خاص الاجتهاد: شهد مسجد الإمام الحسن العسكري (ع) بقم المشرفة اجتماعًا هامًا لأساتذة الحوزة العلمية، حيث ناقشوا في دورتهم السادسة والعشرين سبل تطوير الدروس الحرة، إيمانًا بأهميتها في تعزيز الحركة العلمية في الحوزة.”
خلال جلسة دورية لأساتذة الحوزة العلمية، أكد آية الله جوادي الآملي: على أهمية الابتعاد عن الكلام غير العلمي وأن لا تقبلوا أي رأي لا يستند إلى علم. ودعا الأستاذ علي دوست إلى ضرورة تحديث الفقه بما يتناسب مع العصر من خلال الحوار والمعرفة والأدب والإدارة الحديثة. وأعرب الأستاذ نائيني عن قلقه على تراث الحوزة الأصيل، داعيًا إلى الحفاظ عليه. واقترح الأستاذ محمدي إنشاء فريق عمل متخصص لإحياء التقاليد والسنن الناجحة للحوزة العلمية.
وفقا للاجتهاد شهد الاجتماع كلمات قيمة من نخبة من العلماء، منهم سماحة آية الله جوادي الآملي والأساتذة علي دوست، ونائيني، ومحمدي، ورباني تبار، والذي نقدم لكم تقريراً مفصلاً عنه:
نحو حوزة علمية قائمة على العلم والمعرفة / العلم أساس التقدم في الحوزة
قال آية الله جوادي الآملي في كلمته الموجه إلى الحضور الكريم: “أولا وقبل كل شيء، أوجه تحية خالصة لكم أيها السادة الأفاضل، أنتم الذين تمثلون حاضرنا ومستقبلنا الزاهر. فكثير منكم من أساتذة أجلاء أثروا حقل العلم والمعرفة. إن الله تعالى قد حثنا جميعًا، وخاصةً أنتم أيها طلاب العلوم الدينية، على التمسك بما أنزل إلينا من علم وحكمة، وذلك بقوله تعالى: “خذوا ما آتيناكم بقوة”. أي تمسكوا بهذه المعارف بكل قوة وإيمان، سواء كانت هذه القوة قوة العقل في البرهان والاستدلال، أو قوة الإيمان في العمل والتقوى. وعليه، ينبغي علينا ألا نقول كلامًا غير علمي، ولا نقبل به أيضًا.
لقد التزم بعض حكماءنا الكبار بما جاء في رسالة العهد. كما تعلمون أن العهد والنذر واليمين كتبٌ مترابطة. وقد انتشر النذر واليمين، إلا أن العهد قلّ ذكره. ولا يتبادر إلى أذهاننا إلا المرحوم بوعلي سينا الذي عاهد ربه على ما جاء فيها.” فقد عهد إلى الله ألا يتكلم بكلام عامي أو يروي القصص، وألا يقول شيئًا ليس له دليل.
إن الحكيم الحقيقي يعقد مع الله عهدًا ألا يتكلم بكلام جاهل ولا يستمع إليه، وهكذا الحال بالنسبة للحوزة العلمية، فعليها أن تعقد عهدًا مع الله ألا تقول أو تكتب أو تفعل شيئًا لا يوافق العلم والمعرفة. وقد أمرنا الله تعالى في كتابه الكريم بقوله: “خذوا ما آتيناكم بقوة”. أي تمسكوا بما أعطيناكم من علم وحكمة بقوة البرهان والإيمان. وهذا هو الأصل الأول.
هناك مبدأ آخر يتصل بالمبدأ الأول الذي ذكرناه سابقًا، وهو مبدأ ورد ذكره في سورة البقرة. إن القرآن الكريم يدعونا إلى ألا نقتصر على التفكير في الثواب الجزاء بعد إتمام العمل الصالح، بل يدعونا إلى أن ننوي منذ البداية أن نثبت على هذا الطريق. أي أن نقول في نفوسنا: “يا رب، إني أقوم بهذا العمل أو هذه العبادة أو هذا الإنفاق لكي أكون ثابتًا على طاعتك ولا أزل عن الطريق المستقيم”.
