة الإمام. وبما أن الإمام تحت المراقبة، كان بعض الشيعة يرسلون أموالهم إلى بغداد ويودعونها لدى وكلاء أمثال “أبي علي بن راشد”، وهو عالم جليل وشخصية مرموقة. وكان يُعرف أيضًا بأبي علي البغدادي.”

ولما كان الإمامان الهادي والعسكري (عليهما السلام) مقيمين في سامراء، نقلت العاصمة إلى سامراء ثم أعيدت إلى بغداد. وخلال فترة حبس الإمامين، كان الوكلاء هم حلقة الوصل بين الإمام والشيعة في بغداد، وكانوا يتلقون الأسئلة والأموال. وكان أبو علي بن راشد من أبرز هؤلاء الوكلاء، وقد لقب بأبي علي البغدادي. ويذكر بعض المعاصرين أن مرجعية الشيعة بدأت بأبي علي البغدادي، الذي كان عالماً فاضلاً. وبعد أن اشتهر بأبي علي، أمر الخليفة بغرقه في نهر دجلة مع شخصين آخرين.

وردت زيارات ثلاثة عن الإمام الهادي (عليه السلام) وهي:

زیارة الجامعة الکبیرة
الزیارة الغدیریة لأمیر المومنین (ع)
زیارة سیدالشهداء (ع) المعروفة بالناحية المقدسة

1- زیارة الجامعة الکبیرة

زیارة الجامعة الکبیرة موجهة إلى جميع الأئمة (عليهم السلام)، وليس لدينا حاليًا مثل هذه الزيارة بتفاصيلها من أي إمام.

ما نوقش في العالم الإسلامي حول دراسة الحديث حتى الآن هو ثلاثة أجزاء: صدور الحديث، ومتن الحديث، ومضمونه. أولئك الذين يبحثون عن حجية الخبر كانوا يركزون أكثر على صدور الحديث، وأولئك الذين لا يقبلون حجية الخبر كانوا يركزون على مضمونه، وهناك من كان يجمع بين الأمرين اعتمادًا على القرائن. ولذلك قلنا إن الحديث يجب أن يُدرس من هذه الجوانب الثلاثة.

تتمتع زيارة الجامعة بقيمة عالية من حيث الصدور؛ فإذا ثبت أمر ما في مکتبي قم وبغداد، اكتسب قيمة كبيرة، ومثال ذلك زيارة الجامعة. إذا نظرنا إلى أصول هذه الزيارة، نجد أن الصدوق هو أول من رواها، ولم يذكرها الكليني، ثم جاء بعد الصدوق الشيخ الطوسي في بغداد وذكرها، وهكذا انتشرت بين الشيعة. وحقيقةً، فإن مثل هذه المصادر تتمتع بقيمة علمية كبيرة.

ينقل الشيخ الصدوق هذه الزيارة عن طريق محمد بن أبي عبد الله الكوفي (محمد بن جعفر الأسدي الكوفي)، وقد زاره الشيخ الكليني. كان محمد بن أبي عبد الله الكوفي شخصية بارزة وكيلاً للنائب الثاني أو الثالث للإمام. وقد قدم إلى مدينة الري لنشر الدعوة الشيعية، وقد نقل الشيخ الصدوق عنه آثاراً كثيرة عن طريق بعض المشايخ القمّيين. كان هذا الرجل جليل القدر وموقراً، وأعتقد أنه كان في حالة التقية ويُخفي نفسه، خاصة أنه جاء لنشر الدعوة، ولذلك لم يذكره المشايخ المشهورون. والمشايخ الذين نقل عنهم الشيخ الصدوق هذا الرجل، برأينا، هم من الدرجة الثالثة والرابعة والخامسة، وليسوا من الدرجة الأولى أو الثانية، ولكنهم نقلوا بعض الأحاديث المهمة مثل زيارة الجامعة.

