التطور الرابع الذي یعتبر من التطورات المحسوسة فی الفقه هو دخول مصطلحات جدیدة فی الکتب الفقهیة؛ حیث نری العلامة الحلی یستعمل مصطلحات لم یسبق ذکرها فی الکتب السابقة مثل الأحوط، الأشبه، فی الأقرب، الأقوی، علی رأی، الأصح و….. فقام ولده فخر المحققین بتوضیحها. کما کان للشهید الأول مصطلحات حدیثة عمل ولده علی شرحها.
خاص الاجتهاد: أقيمت يوم السبت ( 8 مايو 2018م / 22 شعبان 1439هـ) في مؤسسة مفتاح كرامت في مدينة قم المقدسة وبحضور الباحثين ندوة بعنوان تطور الفقه الفتوائي. وقد تحدث فيها سماحة الأستاذ المحقق رضا مختاري* عن مراحل تطور الفقه الفتوائي، والذي نقدم لكم تقرير اجمالي عن بحث سماحته في هذه الندوة.
قد شهد الفقه الفتوائی بعض التطورات علی مر الزمن کما نشهد ذلک فی الفقه الاستدلالی أیضا نرید التطرق إلیها فی هذه الجلسة.
التطور الأول حدث فی مجال الفروع الفقهیة. الکتب الفقهیة فی فترة الغیبة الصغری تتضمن مضمون الروایات بشکل فتوائی. حیث کان العلماء یراجعون فقه الرضا (ع) و الشرائع عندما لم یکن نص بحوزتهم. و جدیر بالذکر أن فقه الرضا (ع) یختلف عن کتاب الشرائع لإبن بابویه.
علی کل حال علی مر العصور وکلما أوشکنا علی الزمن المعاصر اخذت الفروع تتسع وتسارعت هذه الوتیرة بعد القرن السابع و عصر العلامة الحلی کما کان قد أدّی الشیخ الطوسی دوراً هاماً فی توسیع نطاق الفروع خلال کتابه المبسوط. تواصل التزاید فی الفروع إلی أیامنا الحالیة حیث نری مسائل معاصرة جمّة قد تسربت إلی الحوارات الفقهیة العالقة في زماننا.
التطور الثاني الذي شهدتها ساحة فقه الإمامیة، هو تبویب وتصنیف المسائل و هذا مما قامت به أیدی عدد من الفقهاء إلی أن المحقق الحلی تقدّم بأکثر التبویبات الفقهیة رواجاً.
فتم تقسیم الفقه إلی أربعة أبواب، هي: العبادات، الأحکام، العقود و الإیقاعات. فسلک الفقهاء علی هذا التبویب لسنوات متتالیة. حتی نری الفیض الکاشانی یقدّم تبویباً جدیداً للمسائل الفقهیة. قد عمل الفقهاء بعده علی تقدیم تبویبات مختلفة للأحکام و الفروع الفقهیة کما نری الشهید الصدر “ره” قد قام بتبویب جدید فی کتابه الفتاوی الواضحة.
التطور الثالث یتعلق باللغة المستعملة للمؤلفات الفقهیة. کان یتم تألیف الکتب الفقهیة باللغة العربیة حتی العصر الصفوي و إن کان بعض الکتب تترجم باللغة الفارسیة إلا أن هذه الفترة شهدت بعض المؤلفات الفقهیة باللغة الفارسیة. یعتبر «الجامع العباسي» للشیخ البهائی أول کتاب فقهی ألف بالفارسیة.
یهدف الشیخ البهائي في هذا الکتاب إلی بیان عام للأحکام الفقهیة باللغة الفارسیة. کما یجدر بنا الإشارة إلی کتابي «جامع الشتات» للمحقق القمي و «نجاة العباد» الذی قام بتألیفه صاحب الجواهر فی الفترة المعاصرة.
التطور الرابع الذي یعتبر من التطورات المحسوسة فی الفقه هو دخول مصطلحات جدیدة في الکتب الفقهیة؛ حیث نری العلامة الحلي یستعمل مصطلحات لم یسبق ذکرها في الکتب السابقة مثل الأحوط، الأشبه، فی الأقرب، الأقوی، علی رأی، الأصح و….. فقام ولده فخر المحققین بتوضیحها. کما کان للشهید الأول مصطلحات حدیثة عمل ولده علی شرحها.
قد استمرت وتیرة إنضمام المصطلحات الجدیدة إلی الکتب الفقهیة حتی الآن فتسارعت فی أیامنا الحالیة. کما نجد فضیلة المرحوم الشیخ البروجردي قد أقدم علی توضیح بعض المصطلحات الجدیدة فی انتهاء کتابه «جامع الفروع»؛ منها : لا یخلو من الرجحان، لا یخلو من المناقشة، لا ینبغی و …. إثر سؤال قد ألقی إلیه فی هذا الموضوع.
فی أیام حیاة السید البروجردی، ألفت رسالة جامع الفروع الفتوائیة بشکل الرسائل الحالیة علی ید العلامة کرباسیان و الآخرین من الکبار. کما یمکن أن نعد منهج تألیف الرسائل العملیة المعاصرة المنهج السائد و الأکثر رواجا للتألیفات الفقهیة.
إلا أن هذا المنهج یعانی من بعض الإشکالیات إحداها إستعمال بعض العبارات التی یصعب فهمها للمقلدین. الإشکالیة الثانیة هی فی أسلوب تبویب المسائل. و الثالثة هی التأثر بالکتب الفتوائیة السابقة دون أن یتم التدقیق فی الجهات اللازمة.
علی سبیل المثال علی الرغم من أنه قد حدث التغیر فی أسماء بعض الأماکن الجغرافیة المتعلقة بالحج، إلا أننا نواجه إستعمال بعض هذه الاسماء تبعا لما نری فی الکتب الفقهیة السابقة مع أن بعضها قد تم هدمها و لا توجد الآن فی العالم الخارجی.
و الأخیرة هی التساهل فی بیان المفردات و إستعمال بعض المفاهیم و العبارات التی لا نجدها فی الکتب الفقهیة السابقة. مثلا یمکن الإشارة إلی عبارة «نماز شکسته» (الصلاة المکسورة) الذی کانت تسمی فی الکتب السابقة بصلاة القصر فیما کانت تستعمل عبارت شکسته (المکسورة) بمعنی الباطل. المثال الآخر هو تقسیم شکوک الصلاة إلی الباطل و الصحیح حین أن الشک إما مبطل و إما غیر مبطل.
هناک مصطلحات أخری نواجهها فی تعلیقة العروة و تحریر الوسیلة للإمام الخمینی؛ علی سبیل المثال فی باب الصوم و مسئلة «إستحباب صوم المسافر ثلاثة أیام» یستعمل الامام عبارة «علی الأحوط». هل یقصد الإمام الإحتیاط الواجب الذی یمکن فیه مراجعة الآخرین؟ أم یقصد الإمام فتوی فقهیا بهذه العبارة؟ أنا سألت فضیلة الشیخ الوحید الخراسانی و فضیلة السيد الشبیری الزنجاني عن هذه العبارة مجیبین عن سؤالی: یقصد الامام الاحتیاط الواجب الذی یمکن فیه مراجعة الآخرین.
و التطور الخامس یتمثل فی أسلوب کتابة الرسائل الفقهیة. کما نری أن کتاب «ذخیرة العباد» لفضیلة الشیخ آیت الله الشیرازی ألف علی سیاق الرسائل الحالیة فی قالب الأسئلة التقدیریة و إجابة المؤلف عنها. و هذا بعد ما ألف صاحب الجواهر کتابه «نجاة العباد».
فی الختام أذکر بعض المقترحات لتطویر مستوی کتابة المسائل الفقهیة للمکلفین:
1- تجب المحاولة لتقدیم أحکام المسائل الفقهیة الحدیثة خلال تألیف الرسائل الخاصة للمقلدین و عدم الغفلة عن توضیح هذه الأحکام.
2- تجب الإستفادة الأکثر من تجارب الفقهاء و السابقین بجانب تقدیم إبداعات جدیدة فی مجال التبویب.
أحد الإبداعات هو إرفاق الأحکام بالروایات و الحکم و الأدلة التی التی تبرر تشریع هذا الحکم. هذا الابتکار یشجع المکلف و یقوده نحو العمل علی واجباته.
3- یجب تقدیم المسائل و الأحکام خلال عبارات بسیطة یسهل فهمه للمکلفین، إضافة إلی دقة أکثر فی انتقاء العبارات.
4- یجب أن لا یکون أسلوب تألیف الرسالة مرهق و التجنب من تألیفها فی حجم کبیر. بل من الافضل أن ینتخب نص واحد یرتکز علی الآراء المشهورة للفقهاء الکبار و أن یتم ذکر إختلافاتهم فی هامش الصفحات. هذا مما یساهم فی تقلیص حجم الرسالة.
* أستاذ في الحوزة العلمية ومدير موسسة ” كتاب شناسي شيعة” تراث الشیعة” و عضو المجلس الأعلى لمركز الدراسات والبحوث الثقافیة والمعارف الاسلامیة، وكذلك عضو هیئة التحریر في المجلات الثلاث: “فقه اهل البیت “، “میقات حج” و “آینه ي پژوهش. باللغة الفارسية”
المصدر: موقع مباحثات باللغة الفارسية – اعداد التقرير: مصطفی صالحي – نقله الى العربية: فريق موقع الاجتهاد