خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / موقع الاجتهاد و جميع المواضيع / جميع الأبحاث والأحداث / حوارات ومذکّرات / 44 حوار خاص / مواقف السيد الخوئي “ره” حول الثورة الإسلامية الإيرانية والبعث والانتفاضة الشعبانية العراقية / حوار مع الدكتور الجزائري
السيد-الخوئي

مواقف السيد الخوئي “ره” حول الثورة الإسلامية الإيرانية والبعث والانتفاضة الشعبانية العراقية / حوار مع الدكتور الجزائري

خاص الاجتهاد: في أجواء ذكرى الـ42 لانتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام السيد روح الله الموسوي الخميني”قدس سره” حاورنا المؤرخ العراقي الدكتور محمد جواد جاسم الجزائري ؛ (دكتوراه في تاريخ العراق المعاصر والتدريسي في جامعة الكوفة، له مؤلفات عديدة حول تاريخ العراق والشخصيات الدينية العراقية، منها كتاب “السيد أبو القاسم الخوئي رؤاه ومواقفه السياسية”) حول قضايا هامة تخص مواقف المرجع الديني الکبير وزعيم الحوزات العلمية في العراق آية الله السيد أبوالقاسم الخوئي “قدس سره” حول النهضة الإسلامیة والحركة الثورية التي قام بها الشعب الإيراني في الإطاحة بالشاه وإقامة الجمهورية الإسلامية في إيران، وكذلك موقفه الصارم من حزب البعث المجرم ودوره رحمه الله في الانتفاضة الشعبانية في العراق.

نص حوار موقع الاجتهاد مع فضيلة الدكتور الجزائري

بسم الله الرحمن الرحيم

فضيلة الدكتور أنتم صنّفتم كتابا هاما جداً وفريدا في موضوعه، وهو كتاب “السيد أبو القاسم الخوئي رؤاه ومواقفه السياسية”، و هو موضوع قلّما يتم الحديث حوله، فأغلب المهتمين يتصورون أنّ السيد الخوئي أوصى في زمن صدام بمصالحة السلطة ومسالمتها، حبّذا لو تفيدونا برأيكم حول السيد الخوئي وأهم مواقفه.

فيما يتعلق بمواقف السيد أبو القاسم الخوئي، أشير أولا إلى مواقفه من إيران ومن الثورة الإسلامية، فعلى الرغم من أنّ العراق دخل في حرب مع إيران؛ لكنّ موقف السيد الخوئي كان إيجابياً في تأييده للثورة الإسلامية في إيران، وقد ساند السيد أبو القاسم الخوئي الحركة الثورية التي قام بها الشعب الإيراني والسيد روح الله الخميني في التصدي لشاه إيران، اتسمت مواقف السيد أبو القاسم الخوئي بالجرأة والقوة بخصوص الاحداث التي كانت تجري في ايران وما صاحبها من عنف دموي تعرض له الشعب الايراني المسلم من قبل الشاه محمد رضا بهلوي وحكومته، وقد دعا إلى إصلاح الاوضاع في ايران لاسيما الاقتصادية والسياسية، من خلال البيانات والرسائل المتبادلة مع علماء ايران من جهة ومحمد رضا بهلوي من جهة أخرى.

وأشار في رسالة أرسلها إلى الشاه في 28 تشرين الثاني 1962، إلى أن أعداء الاسلام ومنذ عدة قرون حاولوا محو الدين الإسلامي واستعباد المسلمين، وان العلماء قد تصدوا لهم ولم يصلوا إلى مقاصدهم، ونبّه من تزايد تغلغل القوى الاستعمارية داخل ايران، ثم قام السيد أبو القاسم الخوئي بإرسال رسالة في 2 نيسان 1963 إلى (أربع وعشرون) عالماً ومرجعاً من بين أبرز العلماء الموجودين في ايران، منهم السيد محمد رضا الكلبايكاني والسيد محمد كاظم الشريعتمداري وروح الله الخميني مبيناً فيها انزعاجه من القوانين الجائرة التي تؤيدها الصهيونية والبهائية والمخالفة للشرع الاسلامي، مهدداً في الوقت نفسه الحكومة الايرانية بترك والغاء تلك القوانين وعدم تكرار حادثة المدرسة الفيضية، ويجب على شاه ايران وحكومته نبذ القوانين المشؤومة وسيتحملون المسؤولية عن نتائج الاحداث.

وبعد ابعاد ونفي السيد الخميني الى العراق واستقراره في مدينة الكاظمية المقدسة في 5 تشرين الثاني 1965 ،اتصل بالسيد الخوئي وطلب منه تهيئة دار لسكنه في مدينة النجف الاشرف، حيث وصلها في الساعة الرابعة عصر يوم 12 تشرين الثاني 1965 ، وبعد ساعات من وصوله زاره السيد الخوئي للاطلاع على أحواله، الامر الذي دعا شاه ايران إلى محاولة التقرب من الاخير لكسب ودّه، لا سيما بعد تقلده المرجعية العليا عام 1970 ، والدعوة اليه بالاعلمية وزعامة الحوزة العلمية، ولكنه فشل في استمالة السيد أبو القاسم الخوئي إلى جانبه .

هناك من يدعي بأنّ السيد الخوئي قبل هدية من زوجة شاه وهو عبارة عن خاتم.
لم أجد شخصا مطلعا على هذا الأمر؛ بل سألت حفيده، وقال: لم يكن هناك أيّ شيء من هذا القبيل.

السيد محمد الروحاني وهو من تلامذة السيد الخوئي يقول: أنا سألت السيد الخوئي وأجابني قائلا: أنا غير راضٍ عن من يقول هذه المقولة وسوف أُؤاخذه يوم القيامة.
نعم سمعت ذلك.

لاحظ أنه عند اندلاع الثورة الإسلامية في إيران عام 1978م أصدر السيد الخوئي بياناً في الأول من كانون الأول عام 1978م موجها إلى مراجع التقليد وعلماء الإسلام في إيران بعد قيام حكومة الشاه بالنيل من العلماء، والصاق التهم بهم، والانقاص من سمعتهم ومكانتهم الاجتماعية، واتباع الأساليب غير الإنسانية بحق شعب الإيراني المسلم، مستخدمة إسلوبها الديكتاتوري التعسفي في حكم إيران .

ثم أشار السيد الخوئي إلى أن الشاه قام بتسليم المراكز الحساسة في الحكم و الإدارة في البلاد للفئات العميلة الضالة، كالبهائية واليهودية.
وكذا كان موقف السيد الخوئي تجاه المقاومة الإسلامية وانتصارها في ثورتها في إيران عام 1979؛ فساندها حيث أصدر بياناً في الثامن والعشرين من آذار 1979م ذكر فيه جهاد الشعب الإيراني الغيور وتضحياته، الذي استطاع اختيار نظام حكم جديد بكلّ حرية؛ موضحاً رأيه في انتخاب نظام حكم جمهوري إسلامي مع مراعاة القوانين والحقوق الموضوعة؛ بحيث تكون منسجمة مع مذهب الإمامية؛ باعتبار أنّ غالبية الشعب الإيراني من الشيعة الاثني عشرية.

ويبدو أنّ السيد أبو القاسم الخوئي كان يتابع عن كثب أحداث الثورة الإسلامية في إيران بقيادة السيد الخميني؛ بل كان مستمراً في اتصالاته مع الشعب الإيراني خلال تلك المدة، وداعماً ومؤيداً لتلك الثورة.

والظاهر أنّ العلاقة بين السيد الخميني والسيد الخوئي كانت قائمة، وقد استمرت بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران؛ رغم اختلافهم في الفهم الفقهي حول ولاية الفقيه، لأنّ السيد الخوئي له نظرية في ولاية الفقيه تختلف عن نظرية السيد الخميني الذي يقول بولاية الفقيه المطلقة؛ بينما السيد الخوئي يقول ان ولاية الفقيه محددة بحدود فقاهته ومسؤوليته في الزعامة .