إن زيارة الجامعة تتميز بفضيلة كبيرة من حيث المضمون والمتن؛ فنحن نعلم أن الكثيرين قد اقتنعوا بصحتها بسبب متانة المتن. والحقيقة أن هذه الزيارة فريدة من نوعها من حيث متنها، فهي ليست شبيهة بأي نص آخر. فلو قرأت صفحة من زيارة الجامعة عشرة مرات ثم حاولت كتابة نصف سطر منها، لما استطعت ذلك، ولا يستطيع أحد. إن متنها خاص جداً، فهو فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق. وبصراحة، فإن زيارة الجامعة مليئة بالعجائب والغرائب، وتحتوي على مضامین سامية جداً. كما أن متنها يتميز بلغة سلسة وبليغة واختيارًا دقيقًا للألفاظ، وهو أمر لا يستطيع أي إنسان عادي الوصول إليه غير المعصوم. وقد تكررت مضامين هذه الزيارة في روايات مختلفة بأسانيد متعددة، ويمكن جمع هذه الأجزاء المتفرقة. هذه الطريقة في استخراج المصادر هي أداة قوية لتثبيت أصول الحديث وتحديد مدى تأثيره وتأثره.

2- الزيارة الغديرية

ومن الزيارات الأخرى التي نسبت إلى الإمام الهادي (عليه السلام) زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) في يوم الغدير، والتي تتميز بمتنها، شأنها شأن زيارة الجامعة، بمتن فصيح وبليغ. وقد استشهد الإمام (عليه السلام) في هذه الزيارة بحوالي خمسين آية قرآنية. ومتن هذه الزيارة ثقيل جداً، والمتن الثقيل نوعان: أولهما: الثقيل من الناحية الأدبية، مثل بعض النصوص الصوفية كالمقامات الحريرية. وثانيهما: الثقيل كقرآن الكريم، الذي يتميز بصلابته ومتانته وإيقاعه المميز، حيث يعرض الأفكار والمفاهيم بأسلوب خاص.

3- زيارة الناحية المقدسة

لدينا زيارتان معروفتان باسم زيارة الناحية المقدسة، إحداهما مسندة والأخرى لا سند لها. أما المسندة فالسند فيها ضعيف، حيث ينقل الشيخ الطوسي فيها عن ابن عياش: «عَنِ الشَّیْخِ أَبِی جَعْفَرٍ مُحَمَّدٍ الطُّوسِیِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّیْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ‏ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَیَّاش‏» المزار الکبیر (لابن المشهدی)، ص: ۴۸۶. وهذا النقل غير صحيح، لأن ابن عياش توفي سنة 401، والشيخ الطوسي وصل إلى بغداد سنة 408، مما يعني أنه لم يلتقِ ابن عياش قط ولم ينقل عنه. وعلى الرغم من ذلك، فإن النص ينتهي إلى ذكر خروج من الناحية المقدسة: «خَرَجَ مِنَ النَّاحِیَهِ سَنَهَ اثْنَتَیْنِ وَ خَمْسِینَ وَ مِائَتَیْن‏» ، والناحية هنا تعني سامراء، أي في زمن الإمام الهادي عليه السلام سنة 252. والزيارة المعروفة باسم زيارة الناحية المقدسة تذكر بعد ذلك، مما يدل على أنها أيضًا تعود إلى الإمام الهادي وليس إلى الإمام المهدي عليه السلام.

4- رسالة الجبر والتفويض

رسالة منسوبة إلى الإمام الهادي (عليه السلام) إلى أهل الأهواز في نفي الجبر والتّفويض، هذه الرسالة موجودة حصراً في كتاب تحف العقول (وقد ورد ذكرها أيضاً في كتاب الاختصاص). يذكر الإمام (عليه السلام) في هذه الرسالة مصادر التشريع وهي الكتاب والسنة وإجماع المسلمين. وهناك أدلة كثيرة على التّقية في هذا الرواية، بالإضافة إلى ضعف سندها. وعنوانها هو: «و روی عن الإمام الراشد الصابر أبی الحسن علی بن محمد ع فی طوال هذه المعانی‏.  رسالته ع فی الرد على أهل الجبر و التفویض و إثبات العدل و المنزله بین المنزلتین‏»

