الاجتهاد: يقصد بمصطلح الأحوال الشخصية كما جاء في الموسوعة العربية الميسرة تحت لفظ أحوال شخصية بانه مجموعة ما يتميز به الإنسان عن غيره من الصفات الطبيعية أو العائلية التي رتب القانون عليها أثراً قانونياً في حياته الاجتماعية مثل كونه ذكراً أو أنثى وكونه زوجاً أو أرمل أو مطلقاً أو أباً أو ابناً شرعياً أو كونه تام الأهلية أو ناقصها لصغر سن أو عته أو جنون أو كونه مطلق الأهلية أو مقيدها لسبب من أسبابها القانونية.
مقدمة المؤلف: الحمدُ لله الّذي خلق الإنسان علمه البيان، والصّلاةُ والسّلام على خير الأنام محمّدٍ، وعترته الكرام.
الله سبحانه وتعالى خلق آدم وقرنه بحواء كأسرة أولى لنشوء البشرية، وأقرّها سبحانه وتعالى في جميع الأديان والتشريعات؛ لما فيه من سعادة البشرية وتنظيمها وتكاثرها وديمومتها؛ لذا بذلت المجتمعات الإنسانية سعيها في تنظيم الأسرة، واختلفت صور السعي وطرقه ومقاديره بين المجتمعات والقوانين والتشريعات الدينية والمدنية.
فالكنيسة جمعت شؤون الأسرة لما تراه من صلاحية التحليل والتحريم من الرب. والإسلام وضع أحكام تنظيم الأسرة من زواج وطلاق وإرث وغيرها، وتسمى بفقه الأسرة، وأما الدول المدنية الحديثة فقد نظمت شؤون الأسرة بقانون يسمى قانون الأحوال الشخصية ابتدعه الفقه الإيطالي،
وظهر هذا المصطلح في البلدان الإسلامية في أواخر القرن التاسع عشر على يد الفقيه المصري (محمد قدري باشا)، وصدر القانون الوقتي للمرافعات الشرعية (قانون حقوق العائلة العثماني؛ والمرجع محمد حسين کاشف الغطاء أعطى رأيه في المادة (۱۸۰۱) منه، وإنها مخالفة لأحكام المذهب.
وفي العراق كانت المحاكم المدنية تعطي حق النظر بقضاء الأحوال الشخصية على وفق المذهب الجعفري والسني، وأجريت محاولات لتوحيد قانون الأحوال الشخصية بين الطائفتين ولم تفلح حتى عام 1959م بعد الانقلاب على الحكم الملكي نجح مشروع توحيد القانون بقانون (۱۸۸)؛ وأيضا المرجعية الدينية المتمثلة بالسيد محسن الحكيم “قدس سره” أبدت رأيها فيه وطالبت بإلغائه؛ لمخالفته الشريعة الإسلامية،
وبعد انقلاب 14 رمضان، أيضا طالبتهم المرجعية الدينية بإلغاء القانون، والشيخ محمد رضا المظفر”قدس سره” عميد كلية الفقه طالب بإلغاء القانون من أساسه وإنه لايقبل التعديل بالمذكرة التي رفعها إلى حكومة ثورة 14/ رمضان،
وتميزت مذكرته بثلاثة أمور: الأول: ذكر لهم مايخالف صريح القرآن ويخرج عن إجماع المسلمين ومايخالف بعض المذاهب دون بعض، والثاني: بيّن آثار مخالفة مبدأ تطبيق الشريعة على المجتمع، والثالث: الرد على من تذرع بالتقدمية لصدور القانون ووضح التمييز بين التقدمية بالمفهوم الإسلامي والغربي؛
ولكن الحكومة اكتفت بتعديل قانون المادة الخاصة بالإرث؛ فنحتاج إلى دراسة جواز تدوين الأحكام الشرعية وصياغتها في قانون، والمذكرة التي رفعها الشيخ المجدد محمد رضا المظفر لإلغاء قانون الأحوال الشخصية العراقي، وإنه لايقبل التعديل؛ للمشاركة في المؤتمر الدولي حول التجديد في فكر الشيخ محمد رضا المظفر”قدس سره”، وهل توجد إمكانية لخلق قانون إسلامي يتلاءم وطبيعة المجتمع المسلم المعاصر، والذي نص الدستور م/ ۲/ إنه مصدر أساسي؟
ولذا شرعت بهذه الدراسة؛ وأسميتها الشيخ محمد رضا المظفر وتعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي ثبوتا وإثباتا؛ ورتبته من تمهيد و مبحثين وخاتمة وعلى النحو الآتي:
التمهيد: أسباب نشوء قانون الأحوال الشخصية وتعريفه لغة واصطلاحا.
المبحث الأول: في مطلبين:
الأول: تدوين الأحكام الشرعية وصياغتها في قوانين ثبوتا.
والثاني: تدوين الأحكام الشرعية وصياغتها في قوانين إثباتا.
المبحث الثاني: في مطلبين:
الأول: المبررات التي ذكرها الشيخ المظفر لإلغاء القانون ثبوتا.
والثاني: المبررات التي ذكرها الشيخ المظفر لإلغاء القانون إثباتا.
والخاتمة: النتائج والمقترحات التي توصلت إليها من البحث. قد بذلنا غاية الوسع فيه؛ لإيجاد الفكرة وإخراجها من القول إلى الفعل، هذا والله أسأل أن ينتفع به، ويوفقني للسداد.
الشيخ يحيى السعداوي
28/ ربيع الثاني / 1437هـ النجف الأشرف.
أسباب نشوء قانون الأحوال الشخصية في العراق:
الأحوال الشخصية مصطلح قانوني ابتدعه الفقه الإيطالي في القرن الثاني عشر(1)، و نشأ مصطلح (الأحوال الشخصية في البلدان الإسلامية)، وظهر في أواخر القرن التاسع عشر على يد الفقيه المصري (محمد قدري باشا) توفي ( ۱۳۰6هـ(2)، 1884م).
وذكر مصطلح (الأحوال الشخصية) في كتب بعض أعيان الشيعة لا في كتب الفقه الإمامي الجعفري -کالأحكام الجعفرية في الأحوال الشخصية (۱۹۲۱م) للشيخ عبد الكريم الحلي (3) والسيد أمير علي، ت (۱۹۲۸) (4). ويوسف العاملي(5)،
وفي العراق ظهرت عبارة (المواد الشخصية) في بيان المحاكم الصادر عام (۱۹۱۷) م، وترسخت هذه العبارة بتشريع قانون الأحوال الشخصية للأجانب رقم (۷۸/ لسنة ۱۹۳۱م)(6)،
وبعد ثورة الرابع عشر من تموز 1958م شکل مجلس السيادة برئاسة نجيب الربيعي، وألفت وزارة العدل العراقية بتاريخ / ۷ شباط 1959م لجنة لوضع لائحة الأحوال الشخصية، واستطاعت اللجنة صياغة مشروع قانون للاحوال الشخصية، والذي عرف بقانون رقم ۱۸۸ السنة ۱۹۵۹م (7)، ولكنه خالف الشريعة الإسلامية ظاهرا في المادة الثامنة وغيرها، وأما المادة الرابعة والسبعون فكانت سببا للهجوم والمعارضة وهي الخاصة بالمساواة بين الإناث والذكور في الإرث؛ لأنها مخالفة لنص القرآن الكريم الصريح؛ ولذا ابدت المرجعية الدينية المتمثلة بالسيد محسن الحكيم “قدس سره” رأيها فيه وطالبت بإلغائه؛ لمخالفته الشريعة الإسلامية في عدة مواد.
أتى البعثيون بانقلاب شباط عام 1963م في 14 رمضان، فطالبتهم المرجعية الدينية بإلغاء القانون؛ وكذا الشيخ محمد رضا المظفر وهو من فقهاء وأعلام الفقه الجعفري ومجدد المناهج الحوزوية، ومؤسس منتدى النشر وكلية الفقه في النجف الأشرف، حيث رفع مذكرة إلى حكومة الانقلاب بالمبررات الملحة لإلغائه، وإنه لا يقبل التعديل، وبين مبررات طلب الإلغاء؛
وكذا السيد محمد بحر العلوم “قدس سره” يعده مخالفا للدستور المؤقت، وإنه حدد طبيعة القضاء وهي لاتحدد بالقانون، وإنما بالشرع (8)، فأصدروا التعديل رقم 11 لسنة 1963م؛ لايقاف العمل بالمواد المتعلقة بالمواريث، وتطبيق فقه المذاهب بدلا منها؛ ليكون ( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)، وأن الدستور المؤقت 1968م وضع مادة صريحة لطمأنة المؤسسة الدينية ضد القانون (۱۸۸)؛
ومع ذلك لم تكتف المرجعية الدينية بأقل من الإلغاء؛ لما جاء في رسالة الحكيم إلى قيادة انقلاب شباط 1963: ” إرجاع الأمور إلى العهد الذي كانت عليه سيرة المسلمين منذ أيام الخلافة الإسلامية، وإن موقفنا هذا هو نفس الموقف الذي وقفناه منذ صدور القانون حتى يومنا هذا، وإلى أن يتم رفعه»(9)؛ وهذا مطابق لموقف الإمام مالك حيث أراد ابو جعفر المنصور ومن بعده الرشيد أختيار (الموطأ) قانون قضائية للدولة العباسية فنهاهما مالك(10)، ولعلماء الأزهر حيث جمعهم محمد علي باشا وقال لهم: (… اجتمعوا وضعوا لي قانوناً … قالوا ما وصلنا إلى شيء)(11).
ومع كل ما تقدم من سيرة المسلمين غير المتصلة بالمعصوم، لكن الواقع أننا بحاجة إلى وجود قانون عصري موحد لكل العراقيين في مجال الأحوال الشخصية خصوصا، وبشكل يراعى فيه المواثيق والاتفاقيات الدولية؛ لأنه يشكل اساسا لوحدة الشعب العراقي.
الهوامش
(۱) موسوعة الفقه والقضاء في الأحوال الشخصية / محمد عزمي البكري/ص10.
(۲) هدية العارفين إسماعيل باشا البغدادي / ج۲.
(۳) الذريعة إلى تصانيف الشيعة/ آغا بزرك الطهراني /ج۱/ ص۲۹6.
(4) أعيان الشيعة/ السيد محسن الأمين / ج۳ ص4۹۰.
(5) موسوعة طبقات الفقهاء اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصادق “عليه السلام” / ج 14 ق ۲/ ص ۹۰۲.
6 – الوسيط / فاروق عبدالله كريم.
(7) لائحة الأسباب الموجبة المرقم ۱۸۸ لسنة 1959.
(8) أضواء على قانون الأحوال الشخصية / السيد محمد بحر العلوم/ ص 15.
(9) المصدر السابق / ص۱۰.
10- المدخل الفقهي العام / مصطفي أحمد الزرقاء / ج 1 / 298.
11- نصر حامد أبو زيد / هل هناك مفهوم للحكم والسلطة في الفكر الإسلامي؟ مقالة في مجلة الثقافة الجديدة العدد 295 تموز.
محتويات المقالة
مقدمة المؤلف
التمهيد
نشوء وتعریف قانون الأحوال الشخصية لغة واصطلاحاً.
أولا: أسباب نشوء قانون الأحوال الشخصية في العراق
ثانياً: تعريف القانون الأحوال الشخصية لغة واصطلاحاً
المبحث الأول: الأحكام الشرعية وصيانتها في قوانين ثبوتاً وإثباتاً؛ في مطلبين.
المطلب الأول: تدوين الأحكام الشرعية وصيانتها في قوانين ثبوتاً
المطلب الثاني : الأحكام الشرعية وصسانتها في قوانين إثباتاً ونقلاً.
في مقصدين :
الأول: الحكم الشرعي لتدوين الأحكام الشرعية بقوانين وأدلته إثباتاً
الثاني: البحث في موانع تدوين الأحكام الشرعية إثباتاً، في فرعين
الأول المقصود من الحكم بالعدل
الثاني: منصب القاضي شرعاً
الأمر الأول: آراء المذاهب الفقهية الإسلامية فيمن يجوز له تولي منصب القضاء
ثانياً: آراء المذاهب الإسلامية الأخرى فيمن يجوز له تولي منصب القضاء
المبحث الثاني:
دراسة مذكرة الشيخ محمد رضا المظفر، استناداً على المذكرة المستنسخة في مقدمة البحث لإلغاء قانون الأحوال الشخصية وإنه لا يقبل التعديل الذي قام به قادة ثورة 14 رمضان.
الخاتمة: النتائج والمقترحات التي توصلت إليها في البحث
تحميل المقالة
الشيخ محمد رضا المظفر. وتعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي
المصدر: موسوعة الشيخ محمد رضا المظفر ج10 – البحوث المشارة في المؤتمر الدولي – الشيخ محمد رضا المظفر