وقد أرسل السيد الخميني برقية جوابية إلى السيد الخوئي بعد الأزمة القلبية التي تعرض لها السيد الخميني في الخامس والعشرين من كانون الأول عام 1980م وقد خاطبه فيها: السيد أبو القاسم من مراجع التقليد العظام.

فضلاً عن رسالة التعزية التي أرسلها السيد الخميني إلى السيد الخوئي بمناسبة وفاة نجله السيد جمال الدين الخوئي في الأول من تموز 1984، وفي تلك السنة كانت الحرب العراقية الإيرانية قائمة، وصدام حسين كان موجودا على راس السلطة في العراق، والسيد الخوئي كان في النجف الاشرف، ومع ذلك كان تبادل هذه الرسائل بين السيد الخوئي والسيد الخميني.

برأيكم أنّ وجود هذه الرسائل يعدّ نوعاً من التأييد للسيد الخميني ورفضا لنظام صدام؟
نعم صحيح، ولكن بصورة غير مباشرة. وقد رفض السيد الخوئي إصدار بيان ضد الجمهورية الإسلامية في إيران بطلب من الحكومة العراقية، على الرغم من ضغوطها الشديدة خلال الحرب العراقية الإيرانية؛ فقد قام طه ياسين رمضان نائب رئيس الجمهورية حينها بزيارة مفاجئة إلى السيد أبو القاسم الخوئي عام 1986؛ وطلب منه إصدار بيان يستنكر فيه استمرار الحرب ويحمّل الحكومة الإيرانية مسؤوليةَ استمرارها، لكن السيد أبو القاسم الخوئي رفض الطلب الأمر الذي أدّى إلى تضييق الحصار عليه، واعتقال عدد من تلامذته.

إذن كان موقف السيد الخوئي داعماً للثورة الإسلامية في إيران منذ عهد الشاه عام 1963؛ أي منذ اشتداد الحركة الثورية في عام 1963 وإلى الحرب العراقية الإيرانية.

كيف كان تعامل السيد الخوئي مع حزب البعث في العراق، لنقارن لو تحبذون بين موقف السيد الشهيد الصدر والسيد الخوئي في هذا الإطار؟

من خلال قراءتي المتواضعة ووجهة نظري المتواضعة- وقديشوبها الخطأ- أعتقد أنّ السيد محمد باقر الصدر كان يُخبر السيد أبو القاسم الخوئي بكلّ ما يقوم به، ولكن الظروف التي عاشها السيد الخوئي والسيد محمد باقر الصدر في ظل تلك المدة استوجبت عدم إظهار هذا الأمر، ويمكن استنتاج ذلك من خلال العلاقة الحميمة والوطيدة التي كانت قائمة بين السيد أبو القاسم الخوئي والسيد محمد باقر الصدر.

والسيد أبو القاسم الخوئي في الحقيقة لم يتدخل بصورة علنية وبصورة مباشرة في حياة العراق السياسية، بل كان يحاول الحفاظ على وجود الحوزة العلمية، وإبعادها عن بطش السلطة قدر الإمكان، ودفع الضرر عن طلبتها، خصوصاً وأنّ النظام الحاكم في العراق كان يعدّ المرجعية الدينية عدوّه اللدود، وإن لم يعلن ذلك هو الآخر، أي أنّ السيد الخوئي لم يكن يستطيع أن يعلن رفضه للسلطة حفاظاً على الحوزة وعلى طلبة الحوزة.

لكن هل صدر منه تأييد للحكم؟
لم يصدر تأييد منه بالطبع.