يتمسك الإمام عليه السلام في هذه الرسالة بالإجماع: قَدِ اجْتَمَعَتِ الْأُمَّهُ قَاطِبَهً لَا اخْتِلَافَ بَیْنَهُمْ أَنَّ الْقُرْآنَ حَقٌّ لَا رَیْبَ فِیهِ عِنْدَ جَمِیعِ أَهْلِ الْفِرَقِ وَ فِی حَالِ اجْتِمَاعِهِمْ مُقِرُّونَ بِتَصْدِیقِ الْکِتَابِ وَ تَحْقِیقِهِ مُصِیبُونَ مُهْتَدُونَ وَ ذَلِکَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ص لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِی عَلَى ضَلَالَهٍ فَأَخْبَرَ أَنَّ جَمِیعَ مَا اجْتَمَعَتْ عَلَیْهِ الْأُمَّهُ کُلُّهَا حَقٌّ هَذَا إِذَا لَمْ یُخَالِفْ بَعْضُهَا بَعْضا»

بدأنا بتحليل جذور الاجماع منذ عهد أهل البيت (عليهم السلام). التمسك بهذا الحديث “لا تجتمع أمتي على ضلالة” أمر غريب جدًا، بالتأكيد يقصد بالاجماع هنا اتفاق جميع الأمة الإسلامية (شيعة وسنة) على أمر ما، مثل قبول القرآن، بشرط أن يكون هذا الاتفاق عند كل من يدعي الإسلام ويعقل أمر الله: «عِنْدَ جَمِیعِ مَنْ یَنْتَحِلُ الْإِسْلَامَ مِمَّنْ یَعْقِلُ عَنِ اللَّه‏» عبارة “وَ قَدِ اجْتَمَعَتِ الْأُمَّهُ قَاطِبَهً لَا اخْتِلَافَ بَیْنَهُم‏”، تشبه العبارة الموجودة في حديث عمر بن حنظلة: “یُتْرَکُ الشَّاذُّ الَّذِی لَیْسَ بِمَشْهُورٍ عِنْدَ أَصْحَابِکَ فَإِنَّ الْمُجْمَعَ عَلَیْهِ لَا رَیْبَ فِیه‏” (الكافي، ج1، ص67). وفي هذا النص أيضاً يتم الإحالة إلى الآيات القرآنية كما في الزيارة الغديرية.

5- التوقيعات

إنّ من الكتب التي اشتهرت في ذلك الزمان بنقل توقيعات الأئمة، كتاب يضمّ مجموعة من التوقيعات المنسوبة إلى الإمام الهادي (عليه السلام). وأنا أرى أنّ علماء الشيعة أنفسهم قصّروا في إبراز أهمية هذه التوقيعات، ناهيك عن غيرهم. فإنّ في هذه التوقيعات الكثير من المعارف العميقة والنقاط الدقيقة التي لا تُوجد في مصادر أخرى.

والواقع أنّ الإمام الهادي (عليه السلام) هو الإمام الذي ورد عنه أكبر عدد من التوقيعات، وهذه التوقيعات تحمل في طياتها حلولًا لكثير من المشكلات. على سبيل المثال، لدينا ثلاثة روايات عن الإمام الهادي (عليه السلام) حول مسألة رؤية الهلال، وهي روايات حاسمة لحل جميع الإشكالات المتعلقة بهذا الموضوع. ولكن نظرًا لعدم جمع هذه الروايات في مكان واحد في كتاب وسائل الشيعه، فإنها لم تفهم فهماً صحيحاً.

من الأمور الجيدة جدًا أن يتيسر لنا بفضل الله جمع وتجميع مجموعة شاملة من التوقيعات والزيارات والأقوال المنسوبة للإمام الهادي (عليه السلام). سيكون هذا العمل قيمًا جدًا ومفيدًا.

محمد بن عيسى بن عبيد

لقد انتقل مقدار كبير من تراث البغداد إلى قم على يديه، مما يرجح، استنادًا إلى الأدلة المتاحة، أنه قام برحلة إلى إيران، وتحديدًا إلى الري وقم. وقد جمع خلال هذه الرحلة العديد من الاستفتاءات، وخاصة تلك التي وردت بكثرة في رواياته، وهي استفتاءات الإمام الهادي (عليه السلام).

في زماننا المعاصر، اعتدنا على طباعة الاستفتاءات. أما في السابق، فكانوا يسألون الأئمة (عليهم السلام) عن المسائل الشرعية، ويحصلون على أجوبتهم، ثم يقوم بعض العلماء بجمع هذه الأسئلة وأجوبتها في كتب أطلقوا عليها اسم “مسائل الرجال وأجوبتهم”. ويمكنك أن تجد في كتاب النجاشي عدة كتب تحمل هذا العنوان، مثل “مسائل الرجال إلى أبي الحسن الثالث وأجوبته”. ومن بين مؤلفي هذه الكتب محمد بن عيسى. لدينا اليوم الكثير من الروايات التي تنص على: “محمد بن عيسى عن فلان، قال كتب إليه”، وهنا الضمير “إليه” يعود إلى الإمام أبي الحسن الثالث (عليه السلام)، أي الإمام الهادي.

يشكك ابن الوليد في شخصية محمد بن عيسى عبيدي اليقطيني، ربما رأى ابن الوليد أن محمد بن عيسى في عام 280 هجري، في حين أنه ينقل روايات عن أحداث وقعت قبل ذلك بكثير، مثل عام 180 هجري! وهذا أمر غير طبيعي. ويضيف ابن الوليد أنه من غير المعقول أن يعيش شخص لفترة طويلة كهذه، بحيث يجمع استفتاءات في زمن الإمام العسكري (عليه السلام)، وينقل عن شخص اسمه ياسين الضرير من الحريز، أو عن علي بن يقطين عم أبيه، علماً بأن علي بن يقطين توفي في زمن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، مما يعني أن محمد بن عيسى كان يجب أن يكون معاصراً للإمام موسى بن جعفر (عليه السلام). وهذه الشواهد كلها تقوي شكوك ابن الوليد. لقد انشغل الجميع، نقل محمد بن عيسى عن يونس، إلا أن المشكلة الأساسية ليست في ذلك.

توقيعات الحميري

يعد عبدالله بن جعفر الحميري من كبار أصحاب الأئمة وأجلائهم، وقد توفي قريباً من زمن المرحوم الكليني. ومن الغريب أن الكليني لم ينقل عنه، ولا نعلم السبب، ولكن ابنه محمد بن عبدالله كان من مشايخه. لذلك، فإن عبدالله بن جعفر الحميري هو الأب، ومحمد هو الابن. والكتاب المعروف بـ”قرب الإسناد” يعود إلى الأب، أما التوقيعات التي نسبت إلى الحميري عن بقية الله الأعظم (عجل الله فرجه) فهي للابن. وتعدّ هذه التوقيعات آخر ما أنتجه علماء قم من علم، وآخر ما رووه عن الإمام المعصوم (عليه السلام). وكان بداية الإنتاج العلمي في قم على يد أجداد أحمد الأشعري الذين رووا عن الإمام الصادق (عليه السلام)، ثم روى آخرون عن الإمام الرضا (عليه السلام) والجواد (عليه السلام)، وبعد ذلك انصبّ جهد العلماء القميين على تنقيح هذا التراث العلمي.

على أي حال، فإن عبارة “كتب إلى الرجل” تعني هنا أن الكاتب كتب إلى الإمام الهادي (عليه السلام). أي أنه قام بكتابة مجموعة من الأسئلة للإمام ووصلته إجابات عليها.

مسائل الرجال

يذكر المرحوم ابن إدريس في قسم المستطرفات من كتاب السرائر كتاب مسائل الرجال للإمام الهادي (عليه السلام) ما يلي: ومن ذلك ما استطرفناه من كتاب مسائل الرجال ومكاتباتهم مولانا أبا الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام والأجوبة عن ذلك.” السرائر الحاوی لتحریر الفتاوی (و المستطرفات)، ج‏۳، ص: ۵۸۱.

لأن الغالب في التوقيعات أن يذكر فيها “كتبتُ إليه”، فلم ينتبه البعض إلى أن المراد بـ”إليه” هو الإمام الهادي (عليه السلام)، وظنوا أن المقصود بالتوقيع غير واضح أو مضمر. والحقيقة أن هذه التوقيعات موجهة إلى الإمام الهادي (عليه السلام) وهي ذات تأثير كبير. وبصراحة، لو تم إجراء دراسة مستقلة حول هذا الموضوع لكان ذلك أمراً جيداً.