ويؤكد القرآن الكريم هذا المعنى بقوله: “إن الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم يثبتون أنفسهم”. أي إنهم ينفقون أموالهم ليس فقط ابتغاء مرضاة الله، بل أيضًا ليثبتوا أنفسهم على هذا الطريق.
ويقول تعالى أيضًا: “يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة”. وهذا هو الثواب الذي ي وعد الله به المؤمنين. ولكن الفرق بين أن ينوي العبد الثبات على طاعة الله منذ بداية العمل وبين أن ينتظر الثواب بعد ذلك هو فرق شاسع. فالنوايا الطيبة تزيد من قوة الإيمان وتقوي العلاقة بين العبد وربه.
إن هذا المبدأ من أفضل الوسائل لتحقيق قوله تعالى: “خذوا ما آتيناكم بقوة”. أي تمسكوا بما أعطيناكم من علم وحكمة بقوة الإيمان والعمل الصالح.”
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام في كتابه إلى مالك الأشتر: “إن للسنة قسمين: سنة شرعية وهي التي شرعها الله تعالى كصلاة الاستسقاء وصلاة الفجر بركتين، وسنة اجتماعية سياسية يضعها العقلاء من الناس، كاجتماعهم مرة في العام، وهي سنة لا أصل لها في القرآن والسنة. وعليه، فإن تحديد هذه السنن يعود إلى حكماء الأمة. ومثال على ذلك ما قاله الإمام الخميني رضوان الله عليه من ضرورة إقامة مسيرة القدس في آخر جمعة من رمضان، فهذه سنة حسنة. وقد حثنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم على إحداث السنن الحسنة بقوله: “من سن سنة حسنة فله أجرها”.
وقد حذر أمير المؤمنين علي عليه السلام من نقض السنن الصالحة بقوله: «لَا تَنْقُضْ سُنَّهً صَالِحَهً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هَذِهِ الْأُمَّهِ وَ اجْتَمَعَتْ بِهَا الْأُلْفَه”. أي لا تلغوا سنة حسنة اعتاد الناس عليها واتفقوا على العمل بها.
نحن اليوم حافظون لتراث مراجعنا السابقين، فالحوزات العلمية في الماضي كانت تمتلك منهجًا خاصًا بها، وكتبًا معتمدة، وطرقًا تدريسية، ومنهاجًا للنقاش العلمي، كل ذلك كان كفيلًا بتلبية احتياجات الشيعة. وإذا وجدنا كتابًا أفضل من كتبنا الحالية، أو منهجًا أفضل من منهجنا الحالي، أو سنة أفضل من سنة من سبقونا كالبروجردي والحائري واليثربي والمدني والإمام الخميني، فسنقوم بتغييره.
ولكن إذا شككنا في أفضلية السنة الجديدة، فعلينا أن نلتزم بما جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام من عدم نقض السنة الصالحة. فمنهجنا الحالي أثبت نجاعته في تخريج علماء كبار أمثال البروجردي والگلپايگاني، ولذلك يجب علينا التمسك به ما لم نجد بديلاً أفضل.
ويجب علينا كحوزويين أن نحافظ على هذه المنهجية، وأن نواصل البحث عن كل ما هو أفضل. ولكن في الوقت نفسه، يجب علينا ألا نهمل ما ثبت نجاحه.
ونحن على يقين بأن هناك أجيالًا جديدة من العلماء ستحل محل مراجعنا الحاليين، ولكن يجب أن يستمر العمل وفقًا للمنهجية التي أثبتت جدواها. وعليه، يجب علينا التركيز على حفظ الحوزة العلمية وتطويرها، وترك مهمة التبليغ والدعوة للآخرين.
يجب أن يكون هناك من يحافظ على الأسس التي تقوم عليها الحوزة العلمية، وعلى مناهجها وكتبها الدراسية. ففي الماضي، كان كتاب “نهاية الأصول” لعلامة الحلي هو المرجع الأساسي في مادة الأصول الفقهية. ومع مرور الزمن، ظهرت كتب أخرى مثل “معالم الأصول”، وحاول بعض العلماء كتابة كتب جديدة لتحل محل “نهاية الأصول”، ولكنها لم تنجح في ذلك.
والسبب في ذلك هو وجود كوكبة من العلماء المتمكنين في الحوزة العلمية الذين استطاعوا تقييم هذه الكتب الجديدة ورفضها. وبناءً على قول الإمام علي عليه السلام: “لا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة”، فإن واجبنا كحوزويين هو الحفاظ على الأسس والقواعد المتفق عليها.
رحم الله جميع الفقهاء، وخاصة الحاج آقا رضا الهمداني. كان لنا في آمل استادان اثنان من تلامذة الآخوند والسيد ضياء الدين، وقد نصحانا بدراسة كتاب “الرياض” بين دراستنا لكتاب “اللمعة” وكتاب “المكاسب” حتى نفهم جيدًا المراجع التي يشير إليها الشيخ الأنصاري في كتابه “الرياض”. وقد فعلنا ذلك بالفعل. ولكن لم يرشدنا أحد إلى دراسة كتاب “مصباح الفقيه” للحاج آقا رضا الهمداني قبل الانتقال إلى دراسة الكتاب الصعب “جواهر الكلام”. ومع ذلك، وبفضل التربية التي تلقيناها، قمنا بدراسة جزء من كتاب الطهارة من مصباح الفقيه مع أحد الأساتذة حتى نتعرف على كيفية الدخول في دروس الخارج.
نسأل الله تعالى أن يحفظ نظامنا، وولاة أمرنا، ودولتنا، وأمتنا، تحت ظل قيادة أهل البيت عليهم السلام، وإمام زماننا المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وأن يمنحكم جميعاً العزة والجلال والمجد في الدنيا والآخرة. ونسأله أن يحفظ هذه الحوزة العلمية التي تتبع منهج أهل البيت حتى ظهور صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وأن يرزقكم كل خير في الدنيا والآخرة. ونسأل الله أن يرحم آية الله الكلبايكاني، وآية الله العظمى صافي الكلبايكاني، وسائر مراجعنا السابقين، والإمام الخميني، والمحقق الداماد، وجميع من له حق علينا في العلم والتربية.
الحوار بين التراث والحداثة في الحوزة العلمية /تحديات تواجه الدروس الحرة وكيفية مواجهتها
وقال الأستاذ أبو القاسم علي دوست: إذا أردنا أن ندرك أهمية تعزيز الدروس، سواء كانت دروسًا حرة أو غير حرة، فعلينا أن ننتبه إلى العصر الذي نعيش فيه. أيها الأساتذة الأفاضل، إننا نعيش في عصر “الحرق الحديث للتراث”. فقد ذهب صلاح الدين الأيوبي إلى لبنان، وحرق مكتبات الشيعة وتراثهم، كما روى الشهيد چمران في كتابه “لبنان”، حتى قيل إن مياه أحواض الاستحمام في لبنان ظلت ساخنة لمدة أسبوع بسبب حرق هذه الكتب، وذلك ظنًا منه أنه يخدم بذلك مجاهدي الإسلام. قد يكون هناك بعض المبالغة في هذا القول، ولكن هذه الرواية ذُكرت عنه.
ونحن نرى أيضًا غزو الأتراك للمكتبة السامانية، وغزو محمود الغزنوي لمكتبة الري، وغزو الإسكندر الأكبر والمغول للمكتبات. ولكن أيها الأساتذة الكرام، نحن اليوم نواجه “حرق التراث” بطريقة مختلفة.
يقول البعض إن الروايات الصحيحة لدينا في مقابل الروايات غير الصحيحة كأنها خاتم في كومة من القمامة، وأن الفقه والفقهاء كشمعة في طريقها إلى الانطفاء. وأنتم تعملون في مثل هذا الجو. أيها أساتذة المكاسب، إذا وصلتم إلى مرحلة تصفية الكتب الضالة، فليكن ذلك، لأننا نواجه اليوم موجات من الضلال.
رغم أولوية الدروس الحرة، فإننا إذا أردنا تعزيز جميع أنواع الدروس، سواء كانت حرة أو غير حرة، يجب أن ندرك الوضع الراهن وما يتطلبه منا من إجراءات.
وفي هذا المقام، سأعرض عليكم بعض النقاط المهمة:
النقطة الأولى التي يجب أن نغرسها في أذهان الطلاب هي أن علم الأصول هو علم الفهم وعلم التفكير، وأنه يستخدم في الاجتهاد بالمعنى الأعم وليس بالمعنى الأخص. وإذا أردنا أن نشجع الطلاب، وخاصة في الدروس الحرة، على التعلم، فعليهم أن يعتقدوا بأن العلم الذي يتعلمونه سيكون مفيدًا لهم.
النقطة الثانية تتمثل في التأكيد على المعايير المقبولة في الفقه، أو ما أسماه الإمام الخميني بـ”الفقه الجواهري”. يجب أن يكون الفقه الجواهري إيمانًا راسخًا في نفوس جميع الطلاب. وأؤكد هنا أنه إذا أردنا تطوير الدروس، فإنه لا يكفي توفير الإمكانات المادية بل يجب علينا أيضًا التركيز على الجوانب المعنوية والمنهجية.
النقطة الثالثة تتعلق بظهور ظاهرة “الفقه المعاصر”. هذا الفقه له أدبياته الخاصة، وأنا أدرك أن هذا القول قد يثير بعض الانتقادات أو سوء الفهم، ولكنني أود أن أؤكد على أهمية هذا الموضوع. مسألة “الفقه المعاصر” و”الفقاهة المعاصرة” تتطلب اهتمامًا خاصًا.
المقترح الذي أطرحه هنا لا يرتبط بالإدارة الحالية للحوزة العلمية، ولا بالمجلس الأعلى للحوزة، ولا بجمعية المدرسين، ولا حتى بالمراجع الكبار أو قائد الثورة، بل يقع على عاتقكم أنتم الأساتذة. يجب أن نحيي النقاش حول هذه المسائل. فإذا كنا نتحدث عن المكاسب، فعلينا أن نتحدث عن المكاسب المعاصرة. وإذا كنا نتحدث عن الأصول أو الفقه، فعلينا أن نراعي الجانب المعاصر فيها. ولكن الفقه المعاصر يتطلب منهجية حديثة وأدوات معاصرة. لا يمكننا الحديث عن الفقه المعاصر والمسائل المعاصرة بأي منهجية، بل يتطلب الأمر امتلاك معلومات وأدوات ومعرفة بالواقع المعاصر.
يجب على الأساتذة الكرام أن يضعوا في اعتبارهم، مع إتقانهم للتراث والأصول الفقهية والفقاهة الفنية والانضباط الفقهي، ضرورة مواكبة متطلبات الزمان والمكان، كما أشار إلى ذلك الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) بقوله “اقتضائات الحوادث الواقعة”. ويجب أن يبدأ هذا الأمر من خلال الدروس الحرة في الحوزة.
يحتاج الفقه المعاصر إلى أربعة عناصر معاصرة: الخطاب والمقاربة المعاصرين، والمعلومات المعاصرة، والأدب المعاصر، والإدارة المعاصرة. ويتمثل أهمية الخطاب والمقاربة في أن يفهم الأستاذ المسائل المعاصرة فهماً دقيقاً.
وعند مراجعة بعض الكتابات نجد أن طرح الأستاذ لا يتناسب مع الواقع المعاش أو القضايا المطروحة في المنتديات العلمية غير الحوزوية. فما يطرح في هذه المنتديات هو أسئلة تتعلق بالقضاء والحكومة والنظام، وهي أسئلة لم يحظَ باهتمام كافٍ من هؤلاء الأساتذة. أي بمعنى آخر، لم يكن لديهم الخطاب المناسب للدخول في مثل هذه النقاشات.
أما فيما يتعلق بالمعلومات المعاصرة، فيجب الانتباه إلى ضرورة التحديث المستمر للمعلومات والأسئلة والقضايا. ومن المؤسف أن نجد أن مصادر العديد من الدراسات والمقالات تعود إلى ثمانين عاماً مضت. وللأدب المعاصر أهمية كبيرة في هذا السياق، إذ إن بعض المصطلحات المستخدمة قد لا تتناسب مع المصطلحات الدارجة. وأخيراً، فإن الإدارة المعاصرة تلعب دوراً حاسماً في هذا المجال ويجب أن تولى الاهتمام اللازم.
الشروط الصارمة تعيق تطوير الدروس الحرة
وقال الأستاذ محمدرضا النائيني: نحن نواجه اليوم في الحوزة العلمية إدارة تتبنى نهجاً إيجابياً تجاه الدروس الحرة، وهذا أمرٌ محمود. ولا ننسى أن بعض الإدارات السابقة كانت تمنع المرجع الكبير من إلقاء محاضرات في لقاءات الأساتذة، أو كانت تمنع بعض أعضاء مجلس السياسة العامة من المشاركة في الاجتماعات. أما الإدارة الحالية، فقد تلقّت انتقاداتي الصريحة بصبر ووقار.
النقطة الأولى: على الرغم من احترامنا الكبير للإدارات السابقة، إلا أن هناك شرطًا غير معقول ساد في الحوزة العلمية لسنوات طويلة، وهو إلزام الطلاب الجدد بالانتساب إلى إحدى المؤسسات المتخصصة للالتحاق بقم. وقد تم إلغاء هذا الشرط هذا العام بعد عشرين عاماً. ولكن مدير إحدى المدارس الحرة أخبرني أنه على الرغم من اتصالاته المتكررة بإدارة الحوزة لوضع إعلان بهذا الشأن، لم يتلقَ أي استجابة. ومن الأمور الإيجابية التي قامت بها الإدارة الحالية توفير حافلات پرديسان لتسهيل وصول الطلاب إلى الدروس الحرة.
وإذا كان لدينا أي اقتراح أو نقد، فيجب أن يكون بناءً. وحتى الآن، كانت إجراءات إدارة الحوزة العلمية جيدة، وهناك توجه إيجابي لحل المشكلات. وإذا تغير هذا التوجه في المستقبل، فسأكون أول من ينتقد.
النقطة الثانية تتمثل في كيفية تعزيز الدروس الحرة. وأرى أن هذا الأمر لن يتحقق إلا بتوحيد الرؤى بيننا وبين مسؤولي الحوزة. يجب أن يشعروا بأننا إخوة لهم وأننا نعمل من أجل خير الحوزة دون مقابل. فما دامت هناك شكوك تجاه الأساتذة، فلن نحقق أي تقدم.
لقد مرت 22 عاماً على انعقاد هذا اللقاء، وكان محور حديث المتحدثين الثلاثة السابقين هو دعم النظام الإسلامي. لكن سؤالي هو: أين مسؤولو الحوزة في هذا اللقاء الهام؟ لماذا لم يحضروا رغم توجيه الدعوة إليهم؟ يجب أن نشعر بالإخوة والتضامن. نحن جميعاً إخوة، ونتفق جميعاً على ضرورة تعزيز الدروس الحرة. فلماذا لا نجتمع لنناقش هذه الأمور معاً؟
يجب أن نُنشئ هذا الشعور المشترك مع الطلاب. فبعد كل اجتماع من هذا القبيل، تنتشر شائعات في الفضاء الافتراضي مفادها أن الأساتذة قلقون من ازدحام دروسهم. وهذا غير صحيح بتاتاً. فمن أي الأستاذة الكرام في الحوزة نسمع مثل هذا الرأي؟ نحن نخشى على تقاليد الحوزة الأصيلة، لا على دروسنا الخاصة.
النقطة الثالثة: إن إدارة الحوزة قد أبدت آراء طيبة في هذا الشأن، ولكن الأقوال وحدها لا تكفي. فكم جلسة عقدت إدارة الحوزة مع مسؤولي المؤسسات (رغم الجهود التي يبذلونها ولا ننكرها) لإقناعهم بتغيير نهجهم الخاطئ؟ وكم جلسة توعوية عقدت مع الطلاب للتعريف بمزايا الدروس الحرة؟ وما هي الموارد التي خصصت للدروس الحرة؟ إذا كنتم تريدون إحياء الدروس الحرة، فعليكم بتكريم الأساتذة المتميزين وتشجيعهم على التدريس في هذه الدروس. إن المكافآت التي يحصل عليها الأساتذة ليست بيدنا، بل هي بيد إدارة الحوزة التي أثبتت قدرتها على توجيه مسار الحوزة من خلال تقديم الحوافز.
الآن وقد أجمع الجميع من مراجع ومسؤولين وأساتذة على أهمية تعزيز الدروس الحرة، فما هي الإجراءات العملية التي اتخذت في هذا الصدد؟ فنحن نشكرهم على إدراج الفقه المعاصر في المناهج، ولكن ما هي الإجراءات الفعالة التي اتخذت لتعزيز الدروس الحرة؟
النقطة الرابعة: إذا أردنا استعادة الحوزة إلى عهد ازدهارها، فعلى الطالب المتفوق أن يشعر بأهميته وقيمته، وأن لا يشعر باليأس والإحباط. ولتحقيق ذلك، يجب تخفيف الشروط الصارمة للتدريس. يجب أن نحترم رأي الأغلبية من الطلاب. قد يتمكن شخص ما من خداع عدد قليل من الطلاب لبضعة أيام، ولكن تاريخ الحوزة أثبت أنه لا يمكن خداع الطلاب لفترة طويلة. فالطالب الذي يرغب في الحصول على ترخيص للتدريس، بعد أن يحصل على موافقة مدير الحوزة، يضطر إلى الانتظار لعدة أشهر، ثم يخضع لامتحان صعب في الأدب بعد عشرة أشهر. هذا الأمر غير منطقي، فليس من الضروري أن يكون الطالب على دراية كاملة بجميع مسائل الرسائل والمكاسب والأدب لكي يصبح مدرسًا. حتى نحن نراجع دروسنا لعدة ساعات قبل كل درس.
يجب إلغاء الشروط الصارمة للتدريس؛ فمسألة منح الإذن بالتدريس تعدّ من أهم المشكلات. لماذا يجب على الطالب أن يتضرع ويتوسل للحصول على إذن بتدريس كتاب السيوطي؟ إذا أردنا إحياء سنن الحوزة الحسنة، فعلينا التخلي عن هذه الشروط الصعبة، وإلا فإن دعم الدروس الحرة مع فرض شروط صارمة عليها لن يؤدي إلى تطويرها. لا يمكن تطوير الدروس الحرة بالشعارات وحدها.
إحياء الدروس الحرة: ضرورة ملحة لتجديد الحوزة
الأستاذ السید محمد صادق محمدی
في البداية، أود أن أذكر بعضًا من فوائد الدروس الحرة، ومنها:
بناء علاقة تفاعلية قوية بين الطالب وأستاذه المفضل.
زيادة الحماس والشغف لدى الطالب تجاه المادة الدراسية.
تنمية الإبداع والابتكار لدى الطلاب.
رفع مستوى الرضا الدراسي لدى الطلاب.
خلق بيئة تنافسية علمية بين الطلاب.
تكيّف الطلاب مع أساليب التدريس المختلفة.
وفوائد أخرى عديدة.
الدرس الحر: تراث حوزوي يتلاشى ببطء
كان الدرس الحر من أبرز التقاليد الناجحة في الحوزات العلمية، إلا أنه للأسف يشهد تراجعًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة. ولا شك أن العديد من التقاليد الحوزوية الأخرى مثل المباحثة وكتابة التقرير قد شهدت هي الأخرى تراجعًا كبيرًا.
ومن بين هذه القضايا التي فقدت بريقها في الحوزات المعاصرة، قضية الدرس الحر التي لا يمكن إنكارها. وقد لعبت عوامل متعددة دورًا في تدهور وتراجع الدرس الحر.
ومع ذلك، فإنه من الواضح جدًا أن المراجع العظام والأساتذة الكرام والطلاب ومسؤولي النظام والحوزة يتفقون على أهمية إحياء هذا التقليد الأصيل والقيم.
لا بد من أن يكون الحل الذي نقدمه عمليًا ومتوافقًا مع الواقع. والحل الجذري في هذا الشأن هو تشكيل مجلس أعلى للبحوث، يضم ممثلين عن مراجع الدين العظام، ومجلس الأعلى للحوزة، وجمعية مدرسي الحوزة، وذلك بدعوة كريمة من مدير الحوزات العلمية، وذلك لدراسة سبل إحياء التقاليد الحوزوية الناجحة. وعلى هذا المجلس أن يقوم بجمع المقترحات المختلفة من جميع المهتمين بالشأن الحوزوي، ومن ثم صياغة خطة شاملة علمية منطقية ناجحة ومنسجمة وقابلة للتطبيق في هذا الشأن. ونحن نأمل أن يتحقق ذلك بإذن الله تعالى.
دور الحوزة في بناء الإنسان المسلم الشامل
الأستاذ أبو الحسن رباني تبار: إن أفضل نموذج للحوزات العلمية هو منظومة الفكر والسياسة والمجتمع للإمام الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية. تتمحور هذه المنظومة حول أربعة محاور أساسية: الأول هو التزكية والعرفان العميقة والروحانية العالية، أي أن يصبح الإنسان إنسانًا كاملًا.
والثاني هو دراسة الفقه والفقه الجواهري والمعارف الإسلامية. والثالث هو تبليغ الدين ونشر الإسلام بين الناس في الداخل والخارج، فقد كان التبليغ من أهم مهام الأنبياء. كما قال الشارع و العارف “مولانا”: “ما جئنا إلا لتوصل”. والمحور الرابع هو شمولية الإسلام، فقد أكد الإمام الخميني على أن أجزاء الإسلام مترابطة لا يمكن فصل بعضها عن بعض. إن الاهتمام بالإسلام والمسلمين والدين هو جوهر فكر الإمام. وعلى الحوزات العلمية أن تعمل وفق هذه المحاور الأربعة.
أحد أهم السبل لتعزيز الدروس الحوزوية هو تعزيز الجانب الروحي للأستاذ. فإذا تقوى الأستاذ روحياً أثّر ذلك في طلابه، مما يزيد من حماسهم. ومن سنن علمائنا الاستغناء والعزة بالنفس، كما يقال: “إن الإنسان يجب أن يكون ذا عين ساعية”. وكان علماء السلف كذلك غالبًا. وقد صدر كتاب مؤخرًا بعنوان “حجت فقيهان” يروي سيرة آية الله حجت الكوهكمري.
قد يعلم الحضور جيداً أنه بعد وفاة الشيخ عبد الكريم الحائري، تولى ثلاثة من مراجع الدين العظام إدارة الحوزة العلمية وهم: آية الله العظمى الخوئي، وآية الله العظمى حجت، وآية الله العظمى السيد الصدر. وقد قدم آية الله حجت إلى قم عام 1349 هـ، وكان مجهولاً فيها آنذاك. وقد أرسل إليه الشيخ عبد الكريم الحائري رسالة يقول فيها: “إذا احتجت إلى مال، فأنَا حاضر لتقديمه لك”. فرد عليه آية الله حجت: “أشكر سماحته على لطفه وكرمه، ولكن إذا احتجت إلى مال، فسأطلبه من الله تعالى لا من الشيخ عبد الكريم”.