وهل أنّ عدم التأييد و إصرار الحكومة على تأييده هو نوع من الرفض؟
نعم بالتأكيد، ولذلك دفعت الحكومة بالمدعو “علي رضا” بأن يرسل استفتاء إلى السيد ابو القاسم الخوئي؛ حيث كتب له: سماحة المرجع الأعلى السيد أبو القاسم الخوئي السلام عليكم ورحمته الله وبركاته: هل رأيتم من حكومة البعث في العراق ما ينافي الدين والإنسانية بالنسبة إلى شخصكم الكريم أو إلى الحوزة العلمية أو إلى الإيرانيين؛ فقط ذكر بعضُ المغرضين أنّ الحكومة تعاملهم معاملة سيئة أفتونا مأجورين! بغداد 25/12/1971م. وكاتب الاستفتاء شخص يدعى علي رضا، _طبعاً هذا الاستفتاء مزوّر_ فجاء الجواب: باسمه تعالى شأنه، تحية طيبة _ عبارة “تحية الطيبة” لم ترد لدينا في أجوبة استفتاءات العلماء وبشكل خاص عند السيد الخوئي_

وبعد بالنسبة إليّ لم أر من الحكومة إلاّ خيراً. أما بالنسبة إلى الحوزة العلمية والإيرانيين فقد سمعت من بعض الثقاة أنّ الحكومة تعاملهم معاملة حسنة، والله ولي التوفيق والسلام عليكم و رحمة الله. ليس فيه ” و بركاته”. النجف الأشرف / ثماني ذي القعدة 1391هـ.

لو دقّقنا فی صورة هذه الاستفتاء الذي أرسله علي رضا، والتي نشرها أحمد أبو زید العاملي في كتابه “محمد باقر الصدر السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق” في الصفحة 208 من الجزء الخامس، لوجدنا الملاحظات التالية:

1- أنّ الاستفتاء كتب ببغداد بتاريخ ٢٥ كانون الأول 1971، وجواب الاستفتاء بتاريخ ١٨ ذي القعدة 1391 الموافق ٢٥ كانون أول 1971، و هو نفس يوم كتابته، ومن غير الممكن أن يكون الجواب في نفس اليوم مع ملاحظة المسافة بين بغداد والنجف الأشرف وعدم وجود وسائل الاتصال الحديثة آنذاك.
٢- بدأ الجواب بعبارة “تحية طيبة” وهذه العبارة لايكتبها مراجع الدين في أجوبة الاستفتاءات، فهي عبارة غير مألوفة الاستخدام في مخاطباتهم.
٣- أسلوب الجواب برمّته لا يرتقي إلى الأسلوب الحوزوي المبني على البلاغة والنحو، وقد حُذفت كلمة “وبركاته” من آخر الجواب.
٤- الختم الموجود على الاستفتاء غير واضح، و لاتعطي معالمه أنّه ختم السيد الخوئي، ففيه منقوش كلمة “الخوئي” في حين أنّ أغلب استفتاءاته مختومة بختم يحمل عبارة “السيد أبو القاسم الخوئي”.

٥- أنّ السيد أبو القاسم الخوئي كان في ذلك اليوم مريضاً، وفي حال الاستعداد للسفر إلى لندن للعلاج؛ إذ حجز بطاقة سفر من الخطوط الجوية العراقية، والحجز يوم ٢٨ كانون الأوّل، أي من بعد ثلاثة أيام من الاستفتاء وهو يتهيأ للسفر إلى لندن لغرض العلاج.

مع هذا فقد أكّدّ لي السيد الدكتور صادق الطباطبائي رحمة الله عليه، وهو كان نائب رئيس وزراء إيران في عهد بازرگان، وآخر منصب تولاه هو ممثل رئيس الجمهورية الإيرانية حسن روحاني للشؤون السياسية في أروبا.

وقد التقيت به في النجف الاشرف بتاريخ 20 أيلول 2013، وتحدّث لي حول هذا الاستفتاء، وقال : لقد سافرت من ألمانيا في وقتها إلى مدينة النجف الاشرف ، والتقيت بالسيد محمد باقر الصدر، وسألته عن الاستفتاء، فقال: اذهب بنفسك إلى السيد ابو القاسم الخوئي، وفعلا ذهبت إلى السيد الخوئي، وبحثت معه موضوع هذا الاستفتاء، فقال لي: هذا الاستفتاء غير صحيح، ولم أصدر هكذا استفتاء.

هناك مراسلات أخرى بين السيد الخوئي والحكومة، وفي إحداها يقول: أنا جئت إلى العراق بطلبكم، فما رأيكم بذلك؟
حقيقة هذه الرسالة أنّها كانت في العام 1987 م، وبالتحديد في الخامس من شهر جمادى الأولى عام 1407 هجرية في أثناء الحرب العراقية الإيرانية .
وقد أرسلها السيد أبو القاسم الخوئي إلى صدام حسين بعد المضايقات التي تعرض لها السيد الخوئي وطلبة الحوزة العلمية.

هذه الرسالة أثارت الكثير من النقاشات والتفسيرات وتناولتها المحطات الفضائية، وكل يحللها من خلال قراءة الرسالة فقط، لكن تفسير هذه الرسالة يرتبط بحادثة في الاول من كانون الثاني من عام 1972 ، ومفادها :

سافر السيد أبو القاسم الخوئي إلى لندن لإجراء عملية جراحية حيث وصلها في 29 كانون الاول 1971 ، وفي الاول من كانون الثاني 1972 زاره في المستشفى موظف من السفارة الايرانية في لندن كمبعوث لشاه ايران وطلب منه الانتقال إلى ايران، فأجابه السيد الخوئي بأن الشاه له ارتباطات وعلاقات قديمة مع الصهيونية العالمية وسوف لن اغادر العراق بغض النظر عن مضايقات السلطة العراقية للحوزة العلمية، وفي اليوم اللاحق زاره مبعوث الحكومة العراقية، فاخبره السيد الخوئي بطلب السفارة الايرانية بترك العراق، وأبلغه باعتزامه على إتخاذ قرار الهجرة إلى ايران ما لم تتوقف الاجراءات القمعية ضد الحوزة العلمية في النجف الاشرف من قبل السلطة العراقية ولاسيما تسفيرات طلبة العلوم الدينية، الأمر الذي أدى بالمبعوث العراقي إبلاغ السيد الخوئي برغبة رئيس الجمهورية ببقاء قيادة المرجعية في النجف الاشرف .

أي ان الحكومة العراقية لم تكن ترغب بنقل المرجعية إلى إيران، ولاشك أنّ ذهاب المرجعية من العراق إلى إيران هو شيء سيء جداً للحكومة العراقية. نعم رغم مضايقاتهم الكثيرة؛ لكن في نفس الوقت لم يكونوا يريدون أن تنتقل المرجعية إلى إيران؛ فاستفاد السيد الخوئي من ذلك لحفظ الحوزة وحماية طلبة الحوزة من التسفيرات ومن المضايقات.

نص رسالة السيد ابو القاسم الخوئي :
( … إن وجود الحوزة العلمية في النجف الأشرف مما لا يخفى على سيادتكم أهميتها في العالم الإسلامي، كما أنّ دعوتكم لي بالرجوع إلى النجف الأشرف عند سفري إلى لندن تدل بوضوع على اهتمامكم بحفظها، وقد بلّغني المرسل من قبلكم إلى لندن بأنكم تدعونني إلى الرجوع إلى العراق، على أن أكون مستمراً في القيام بالوظائف الدينية ورعاية الحوزة وإدارة شؤونها، فلبّيت دعوتكم و قدّمتها على دعوة الشاه لذهابي إلى إيران، مع العلم بأنها كانت قبل وصول دعوتكم لي، فرجعت إلى النجف الأشرف، وبعد مضيّ سنين انقلب الأمر وحدث التشويش والاضطراب في الحوزة العلمية، حتى بلغ ما بلغ مما هي فيه الآن، بما هو غير قابل للتحمل، فإن كنتم على العهد السابق كما هو المأمول، فالمرجو إصدار الأمر للمسؤولين بالاهتمام بشؤون الحوزة، ورفع ما يوجب التشويش، وإن كان وجود الحوزة العلمية _لا سمح الله_ يتنافى مع مصالح الدولة، فالمرجو إصدار أوامركم للدوائر المختصّة بتسهيل مغادرتنا العراق مع من يتّبعنا من أفراد الحوزة على أن يمهلونا مدة شهر واحد لتصفية أمورنا، هذا وقد راجعنا بعض المسؤولين في هذا الموضوع فلم نحصل على النتيجة المطلوبة. والله ولي التوفيق ولكم الشكر. في الخامس من شهر جمادى الأولى ١٤٠٧ هجرية.
فهذه الرسالة كانت رسالة تهديد إلى صدام حسين بترك العراق من قبل السيد الخوئي.