من التوقيعات الأخرى هي مسائل وردت عن محمد بن علي بن عيسى، وإن كان يتطلب الأمر شرحاً وتصحيحاً لبعض الأسماء والتفاصيل.

6- التفسير

يذكر المرحوم ابن شهر آشوب في كتاب معالم العلماء أسماء رجالاً وينسب إليهم كتبًا لم يسبق نسبتها إليهم، بل إنه ينسب إليهم أحيانًا كتبًا غريبة وعجيبة. فهو ينسب إلى الحسن بن خالد البرقي، (وهو عم البرقي الإبن و أخ محمد)، تفسيراً للإمام الهادي (عليه السلام) في مائة وعشرين مجلداً، وهو أمر لم يرد في أي مصدر آخر! “تفسير العسكري من إملاء الإمام (ع) مأة وعشرون مجلدة” إن نسبة تفسير مكون من مائة وعشرين مجلداً إلى الإمام (عليه السلام) أمر غريب وعجيب للغاية، خاصة وأننا لا نجد لهذا الرجل أي رواية في كتبنا، فكيف بتفسير ضخم بهذا الحجم!

لقد رجّح المرحوم الشيخ آغا بزرك الطهراني احتمال أن يكون التفسير الذي نسبت إلى الإمام العسكري (عليه السلام) هو نفسه تفسير حسن بن خالد البرقي، مع وقوع خطأ في نسبته، ولكن هذا الكتاب لا علاقة له بالإمام الهادي (عليه السلام). أي أن هذا الكتاب الذي ورد فيه بوضوح أن الكاتب قد وصل إلى الإمام العسكري (عليه السلام) ولم يذكر فيه اسم حسن بن خالد البرقي أصلاً. بالإضافة إلى ذلك، حتى لو تم استكمال هذا التفسير الناقص، فإنه لن يصل إلى حجم مائة وعشرين مجلداً.

 

الهوامش

(1). بما أن هذا النص عبارة عن مجموعة من الأقوال التي ألقاها الأستاذ في مناسبات مختلفة، فمن الطبيعي ألا يكون هدفه حصر جميع المعلومات في موضوع واحد.

(2). أما بقيع الغرقد، فقد كان ملكاً لعقيل بن أبي طالب، وكان يوجد تحت أرض منزله مقابر الأئمة عليهم السلام. وبعد ذلك، ربما تم وقفها أو تم تغيير ملكيتها، وأصبحت جزءًا من مقابر المسلمين.

وكان النجف الأشرف تلة، وكان قبر أمير المؤمنين علي عليه السلام قد أُعدّ فيها مسبقاً.

وكربلاء كانت صحراء، وقيل إن أمير المؤمنين علي عليه السلام قد اشتراها، وقد يكون هذا الشراء مجازياً، نظراً إلى أنها كانت صحراء.

أما الكاظمية، فكانت مقابر لقريش في بغداد، ولم تكن وقفاً قبل دفن الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام فيها، بل كانت أرضاً عامة.

أما مشهد الرضا (عليه السلام)، فكان بستاناً خاصاً لحُمَيد بن قَحطَبة، والذي دفن فيه هارون الرشيد. ثم دفن الإمام الرضا (عليه السلام) في نفس المكان. ويبدو أن البستان قد أصبح ملكاً عاماً بعد ذلك، إما عن طريق التنازل من الورثة أو بطرق أخرى، ولم يعد ملكاً خاصاً.

أما حرم سامراء، فهو المكان الوحيد الذي لا يزال ملكاً خاصاً، حيث كان منزل الإمام الهادي (عليه السلام). وقد منع أحد العلماء في فترة من الفترات الدخول إلى صحن الحرم، بحجة أنه ملك خاص للإمام، وأن الدخول إليه يحتاج إلى إذن خاص. وهذا ما يميز حرم سامراء عن الحرمات الأخرى.

 

المصدر: موقع الأستاذ السيد أحمد المددي

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

Clicky