البدعة هي أن تقوم أنت بخلق ظاهرة اجتماعيّة دينيّة يتلقّاها الناس على أنّها أمر ديني، ويفهمها الشخص البعيد الخارج من هذا الدين على أنّها جزء من دين المسلمين،سواء كنت تعتقد أنت بأنّها من الدين أو لا،وسواء كنت تنويها بقصد كونها من الدين أو بقصد رجاء المطلوبيّة أو لا.. . الأستاذ الشيخ حيدر حب الله
موقع الاجتهاد: يبدو أنّ بين العلماء المسلمين قدراً من الاختلاف في فهم معنى البدعة ثبوتاً، وسوف أتحدّث عن نمطين من الفهم. والقضيّة فيها الكثير من التفصيل والتحليل، لكن سأقتصر على هذين النمطين:
النمط الأوّل: البدعة لها صلة بنوع من الاعتبار النفسي الداخلي في الإنسان، أو الاعتبار المعلَن، وليست لها صلة بالسلوك الخارجي العملي، فأنت تبتدع عندما تنسب في نفسك للدين شيئاً ليس من الدين أو عندما تنسب علناً للدين شيئاً ليس هو منه في عقيدتك ومعرفتك،
فتقول: إنّ الله أمر بهذه الصلاة أو تلك، فتعتبر ذلك من الدين رغم أنّه ليس من الدين في شيء، مع علمك بأنّه ليس من الدين في شيء.
فالاعتبار النفسي المخالف للواقع من وجهة نظر صاحبه، والكشف عن هذا الاعتبار، هو ابتداع في الدين، أمّا إذا مارست أيّ فعل ولكن لم تكن تعتقد أنّه من الدين ولم تقل بأنّه من الدين، فهذا ليس ابتداعاً.
النمط الثاني: البدعة ليست على علاقة بما تعتقد أنتَ به، ولا صلة لها بكونك تنسب إلى الدين نفسه شيئاً ليس منه، سواء كنت تعتقد أنّه ليس منه أم لم تكن تعتقد ذلك، فهذا ليس بدعة، بل هو تشريع محرّم.
أمّا البدعة فهي أن تقوم أنت بخلق ظاهرة اجتماعيّة دينيّة يتلقّاها الناس على أنّها أمر ديني،ويفهمها الشخص البعيد الخارج من هذا الدين على أنّها جزء من دين المسلمين، سواء كنت تعتقد أنت بأنّها من الدين أو لا، وسواء كنت تنويها بقصد كونها من الدين أو بقصد رجاء المطلوبيّة أو لا، فليس المهم ماذا أقصد، وماذا يجول في داخلي عندما أدعو لهذه البدعة أو أمارسها، بل المهم الواقع العملي الناتج عن الدعوة إليها أو ممارستها.
وفقاً للنمط الأوّل من تفسير البدعة فإنّ الفرار من الابتداع يكون بتغيير النيّة، وبتغيير بيانك للبدعة من كونها جزءاً من الدين إلى كونها ليست كذلك،
أمّا وفقاً للنمط الثاني من تفسير البدعة، فإنّ الفرار من الابتداع يكون بتغيير الواقع الاجتماعي، إمّا بإلغاء هذه الظاهرة الاجتماعيّة أو بإعادة إنتاجها اجتماعيّاً بطريقة لا تنتسب معها للدين في الرأي العام.
وبين هذين النوعين من التفسير الكثيرُ من الفرق والبون الشاسع، أحببت هنا فقط أن أقدّم إضاءة على هذا الفرق في الفهم. وقد سبق لي أن تعرّضت لبعض ما يتصل بالبدعة في بعض مقالاتي المتواضعة، وكذلك في كتابي: (فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: 411 ـ 431)، وآمل أن نوفّق جميعاً لدراسات جادّة، أكثر سعةً وعمقاً وشموليّة لفكرة البدعة في الدين، تبتعد عن الإفراط والتفريط في الفهم.