وقد اشار كل من طاهر جليل الحبوش مدير المخابرات العراقية السابق وصباح الحمداني الضابط في مديرية أمن النجف الاشرف من خلال لقاءاتهم التلفزيونية ، ان سبب ارسال السيد الخوئي لهذه الرسالة هو لأسباب شخصية وتضر بمصالح السيد الخوئي، وهذا تجني آخر من هؤلاء بحق السيد الخوئي، إذ ان السيد الخوئي كان يشاهد مآسي الشعب العراقي من خلال بطش السلطة، وكان يريد منعها من عمليات الاعتقالات والاعدامات التي طالت أساتيذ الحوزة العلمية وطلبتها .

ماذا كان دور السيد الخوئي في الانتفاضة الشعبانية، وماذا كانت مواقفه منها؟
قبل أن أتحدث عن انتفاضة صفر 1991م، سوف أتحدث عن انتفاضة صفر عام 1977م، فعندما حدثت هذه الانتفاضة قام السيد أبو القاسم الخوئي بإرسال وفد لمقابلة أحمد حسن البكر رئيس الجمهورية في ذلك الوقت، لغرض إطلاق سراح المعتقلين أو تخفيف الحكم عنهم، وقد ضمّ الوفد نجله السيد جمال الدين الخوئي والسيد مصطفى جمال الدين والشيخ محمد جواد آل راضي، والسيد عبد الرسول علي خان المدني، وقد وصف رئيس الجمهورية البكر المعتقلين بأنهم مشاغبون وخارجون عن القانون، فأثار هذا الوصف حفيظة السيد جمال الدين الخوئي، فردّ عليه القول بأنّ هؤلاء أناس كانوا ذاهبين للزيارة، وأنتم من أغلق عليهم الطريق بالدبابات والطائرات، ممّا أدّى إلى حدوث مشادة كلامية بين السيد جمال الخوئي ورئيس الجمهورية أحمد حسن البكر.

فقام السيد مصطفى جمال الدين بتهدئة الوضع وتلطيف الأجواء، وطلب الوفد من البكر التدخل في الأمر؛ فوعدهم بذلك فألغيت بعض أحكام الإعدام – ومنها حكم الإعدام للسيد محمد باقر الحكيم – وابداله بالسجن المؤبد.

وتعرض السيد أبو القاسم الخوئي وطلبة الحوزة العلمية في النجف الاشرف الى سلسلة من المضايقات من قبل الحكومة العراقية ، ففي 10 تشرين الثاني 1984 قررت القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم في العراق تشكيل لجنة برئاسة عزت ابراهيم الدوري نائب رئيس الجمهورية وعضوية عدد من اعضاء قيادة حزب البعث كل من حسن علي ونعيم حداد ومحمد حمزة الزبيدي وسعدون حمادي وكامل ياسين رشيد ،لإعداد دراسة عن الحوزة العلمية والطلبة العرب غير العراقيين والأجانب في المدارس الدينية، فأرسلت اللجنة تقريرها الى صدام حسين رئيس الجمهورية في 6 شباط 1985 وتضمن عدة توصيات ، كان من بين أبرزها ارغام السيد أبو القاسم الخوئي على اعلان موقفه الواضح من الحرب العراقية الايرانية ومن شخص السيد الخميني ، وترحيل مساعديه من الجنسية الفارسية خارج العراق .

وقد رفض السيد الخوئي طلب عزت ابراهيم نائب رئيس الجمهورية بإصدار بيان ضد الحكومة الايرانية او الموافقة على موقف الحكومة العراقية السلبي من السيد الخميني ، وكانت عبارة السيد الخوئي له باعثة على التحدي إذ قال له ” هل تريد مني ان اعطي تقييما بالخميني ؟ حسناً يجب أن اعطي تقييماً بالعراق كذلك ” ! هذا طبعاً ما نقله عزت إبراهيم في تقريره إلى صدام حسين.

ولم يقف السيد الخوئي موقفاً مناهضاً للثورة الإسلامية في إيران أو لشخص السيد الخميني؛ على الرغم من الضغوط التي مورست عليه من قبل السلطة الحاكمة في العراق، و كان يتخذ جانب الصّمت في أغلب الأوقات، وسبب هذا الصمت وعدم إعلانه عن مواقفه كان من أجل الحفاظ على الحوزة العلمية وعلى طلبة الحوزة.

فعندما قامت الانتفاضة الشعبانية في النجف الأشرف ظهر يوم الأحد 16 شعبان 1411 هجرية الموافق للثالث من آذار 1991م ، تحوّل دار السيد أبو القاسم الخوئي إلى مركز رئيس للقيادة، وتنظيم أمور المدينة، وكان لأبنائه دور رئيس في قيادة الانتفاضة، وقد أصدر بياناً في الخامس من آذار عام 1991 أكّد فيه الحفاظ على بيضة الإسلام ومراعاة مقدساته باعتباره أمراً واجباً على كل مسلم، ودعا المواطنون إلى الإلتزام بالقيم الإسلامية الرفيعة، ورعاية الأحكام الشرعية رعاية دقيقة في كلّ أعمالهم وتصرفاتهم.

يعني صار هناك فوضى؟
نعم فوضى في المدينة طبعاً، لأنه لم يكن هناك سلطة، وانتفض الشعب في النجف الاشرف ، وأصدر السيد الخوئي بياناً لينتبه الناس إلى تصرفاتهم، وطالب بدفن جميع الجثث الملقاة بالشوارع وفق الموازين الشرعية، بصورة عامة جثث البعثيين وغيرهم، و عدم التسرع في اتخاذ القرارات الفردية غير المدروسة والتي تتنافى ولأحكام الشرع والمصالح العامة.

و من أجل حفظ دماء المسلمين والحفاظ على النظام واستتباب الأمن والاستقرار والإشراف على الأمور العامة والشؤون الدينية والاجتماعية أصدر بياناً آخر في الثامن من آذار 1991 يقضي بتعيين لجنة عليا؛ تقوم بالإشراف على إدارة الشؤون كلّها، وطلب من المؤمنين الإنصياع لقراراتها وإرشاداتها ومساعدة أعضائها في إنجاز مهامهم، وهم نخبة من أصحاب الفضيلة ممّن يعتمد على كفاءاتهم وحسن تدبيرهم، وهم كلّ من: السيد محي الدين الغريفي، السيد محمد رضا الخلخالي، السيد جعفر بحر العلوم، السيد عز الدين بحر العلوم، السيد محمد رضا الخرسان، السيد محمد السبزواري، الشيخ محمدرضا شبيب الساعدي، السيد محمد تقي الخوئي، السيد محمد صالح عبد الرسول الخرسان.

غير أنّ سلطة بغداد استطاعت إعادة سيطرتها على مدينة النجف الأشرف، وقامت قوة عسكرية في 20 آذار 1991 بمحاصرة بيت السيد الخوئي، واقتحامه، وتم اعتقاله مع أبنائه، والذهاب به إلى بغداد، وإجباره على إجراء اللقاء مع رئيس السلطة القائمة آنذاك، وبثّها عبر وسائل الإعلام لكي يضلّلوا بعض الناس بأنّ السيد أبو القاسم الخوئي غير موافق على ما جرى من أحداث خلال الانتفاضة الشعبانية.

وهنا استشهد بعض أولاد السيد الخوئي؟
لا، هنا فقط أخذوهم قسراً إلى بغداد.

ألم يستشهد منهم أحدٌ فيما بعد؟
طبعاً أحد أبنائه واسمه إبراهيم وحتى الآن لا أحد يعرف عنه شيئاً وما زال مصيره مجهولاً بعد أن أعتقله البعثيون، أما السيد محمد تقي الخوئي كان عادة يذهب إلى زيارة الحسين عليه السلام في ليالي الجمع؛ فأثناء عودته من بعد الزيارة وجدوا سيطرة في الطريق، فالسيطرة سمحت لسيارة السيد محمد تقي بالمرور للعودة إلى النجف، وفي الطريق تبعتهم سيارة أخرى وراحت ترمي وراءهم بالبندقية، فاضطرّ السائق أن يقود سيارته بسرعة كبيرة، وعند أحد المفارق في منطقة الكفل، ومع السرعة الفائقة، اصطدمت سيارتهم بسيارة شاحنة أعدت لهم مسبقاً، ويُقال أنّ السيد محمد تقي الخوئي كان على قيد الحياة بُعيد الحادث، وتمت تصفيته مع مرافقيه.

نعود للحديث حول العلاقة بين الشهيد الصدر والسيد الخوئي، فهناك رسالة من الشهيد الصدر جواباً لمن سأله عن علاقته بالسيد الخوئي. ما هو دافع الشهيد الصدر لكتابة هذه الرسالة، وهل كان هناك أحد يشكك في علاقتهما؟

ليس لديّ اطلاع كامل على هذه المسألة، لكن بالتأكيد أنّ السيد محمد باقر الصدر قد وجد هناك من يشكك بهذه العلاقة؛ وإلا لماذا كتب هذه الرسالة؟ ولماذا قدّم له استفتاء ثم أجاب على الاستفتاء؟ لا بدّ أنّه كان هناك شكوك حول قضية العلاقة بين السيد الخوئي والسيد محمد باقر الصدر.

ذكر لي أحد المعاصرين ان السيد ابو القاسم الخوئي عطّل درسه ليوم واحد عند سماعه استشهاد السيد محمد باقر الصدر ، في حين ذكر لي المحقق محمد رضا الجلالي ان السيد الخوئي لم يستطع اعطاء الدرس واعتذر عن اعطائه لمدة 14 يوما .

لا تنس أنّه حينها كان يوجد مخابرات عراقية صدامية ومخابرات صهيونية، وهناك أعداء للحوزة، وهناك كثير من المدسوسين الذين يريدون بثّ التفرقة في أوساط الحوزة العلمية .

ولازالت محاولات التفرقة مستمرة إلى اليوم، كثير من العملاء يريدون تفتيت الحوزة، والتفرقة بين علماء الحوزة؛ حتى أنّ البعض جعل من الخلافيات الشرعية بين العلماء خلافات حزبية وسياسية وغيرها.

هناك من يقول بأنّ مرجعية النجف أبت أن تنزل شأنها إلى الدخول في مجال السياسة. أنتم كباحث وأستاذ في مجال التاريخ _وخصوصا تاريخ النجف_ هل تعتقدون بصحة هذه المقولة؟

المرجعية تدخلت في ما يحفظ بيضة الإسلام، والحفاظ على الحوزة، والحفاظ على طلبة الحوزة بقدر المستطاع، لكنها لم تتخذ المواجهة سبيلاً، بينما واحه السيد محمد باقر الصدر السلطة وتحدّاها، لكن لكلّ مرجع رأيه وأسبابه، وهناك أسباب خفيّة وأخرى نعلم بها، وهناك أسباب لا نعلم بها. يبقى المرجع أو الشخص هو الذي يتحمّل مسؤولية أعماله، و لعلّ لديه الأسباب في إظهار عدائه للسلطة أو في عدم إظهاره أو تكتمه.

لكن هذا لا يعني عدم التدخل مطلقا، هناك تدخل لكن بمستويات مختلفة ان البعض يتدخل إلى حدّ المواجهة، والبعض يتدخل بهدف الحفاظ على الحوزة.
نعم كلامكم صحيح، أصل التدخل موجود.

 

القسم الأخير من الحوار سينشر قريبا وهو يتمحور حول الفيلسوف الشيخ عبد الكريم الزنجاني

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign