خاص الاجتهاد: يعتمد الفقيه في عملية استنباط الحكم الشرعي على مجموعة القواعد الممهدة أو مجموعة من العناصر المشتركة – على الخلاف المعروف – وقد بحث الأصوليون تلك القواعد بما لا مزيد عليه وأضاف الاخرون بعض المسالك المنفتحة والمؤسسة التي تخدم الحكم الشرعي. ومن بين تلك المسالك هو مسلك حق الطاعة الذي تناوله علماء الأصول وشيده السيد محمد باقر الصدر في بحوثه و دروسه و هو مسلك جديد في التعامل الأصولي، له ارکان ومقوماته الخاصة التي تميزه عن مسلك المشهور مضافا لتلك الثمرات المترتبة عليه. بقلم : الباحث فارس فضيل عطيوي
يشكّل البحث الأصولي الركيزة الكبرى في شأن الفقيه إذا ما أراد ممارسة عملية استنباط الأحكام الشرعيّة، فنجده يبحث ويناقش ويؤسس في المباني الأصولية كي يتوصلّ إلى ما يجعله برهاناً كبروياً يستعين به .
وقد استطاع علماؤنا من تشييد البحث الأصولي حتى وصل إلى الذروة في العصور المتأخرة بل المعاصرة، وبذلك ظهرت نظريات ومناهج ومسالك عدّة ، ومن بينها ما يُعرف بـ ” مسلك حقّ الطاعة ” الذي أصبح مثاراً للنقاش العلمي بين الفقهاء .
ومن هنا، وقع الاختيار على بحثه كونه يمثّل آخر مسلك أصولي من حيث الجدّة في هذا العلم، ومن ناحية أخرى: أن الموضوع لم يبحث بشكل مستقلّ كي تظهر أركانه ومقوماته ومميزاته بشكل واضح كما هو الحال في غيره .
وقد انتظم البحث عن ذلك بمقدّمة وفصلين ثم خاتمة لأهم النتائج وأخيراً قائمة بالمصادر والمراجع المعتمدة في البحث، ويُلخّص ذلك بما يأتي :
1ـ المقدّمة
جرياً على المتعارف المنهجي، فقد أوضحت المقدمة أهميّة الموضوع، وسبب اختياره، وأهم المشاكل التي واجهت الباحث، ثمّ عرضت الصورة الإجمالية لهيكليّة البحث وما تضمنته فصوله وأبحاثه وخاتمته.
2ـ الفصل الأوّل
تناول الفصل الأول مفهوم حق الطاعة في مباحث ثلاثة ، كان الأول منها باحثاً عن المعنى اللغوي والاصطلاحي والجذور التاريخيّة لهذا المصطلح . واشتمل المبحث الثاني على أهم مرتكزات الطاعة ، والنكتة العلمية التي دعت لقيام هذا المسلك وافتراقه عن قاعدة قبح العقاب بلا بيان . أما المبحث الثالث فقد درس الثمرات المترتبة المتمثلة بركنية الطاعة للقطع ، واستفادة الاحتياط في موارد الشبهة البدوية .
3ـ الفصل الثاني
لم يكن مسلك حق الطاعة بمعزل عن السّجالات العلمية التي أثيرت حوله ممّا جعله بين رافض له وموافق على نحو الموجبة الجزئيّة ، ومن هنا كان الفصل الثاني باحثاً عن تلك المواقف والإشكالات التي طرحت في قباله كمسلك جديد ، وقد انتظم البحث عن ذلك في مبحثين ، الأول : الرفض المطلق لمسلك حق الطاعة ، والثاني : الموافقة النسبية للمسلك المذكور .
4ـ الخاتمة والنتائج
من الطبيعي أن يكون لكل بحث مجموعة من النتائج التي توصل لها الباحث وأفرزتها معايير البحث العلمي، وكما يأتي :
1ـ مسلك حق الطاعة الذي استفاده السيد الصدر من المفاهيم التي كانت متداولة على ألسنة الفقهاء والأصوليين بصورة طبيعيّة.
2ـ أستطاع السيد الصدر الاستفادة من هذا المفهوم وبلورته على شكل مسلك أصولي في قبال مسلك قبح العقاب بلا بيان .
3ـ تتقوّم فكرة حق الطاعة على ملاحظة سعة طاعة المولى لتشمل التكليفات المحتملة والمشكوكة والمظنونة والمقطوعة .
4ـ يرتكز حق الطاعة في بلورته على مقتضيات العقل العملي والوجدان الداخلي .
5ـ للمسلك المذكور ثمرات متعددة من قبيل ركنية القطع ، واستفادة الاحتياط في موارد الشبهة البدوية .
6ـ لم يستطع السيد الصدر البرهنة على مسلكه المذكور كونه مقتضاً عملياً لا برهانياً .
7ـ تباينت المواقف في مقبولية مسلك حق الطاعة بين القبول والرفض والموافقة النسبية .
8ـ المسلك المذكور قابل للتأمل في أكثر من جهة من جهات بحثه المتعددة .
نقرأ في المبحث الأول من الفصل الثاني من هذا البحث وهو الرفض المطلق “تفكيك مسلك حق الطاعة “، أنه تباين الموقف الأصولي من مسلكيّة حق الطاعة على أربعة أوجه : الرفض المطلق و القبول المطلق ، والقبول النسبي والتوقّف.
ففي نقد مسلك حق الطاعة ” بلحاظ الوجدان يقول المؤلف: انتقد الأستاذ صادق لاريجاني مسلك الطاعة – في بحثه المنشور – متمسكاً بفكرة الوجدان، وتوضيحه يتوقف على التالي:
1- كون السيد الصدر لم يستطع البرهان على مسلكه، انتقل للرد على مسلك قبح العقاب بلا بیان قائلا: (كيف تكون هذه القاعدة من بديهيات العقل السليم مع أنها لم تدرك، ولم تذكر من قبل أحد من العلماء العقلاء إلى أيام الأستاذ الوحيد رحمه الله … ) .
2. كون ما تمسك به الأصحاب ممن ذهب إلى مسلك “قبح العقاب بلا بيان” مما يمنع العقل السليم من إدراك حق الطاعة(۳) .
ومن خلال هذين الأمرين وجه الأستاذ صادق لاريجاني إشكال السيد الصدر نفسه على مسلکه؛ إذ ذكر في ذلك: ( وهذا الاستفهام بعينه يمكن إثارته حول ما ادعاء الشهيد الصدر قدس سره ؛ فإنه على تقدير كون «حق الطاعة» من الأمور الوجدانية والبدهية ، فلماذا ذهب إلى «قبح العقاب بلا بیان» عدد معتد به من الأصوليين من أيام الوحيد رحمه الله إلى يومنا هذا ؟ أضف إلى ذلك أنه لم يتصد أحد قبل الوحيد رحمه الله إلى بيان «حق الطاعة» بالنحو الذي بينه الشهيد الصدر قدس سره ).
وعليه فكما استدل السيد الصدر على مسلکه بالوجدان كذلك يستدل على رده بالوجدان نفسه؛ إذ إن ما يجده الإنسان في نفسه هو التكليف بما يقطع وصوله أما ما يشك فيه أو يحتمله فهو بحاجة إلى وسائط اثباتية .
وهذا الطرح وإن كان وجيها من قبل الأستاذ لاريجاني بيد إنه لا ينسجم مع عالم الثبوت الذي هو حدود بحث السيد الصدر ، بل هو منسجم بحدود عالم الإثبات.
لقراءة البحث و تنزيله أضغط على الصورة