السيد-حسين-الحكيم

خاص / دراسة الكفاية ما لها وما عليها وتأثيرها على الخطاب المرجعي

خاص الاجتهاد: من يأخذ بخصوصيات هذه الطريقة ويدقّق فيها ستساعده بلا ريب على مزيد من التّفتح الذهني والالتفات إلى كثير من جوانب المطلب. / نتفهم وجود بعض المعاناة من الكفاية عند الطلبة. / من جملة ما يُحيّر المراقبينِ السياسيين في دراسة خطبة الجمعة أنهم يجدونها دقيقة جداً.

بعدما بين سماحة الأستاذ السيد حسين الحكيم “دامت إفاضاته” في البحث الخارج في الأصول في يوم الثلاثاء ١٨ جمادى الأولى عام ١٤٤١هـ في النجف الأشرف مطلباً لصاحب الكفاية المحقق الخراساني قدس سره في مبحث (الاستثناء المتعقب جملا) وقرأ نص عبارته بطولها وشرح دقائقها واستمع إلى مناقشات بعض طلابه حول تفسيرها وأجاب عنها فاستغرق ذلك منه أكثر وقت الدرس، ختم الدرس بالحديث عن بعض خصائص عبارة كتاب كفاية الأصول وذكر ما لها وما عليها وتأثيرها على الخطاب السياسي المرجعي في صلاة الجمعة في كربلاء.

منهج صاحب الکفایة” فی البیان الأصولي، من أهم مَلامِحِه: أنّ العبارة لا تكون مباشرة، وتكون انتزاعية في كثيرٍ من الأحيان؛ تشير إلى المطلب ولا تصرّح به مباشرة.

وأنّ العبارة تحتوي على بعض الجُمُل المعترضة التي تُشير إلى مَبانِي المطلب، وأنّ العبارة لا تُبيّن نتيجة المطلب ولا تُثبِتُها بشكل مباشر ولا تستدل عليها بشكل مباشر؛ بل تشير إلى احتمالاتها بطريقة الكرّ والفرّ.

فبعض الأحيان يقول مثلا: “لا يُقال” (فأنت تعرف الطريق التي تسلكها؛ يعني إمّا أنّك تريد أن تثبت أو أن تنتفي)، أما عندما يقول ” الّلهم إلا أن يُقال”، عندما تقرأها، فما الذي يتبادر إلى ذهنك؟

يتبادر أنّه ربما تحقيق المطلب النهائي هنا، ثم تَبني على ذلك، ولكن فجأةً تجد انعطافة جديدة في الطريق؛ وهذا يشبه بعض الطرق الجبليّة التي فيها انعطافات كثيرة وأحيانا غير متوقعة فلا تكون جميعاً على نسق واحد، تأخذ يمين الطريق، ثم تأخذ شماله ثم تأخذ يمين الطريق مرتين متتاليتين، ثم تأخذ الشمال مرة واحدة، وهكذا.

من يأخذ بخصوصيات هذه الطريقة ويدقّق فيها ستساعده بلا ريب على مزيد من التّفتح الذهني والالتفات إلى كثير من جوانب المطلب، ومَن يتعقبّها أيضاً ستساعده على أن يكون دقيق المُلاحَظة للعبارات، وقويّ البيان في التعبير عن مراده، ويبتعد عن التعابير التي فيها تسامح، ولا تكون تعابيره مُنسابة بطريقة غير منضبطة، فالذي يَتَرَبّى على هذه المدرسة ستكون عنده نتائج بهذا الشكل.

نعم هذه هي النقطة الإيجابية والمفيدة، ولذلك من يدرس الكفاية ويؤدّي حقها، بلا شك سوف تنمو عنده هذه الخصوصيات، وهي خصوصيات هامة جدّا للطالب، وللباحث، وللفقيه، وللأصولي، ولكل مدقق عموما مهما كان اختصاصه.

ولكن من جانبٍ آخر نجد أنّ جزءاً كبيراً من الجهد والتّدقيق سيكون في لَملَة شُتات المطلب وتجميعه، وهذا جهد مضاف، ربما لو يُنفَق هذا الجهد بشكل مباشر في الجوانب التصديقية للمطلب مع الضبط المنهجي في بيانها،

بمعني أن نحدّد محل النزاع، ثم نذكر احتمالاته، ثم نأخذ بأحد هذه الاحتمالات، ونقيم الأدلة عليه، ثم ننقد الأدلة مباشرة؛ لا أن نؤجل ذلك؛ فالتأجيل يؤدي إلى تشوش الذهن ويعجز عن حفظ المطالب، إذن ندرس الدليل حتى نفرغ منه تماما، ثم ننتقل إلى الدليل الآخر، ثم نُلملم نتائج الأدلة فنصل إلى النتيجة،

كما أنتم تجدون أنّ طريقتنا هي على هذا المنوال، وهذا هو دأبنا في البحث عادة، ولو أنّه لا يخلو الأمر من التأثّر بالمنهج الآخر؛ ربما بشكل بيان العبارة واختصارها وهكذا، نعم نحن نبتلى بهذه الأمور، وأُقِرُّ على نفسي بذلك.

فالذي يحتاجه الطالب هو أن يَمُر بهذه المرحلة بحيث يهضمها جيداً؛ أي مرحلة التمرين على الكَرّ والفَرِّ بالمطالب، فهذا الأمر يُفتِّحُ قدراته وسعَةِ أفقه العلمي للهيمنة على المطلب، فهذا مُهم جدا، وأيضا يُنمّي قابليته على إدراك خصائص العبارات ونكاتها وإشاراتها. مما يُعطِيه _حتى في الكتابة_ درجة عالية من الدّقة.

ولكن هل من الصّحيح أن نَبقى نفكّر وندرُس وندرّس ونكتب بهذا الشكل؟ الجواب: لا، لأنّه كما ذكرت مثل هذا الأسلوب فيه ضياع للكثير من الجهد؛ فالإنسان يمرّ بفترة تدريبية؛ وإذا أدّى حق المطلب واقعاً؛ فالمفروض بعد هذا أن يصبّ كل جهده على البحث والاستنباط؛ لماذا؟

لأنّ المسؤولية الأصولية هي من أهم مقدمات المسؤولية البحثية في الفقه، وهي واسعةٌ جدا، وليس فيها فسحة كبيرة لكي نستنزف أوقاتنا في الأمور التي لا تعود إلى صلب المطلب؛ فإذا كانت هذه مرحلة يمر بها الإنسان وتنتهي فهذا حسنٌ جداً؛ أما أن تتحول إلى طبع يلازمه بشكل مستمر فهذا مضر؛ بمعني أنّه يمثل هدرا للوقت في غير ما هو ضروري.

فلهذا نتفهم وجود بعض المعاناة من الكفاية عند الطلبة. لكن فرصة تنمية القابلية عندما ندرس كفاية أو نُدرّسها أو نباحث فيها هذه فرصة ذهبية أيضاً والمفروض ألا تفوتنا؛ لكن بشرط الحذر من أن تَتَحوّل القضية عندنا إلى ما يشبه المتلازمة طبعيّة، بمعنى التصور أنّه يجب أن نتكلم بهذا الطريقة وإلا لن تكون لغتنا علمية، لا ليس الأمر كذلك؛ بل يمكن أن يصير عندنا لغة علمية دقيقة منضبطة حساسة جداً فيما نقول ونُبيّن، وفي نفس الوقت تكون لغة واضحة.

من جملة ما يُحيّر المراقبينِ السياسيين في دراسة خطبة الجمعة أنهم يجدونها دقيقة جداً (بحيث كل كلمة فيها محسوبة)، هذه هو نتاج الحوزة وهذا جزء من هذه النتائج.

لكن لو أريد أن يكون الكلام بلغة مغلقة، فالنتيجة هي التعطيل، ولا يكون مجال لمخاطبة للناس، وهذا أحد آثار تنمية ملكات التدقيق.

لكن الطلبة والأساتذة والعلماء عموما عندهم مسؤولية التفاهم فيما بينهم في البحث العلمي مباشرة، وأيضا مسؤولية تبليغية؛ بمعنى أنّ اللغة التبليغية ينبغي أن تتخلص من كل هذه الخصوصيات؛ فنقول العبارة واضحة، لكن بنفس الوقت مع المحافظة على أمانة التدقيق في العبارة، لأن التدقيق في بعض الأحيان أشبه بالأمانة، وعدمه يعني خرقا للأمانة، فعلى المتكلم أم يوصلها كاملة كما هي خالية من الخلط والتغيير.

على أي حال، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل من الماضين جهودهم ويجزيهم عنّا خير الجزاء، وأن يوفّقنا لأن نكون خلفا صالحا لهم، نحمل الأمانة ونؤدّي الرسالة إلى الأجيال القادمة بتطور.
والحمد لله رب العالمين

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky