الاجتهاد: استعراض موجز عن المدونات الفقهية منذ عصر المعصومين “عليهم السلام” وإلى عصرنا الحالي، بقلم أستاذ البحث الخارج في النجف الأشرف سماحة السيد علاء الطباطبائي الحكيم نجل فقيه أهل البيت السيد السعيد الحكيم
أكّد ائمة اهل البيت “عليهم السلام” على تداول الحديث وتفهمه واستيعابه بل أكدوا على التدوين والكتابة وتأكيدهم صلوات الله عليهم على ذلك يدخل في السياق العام الذي جروا عليه صلوات الله عليهم حيث كانوا بصدد بناء امة تعتمد كليا على ثقافتهم صلوات الله عليهم.
فقد روى هشام بن سالم وهو من ثقات الامام الصادق عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما حضرت أبي عليه السلام الوفاة قال: يا جعفر أوصيك بأصحابي خيرا، قلت: جعلت فداك والله لأدعنهم – والرجل منهم يكون في المصر – فلا يسأل أحدا..
ومن أهم ما يحقق الاكتفاء الثقافي التدوين والكتابة ولذا بدأ التدوين والكتابة منذ الايام الاولى لتكوين الثقافة الاسلامية المرتبطة بأهل البيت عليهم السلام ومن هذا الباب ما قام به شيعة اهل البيت عليهم في عصر المعصومين عليهم السلام
وقد شاع ذلك في عهد الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام، حيث ألّف شيعتهم والثقات من الرواة عنهم كتبا فقهية تشتمل على احاديث الائمة عليهم السلام بنصوصها في أبواب الفقه المختلفة. وقد اشتهر مصطلح الأصول الأربعمائة للإشارة إلى أربعمائة اصل الفها الرواة من سماعهم للأخبار من الائمة عليهم السلام مباشرة او يكون الاصطلاح للإشارة إلى معنى آخر قريب من ذلك.
وعلى أي حال فالظاهر أن الكتب المصنفة في عصر المعصومين اكثر من هذا العدد، وقد ذكرتها كتب الرجال وعليها اعتمدت الكتب الاربعة الكافي والفقيه والتهذيب والاستبصار، وكان اصحاب الائمة يفتون بمضامين تلك الاخبار ويرجع عامة الشيعة اليهم من باب رجوع المكلف العامي العالم، وقد أكد أئمة اهل البيت عليهم السلام على شيعتهم الرجوع لرواة حديثهم منذ ايام الامام الباقر والصادق عليهما السلام مثلا ورد عن الامام الباقر عليه السلام مخاطبا أبان بن تغلب اجلس في مسجد المدينة، وأفتِ الناس؛ فإنّي أُحبّ أن يُرى في شيعتي مثلك»(۲). ۲ـ قال الإمام الصادق(عليه السلام) لمسلم بن أبي حيّة: «ائتِ أبان بن تغلِب، فإنّه قد سمع منّي حديثاً كثيراً، فما روى لك فاروه عنّي»(۳).
وقد ورد مايشبه ذلك في حق بعض اصحاب الامام الرضا عليه السلام .
واستمر ذلك إلى زمان الغيبة حيث ورد في التوقيع المعروف واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فإنهم حجتي عليكم.
(من هنا يكون التقليد موجودا في عصر الائمة عليهم السلام )
وقد امر الائمة عليهم السلام شيعتهم بأن لا يترافعوا إلى قضاة الجور عند وقوع الاختلاف بل يرجعون إلى رواة الحديث الثقاة. وهناك شواهد اخرى على انتشار الرجوع للفقهاء بين شيعة اهل البيت عليهم السلام في عصر الائمة صلوات الله عليهم.
ومن الطبيعي أن يكون ذلك عن طريق الكتاب ويتغير أسلوب الكتاب وتختلف عباراته حسب الزمان، ولعله لذا أُلفت كتب فقهية تتعرض لما يحتاج له المكلف في حياته اليومية مثل كتاب يوم وليلة ليونس بن عبد الرحمن وهو من اصحاب الرضا عليه السلام. ومن تلك الكتب التي يكون موضوعها بيان ما يحتاج اليه المكلف كتاب التكليف للشلمغاني وهو من اصحاب العسكري عليه السلام. وإن كان الرجل قد تعرض للفتنة والانحراف والعياذ بالله .
ثم صارت مدونات فقهية مثل رسالة علي بابويه (والد الصدوق ) وهو معاصر للغيبة الصغرى وبعده كتب للصدوق مثل المقنع والهداية ايضا تضمنت فتاوى اما من باب النقل بالمعنى او نقل نص الرواية ولكنها مبوبة على أبواب الفقه ولكن كتاب المقنعة للشيخ المفيد يتضمن عبارة المفيد نفسه اكثر من نصوص الاخبار بل يقل وجود الخبر والرواية، وصار ذلك اوضح في كتب تلاميذه كالسيد المرتضى والشيخ الطوسي واستمر هذا في تلاميذ الشيخ الطوسي كإبن زهرة وسلار وغيرهما، واستمر الحال إلى المحقق الحلي فإنه كتب شرائع الاسلام كرسالة عملية شاملة للكتب الفقهية كافة ولايوجد فيها نصوص الأخبار إلا نادرا وقد صارت متنا مشروحا إلى عهد قريب، وكذا كان للعلامة الحلي مدونات فقهية ليس فيها استدلال فقهي واستمر هذا الحال إلى يومنا هذا
وقد تشتهر بعض المدونات الفقهية فتبقى أصلا يعلق عليها العلماء كالعروة الوثقى للسيد الطباطبائي او يجارونها في طريقة التأليف والتصنيف مع التصرف بالعبارة قليلا او كثيرا كما حصل لمنهاج الصالحين تأليف مرجع الطائفة في عصره السيد محسن الحكيم .
وقد اشتهرت تسمية الرسالة العملية للمدونات الفقهية غير الموسعة والتي تتضمن الفتاوى .
هذا استعراض للمدونات الفقهية منذ عصر الأئمة عليهم السلام والى يومنا هذا.
واما دراسة المضامين واوجه الاختلاف في المضمون وتناسب لغة الكتب الفقهية مع أزمانها فيحتاج إلى بحث أوسع ومقارنة .
والله ولي التوفيق والسداد.
المصدر: قناة اللؤلؤ والمرجان.