الشهيد الصدر في رؤى العلماء

الشهيد الصدر في رؤى العلماء والمفكرين.. حوار مع المفكر الاسلامي الدكتور حسن حنفي

الاجتهاد: حوارات حول شخصية السيد الشهيد الصدر “قدس سره” وفكره ودوره اجرتها هيئة تحرير مجلة المنهاج مع ثله من العلماء والمفكرين ‏هم: المشاركون: العلامة السيد محمد حسن الامين، العلامة الشيخ حسن طراد، د. حسن حنفي.

تكن شخصية السيد الشهيد محمد باقر الصدر متعددة الجوانب، ومتفردة على مختلف المستويات، وما كان ممكنا ان يكتمل‏ التعرف اليها من طريق الدراسات والمقالات فحسب، ولهذا رات هيئة تحرير مجلة المنهاج ان تعتمد مقاربة اخرى ‏تتمثل في اجراء حوارات مع علماء ومفكرين عرفوا السيد الشهيد معرفة شخصية وثيقة او من خلال كتبه وآثاره‏ العلمية.

فسعت الى عدد من العلماء والمفكرين تطلب منهم المشاركة. ووفقت، بعون اللّه، الى اجابات نخبة منهم هم: السيد محمد حسن الامين، الشيخ حسن طراد، الدكتور حسن حنفي، الدكتور محمد البشير الهاشمي مغلي، الشيخ دكتور فتحي يكن، عن كثير من الاسئلة التي طرحتها، وفي ما ياءتي يجد القارئ الاسئلة والاجابات عنها…

وكان اللقاء الثالث مع المفكر الاسلامي، الاستاذ الدكتور حسن حنفي، وكان هذا الحوار:

حبذا لو تفضلتم بالحديث عن موقع الشهيد الصدر بين المفكرين الاسلاميين المعاصرين؟

الحقيقة ان الشهيد السيد محمد باقر الصدر يعد من اهم المجددين الاسلاميين في الفكر الاسلامي الحديث، له ‏وعي‏ شديد بالتراث القديم، وباهم نقاط ابداعه، وبخاصة علم اصول الفقه، والمنطق، ومناهج البحث.

وهذا جانب‏ مهم، لان الذي غلب على الفكر الاسلامي حتى الان هو: اما العلوم النقلية من تفسير مثل تفسير المنار الخ… او العلوم العقدية ‏مثل الرد على الدهريين للافغاني، لكن لم يات احد من المفكرين لكي يذهب الى مظان التجديد في الفكر الاسلامي، مظانه الاولى مثل اصول الفقه ومناهج البحث: كان لديه اي السيد الصدر وعي شديد في التمايز بيننا وبين الغرب، فقد راى ان الحضارة الاسلامية لها مسارها ولها علومها التي قد تتفق مع المسار الغربي او قد تختلف معه، وعبر عن ذلك‏ في معظم عناوينه:

«اقتصادنا» و«فلسفتنا»، حتى يعط‏ي الاحساس بالهوية المستقلة عن المسار الغربي، واخيرا لم يكن‏ مجرد عالم بالتراث القديم او ناقد للتراث الغربي، ولكنه كان ملتزما، يحمل هموم الاوطان، وكان يناضل، وهو انموذج ‏المفكر العالم المتميز، القادر على الممارسات العملية.

اصدر الشهيد الصدر كتابه «اقتصادنا» بجزئيه ما بين عامي 1959 و1961، كيف تقومون جهوده العلمية في هذا الكتاب؟ وهل لا يزال يتمتع بقيمة كبيرة في نظركم؟

يعد هذا الكتاب من اهم المحاولات التي وجدت في الفكر الاقتصادي الاسلامي قبل ما يسمى البنوك اللاربوية ‏والبنوك الاسلامية وقبل ان يتحول بعضها، وينهار بعضها الاخر في شركات توظيف الاموال. في رايي ان الاسلام نظام‏ حياة، واهم دعامة لنظام الحياة هو العامل الاقتصادي، فتصدى الصدر لهذه القضية، وتكلم ليس فقط عن الربا باعتباره‏ من المحرمات، ولكنه استطاع ان يصوغ النظرية الاقتصادية نظرية علمية محكمة، لماذا الربا؟

لان في الاقتصاد: المال لايولد المال، ولكن المال هو اداة لتوفير عمل، اداة للانتاج، اداة للاستثمار، وبالتالي حاول ان يعيد تاويل الربا، فحاول ان‏ يدخله في النظرية الاقتصادية العامة، النظرية الملكية، والى اي حد توجد في الاسلام ملكية؟

وهل هي ملكية خاصة او ملكية عامة، وهل هي ملكية مستغلة او ليست مستغلة، وفي النهاية ككثير من المفكرين المعاصرين ادرك ان المال ‏والملكية في الاسلام، هي وظيفة اجتماعية، وان المسلم له حق الانتفاع وحق الاستثمار وحق التصرف، ولكن ليس له‏ حق الاحتكار ولا حق الاستغلال ولا حق الاكتناز…

وكذلك حاول ما تعلمناه جميعا من ان الاسلام له نظرية لا هي ‏اشتراكية مغالية كما هو الحال في الاشتراكية العلمية، التي يمنع فيها الفرد من المبادرات، وطبعا ليست الراسمالية التي ‏تقوم على الربح والاستغلال، فحاول ان يقيم ما يسمى بالنظرية الثالثة التي تقال الان في الغرب بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، ومفادها ان الاسلام يؤمن بان هناك قطاعات لا يمكن ان تكون موضوعا للملكية الفردية استشهادا بالحديث ‏الشهير: ان الناس شركاء في ثلاثة: الماء والكلا والنار.

ومن ثم فقطاعات الزراعة والصناعة والكهرباء والمياه، هذه‏ القطاعات العامة، تكون في اطار من الملكية العامة حتى لا يقوم احد باستغلالها.

اما في ما يتعلق بالتجارة الصغيرة، وفي ‏ما يتعلق بالمبادرات في الخدمات، وفي ما يتعلق بنقل التجارة من هنا وهناك او الصناعات الحرفية الصغيرة، فهذه ‏يمكن ان تكون في ملكية الافراد. ومن ثم ان «اقتصادنا» هو دخول في اهم عامل من عوامل التنمية الاجتماعية واقامة‏ الدول، وهو الاقتصاد، مبينا للناس ان التجديد لا يكون فقط في تصور النبوة ولا في تصور الايمان والعمل والمعاد، ولكن‏ في المكونات والمدعمات الرئيسية لبناء الدول.

ما هي رؤيتكم للامام محمد باقر الصدر الفيلسوف، وما هي ابرز آرائه ومؤلفاته الفلسفية التي لفتت انتباهكم؟

ما قاله في «فلسفتنا» هو، في الحقيقة، يجمع بين الرؤى المثالية والتاكيد على اهمية العالم الطبيعي الاجتماعي، الوجود مع الاخرين. وفي الوقت نفسه، يؤكد متطلبات الروح وايضا لا يغفل متطلبات البدن، ومن ثم يجمع بين الرؤية الغربية ‏التي غلبت عليها المادية والرؤية المغالية في التصوف التي غلبت عليها النزعات الروحية، فهو يجمع بين الاثنتين، بالاضافة الى انه ناقد للاتجاهات المثالية الغربية وكيف انها لم تؤثر في حياة الغرب، فظل الغرب ماديا.

كما ينقد اتجاهات المادية الغربية وكيف انها تتصور المادة باعتبارها عالما مغلقا بذاته وكان ليس لها خالق الخ… ومن ثم في هذا الكتاب المهم «فلسفتنا» يحاول محمد باقر الصدر ان يعطي المسلمين هذا الاطمئنان النظري وهذا الملاء الايديولوجي ‏الذي نشعر جميعا اننا ما زلنا في حاجة اليه.

كيف تقومون حركة الشهيد الصدر الجهادية من اجل رفعة الاسلام وتحكيم الشريعة الاسلامية في الحياة في مختلف‏ مجالاتها؟

وجد الامام الشهيد محمد باقر الصدر في العراق، الامر الذي حتم عليه ظرفا خاصا. بالرغم من اعتزازنا بالعراق، وبالرغم ‏من رفضنا للحصار الامريكي للعراق، وبالرغم من دفاعنا عن اطفال العراق ونساء العراق وشعب العراق ضد هذا الظلم،الا ان نظم الحكم في العراق تميزت بانها لا تعطي عناية كافية للمقهورين، ربما ينقصها الكثير من التعددية السياسية،ربما ان الاخوة الشيعة في العراق يشعرون بانهم مهمشون في الحياة العامة، وبالتالي استطاع الامام الشهيد محمد باقرالصدر ان يتحول من مجدد فكري يفسر القرآن تفسيرا موضوعيا الى عالم ياخذ هذه الموضوعات الرئيسية في الانسان‏ والطبيعة وفي العمل وفي الجهاد والكفاح ويطبقها عمليا في ظروف العراق.

وقد استطاع ان يمد الشيعة بالعراق ‏بفكرمتجدد، لان الحوزات العلمية في النجف كان يغلب عليها الطابع التقليدي، وبالتالي فان يحول شيعة العراق الى‏ جموع واعية بالقضايا الرئيسية في البلاد، هذا انجاز ضخم، ثم انه كان ايضا ممثلا للمعارضة السياسية لنظم القهر التي ‏تعم ‏العالم العربي والاسلامي، استطاع ان يجن د الجماهير وان يحظي بتقدير الناس، وان يفرض احترام الناس له من كل ‏الفرقاء. كان وطنيا، تهمه امور المواطنين جميعهم، ومن ثم كان يمكن ان يكون بؤرة للحياة السياسية الوطنية في العراق.

