الاجتهاد: إن الحرية الاقتصادية في الإسلام تنبع من حق الإنسان في الملكية، حيث إن الإسلام أقر الملكية الخاصة وفق ضوابط مقررة في الشريعة الإسلامية. وهذا المبدأ ـ أي الملكية ـ نابع أيضا من حق الإنسان في هذه الأرض التي استعمره الله فيها. وجعله خليفة فيها.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ: ﴿۞وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًاۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُۖ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ﴾ هود (61).
وقَالَ اللَّهُ جَلَّ في عُلاه: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةًۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ البقرة (30).
والملكية كما يعرّفها العلماء هي : «علاقة اجتماعية اعتبارية تعاقدية بين شخص أو مجموعة أشخاص، وبين شيء ما، تدل على شرعية تصرف المالك بملكه، وتعطيه الحق في منع الآخرين من التصرف به»(1) .
فكل إنسان حر في التصرف في ماله مع مراعاة الأسس الإسلامية التي أهمها العدل. فلا يجوز لأي أحد أن يسلب ذلك الحق من أي إنسان، سواء كان ذمياً أو مسلماً، فهو حر في العمل أو في تأسيس شركات أو زراعة أرض أو غرس بساتين وما شابه ذلك.
نعم , الإسلام حينما أقر الحرية الاقتصادية لم يجعلها بشكل مطلق ـ كما هو حال الرأسمالية ـ ، فلا يجوز لأي شخص أن يتصرف باسم الحرية في ماله كيف يشاء، لأن المال ـ مثلاً ـ في نظر الإسلام وسيلة لخدمة الإنسان ورفاهيته، أما أن يصبح موضوع عبث وجنون فهو يرفضه كل الرفض.
قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾ الإسراء (27).
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ و تَعَالَىٰ: ﴿۞يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُواۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ الأعراف (31).
وكذلك لا يجوز باسم الحرية اكتناز المال ومنع تداوله في المجتمع، لأن ذلك يسبب مشاكل اقتصادية في البلاد الإسلامية.
قَالَ جَلَّ في عُلاه: ﴿۞يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِۗ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ التوبة (34).
فسبيل الله هو الانفاق الاجتماعي، أي تداول الثروة في المجتمع.
يقول السيد الطباطبائي: «وسبيل الله على ما يستفاد من كلامه تعالى هو ما توقف عليه دين الله على ساقه، وأن يسلم من انهدام بنيانه، كالجهاد وجميع مصالح الدين الواجب حفظها، وشؤون مجتمع المسلمين التي ينفسخ عقد المجتمع لو تفسخت الحقوق المالية الواجبة، التي أقام الدين بها صلب المجتمع الديني»(2) .
فالإسلام حينما أعطى كل إنسان حريته الاقتصادية واحترمها بشكل كامل منعه في نفس الوقت عن مزاولة مجموعة من الأعمال التي تؤدي إلى الضرر على المجتمع، كالربا والاحتكار والمتاجرة ببيع اللحوم المحرمة وبيع الخمور و… .
وهو بذلك أعطى حدوداً للحرية الاقتصادية ولم يجعلها سائبة ومطلقة بلا قيود او حدود .
حدود الحرية الاقتصادية في الإسلام :
وضع الإسلام حدودا للحرية الاقتصادية يمكن اجمالها بنقطتين :
أوّلها : الحدود الأخلاقية (أو الذاتية) .
وثانيها: الحدود الموضوعية.
أما التحديد الذاتي :
فهو يتكون طبيعيًا في ظل التربية الخاصة ، التي ينشيء الإسلام عليها الفرد في المجتمع الذي يحكم الإسلام في كل مرافق حياته ، فان للإطارات الفكرية والروحية التي يصوغ الإسلام الشخصية الإسلامية ضمنها ، حين يعطي فرصةَ مباشرةِ واقع الحياة وصنع التاريخ على أساسه.
إن لتلك الإطارات قوتها المعنوية الهائلة ، وتأثيرها الكبير في التحديد ذاتيًا وطبيعيًا من الحرية الممنوحة لأفراد المجتمع الإسلامي ، وتوجيهها توجيهًا مهذبًا صالحاً ، دون أن يشعر الأفراد بسلب شيء من حريتهم، لأن التحديد نبع من واقعهم الروحي والفكري ، فلا يجدون فيها حدًا لحرياتهم، ولذلك لم يكن التحديد الذاتي للحرية في الحقيقة، وإنما هو عملية إنشاء للمحتوى الداخلي للإنسان الحر إنشاء معنويًا صالحاً ، حيث تؤدي الحرية في ظله رسالتها الصحيحة .
وقد كان لهذا التحديد الذاتي نتائجه الرائعة، وآثاره الكبيرة في تكوين طبيعة المجتمع الإسلامي ومزاجه العام ، وعلى الرغم من أن التجربة الإسلامية الكاملة كانت قصيرة الأمد، فقد آتت ثمارها ، وفجّرت في النفس البشرية إمكاناتها المثالية العالية ، ومنحتها رصيدًا روحيًا زاخرًا بمشاعر العدل والخير والإحسان،
ولو قدّر لتلك التجربة أن تستمر وتمتد في عمر الإنسانية ، أكثر مما امتدت في شوطها التاريخي القصير، لاستطاعت أن تبرهن على كفاءة الإنسانية لخلافة الأرض، ولصنعت عالماً جديدًا زاخرًا بمشاعر العدل والرحمة، واجتثّت من النفس البشرية أكثر ما يمكن استئصاله من عناصر الشر، ودوافع الظلم والفساد.
وناهيك من نتائج التحديد الذاتي، أنه ظل وحده هو الضامن الأساسي لأعمال البر والخير في مجتمع المسلمين، منذ خسر الإسلام تجربته للحياة، وفقد قيادته السياسية وإمامته الاجتماعية، وعلى الرغم من ابتعاد المسلمين عن روح تلك التجربة والقيادة بعدًا زمنيًا امتدّ قرونًا عديدة، وبعدًا روحيًا يقدّر بانخفاض مستوياتهم الفكرية والنفسية، واعتيادهم على ألوان أخرى للحياة الاجتماعية والسياسية ..
على الرغم من ذلك كله فقد كان للتحديد الذاتي، الذي وضع الإسلام نواته في تجربته الكاملة للحياة، دوره الإيجابي الفعال، في ضمان أعمال البر والخير، التي تتمثل في إقدام الملايين من المسلمين بملء حريتهم، المتبلورة في إطار ذلك التحديد، على دفع الزكاة وغيرها من حقوق الله، والإسهام في تحقيق مفاهيم الإسلام عن العدل الاجتماعي، فماذا تقدر من نتائج في ضوء هذا الواقع، لو كان هؤلاء المسلمون يعيشون التجربة الإسلامية كاملة، وكان مجتمعهم تجسيدًا كاملاً للإسلام، في أفكاره وقيمه وسياسته وتعبيرًا عمليًا عن مفاهيمه ومثله؟.
وأما التحديد الموضوعي :
نعني بالتحديد الموضوعي للحرية: التحديد الذي يُفْرَضُ على الفرد في المجتمع الإسلامي من خارج بقوة الشرع، ويقوم هذا التحديد الموضوعي للحرية في الإسلام، على المبدأ القائل: إنه لاحرية للشخص فيما نصت عليه الشريعة المقدسة، من ألوان النشاط التي تتعارض مع المثل والغايات التي يؤمن الإسلام بضرورتها.
وقد تم تنفيذ هذا المبدأ في الاسلام بالطريقة التالية:
أولاً : كفلت الشريعة في مصادرها العامة النص على المنع عن مجموعة من النشاطات الاقتصادية والاجتماعية المعيقة – في نظر الإسلام – عن تحقيق المثـل والقيم التـي يتبنـاها الإسلام كالربا والاحتكار وغير ذلك .
وثانيًا: وضعت الشريعة مبدأ إشراف وليّ الأمر على النشاط العام، وتدخل الدولة لحماية المصالح العامة وحراستها، بالتحديد من حريات الأفراد فيما يمارسون من أعمال .
وقد كان وضع الإسلام لهذا المبدأ ضروريًا، لكي يضمن تحقيق مثله ومفاهيمه في العدالة الاجتماعية على مرّ الزمن.
فإن متطلبات العدالة الاجتماعية التي يدعو إليها الإسلام، تختلف باختلاف الظروف الاقتصادية للمجتمع، والأوضاع المادية التي تكتنفه. فقد يكون القيام بعمل مضرًا بالمجتمع وكيانه الضروري ، في زمان دون زمان ، فلا يمكن تفصيل ذلك في صيغ دستورية ثابتة ، وإنما السبيل الوحيد هو فسح المجال لوليّ الأمر، ليمارس وظيفته بصفته سلطة مراقبة وموجهة، ومحددة لحريات الأفراد فيما يفعلون أو يتركون من الأمور المباحة في الشرع وفقًا للمثل الإسلامي في المجتمع (3).
وفي هذا الركن نجد أيضاً الاختلاف البارز بين الاقتصاد الإسلامي، والاقتصادين الرأسمالي والاشتراكي، فبينما يمارس الأفراد حريات غير محدودة في ظل الاقتصاد الرأسمالي، وبينما يصادر الاقتصاد الاشتراكي حريات المجتمع … يقف الإسلام موقفه الذي يتفق مع طبيعته العامة، فيسمح للأفراد بممارسة حرياتهم في نطاق القيم والمثل التي تهذب الحرية وتصقلها، وتجعل منها أداة خير للإنسانية»(4) .
فالحرية الاقتصادية ثابتة في الشريعة الإسلامية ولكن بشكل لا يتعارض مع مصلحة المجتمع ككل، ولا يؤدي إلى انعدام العدالة الاجتماعية.
وهذا ما أكدته وثيقة حقوق الإنسان في الإسلام التي قررها المؤتمر الخامس للفكر الإسلامي الذي انعقد في طهران سنة 1408 هـ 1987م والتي تستمد موادها من الشريعة الإسلامية المقدسة.
جاء في المادة الخامسة عشرة ما يلي : للإنسان حق التجارة المشروعة دون احتكار أو غش أو إضرار بالغير.
وجاء في المادة السادسة عشرة ما يلي:
أ ـ لكل إنسان حق في التملك بالطرق الشرعية (سواء وحده أو بالاشتراك مع غيره) كما أن له التمتع بحقوق الملكية بما لا يضر به أو بغيره من الأفراد أو المجتمع، ولا يجوز نزع الملكية إلاّ للمنفعة العامة ومقابل تعويض فوري عادل .
ب ـ تحرم مصادرة الأموال في كل الأحوال إلاّ بمقتض شرعي(5) .
لقد توسط النظام الاقتصادي الإسلامي في منهجه من مسألة الحرية الاقتصادية، فأعطى للإنسان مجالاً واسعاً يتحرك فيه باختياره، ليمارس نشاطه الاقتصادي، الذي يحقق به وظيفته على الأرض، وهي تحقيق العبودية لله، و إعمار الأرض بالإستناد إلى منهج الإسلام الشامل لكل جوانب الحياة، فلم يعانِ الإنسان من مساوئ الانفلات الموجود في النظام الرأسمالي، ولم يعانِ من كبت الدوافع الفطرية الموجود في ظل النظام الاشتراكي.
والحرية في النظام الإسلامي ليست مقصودة لذاتها، بل هي وسيلة لمساعدة الإنسان على تحقيق الهدف الذي خُلق من أجله، فالوسيلة تعطى بقدر ما يحقق الهدف، و لهذا فالحرية الاقتصادية في النظام الإسلامي مضبوطة بضوابط شرعية من أجل الوصول إلى تحقيق ذلك الهدف،
وهذه الضوابط أصيلة في أسس النظام الإسلامي، ولم تأت ردة فعل، وإذا كان النظام الرأسمالي قد أدخل بعض التعديلات على مبادئ الحرية قبل حوالي قرن، فإن النظام الاقتصادي الإسلامي قد جاءت مبادئ الحرية الاقتصادية فيه مضبوطة، وهذه الضوابط جزء من التشريع وليست اصلاحات اتضحت الحاجة لها بعد التطبيق (6).
الضوابط الشرعية الواردة على النشاط الاقتصادي:-
في النظام الاقتصادي الإسلامي عدد من القيود التي تضبط النشاط الاقتصادي، لضمان جلب المصالح، ودرء المفاسد للفرد والمجتمع (7) و لا يقتصر ذلك على الدنيا، بل يشمل الدنيا و الآخرة، وهذه المسألة من المسائل التي يتميز بها المسلمون عن غيرهم، حيث تتصل عند المسلم حياته الدنيا بما بعد موته، فلا ينصب تفكيره، و أسلوب حياته على الدنيا وحدها، بل يشمل ما بعد رحيله من هذه الدنيا،
وهذا الربط بين المرحلتين يؤثر في سلوكه الاقتصادي، فقد ترد بعض القيود على النشاط الاقتصادي لضمان مصلحة الفرد في الآخرة. حتى ولو لم تكن المصلحة الدنيوية من هذا القيد واضحة لكل الناس. ومسألة المصالح المتعلقة بالآخرة تقع خارج قدرات العقل البشري،
ولهذا فالمدارس الفكرية الاقتصادية الوضعية لا تقدم للبشرية شيئاً في هذا المجال، بل تتجاهل هذا الجانب، على الرغم من وضوحه في الأديان السماوية التي تعاقبت بها الرسل، منذ نزول أول نبي على الأرض، وهو آدم عليه السلام إلى آخر رسالة سماوية نزلت وهي الإسلام، فكل هذه الرسالات السماوية تربط بين الحياتين: الدنيوية والأخروية، وتجعل الأولى فترة استعداد للحياة الآخرة.
ولتحقيق تلك الغاية السامية (جلب المصالح ودرء المفاسد) جعل النظام الاقتصادي الإسلامي قيوداً لضبط النشاط الاقتصادي، منها:
(أ) تطبيق أحكام الإسلام في الحلال والحرام، ولذلك صور كثيرة، منها:
١ – تحريم إنتاج واستهلاك السلع والخدمات الخبيثة المضرة بالإنسان، كما في قوله تعالى {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} (الأعراف ١٥٧) .
فحرية الإنتاج، والاستهلاك تقع داخل دائرة الحلال، أما السلع و الخدمات الخبيثة المحرمة فهي ممنوعة. وقد تكون السلع المحرمة منصوصاً عليها كالخمر، ولحم الخنزير، وقد يكون منصوصاً على وصفها بأنها خبيثة أو مضرة فيأتي دور المجتهدين في تعيين ما ينطبق عليه الوصف المذموم.
وهذا التحريم ليس من صلاحية البشر بل هو لله، فالذي خلق البشر هو الذي يعرف ما يضرهم و ما ينفعهم، وقد حذر الله من التحليل و التحريم بغير علم فقال تعالى {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} . (النمل ١١٦) .
وتطبيق هذا القيد (الحلال و الحرام) له آثار اقتصادية ايجابية، وتجاهله له عواقب وخيمة.
و أهم الآثار الايجابية لتطبيق قيد (الحلال و الحرام) :
أولاً: المحافظة على الضروريات التي لا تستقيم حياة المجتمع إلاَّ بها، وهي: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال فهذه الضروريات جاءت كل الرسالات السماوية لحفظها.
ثانياً: زيادة رفاهية المجتمع، وتمتعه بالسلع و الخدمات النافعة، وذلك لأن هذا القيد يوجه الموارد المتاحة لتوفير الطيبات، ويستبعد الخبائث المضرة، أما إهمال هذا القيد فنتيجته العكس تماماً.
فالمجتمع الذي يهمل، أو يقصر في تطبيق قيد (الحلال والحرام) يلحق الضرر بالضروريات المذكورة، مما يعرض المجتمع إلى الخطر ولو بعد حين، وفي الوقت نفسه تهدر الموارد المحدودة في توفير سلع وخدمات مضرة، و يحرم المجتمع من سلع وخدمات طيبة نافعة.
٢ – تحريم طرق الكسب غير المشروع كالربا، و الغرر، و الغش بأشكاله المختلفة كالرشوة، و التزوير، وغير ذلك مما نص على تحريمه، أو أنه مما يلحق الضرر بالمجتمع.
(ب) الالتزام بعدد من الواجبات الشرعية الاقتصادية:
فهناك قدر من حرية تصرف الإنسان في دخله، وثروته ولكن يرد على ذلك قيود، ومنها أنه ملزم بالإنفاق في بعض الأوجه و لا خيار له في ذلك إذا تحققت الشروط الشرعية، ومن هذه الأوجه أداء الزكاة والخمس ، و نفقة الأقارب، و نفقة الزوجة و الأولاد وغيرها.
(ج) الحجر على السفهاء و الصبيان و المجانين:-
يقصد بالحجر في اللغة المنع و بهذا الاعتبار أطلق على العقل في قوله تعالى (هَلْ فِي ذٰلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) و أمثالها لأنه يعقل و يمنع عن ارتكاب الرذيلة و شرعا هو منع الإنسان عن التصرف لوصف فيه فيما له التصرف فيه لو لا ذلك الوصف و ذكر فقهاؤنا رضوان اللّٰه عليهم ان أسبابه «ستة» الصغر و الجنون و السفه و الرق و مرض الموت و الفلس و ذكروا لكل منها حدودا و قيودا و أحكاما (8).
والأصل حرية الإنسان في تصرفه بماله بكل أنواع التصرفات الشرعية كالبيع، والهبة، والصدقة، وغيرها، ولكن قد يطرأ ما يبرر الحجر عليه بمنعه من تلك التصرفات. وهذا من حكمة الله وعدله، فالمال أحد الضروريات الخمس التي جاءت الشرائع السماوية لحفظها.
فحفظها من المصالح الضرورية، أما الحرية الفردية فليست مقصودة لذاتها بل تتبع المصلحة (9) ، ومتى تعارضت الحرية مع المصلحة تُقيَّد الحرية، بما يخدم المصلحة، ومن ذلك الحجر.
العام أعظم، وإثم تضييعه أشد، وقوله تعالى {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} يدل على الحجر على من يضيع المال العام من باب أولى .
(د) إذا تعارضت المصلحة الخاصة مع المصلحة العامة تقدم المصلحة العامة (10) :
عند ممارسة الأنشطة الاقتصادية المختلفة قد تتعارض المصالح، ومن المواطن التي تقيد فيها الحرية الفردية، إذا تعارضت مصلحة الفرد مع مصلحة المجتمع فتقدم مصلحة المجتمع.
ومن أمثلة ذلك منع الاحتكار بمعناه الشرعي، الذي يقصد به الامتناع عن بيع سلعة أو خدمة مما يؤدي منعه إلى الأضرار بالناس.
كأن يتوقف التجار الذي يبيعون بعض السلع الضرورية عن البيع ليرتفع السعر، فهذا هو الاحتكار المنهي عنه في قوله – صلى الله عليه وآله وسلم – (من احتكر فهو خاطئ) . (11)
فالأصل أن الإنسان حر في البحث عن مصلحته، و ارتفاع السعر من مصلحة التجار الذين بحوزتهم بضاعة، ولكن إذا تعارضت مصلحة هؤلاء الأفراد مع مصلحة المجتمع، تُقدم مصلحة المجتمع، فيحرم الاحتكار لأنه يلحق الضرر بالمصلحة العامة.
وهذه الأمثلة السابقة للقيود الشرعية الواردة على الحرية الاقتصادية في النظام الاقتصادي الإسلامي قيود ثابتة، يتربى عليها الإنسان المسلم، ويلزمه الالتزام بها، ويضاف إلى ذلك أن الدولة تضمن تطبيقها كما تضمن تطبيق بقية جوانب الشريعة الإسلامية كأداء أركان الإسلام وغيرها. ويضاف إلى هذه القيود قيود أخرى تنتج عن تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي لأداء وظائفها الاقتصادية (12).
28 جمادي الأولى 1444 هـ النجف الاشرف
الهوامش
1- الاقتصاد الإسلامي، ص ۷ .
2- الميزان، ج ۹، ص ٢٥٩
3- اقتصادنا – للسيد محمد باقر الصدر : ٢٨٦
4- المصدر السابق : ۲۹۸
5- حقوق الإنسان في الإسلام، ص ٥٥٨.
6- النظام الاقتصادي في الإسلام – المجلد ١ – الصفحة ١٣٣
7- انظر: سلسلة المسائل الفقهية ج ۲۳، ص: ٥٦ الشيخ جعفر السبحاني، الموافقات، أبو إسحاق الشاطبي، حـ ٢، ص 6 ضوابط المصلحة ، محمد سعيد البوطي ص ٢٥، ٨٥ ، الاقتصاد الإسلامي، حسن سري ص ٤٥ – ٤٩
8- تحرير المجلة؛ ج ٢ قسم ۱، ص: ١٥٥
9- انظر: مقدمة في أصول الاقتصاد الإسلامي، محمد على القري، ص ٦١.
10- تحرير المجلة؛ ج ٢ قسم ١، ص ٢٦٤، ما وراء الفقه ج ۹، ص ٢٦٦، جمهرة القواعد الفقهية في المعاملات المالية علي أحمد الندوي، جـ ١، ص ١٦٣
11- صحیح مسلم ۳ : ۱۲۲۷ الحديث ١٦٠٥ ، سنن البيهقي ٦ : ٣٠ ، كنز العمال ٤ : ٩٩ الحديث ۹۷۳۱ ، المعجم الكبير للطبراني ٢٠ : ٤٤٥ الحديث ۱۰۸٦ . منتهى المطلب (ط . ج)، ج ١٥، العلامة الحلي، ص ٣٣٢
۱۲- النظام الاقتصادي في الإسلام – المجلد ١ – الصفحة ١٣٧