الاجتهاد: كان النظام الملكي في عهد الشاه محمد رضا بهلوي قويا من حيث القوة العسكرية، وتمتع بمستوى اقتصادي جيد بسبب تدفق إيرادات النفط، فضلا عن الاستقرار النسبي الذي كان يتمتع به نظام الحكم، غير أن أسبابا كثيرة ساعدت سقوطه، بعضها داخلي وآخر خارجي، وهي ذاتها المقومات والعوامل التي ساعدت أيضا على نجاح الثورة الإيرانية عام 1979.
أولا، أسباب الثورة الإيرانية 1979:
صنف الأكاديميون والباحثون والمراقبون الأسباب التي قادت إلى اندلاع الثورة الإيرانية إلى عدة عناوين سياسية واقتصادية واجتماعية وخارجية، وهذه الأسباب هي:
1- على المستوى الداخلي، تعد الأسباب الداخلية السبب الأهم لقيام الثورات في العالم ضد أنظمة الحكم، وهذا ما ينطبق على الثورة الإيرانية عام1979.
وتقسم الأسباب الداخلية إلى السياسية والاقتصادية والاجتماعية:
أ- الأسباب السياسية، ونقصد بها الأسباب ذات الصبغة السياسية المتعلقة بالسلطة في المقام الأول، والتداعيات السياسية على إجمالي البلاد، وقد كان لها تأثير في إثارة الشارع الإيراني تجاه نظام الحكم الملكي، وتحول هذه العوامل السياسية إلى انتفاضة ومن ثم دعم الثورة التي حدثت عام 1978-1979.
ومن جملة الأسباب السياسية نذكر منها:
– الشمولية: وهو ما يميز حكم الشاه محمد رضا بهلوي (1941-1979)، كذلك التسلط من خلال الأجهزة العسكرية والجهاز الأمني (السافاك)، ومنع التعددية الحزبية من خلال الاعتماد على حزب واحد هو (راستاخير)، ومنع أي اتجاهات فكرية أخرى (1).
– موالاة الشاه للغرب: إذ اعتمد الشاه على سياسة علمانية موالية للغرب مما تسبب في صدامه مع رجال الدين، وكان أبرزهم آية الله الخميني، مما قاد الشارع للانتفاضة ضد السلطة السياسية الحاكمة (2)
– عدم كفاءة إدارة الدولة: فقد اعتمد الشاه على العناصر غير الكفوءة وغير المؤهلة للحكم، إذ اعتمد على أساس الولاء للسلطة، وتنفيذ أوامرها، فضلا عن العناصر التي لها ارتباطات خارجية، ما زاد من غضب الشارع الإيراني الذي أعتبره تبذيرا لأموال الدولة واستخفافا بالشعب (3).
– التشدد في العلمانية: وهي تتبنى الأفكار التي تتعارض مع الدين الإسلامي الذي هو دين أغلبية الشعب الإيراني، ومنها قيام رئيس الوزراء (أسد الله علم) في كانون الأول عام 1961، بتغيير اللوائح الانتخابية في غياب البرلمان، وذلك بالسماح باعتماد أي من الكتب السماوية الأخرى في إيران في القسم أثناء تولي المناصب العليا في الدولة، كذلك السماح للأقليات الدينية بالترشيح للمناصب العليا في إيران وتسهيل مهمة وصولهم للحكم في خدمة الملك (4). كما غير الشاه التقويم الإيراني هجري شمسي المعمول به في إيران إلى التقويم الفارسي القديم (البهلوي)(5)، وإشاعة الممارسات الغربية في الحياة الاجتماعية والاقتصادية ومقومة الآداب العربية والإسلامية باعتبارها أفكار غريبة (6). هذه الممارسات ساعدت على تقوية التيار الديني في الوقوف بوجه السلطة السياسية والتحريض عليها.
ب – الأسباب الاقتصادية، اعتمد الشاه محمد رضا بهلوي خلال حكمه سياسات اقتصادية انتهت إلى نتائج سلبية على الاقتصاد الإيراني، الأمر الذي رفع من سخط القوى الإيرانية تجاه تلك السياسات، وزادت من وتيرة العداء لنظام الشاه وشكلت أسبابا إضافية للتعجيل بقيام الثورة الإيرانية.
ويمكن تحديد أهم الأسباب الاقتصادية التي عجلت بقيام الثورة بالاتي :
– التنمية غير المتوازنة: إن اعتماد النظام الملكي سياسات اقتصادية كان القصد منها دعم وتطوير الشعب الإيراني، ورفع وتيرة التنمية في البلاد، إلا انه وبسبب من أحادية الاقتصاد الإيراني المعتمد بصورة رئيسية على تصدير النفط، وإهمال الزراعة والصناعة، فأن هذه السياسات انتهت إلى نتائج سلبية (7). فمثلا قانون الإصلاح الزراعي الذي بدأت مرحلته الأولى عام 1962، وانتهى بالمرحلة الثانية والثالثة عام 1963، لم يحقق النتائج المرسومة، مما سبب باضطرابات اجتماعية، وهجرة من الريف إلى المدينة مما ولد طبقات اجتماعية جديدة السلطة ودخلت في صراع مع السلطة(8).
كما إن البرامج الإصلاحية التي قام بها الشاه ركزت على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، دون الأخذ بعين الاعتبار عملية الإصلاح السياسي وزيادة المشاركة السياسية، مما خلق فجوة كبيرة في المجتمع (9). وإن الاقتصاد الإيراني المعتمد بصورة رئيسية على تصدير النفط كان احد أسباب فشل عملية الإصلاح الاقتصادي، إذ أدى انخفاض أسعار النفط إلى انهيار عمليات الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي وتدهور الاقتصاد الإيراني (10)
– استنزاف مواد البلاد: أدت بعض سياسات الشاه إلى استنزاف ثروات البلاد عبر الإسراف في نفقات العائلة المالكة وتهريب الأموال إلى خارج إيران، كذلك النفقات العسكرية العالية التي كانت تستقطع نسبة عالية من الميزانية إضافة إلى نفقات الخبراء الأجانب في إيران، مع تذبذب في أسعار النفط، مما سبب أزمات اقتصادية كان لها أثر واضح على بعض طبقات المجتمع، مما خلف تفاوت بين الطبقات الاجتماعية من ناحية المداخل، ثم زيادة الانشقاق الاجتماعي (11)
– التضييق على القوى الاجتماعية: حاول الشاه التضييق على القوى الاقتصادية غير الداعمة له وركز في دعمه على فئة (اليهود والبهائيين)، وفرض غرامات مالية على التجار الوطنيين، والقيام بعمليات التأميم لممتلكاتهم، كما فتح أسواق إيران أمام الشركات والمنتجات الأجنبية، وهو ما دفعهم إلى الوقوف مع القوى الدينية والوطنية في انتفاضتهم لتغيير النظام الملكي (12)
ج – الأسباب الاجتماعية، الأسباب الاجتماعية لها دور في قيام الثورات ضد ممارسات أنظمة الحكم، وخاصة عندما تتعارض أعمال السلطة مع معتقدات وتقاليد الشعب، والثورة الإيرانية لم تكن بعيدة عن ذلك، إذ أثرت عليها هذه الأسباب بشكل لافت للنظر.
والأسباب الاجتماعية التي كانت مشجعة وساعدت لقيام الثورة يمكن تحديدها بالاتي:
– الصدام مع القيم الدينية: فقد قام الشاه ببعض الأعمال ضد المؤسسة الدينية، فمنذ تولى الأسرة البهلوية لإيران عام 1925 هدفت إلى تركيز السلطة بيد الملك، وتبنى رؤى وتوجهات سياسية واجتماعية في قراءة التاريخ، واهم ما تبناه إن التاريخ الإيراني عبارة عن مراحل متعاقبة، وان مرحلة الفتح العربي الإسلامي لإيران عام 652 م عدت، برأيه، غزوا، لهذا قام باستحضار العادات والتقاليد الفارسية القديمة (13). يضاف إليه أن طرق وتصرفات الأسرة الحاكمة لم تكن مناسبة للوضع الاجتماعي في البلاد من وجهة نظر رجال الدين في إيران(14). واعتماد الشاه على سياسات مغالية في العلمانية، ومثلها قيام الشاه (محمد رضا بهلوي) بتقريب بعض القوى الاجتماعية غير المسلمة في البلاد مثل (اليهود والبهائيين ومنحهم مناصب عليا في الدولة مما أثار حفيظة القوى الدينية التي رأت في هذا العمل انتهاكا للعرف والتقاليد السائدة (15). وحصر أعمال رجال الدين في الجوامع فقط) (16)
– الصدام مع القوميات الإيرانية غير الفارسية: المعروف أن إيران تتميزا بالتنوع القومي، إذ تشكل القوميات غير الفارسية حوالي نصف السكان في إيران ومنهم الاذريين والعرب والأكراد، والبلوش، وأقليات أخرى، وإن عمليات التميز ضدهم وتقريب بعضهم على حساب بعض القوميات الأخرى أدى إلى نفور القوميات وخاصة التي لها توجيهات قومية وامتدادات إقليمية والتي اعتبرت قيام الشاه بتمجيد القومية الفارسية وإلغاء دور القوميات التاريخي في بناء إيران هو انتهاك لحقوقها القومية مما حرك لديها روح المقاومة والمطالبة بحقوقها القومية من خلال المشاركة بالثورة الإيرانية(17).
– قوة المؤسسة الدينية: إن المؤسسة الدينية في إيران التي تتبع المذهب الشيعي (الاثني عشري) كان لها تأريخ طويل من النضال ضد السلطة منذ عهد الشاه إسماعيل الصفوي، واستمر دورها بعد القرن السابع عشر، فقد تبلورت المرجعية الدينية في أثنائها، وأصبح لها قاعدة في توجيه المجتمع ليس على صعيد النواحي العقائدية والثقافية فقط، وإنما شملت النواحي السياسية أيضا، خاصة بعد دعوة العلامة (النائيني) عام 1905 إلى أن الحكم الدستوري هو الأفضل في عصر الغيبة لذلك فالمؤسسة الدينية لم تعارض مشاريع الشاه الغربية فحسب، بل وفرت للشعب الفرصة للمطالبة بحقوقه في الحكم الدستوري(18).
– جمود المؤسسات السياسية وعدم استيعابها القوى الاجتماعية الفاعلة: إن سياسة الإصلاح التي اتبعها الشاه عام 1963 أدت إلى ظهور طبقات اجتماعية جديدة طالبت بالمشاركة السياسية، وفي إدارة شؤون الحكم، في الوقت الذي لم يطور فيه نظام الحكم مؤسسات سياسية لكي تستوعب هذه المطالب مما خلق نوع من التصادم والعنف في مواجهة هذه المطالب بدلا من الاستجابة لها، كذلك ظهر عنف مقابل من هذه القوى تجاه النظام السياسي)(19)
– دور المثقفين: إذ أن الطبقة المثقفة والمتعلمة لم تبتعد عن الإحداث الجارية في البلاد، فاغلب المثقفين في إيران في تلك الفترة هم ممن أكمل دراسته في الغرب، متأثرا بأفكار التحرر وحرية الفكر، وكان رأيهم إن سبب تخلف المجتمع هو انعدام الديمقراطية والسياسات الخاطئة للشاه والتي كان مكرس اغلبها لدعم سلطة الشاه وليس تحسين أوضاع المجتمع (20).
لقد كانت الأسباب الاجتماعية واحدة من الأسباب الداخلية التي دفعت إلى التسريع بقيام الثورة الإيرانية، وبالإمكان عد الأسباب الاجتماعية واحدة من أهم الأسباب، بسبب اتصالها المباشر بعقائد وقيم الشعب الإيراني، وهي المحرك الرئيسي للاندفاع نحو الانتفاضة الشاملة، خاصة وان رجال الدين أصبح لهم اليد الطولي في هذه الثورة، وهو الأمر الذي ولد تأثيرات بالغة على عامة الشعب الإيراني.
2- على المستوى الخارجي، تعد إيران واحدة من دول الجنوب النامية، وتقع في منطقة تقاطع دولية مهمة، لهذا لم يكن مستغربا أن تخضع لعلاقات تأثير وتأثر في علاقاتها مع القوى الكبرى. وكانت قراءة الشاه (محمد رضا بهلوي) للبيئة الخارجية، إن هناك مصالح للقوى الكبرى في استمالة إيران إلى معسكرها، وان لإيران مصالحا في ارتباطها بالقوى الكبرى، هذا الترابط اوجد أوضاعا كان لها تأثيرات داخلية في إيران تفاعلت مع الأسباب الداخلية، فأنتجت أسبابا هيأت لحدوث الثورة الإيرانية.
ولعل أهم تلك العوامل الخارجية هي:
أ – تدخل المخابرات الغربية، فقد كان للمخابرات الغربية، لاسيما الأمريكية والبريطانية منها دور في الأحداث التي جرت في إيران إبان الثورة، إذ ناقش زعماء الدول الغربية الرئيسة (الولايات المتحدة وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا) إضافة إلى اليابان خطوات إنهاء حكم الشاه في إيران ليحل محله نظام حكم موالي للغرب من جهة ويكون مقبول من الشعب الإيراني من جهة أخرى، بعد أن وصل التذمر الشعبي من الشاه حدا لا يمكن إصلاحه(21)*
ب – بناء الشاه لقدرات تفوق متطلبات الدور، اقتضت تحركات الشاه (محمد رضا بهلوي) في النصف الثاني من سبعينات القرن العشرين، وتطلعاته للسيطرة الإقليمية على المنطقة بناء ترسانة عسكرية، وبناء المفاعلات النووية وتطويرها، ولأجله فقد عقد عددا من الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية مع الاتحاد السوفيتي السابق كلها كانت قد أثارت مخاوف الغرب، وشجعته للإسراع في تغير الحكم في إيران ليتماشى مع المصالح الغربية في منطقة تعد حيوية ومهمة لتلك المصالح.(22)
ج – سياسات الشاه غير المتفقة مع المصالح الغربية، نتيجة للضائقة المالية والاقتصادية التي مرت بها إيران في سبعينات القرن العشرين، نتيجة لانخفاض أسعار النفط وارتفاع متطلبات التنمية والنفقات العسكرية الباهظة، فقد دفعت الشاه للمطالبة برفع أسعار النفط في إطار اتفاقية تضم دول الأوبك لتخفيض الإنتاج، كذلك محاولة الشاه الوقوف مع الصف العربي ضد إسرائيل، فقام بخفض الإمدادات النفطية لإسرائيل للضغط عليها من اجل المزيد من المرونة في المفاوضات مع مصر في أزمة عام 1973 مما اعتبره الغرب خروجا عن الإطار العام، وضد المصالح الغربية مما دفع الغرب بعدم التدخل لمصلحة الشاه في الأحداث الجارية في إيران وتخلى الشاه عن تنفيذ مخططات الغرب في العراق من خلال دعم المتمردين الأكراد في شمال العراق، وعقده لاتفاقية الجزائر عام 1975 مع الحكومة العراقية والتي كان من بنودها أن تلتزم إيران بوقف دعم الأكراد العراقيين مقابل تعديل الحدود في شط العرب لصالح إيران على أساس خط المنتصف، وبهذا فإن الشاه فضل مصالح إيران على مصالح الغرب فلم يعد في نظرهم من حماة المصالح الغربية )**(23)
د – بروز الجانب القيمي (حقوق الإنسان) في السياسة الأمريكية، فقد كانت الولايات المتحدة في عهد الرئيس (جيمي كارتر) 1976-1980 تحاول تحسين صورتها أمام العالم بعد أحداث فيتنام، لذلك اتبع الرئيس الأمريكي سياسة حقوق الإنسان ودعوته للشاه بتخفيف القيود على الحريات العامة في إيران في وقت كانت الثورة في بدايتها مما أعطى انطباعا لدى المعارضة الإيرانية بتخلي الغرب عن نظام الشاه، وهذا ما زاد من الضغوط الشعبية عليه (24)
هـ – إثارة الغرب للمتغير الإسلامي، إذ كان هدف الولايات المتحدة هو استغلال الورقة الإسلامية من اجل الوقوف بوجه الاتحاد السوفيتي السابق خاصة بعد دعمه انقلابا شيوعيا في أفغانستان، حتى أن (زبيغينيو برجنسكي) مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس (جيمي كارتر) عد الحركات الإسلامية سدا منيعا ضد التوسع الشيوعي ويجب مساعدتهم كأيديولوجية تتعارض مع الشيوعية وإثارة هذه الورقة وسط المسلمين في الاتحاد السوفيتي السابق نفسه واستخدام إيران كممر سهل لإيصال المساعدات إلى المجاهدين الأفغان في تلك المرحلة (25).. و كان هناك دور غير مباشر لبعض الدول الغربية في الثورة الإيرانية ومنهم (فرنسا) التي استضافت (آية الله الخميني) بعد مغادرته للعراق عام 1978 وتسهيل مهمة إقامته والسماح له بالاتصال بالمعارضة داخل إيران وخارجها، وذلك لأدراك الغرب عموما إن أيام حكم الشاه في تراجع.(26)
وكما إن للعوامل الداخلية أثرا في إسقاط نظام الشاه، فقد كان للعوامل الخارجية ذلك الأثر، فالغرب عموما والولايات المتحدة خاصة لها اهتمامات خاصة بإيران، لذلك فقد حاولت نصب نظام حكم موالي لها، لا تسمح له أن يخرج عن طاعتها.
ثانيا، مقومات نجاح الثورة الإسلامية في إيران عام 1979
بعد أن اشتدت المعارضة ضد حكم الشاه محمد رضا بهلوي، ومن اجل السيطرة على الأوضاع في إيران، قام الشاه بالاتصال بأحد أعضاء الجبهة الوطنية وهو (شاهبور بختیار) عارضا عليه تشكيل الحكومة بدلا من حكومة (إزهاري) التي أمر الشاه بحلها في كانون الثاني 1979، وقد قبل (بختيار) تشكيل الحكومة، إلا انه اشترط مغادرة الشاه للبلاد حتى تهدأ الأوضاع وتشكيل مجلس وصاية على العرش بعد مغادرة الشاه للبلاد، وقد قبل الشاه هذه المطالب(27). وتم تشكيل مجلس الوصاية من تسع أعضاء برئاسة (جلال الدين طهراني) في 14 كانون الثاني 1979، وغادر الشاه إيران في 16 كانون الثاني 1979 حسب الاتفاق، غير أن (آية الله الخميني) أعلن من باريس عدم اعترافه بالحكومة الجديدة، ولا بمجلس الوصاية المعين من قبل الشاه، ودعا إلى المزيد من المظاهرات، وأعلن انه سيعود إلى إيران.(28)
ولم يستطيع (شاهبور بختيار) السيطرة على الوضع في إيران، خاصة بعد نبأ مغادرة الشاه لإيران (29). إذ أعلن (آية الله الخميني) عن تشكيل مجلس قيادة الثورة فى إيران، وفى الأول من شباط 1979 عاد (آية الله الخميني) من منفاه في فرنسا وقام بتكليف (مهدي بزركان) بتشكيل الحكومة المؤقتة، وتمكنت المليشيات التابعة للثورة من السيطرة على مراكز الشرطة ومعسكرات الجيش وعلى مراكز المدن(30). وفي 9 شباط 1979 أعلنت رئاسة أركان الجيش وقيادة القوات المسلحة الإيرانية إنها تقف على الحياد في الصراع بين حكومة (شاهبور بختيار) المعينة من قبل الشاه وبين حكومة (مهدي بزركان) المعينة من قبل آية الله الخميني، مما سهل للمليشيات الثورية من السيطرة على المدن بسهولة وأجبرت حكومة (شاهبور بختیار) على تقديم استقالتها في 11 شباط 1979 .(31)
وهناك عدة مقومات ساعدت على نجاح الثورة الإيرانية عام 1979، وهذه المقومات هي:
1- المؤسسة الدينية، يعود تاريخ ظهور هذه المؤسسة ودورها في الحياة السياسية في إيران إلى القرن السادس عشر الميلادي في عهد حكم الصفويين.(32) وقد استمرت في ممارسة دورها في حياة الإيرانيين، ووقفت ضد تسلط الحكام والتدخل الأجنبي، ومنها الحض على الانتفاضة ضد منح الحكومة الإيرانية امتياز التعدين إلى شركة بريطانية عام ،1878 وانتفاضة التبغ عام 1890 ووقفت إلى جانب الثورة الدستورية عام 1906 وإعلان الدستور، كما شاركت في حركة الدكتور (محمد) (مصدق) 1951 – 1953، وتأتي قوة المؤسسة الدينية من استقلالها المالي، فضلا عن سلاح الفتاوى الاجتهادية الملزمة لمقلدي المراجع الدينية(33) . واستطاعت هذه المؤسسة توحيد كل الاتجاهات المتعارضة في المجتمع تحت سلطة واحدة وشرعية هي ا المؤسسة الدينية (34).
2- القيادة الدينية والسياسية للثورة، أعطيت قيادة الثورة الإيرانية ل(آية الله الخميني) بوصفه مرجعا دينيا ذا تأثير واسع على الإيرانيين، وابرز ما دعا إليه هو القول بانتهاء عصر التقية وفتواه مستحدثة وغير مسبوقة لم يقلها عالم دين قبله إذ قال: “آن الأوان لان تنتهي التقية، وان نقف ونعكس ما نؤمن به من أفكار”، وكذلك قوله: “..إن الظروف تغيرت.. وان أغلبية سكان إيران من الشيعة، حتى الحكام هم من نفس المذهب.. لذلك فلا تبرير للتقية”، وشدد (آية الله الخميني) في خطاباته على إسقاط الملكية وإقامة الجمهورية، مما أثر على قرارات الشاه، خشية من عواقب تجاهلها، واستجابة عامة الشعب لها (35).
3- وقوف الأقليات العرقية إلى جانب الثورة الإيرانية، لما رأت في مبادئها من دعم لحقوق شعوبها وتطلعاتهم، بعد أن تسببت سياسات الشاه بإلحاق الضرر بأغلبية الشعب الإيراني(36).
4- مشاركة القوى السياسية والاجتماعية الإيرانية في الثورة، فقد أنظمت اغلب الأحزاب والحركات السياسية (الدينية والليبرالية، واليسارية، والقومية) في الانتفاضة ضد الشاه، فقد وقفت هذه الأحزاب والحركات خلف قيادة واحدة والالتزام بالعمل الموحد ضد الشاه، وكذلك ظهور حركات مسلحة مثل (فدائيان إسلام، ومجاهدي خلق،) والتي استهدفت العديد من المصالح الاقتصادية الغربية وقوات الشاه العسكرية(37). وبهذا نرى تضافر الأسباب الداخلية والخارجية مع العديد من المقومات التي قادت إلى سقوط الملكية وإعلان الجمهورية في إيران عام 1979.
الهوامش
1- للمزيد ينظر، أمل حمادة، الخبرة الإيرانية والانتقال من الثورة إلى الدولة، ط1، (بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر) 2008، ص.74. كذلك ينظر ضيف الله الضعيان مصدر سابق، ص499 0كذلك ينظر، صادق زيبا كلام الثورة الإسلامية في إيران الأسباب والمقدمات ترجمة هويدا عزت محمد، ط1، (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة)، 2004،ص 15.
* آية الله الخميني (1902-1989) من أبرز الزعامات الدينية التي ظهرت في إيران في ستينيات القرن العشرين واشتهرت بمقاومة سلطة الشاه، وعلى الرغم من نفيه من إيران عام 1964، إلا إن أفكاره وأطروحاته حظيت بقبول عريض من المجتمع الإيراني، وكانت الملهم الأبرز للثورة الإيرانية، كما تولى إدارة البلاد بعد العام 1979 من خلال موقعه کمرشد أعلى للجمهورية الإسلامية في إيران. للمزيد ينظر، خالد محمد البسيوني، مصدر سابق،ص 443.
2- فريدون هويدا، سقوط الشاه محمد رضا بهلوي ،ط1 (البصرة جامعة البصرة، مركز الدراسات الخليج العربي، شعبة الدراسات الفارسية)، 1982، ص17.
3 – روبرت کارمن درايفوس، رهينة خميني مطابخ المخابرات الانكلوا أمريكية، ترجمة علي شمس الدين ناصر (أبو ظبي: مطابع الفجر) ، 1980، ص 48. كذلك ينظر، أحمد حسين يعقوب، الإمام الخميني والثورة الإسلامية في إيران القصة الكاملة، ط2، (بيروت: الغدير)، 2000، ص 68. كذلك ينظر: كمال عبد الله الحديثي، إيران النظام القديم الجديد (بغداد: وزارة الثقافة والأعلام)، 1985، ص8.
4- صادق زیبا کلام، الثورة الإسلامية في إيران الأسباب والمقدمات، مصدر سابق، ص 44.
** التقويم الفارسي القديم، هو تاريخ ابتدعه الشاه (محمد رضا بهلوي)، ويحسب على أساس نشوء الإمبراطورية الفارسية، وقد ادعى الشاه انه يعود إلى حوالي 700 ق.م، ويمثل جانب من الحضارة الإيرانية القديمة. ينظر علي شريعتي، النباهة، ترجمة هادي السيد ياسين، ط2، بيروت: دار الأمير)، 2007، ص9.
5- أحمد حسين يعقوب، مصدر سابق، ص.69
6- مرتضى مطهري، الثورة والدولة مقالات حول الثورة الإسلامية في إيران، ط1، بيروت دار الإرشاد للطباعة والنشر والتوزيع، 2009، ص ص 55-56.
7- صادق زیبا کلام، الثورة الإسلامية في إيران الأسباب والمقدمات، مصدر سابق، ص 28. كذلك ينظر، غلام رضا ،نجاتی مصدر سابق، ص 328
8- أحمد مهابة، إيران بين التاج والعمامة، ط1، (بغداد: دار الحرية للطباعة والنشر)، 1989، ص ص 109-110.
9- أمجد عبد الغفور، الدين والتحديث في إيران دراسة المؤسسة الدينية في عملية التحديث في إيران، رسالة ماجستير غير منشورة بغداد الجامعة المستنصرية، معهد الدراسات الأسيوية والأفريقية)، 1988، ص 210
10- تييري كوفيل، إيران الثورة الخفية، ترجمة خليل أحمد خلیل، ط1، (بیروت: دار الفارابي)، 2008، ص ص 57-58
11- عصام السيد عبد الحميد، مصدر سابق، ص.35. كذلك ينظر، فريدون هويدا، مصدر سابق، ص ص 59-60
12- معن خليل عمر، القوى الاجتماعية القائمة في إيران مجموعة مؤلفين دراسات إيرانية اجتماعية اقتصادية إعلامية، مصدر سابق، ص 73.
13- أمل حمادة، الخبرة الإيرانية الانتقال من الثورة إلى الدولة، مصدر سابق، ص 78.
14- خالد محمد البسيوني، مصدر سابق، ص ص 71-72.
15- احمد حسين يعقوب مصدر سابق، ص ص 67-72.
16- أمل حمادة الخبرة الإيرانية الانتقال من الثورة إلى الدولة مصدر سابق، ص 79.
17- عبد علي الخفاف، الخصائص الأساسية لتركيب وتكوين سكان إيران، مصدر سابق، ص 25-23
18- للمزيد ينظر، فهمي هويدي، إيران من الداخل ط4 (القاهرة: مركز الأهرام للترجمة والنشر، 1991، صص 222-221
19- محمد كاظم علي، صراع الأحزاب السياسية في إيران 1979 – 1985، (بغداد: الجامعة المستنصرية، معهد الدراسات الأسيوية الإفريقية)، 1986، ص ص 79 -80.
20- صادق زيبا كلام، الثورة الإسلامية في إيران الأسباب والمقدمات، مصدر سابق، ص ص.34-33
*أرسلت الولايات المتحدة الجنرال (هویزر) قائد قوات حلف شمال الأطلسي في أوربا عام 1978 لإقناع ضباط الجيش الإيراني بالوقوف على الحياد من الأحداث الجارية في إيران، لأجل تنصيب حكومة موالية للغرب بعد عزل الشاه (محمد رضا بهلوي) وتنصيب ابنه (رضا بهلوي) ملكا على إيران. للمزيد ينظر ، علي سبتي محمد، دراسات في الحرب العراقية الإيرانية (بغداد دار الحرية للطباعة)، 1987، ص ص 80 – 81.
21- محمد وصفي أبو مغلي العلاقات الإيرانية – الأمريكية وأثرها على الخليج العربي 1941 -1973 (جامعة البصرة: مركز الدراسات الخليج العربي، شعبة الدراسات الفارسية) 1980، ص 46.
22- فريدون هويدا، مصدر سابق، ص 38
23- جاسم إبراهيم الحيالي، خفايا علاقات إيران وإسرائيل وأثرها في احتلال إيران للجزر الثلاث 1967 – 1979، 1 (دمشق) وائل للنشر والتوزيع) 2007، ص ص 195-197.
** صرح (هنري كيسنجر) وزير خارجية الولايات المتحدة السابق من أن ملايين الدولارات ذهبت هدرا عندما قامت القوات العراقية بإنهاء الحركة الكردية في شمال العراق. للمزيد ينظر، روبرت کارمن درایفوس، مصدر سابق، ص ص 23-24
24- غلام رضا نجاتي مصدر سابق، ص 759 –
25- روبرت کار من درایفوس مصدر سابق، ص ص 16-17
26- أمل حمادة الخبرة الإيرانية الانتقال من الثورة إلى الدولة، مصدر سابق، ص 83.
27- دونالد ولبر ، مصدر سابق، ص 23
*ويتألف المجلس من جلال الدين طهراني رئيسا، وعضوية كلا من (شاهبور بختيار، ومحمد سجادي وعلي قلي اردلان، وجواد سعيد وعلي آبادي، ومحمد أرسته، وعبد الله انتظام وعباس قرباغي، ينظر غلام رضا ،نجاتي، مصدر سابق، ص ص 70 – 71.
28- احمد مهابة مصدر سابق، ص 382
29- ضيف الله الضعيان، مصدر سابق، ص 502
30- احمد الموصللي، موسوعة الحركات الإسلامية في الوطن العربي وتركيا وإيران، ط1، (بیروت: مركز دراسات الوحدة (العربية)، 2004، ص 200.
31- احمد مهابة، مصدر سابق، ص.382. كذلك ينظر، غلام رضا نجاتي، مصدر سابق ص 382.
32- فهمي هويدي، مصدر سابق، ص 57.
33- وليد خالد المبيض ؛ جورج شكري ،كتن مصدر سابق، ص 34
34- معن خليل ،عمر، مصدر سابق، ص 80.
35- نقلا عن محمد حسنين هيكل، مدافع آية الله قصة إيران والثورة، مصدر سابق، ص115. نقلا عن احمد حسین ،یعقوب مصدر ،سابق صص 35 – 39، ص50.
36- محمد حسنين هيكل مدافع آية الله قصة إيران والثورة، مصدر سابق، ص135.
37- نيفين عبد المنعم مسعد، صنع القرار في إيران والعلاقات العربية والإيرانية، ط1، (بیروت مركز دراسات الوحدة العربية 2001، ص .151 كذلك ينظر، وليد خالد المبيض؛ جورج شكري ،كتن مصدر سابق، ص.29 .
المصدر: كتاب: مستقبل النظام السياسي في جمهورية إيران الإسلامية ، للكاتب د. حمد جاسم محمد الخزرجي.
فهرس محتويات الكتاب
تحميل الكتاب