يعد الامام الشهيد محمد باقر الصدر مؤسس العلوم الاسلامية الانسانية الحديثة، ما رايك؟

استطاع الصدر ان يدخل في مضامين العلوم الاجتماعية الانسانية كالاقتصاد والسياسة والاجتماع والتاريخ ومن ثم فهوله دور مهم، لا اقول في «اسلمة العلوم‏» كما هو موجود حاليا، اي ان ناخذ انتاج الحضارة الغربية ونسلط عليه بعض ‏الايات القرآنية والاحاديث النبوية، ولكن كان يبدع في العلوم الاجتماعية الانسانية،

وفي ذهني: الانسان وكرامة الانسان ‏وعلاقة الانسان بالمجتمع وعلاقة الانسان بالدولة، اي انه استطاع ان يعطينا رؤية اسلامية انسانية حديثة تحمي ‏المسلمين من الوقوع في النقيضين: اما العودة الى الفقه القديم او الارتماء في احضان الغرب والايديولوجيات ‏السياسية، من ليبرالية واشتراكية وقومية غربية، واستطاع ان يعطي العالم الاسلامي فكرا جديدا، ويشبع تطلعاته نحو العدالة الاجتماعية ونحو الحرية ونحو الوحدة، وفي الوقت نفسه من منظور اسلامي،

ويتمثل جهده الرئيسي في التفسير الموضوعي في القرآن الكريم، هذا انجاز ضخم، تعودنا جميعا على ان المفسرين يبداون من سورة الفاتحة حتى سورة‏ الناس، هو لا، جمع كل الايات حول الطبيعة، حول الوحي، حول النبوة، حول المجتمع، حول الاقتصاد، حول المال…حتى يساهم في خلق ايديولوجية اسلامية، لان القرآن الكريم الموضوعات فيه متفرقة، فحاول ان يجمعها.

والقضية ‏الثانية هي محاولة تجديد علم اصول الفقه ونقده لمدرسة الاخباريين، اي المدرسة النقلية في علم اصول الفقه،والاعتماد على دليل العقل في المصالح العامة.

وبحوثه عن الدليل اللفظي في اصول الفقه بين ان اللغة ما هي الا اداة، ولكن اللغة تشير الى عالم الاشياء في العالم الطبيعي. وليت احباءه وتلاميذه يستانفون تجديد المنطق الاسلامي (علم‏ اصول الفقه) وفي الوقت نفسه يستانفون التفسير الموضوعي للقرآن الكريم.

كيف تقومون كتاب الشهيد الصدر «الاسس المنطقية للاستقراء» وما هي ابرز معالم النظرية المنطقية ونتائجها الفلسفية‏ فيه؟

الغرب كان، ولا يزال حتى الان، يزهو بانه مكتشف العلم، وانه الذي وضع المنطق التجريبي، وانه هو الذي نقد المنطق‏ الارسطي الشكلي، وان «فرنسيس بيكون‏»، في المنطق الجديد او الالة الجديدة، وجون ستيوارت ميل هما اللذان ‏استطاعا ان يؤسسا المنطق التجريبي الحديث وانهما وراء النهضة العلمية.

ولكن الذي يفكر في المنطق التجريبي، وهوالمنطق الذي يبدا بالافتراض، ثم بالملاحظة، ثم بالتحقق من الفروض للانتهاء الى القانون العلمي يجد انه ما زال ‏منطقا منقوصا ، لان الاستقراء، اي استقراء الجزئيات للوصول الى الكليات، لن يكون تاما.

فالعالم لا يستطيع ان يجرب‏ على كل الوقائع، فهذا ما لا حدود له به، والافتراض الذي يقوم على الملاحظة، هو افتراض من طبيعة العقل والتحقق من‏ صدق الافتراض قد يطول وقد يقصر، وهذه الافتراضات تتغير من جيل الى جيل، ومن فترة الى فترة، لذلك راى الامام‏ الشهيد محمد باقر الصدر انه لا يمكن للاستقراء الا ان يكون له اساس آخر غير استقرائي سماه الاسس المنطقية، اي ان ‏العقل باولياته، وبديهياته، وطبيعته، وان الوحي في النهاية هو منطق للعقل، يعني ان الاستقراء الصرف التجريبي ان لم‏ يقم على اسس نظرية معيارية فلن يستطيع ان يصل بالتالي الى حكم يقيني،

وكان الامام الشهيد يعتمد في ذلك على‏كثير مما كتبه الفقهاء والاصوليون، يعني الشاطبي في الموافقات تكلم عن الاستقراء المعنوي، اي ان القياس الشرعي ‏يقوم على استقراء الجزئيات لكي نصل الى الكليات، وهو علم القواعد الفقهية مثل: «لا ضرر ولا ضرار» و«الضروريات ‏تبيح المحظورات‏» و«دفع المضار مقدم على جلب المصالح‏»… هذا من استقراء احكام الشريعة الجزئية، ومن ثم فان ‏استقراء احكام الشريعة الجزئية لا يؤدي بالضرورة الى حكم كلي ان لم يكن هناك حكم كلي سابق يستطيع ان ينير الجزئيات وان يجمع الجزئيات، وهذا يعني ان الامام محمد باقر الصدر يحاول، هنا، الجمع بين الاستنباط والاستقراء في منهج متكامل لا يضحي بالجزء من اجل الكل، كما هو الحال في الاستنباط، ولا يضحي بالكل من اجل الجزء، كماهو الحال في الاستقراء العلمي الغربي كما بينه جون ستيوارت ميل.

هل من دور لكتابات السيد الشهيد في ما يسمى «التقريب بين المذاهب‏»، او في بلورة رؤية اسلامية شاملة غير مذهبية؟

ليس مهمة الشهيد الصدر التقريب بين المذاهب هذه مهمة فقهاء عاديين، لكنه يريد ان يبين الى اي حد يستطيع الفكر الاسلامي ان يبدع من جديد، في علوم جديدة، كيف يستطيع ان يجدد العلوم الاسلامية القديمة آخذا بعين الاعتبار تحديات العصر، لم ينشغل هو بالسنة ولا بالشيعة ولا بالتقريب بين المذاهب الفقهية، ولكن بالعودة الى الواقع والعودة‏ الى حياة الناس والعودة الى مصالح الناس والعودة الى المصالح العامة، اي العودة الى الميادين التي يتحقق فيها الاسلام، وهذه الميادين هي الكفيلة بان تصهر هذه المذاهب وهذه التيارات عن طريق منطق التعارض والتراجيح، كيف ‏يستطيع الانسان ان يرجح مذهبا على مذهب بناء على المصالح العامة واحتياجات الواقع. هو لم يبدا من الكتاب، لم‏يبدا من الفقه، ولكنه بدا من المصلحة، لذلك كثيرا ما يشير في دروس علم الاصول الى اهمية المعلم والى اهمية تجديد علم الاصول، وبالتالي في المصالح العامة التي هي اساس التشريع تتوحد المذاهب.

كيف نتواصل مع مدرسة الشهيد محمد باقر الصدر الفكرية؟

وكيف نستطيع تنمية معالمها؟

ظروف العراق الان صعبة، فالعراق محاصر، والنجف ينالها من الحصار الكثير، ربما في قم يعرفون محمد باقر الصدرجيدا، وربما يعرفونه، ايضا، في الدوائر الاسلامية الغربية،

كنت في لندن في الصيف الماضي، والقيت ورقة عن اصول‏ الفقه عند محمد باقر الصدر في ندوة كبيرة عن علماء النجف الاشرف، عن دور المدن العراقية… في الدوائر الاسلامية ‏الغربية وفي الحوزات العلمية في ايران، في قم، وربما لو تم التعاون اكثر بين العلماء العرب والعلماء في ايران، ولو تم‏انشاء منابر واحدة لتجديد العلوم القديمة، ومنها علم اصول الفقه وعلوم التفسير، وان يحدث ت‏آلف وتفاعل بين‏ العلماء العرب والعلماء في ايران، وان يفك العراق عن عزلته بحيث تتحول النجف الاشرف الى ملتقى كثير من العلماء من جميع التيارات، ربما لو توفرت الظروف لتم التواصل والنمو… هنا الظروف نفسها التي دفعت الى خروج محمد باقرالصدر، تدفع الى خروج احفاد له.

كلمة اخيرة البدايات، عند الامام الشهيد محمد باقر الصدر، بدايات جيدة، وضع يده على مظان الاجتهاد والابداع في الثقافة‏ الاسلامية، استطاع ان يحدد موقفنا الحضاري تماما في هذا الحوار والجدل بين الانسان والاخر من دون الوقوع في‏ الانغلاق على الذات، والقول: ان ما لدينا افضل ما في العالم، وان السلف خير من الخلف، ومن دون الانفتاح الذي يصل‏الى حد التبعية، والنقل عن الغرب.

عرف الغرب جيدا، عرف الفلسفات الغربية جيدا، واطلع عليها، لكنه اخذ منهاموقفا نقديا، فاذا اهم انجاز للامام الشهيد محمد باقر الصدر هو الرغبة في التجديد والرغبة في تجاوز القدماء من دون‏ الوقوع في حبائل المحدثين، ولم يتحول من نقل القدماء الى نقل المحدثين، ولكنه حاول الخروج على مناهج النقل، وفي الحوزة العلمية التي لا يزال يغلب عليها الحفظ والتكرار والاعجاب بالقدماء استطاع بممارسة السلاح النقدي ‏وسلاح العقل والمعرفة الواسعة ان يبين ان الاسلام في العصر الحديث قد تكون له صياغة مختلفة تماما عما ورثناه من ‏القدماء، والاسلام ما زال في طوره الاول.

للاسف تلاميذ محمد باقر الصدر قلة، المدرسة لم تستمر، ربما ظروف العراق ‏تعقدت اكثر، ربما ظروف الحوزة العلمية، ربما مزيد من الضغط على الاخوة في النجف الاشرف جعل هذه المحاولة ‏التي بداها محمد باقر الصدر مرتبطة بشخصه وباسمه وبدوره من دون ان يكون له تلاميذ.

وتحدث المفكر الجزائري الاستاذ الدكتور محمد البشير الهاشمي مغلي عن الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر(رض)، فوصفه ب‏«ذلك الطود الذهبي الاشم‏»، وراى ان منهجه الفكري هو «باقرية خارقة للحدود». وتناول، في حديثه، غير مسالة، ما يمثل اجابة عن عدد من الاسئلة يطرحها موقع الشهيد الصدر ودوره في الحركة الفكرية والجهادية ‏الاسلامية… كيف يرى ابن الجزائر الى السيد محمد باقر الصدر(رض) وانجازاته؟

ماذا عسى ابن الجزائر، في عصر مدلهمات الفتن وهي تنهمر كقطع الليل البهيم، ان ينبس في مهيب حضرة استاذية مرموقة تعطرت بشهادة الفتح مغنما، الا ان ياسره الوجوم من هيبة عملاق العصر، او تستبد به الربكة من وقار فخر علماء الاسلام، جهبذ المجددين، وكبير العارفين، صدر الفقهاء الورعين، وباقر علوم الدين والدنيا: بالفقه، بالعلم، بالاخلاق كان له مناقب غطت الافاق.. بالكرم للّه در القائل فيه ايضا: يا باقرا لعلوم الدين، يا جبلا من الصمود وطودا في ربى القمم يا واهبا لحمى الاسلام مهجته وصادعا بسنا التوحيد والقيم يا فلتة من نسيج الدهر ما وجدت لها مثيلا دنا الماضين في القدم ماذا عسى حفيد الامير عبد القادر وتلميذ المدرسة الباديسية الا ان يبين عن قصوره في الوفاء بعرفان الجميل ‏لهذا الطود العظيم الذي كان تراثه الفكري بعامة والعلمي بخاصة، للامة الاسلامية جمعاء، وللجزائر على الاخص، في‏ مرحلة ما بعد الاستقلال، ولما تلتئم فيها جراحها الجهادية ضد الاستعمار الفرنسي الغاشم، وما عتمت ان طفقت‏ تحمر بعض ساحاتها الجامعية، وكاد «الاستعمار» يصبغ مدارجها، وهي لا تملك تاريخيا، كجاراتها، القرويين والزيتونة ‏والازهر الشريف، منارة اشعاع فقهي بعد، كان تراث الصدر ذاك بمثابة القلاع المحصنة والدروع الواقية من جارف ‏التيارات الحمراء التي هبت ريحها السموم من المعسكرات الشرقية في حماة تباريها في انشاء انظمة اجتماعية ودول‏ نمطية مؤدلجة على انقاض الراسماليات المتعفنة والطبقات المتكلسة.

اجل! في تلك الحقبة العصيبة التي سادت فيها الصراعات الفكرية في العالم، وكانت بلادي تائهة في مفترق الطرق ‏السياسية والايديولوجية، وان كانت قلوب عبادها عامرة بايمان فوار، الا انها كانت تتلمس طريقها بفعل مبثوث ‏ضبابيات الانتلجنسيا التغريبية الى هويتها وانيتها واصالتها.

ومن عجب انها لم تلبث ان وضعت اسلحتها التي كانت تشهرها في وجه المحتل الغاصب المعتدي الذي رام استلابها منها وانسلاخها عنها، حتى همت امية عاتية تضرب اطنابها على اذهان نزر من المثقفين التنويريين الجدد، بما لم ينالوا،فصموا وعموا عن روح الدين ونظامه، وشمولية عقيدته، وشريعته السماوية ومنهاجه.

ما دور الشهيد الصدر في مسار الحركة الفكرية المعاصرة؟

لا مرية في انه، رحمه اللّه تعالى، كان بحق المنقذ من بهارج «راس المال‏» وسفسطائيات «المادية الجدلية‏» وبلسما واقيا من زخارف العناوين الوصولية التافهة، او التلفيقات المغالطة بالمواكبات الانتهازية الظرفية من قبيل مزاعم‏«الاشتراكية الاسلامية!» و«ابي ذر الاشتراكي‏» و«الاشتراكيون انت امامهم!؟».

فكانت سفينة «فلسفتنا» منجاة بقواربها المنهجية والتحليلية والفكرية والمنطقية من تلك المزق. ومتقاة من تلك‏ التناقضات والمراوغات الدخيلة.

كذلك كان رسو «اقتصادنا» خير مسعف من الارتطامات العنيفة بمشاريع ‏الانظمة الشرقية والغربية المتهاطلة، حيث مرفا النظرية الاسلامية الشافية المتكاملة و«عبارات‏» الاجتهادات اللبيبة في‏«منطقة الفراغ‏».

ثم اضحى الامل معقودا بعد ذلك على نجدة هندسة معمار المجتمعات المسلمة التنظيمي بتصورات ‏اصيلة من وحي شرعة الاجتماع الاسلامي تكون مطهرة من رواسب الجاهليات البالية والحديثة، والمزمع اعدادها في‏مشروع «مجتمعنا» ليتم بذلك بناء الصرح الاسلامي المتكامل في حياة الامة المعاصرة كلها. وان تجسدت بعض ‏لبناته في الاطروحة المتميزة ل‏«البنك اللاربوي في الاسلام‏» تعويضا عن الربا، باعتباره اخطر مقوض لاركان ‏المجتمع واجلب للخراب والافلاس والمظالم من شتى المفسدات الاخرى.

انها لعمري كتب علمية نفيسة لا تكاد تخلو من اقباسها النورانية مكتبة خاصة او عامة في ربوع الجزائر، بل في جميع ‏اقطار الشمال الافريقي ولا غرو!

في معرض ما سيفيض به الخاطر من دون اضطرار الى التقيد باكراهات المعايير الاكاديمية التقليدية في كتابة التراجم، لاسيما منها هاتيك التي تعنى بالعظماء.. لا لشي‏ء الا ليكون الحديث مرسلا من دون تكلف ولا مصانعة، ولكي يشف اكثربهذه الحرية المنهجية في التحرير عن الصدق في التعبير والموضوعية في التقرير والواقعية في الوصف والتحبير، نتناول ‏بلمس خفيف نبذا ونثارات خاطفة في غير ما ترتيب مسبق ولا فرز مقصود، من الجوانب المتعددة لهذه الشخصية‏ العالمية الفذة البارزة. والا فانه كما قال الشاعر الجزائري في عبقريته:

هو المارد العملاق دربه

وليس له الا السماء نصير

ثم انى ليراع قد تدبس ذؤابته او تتعثر، ان يلم المامة عابرة على الادنى، بمحيط طوفانه المعرفي وعطائه الاكاديمي‏الثر… الا ان يكون في المامه نسيج وحده من العلماء الربانيين او الاحناء المتفردين: فرد يقوم بما تقوم جحافل او فوق ما يرجى وما يترقب ما الصفة الابرز التي تلفت في شخصيته وعلمه؟

قل نظير للامام الصدر (رض)، في تجسيد مثل هذا الحديث الشريف الذي يعتصر رسالية: «يحمل هذا الدين، في كل‏ قرن، عدول، ينفون عنه تاويل المبطلين، وتحريف الغالين، وانتحال الجاهلين كما ينفي الكير خبث الحديد»

او في العمل بصلابة نادرة بقول الامام علي (ع): «اخذ اللّه على العلماء ان لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم‏» او في اقتفاء اثر الرسل في منهاج الدعوة الحق الى اللّه تعالى، ذلك: «ان اللّه جعل في كل من الرسل بقايا من اهل‏ العلم يدعون من ضل الى الهدى، ويدعون الى اللّه، فابصرهم.

فانهم في منزلة رفيعة وان اصابتهم من الدنيا وضيعة. انهم‏ يحيون بكتاب اللّه الموتى، ويبصرون بنور اللّه من العمى. كم قتيلا لابليس قد احيوه؟ وكم من تائه ضال قد هدوه؟ يبذلون دماءهم دون هلكة العباد، وما احسن اثرهم على العباد!»

فبخ بخ له حيث: نال الشهادة مسرورا بها جذلا فليخلو اليوم محفوظا من العدم وليس اقل في الشهادة له باحسان من معموله لهذه الاية الكريمة الممجدة لامثاله الصناديد الشمخ:

(الذين يبلغون رسالات اللّه ويخشونه ولا يخشون احدا الا اللّه وكفى باللّه حسيبا) [الاحزاب:39].

وميزته في ذلك كله، تقديره لمبدا العمل بعلمه الوضاء ذاك، وهو ان يسوق كلمة اللّه سبحانه بمثل تلك المواصفات ‏النوعية الصارمة لكي تكون بحق مشعلا للانسان المعاصر في الوقت الذي اخذت فيه ضروب الشموع الاخرى تتخافت ‏فلا تضي‏ء ولا نملك الا ان ندلي بشهادة ابداعه المبتكر في اعادة صياغة رسالة اللّه صياغة جديدة جميلة شاملة اصيلة تمهد، ايما تمهيد ماهر، لانسان القرن العشرين المتذبذب الحائر في ان يدع ضلالته ليجد ضالته في كنف الدين الاسلامي الحنيف ‏في طبعته العلمية القشيبة التي يبرع الامام الصدر، رحمه اللّه تعالى، في تقديمها. تصدى الشهيد الصدر لنقد الفكر المادي المعاصر، ما اهمية هذا النقد؟

ان العلامة الصدر (رض) هو فخر المفكرين الاسلاميين وانه لاجرا من تصدى، بجدارة عالية، لنقد الفكر المادي‏ المعاصر نقدا علميا مفعما ما له كف‏ء. سيما ساعة استعلى بضراوة في تحدي الفكر الديني بعامة الى حد الاستهتار به ‏بعد محاولات النسف والتقويض. ولقد ساعده على عمليات التحطيم، فضلا عن الادوات المفاهيمية المستحدثة ‏وجدليات منهج التحليل، ما تراكم من استبدادات الكنيسة واعتسافات البرجوازية المترفة في غضون التاريخ الغربي من‏جانب، وقيام النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي المنبثق عنه في واقع ماثل تجسد في ما كان يعرف بالاتحاد السوفياتي سابقا.

كما خدمه، من جانب آخر، ايديولوجيا ودعائيا واعلاميا، انتشاره في ما كان يعرف سابقا بدول شرق‏اوروبا الشيوعية. ولكم تبلغ عبقريته الفكرية من الروعة والعمق في تحليله النقدي الرافض لثنائية التفسير الافلاطوني القديم للعلاقة بين‏الروح والجسم، باعتبارها علاقة بين قائد وعربة يسوقها. والمشخص لقصور التعديلات التي اجراها ارسطو بادخال ‏فكرة الصورة والمادة. ولاخفاق نظرية الموازنة التي جاءت في تخمينات ديكارت.

وانما الذي انتبه اليه ما بلوره الكشف الفلسفي الاسلامي لصدر المتالهين الشيرازي الذي استلهم تصميمه الافضل في‏تفسير الانسان على اساس العنصرين: الروحي والمادي، من الحركة الجوهرية المتكاملة في وجودهما من دون حدود فاصلة كالتي كان يتخيلها ديكارت حين اضطر الى انكار التاثير المتبادل والقول بمجرد الموازنة. كما انه ابدع في‏ تعليل اختلافه عن اقطاب الماركسية.

لا سيما راي جورج بوليتزر القائل بان «الظروف الاجتماعية للحياة هي المنظم ‏الحقيقي للحياة العضوية الذهنية‏» حيث ابطل الزعم بالالية في الادراك البشري، واثبت بالامثلة المناسبة ان ‏الافكار والادراكات ليست مجرد ردود فعل منعكسة عن المحيط الخارجي كما تدعي المدرسة السلوكية، ولا هي‏حصيلة تلك الردود المحددة من قبلها والمتطورة بتتبعها كما تعتقد الماركسية.

فكان بهذا التحليل البارع محررا للفكر الانساني من ربقة الظروف المحدقة، كانه يريد ان يقول: انما الانسان ابن عقيدته ‏وليس بالضرورة ابن واقعه وبيئته. والا فكيف تامره العقيدة بالتغيير في حالة فسادهما ونشوزهما عن امر اللّه تعالى؟

وفي تصديه لراي ستالين في «كون اللغة هي الواقع المباشر للفكر» يقرر على النقيض من ذلك ان الفكر انما هو نشاط ‏ايجابي فعال للنفس، وليس رهن ردود الفعل الفيزيولوجية. وان اللغة ليست الا اداة لتبادل الافكار وليست هي المكونة ‏لتلك الافكار. ولذلك فقد نفكر في شي‏ء ونفتش طويلا عن اللفظ المناسب له للتعبير عنه.

وبذلك نلفيه هنا، ايضا يرفع لواء التحديد من جديد لفك رقبة التفكير الحر من اغلال اية لغة آسرة. على هذا النحو تسلس الارادات طليقة من جميع سلاسل القهر والجبر والقدريات المزعومة على اذهان الناس واراداتهم.

الا ان ذلك هوالفهم العميق العميق لابعاد عقيدة التوحيد في مجال تحديد الفكر الانساني من مكبلاته الخفية والظاهرة ومن قيود استراتيجيات الفلسفات المدمرة لجوهر ما في عقل الانسان الذي كرمه اللّه تعالى، وهو نفيسة التفكير الارادي‏الحر! وصدق من قال: بعثت في امة الاسلام فكرتها من بعد ما خمدت في غابر القدم طرحت افكارها يوما بفلسفة حتى تفلسف من في غاية الهرم ورحت تنفثها في الاقتصاد رؤى من الكتاب وطه انبل القيم تغطرست قبلها للشرق داعية حمراء حتى بدت هتاكة العصم ومال كفك صوب الغرب يسالها عن راسمال نما من ادمع الامم فمتخم مسرف شكواه ببطنته ومدقع مملوء في حالة العدم.

ما هي اهم مميزات النهج التجديدي للشهيد الصدر؟

ان مجرد الايماء الى بعض مميزات عملاق الفكر الاسلامي المعاصر ونهجه التجديدي امر عويص. واعوص منه مهمة ‏الاحداق بها من اطرافها المتعددة. فالاحرى في كل جانب من جوانب عظمته، وفي كل موهبة من مواهبه الكثيرة، ان ‏يستجليها البحث العلمي المتاني في رسائل واطروحات جامعية.

بل الاولى ان تفرد، لمزيد عناية، بدراسة اكاديمية‏ متخصصة. لا سيما ان العلامة الصدر (رض) قد ترك في شتى المجالات العلمية والفقهية والفكرية نواة مدرسية جديرة ‏بالاحتذاء والاثراء في ورشات عمل علمي هادف، يفتح لها آفاق الديمومة ودروب الانتشار.

واخال هذا المشروع ‏الواعد ادنى ما يقدم وفاء لفكر الرجل ومنهاجه اللذين غزوا براعم عقول الجيل الماضي التي تراها تبلورت في فحول ‏مفكري اليوم ودعاته.

والا فمن ذا الذي يرتاب في اقتداره الكبير على استيعاب اعقد المسائل الفلسفية القديمة والحديثة وطاقته الجياشة ‏بالنقد الوجيه والنفس الطويل في التتبع المتبصر من دون كلل ولا ملل. ومدى توفيقه في التخريج والتركيب والصياغة ‏المستلهمة من اوعية الوحي واستثمارها بمهارة في توليد الفكر الاسلامي الذي ينزله مهيمنا في الراهن على الوقائع ‏المستجدة والاحداث الجارية وما يحتف بها من مؤثرات داخلية وخارجية. ذلك فعل المنخل العلمي الرفيع الذي اوتيه‏والمعارف الموسوعية التي مرئها.

وفي ذلك ايضا منيحة لطف مخصوص ان ينشد اليه القارى انشدادا. لا، بل يطمئن ‏اليه ‏تحليلا وافتاء وتفكرا وانتقادا وتدريسا… للامتلاء الفقهي الذي ينطلق منه وللاضطباع العلمي الذي ابقر به. ناهيك عن‏ المنطق السليم الذي تميز به، فاستغل ادواته في خدمة اساليب الدعوة والتعليم.

الى جانب امتلاكه ناصية المنهجية‏ الموفقة وانقياد ملكة الاجتهاد اليه انقيادا ذا طابع خاص. فضلا عن مرجعيته الفذة وعلميته الثائرة وسداد في فهم‏ الوحي، ومحظوظية غير عادية في التمتع بحلل الفتح الرباني في روائع التفسير الموضوعي الذي دشن معالمه.

لا بل ‏كون مدرسته الحديثة بما لا نظير له البتة، وكل من عداه عالة عليه ولا مراء.

الى من يتوجه الشهيد الصدر بخطابه التجديدي هذا؟ وما هو تاثير هذا الخطاب؟

هذه السمات وعديد غيرها، مما يندرج ضمن الاتجاهات التجديدية لتراثه الضخم، اهلت مقروئيته العريضة في‏الاوساط الجامعية والاكاديمية والثقافية عبر البلاد العربية والاسلامية بل وغيرها، كما اضفت على كتاباته واجتهاداته ‏ومحاضراته وفتاويه خصوصية عالمية كانها التسامي على المذهبية الضيقة المنفرة والانفراد بلباقة تتساوقها مرونة في ‏مناهج الطرح وبراعة التمثيل وقوة الاستنتاج على نحو لا يملك معه العقل والقلب والضمير الا ان يذعن للحقائق‏ الساطعة المبرهن عليها والمدلل.

ولان هذه المصداقية التي منحها متالقة الى حد ان المخاطب يشعر من دون لاي برسالة الخطاب تبلغ الى شغاف قلبه‏ لتحمل اليه قناعة مفعمة بالايمان الفياض بحتمية انتصار الاسلام، وتنقل اليه ملموس وعد اللّه سبحانه بنصرة المسلمين ‏كذلك وفقا للسنن، بل وفوق السنن احيانا ايضا.. واللّه على كل شي‏ء قدير. وللّه در مادحه، حيث قال:

هزات من عالم بالزيف منغمس

بكل ما حوت الدنيا من النظم

لذا سلكت طريق الحق منتصبا

وما ترددت في لاء ولا نعم!

فدم خالدا لك قلب الدهر مضطجع

يا نافث الروح في الموتى وفي الرحم

وعزاؤنا في شهادته بشارة الحق سبحانه اذ يقول: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل اللّه امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم اللّه من فضله ويستبشرون ‏بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم الا خوف عليهم ولا هم يحزنون) [آل عمران:169 و170].

وخير سلوان في ذكرى استشهاده العشرين ان يعبق منا بطيب هذه الابيات وخالص الترحمات:

يا صدر طابت بك الاجداث وازدهرت

على هدى اللّه وسط الخلد فلتنم

ان غاب شخصك فليبق هواك على

مر العصور بقاء الحق والكلم

ومسك الختام مراهنة الشاعر الجزائري مصطفى محمد الغماري:

اراهن ان الظالمين قبور

وانك في درب الحضور حضور

 

المصدر: مركز الابحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر

 

المفكر الراحل الدكتور حسن حنفي

ولد المفكر الراحل بالقاهرة عام 1935، ودرس في كلية الآداب بجامعة القاهرة، ثم سافر إلى فرنسا حيث حصل على الماجستير ثم الدكتوراه من جامعة السوربون عام 1966، وعمل بجامعات عربية وأجنبية بينها جامعة محمد بن عبد الله في فاس وجامعة طوكيو باليابان ويعد أحد أهم مؤسسي الجمعية الفلسفية المصري منذ نهاية حقبة الثمانينيات.

وللمفكر الراحل عدد من المؤلفات في فكر الحضارة العربية الإسلامية أبرزها “تأويل الظاهريات” و”ظاهريات التأويل”، و”التراث والتجديد” (4 مجلدات) و”موسوعة الحضارة العربية” و”حوار المشرق والمغرب”، “من العقيدة إلى الثورة”، و”حوار الأجيال من النقل إلى الإبداع” (9 مجلدات)، و”مقدمة في علم الاستغراب”، و”فيشته فيلسوف المقاومة”، “اليمين واليسار في الفكر الديني” وغيرها.

حصلَ الدكتور حسن حنفي على عدةِ جوائزَ في مِصرَ وخارِجَها، مثل: جائزةِ الدولةِ التقديريةِ في العلومِ الاجتماعيةِ ٢٠٠٩م، وجائزةِ النِّيلِ فرعِ العلومِ الاجتماعيةِ ٢٠١٥م، وجائزةِ المُفكِّرِ الحرِّ من بولندا وتسلَّمَها مِن رئيسِ البلادِ رسميًّا.

وعكف الدكتور حسن حنفي بقية حياته على كتابةِ الأجزاءِ النهائيةِ من مَشروعِهِ «التراث والتجديد» بمَكتبتِهِ التي أنشَأَها في بيتِه.

رحل الدكتور حسن حنفي عن دنيانا في ٢١ أكتوبر عام ٢٠٢١ عن عمرٍ يناهز ٨٦ عامًا تاركًا خلفه إرثًا فكريًا عظيمًا ومشروعًا فلسفيًا ثريًا سيظل علامةً بارزة في تاريخ الفكر العربي الحديث.

 

موسوعة الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر “قدس سره”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky