خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / موقع الاجتهاد و جميع المواضيع / جميع الأبحاث والأحداث / حوارات ومذکّرات / 4 حوار / أهمية المناهج والأساليب في البحوث العلمية.. آية الله السيد أحمد المددي
المنهجية والأسلوب في البحوث

أهمية المناهج والأساليب في البحوث العلمية.. آية الله السيد أحمد المددي

الاجتهاد: إحدى المسائل التي قلَّما يلتفت إليها في الحوزة هي الأسلوب والمنهجية بوعيٍ وحكمة. فما هو رأيكم حول هذا الموضوع؟ وهل أنكم تلتفتون إلى هذه النقطة في بحوثكم الفقهية والأصولية؟

إن مسألة الأسلوب ليست جديدة، بحيث نستعرضها الآن. وجميع العلماء الذين هم من الطراز الأول، إلى الذين هم موجودون في وقتنا الحالي، لهم أسلوب خاص بهم.

وفي الحقيقة لا يمكن لأي شخص أن يتناول البحث العلمي بدون أن يكون له أسلوبه الخاصّ به. والذي يدار الحديث حوله هو ما إذا كان هذا الأسلوب قد كتب من قبل أحد الأشخاص، وعن وعيٍ وعلم تمَّت كتابته أم لا. وأحياناً نجرد الأسلوب،

وبإمكاننا أن نقول: إنّ العالم الفلاني في بحث الأسلوب لا يتناسب نمط بحثه مع البحوث الأخرى في المناقشة.

فمثلاً: عوضاً عن علم الفقه يدلي برأيه بقاعدةٍ ما، وفي مكانٍ آخر يستعرض رواية، لذا نقول: إن هذين الأسلوبين لا ينسجمان مع بعضهما. إذاً العلماء الأعلام لهم اهتمامهم ببحث الأسلوب في كلّ فنّ من الفنون، شاؤوا أم أبوا. ويكون الاختلاف أيضاً في نفس هذا الأسلوب.

لقد بيَّنا الأسلوب في أربع مراحل، وقد جعلنا ذلك في تحليل الهدم والبناء، ووضعنا له اسم التحليل؛ لأن مجموعة من الأمور الفكرية هي عبارة عن الجسدية والاجتماعية والنفسية و…. ولها معنى أوسع من الحركة الفكرية وأمثالها.

المرحلة الأخرى هي مرحلة النقد والاختيار. وفي هذه المراحل، بغضّ النظر عن أن تكون مبتكرة أم لا، المهم أن تكون اختيارية؛ لأنه من الممكن أن بعض الناس يمتلك أحياناً جزءاً من الابتكار في مجال العلوم البشرية أو التكنولوجيا أو المعرفة، حيث إنها حالة إلهام، وتحصل عن غير شعور.

وقد كان هدفنا هو جعل هذا الابتكار يتمّ بصورةٍ من الوعي، ونخرجه من حالة اللاوعي. وكما يطلق عليه اليوم «توارد الخواطر». وكما يقال له في اللغة العربية: «الإبداع الذاتي»، أو الإلهام الداخلي. وندخله في نطاق العقل الواعي.

الأشياء المهمة الأخرى للتحليل هي الإحاطة التامة بأفكار القدماء؛ كي يمكن تحليلها. وكما يقول الشاعر: «انظر إلى ليلى بعيني المجنون». فيجب أن يضع الإنسان نفسه مكان الشيخ الطوسي، أو الشيخ المفيد، أو العلاّمة الحلّي أو الآخرين، بحيث يقول بكلّ ثقة: إذا كان العلامة الحلي موجوداً يقول نفس الكلام.

وبما أن مبانيه كانت هكذا أو أن العلامة في مواضيع أخرى حيث لم يقل شيئاً، أو أننا لم نقرأه، بإمكاننا أن نفهم بناءً على القاعدة أن رأيه هكذا كان؛ لأن العلاّمة له هذا الأسلوب، وطبق هذا الأسلوب قد وصل إلى هذه النتيجة.

هذه المراحل الثلاث إنما هي مراحل تحضيرية، ونطلق عليها جميعاً مرحلة الهدم، بحيث إن مباني وكلمات العلماء الماضين تمحى وتنقل من مكانها؛ لأن كل إنسان يسعى في الزمان الذي يعيش فيه أن يطَّلع على ما قدّمه الماضون، ويزيد وينقص فيه.

وفي مرحلة من المراحل يسعى بعض علمائنا في مجالات مختلفة أن يطّلعوا على كل ما كتب في الأزمنة السابقة، وفي الوقت ذاته إمّا يطَّلعون عليها أو يقومون بمطالعتها، والتمكّن من تحليلها وانتقادها. وبعد ذلك يستخرجون من مجموع ما تمّ مبانٍ جديدة، بحيث يكون لها إطار معين، ويوضّحون معالم هذا الفكر، والأطر المحيطة به، وحالات رفضه وقبوله.

والمرحلة اللاحقة، والتي تعدّ أهمّ من المراحل السابقة، هي مرحلة البناء، والتي لها أهمّية كبيرة.

مثلاً: ما قدّمه الشيخ الطوسي من فنٍّ في كتابه الفقهي المأثور (النهاية) هو أنه أعطى البحوث هذا الانسجام، بحيث لو أردنا الآن أن نقدّم فقهاً مأثوراً من الجائز أنّ بإمكاننا أن نغيّر مكان بعض فتاواه، أما البحوث الفقهية الروائية التي استعرضها والمتن الفقهي الذي استخلصه من متون الروايات فقد كانت نوعاً من الابتكار. ومع ما تقدّم فإن المهم هو أنه بالإمكان البناء بعد مرحلة الهدم.

وطبق هذه المراحل بالإمكان تصنيف الأشخاص. فمثلاً: يحصل صاحب الجواهر في توضيح آراء القدماء على 30%، وفي التحليل على 30%، وفي النقد على 40%.

والذي أقوله هو: لو أردنا أن نبتكر، بل لو فكرنا في تأسيس فقه جديد، يجب أن يكون للمؤسِّس القدرة الكاملة على الإلمام بكلمات السابقين، كالنبوة الخاتمة التي كانت على اطّلاعٍ كامل على جميع ما جاء به الأنبياء السابقون، وفهم كامل لها، وأيضاً بإمكانه أن يبحث العلاقات العلمية والاجتماعية والسياسية والفنية والثقافية، وله القدرة كذلك على تحليل الأطر التي قد بيّنتها المواضيع المبحوثة تحليلاً جيداً.

ودراسة الأطر هذه لها موضوعها الخاصّ بها، بحيث إذا أردنا أن نغيِّر المحتوى، ونبتكر شيئا جديداً، فبإمكاننا أن نضعه بنفس الإطار السابق، أو يجب تغيير الأطر وطريقة عرض البحوث. ومع ذلك يعتقد البعض، وأنا أيضاً كذلك كنتُ أتبنّى مدّة من الزمن نفس الاعتقاد، أن بإمكاننا تغيير المضمون، ولكنْ مع الاحتفاظ بالأطر.

ويعتقد البعض الآخر بأن المضمون والقالب لهما تأثّر وتأثير مباشر، ولا يمكن أن يحتفظ بأحدهما ويغيَّر الآخر، كالشعر الحديث، حيث توصّلوا فيه إلى هذه النتيجة، وهي أن مضمونه لا ينسجم مع الشعر التقليدي.

لذا فإن التأسيس إنْ كان في الأصول أو في الرجال ودراية الحديث أو… يجب أن يكون بهذا الشكل، وهو أن نكون على دراية تامّة بأفكار السابقين، ويجب أن نتمكن من تحليلها، ومن ثمّ هدمها، وبعد ذلك نقوم ببناء جديد ومنسجم.

رؤى في الإبداع والاجتهاد

ما هي الحلول والرؤى التي من الممكن أن تقدّم من أجل الابتكار؟ وعلى ماذا يدور محور ابتكاراتك الأصلية؟

إذا كنّا نريد أن نقدّم رؤى من أجل الابتكار فإنّي أرى أنّه من الضروري، وقد بذلتُ جهدي أيضاً من أجل تحقيق ذلك، التقليل من حدّ التعبّد في دائرة المعارف الإسلامية، أي أن لا نجعل الأمر غامضاً، ونجذّر للأمر في كلّ مكان، لا أن نكون مثل الحوزات العلمية المعاصرة: بما أن المشهور عمل هكذا إذاً علينا القيام بما قام به المشهور.

لقد سعيتُ في نهجي الخاص أن أتعامل مع التعبّد بأقلّ قدرٍ ممكن. من الطبيعي أن هناك مواضع يكون بها ذلك التعبُّد حتمياً، لكنْ في مواضع قليلة.

موضع التعبد معروف، وجذوره معروفة أيضاً. ونعتقد أن دائرة التعبد في المسائل العلمية واسعة جداً. وقد حاولنا أن نقلل من هذه الدائرة بمعرفة وعلم، وأن نجذر للمسائل.

حتّى في بعض الأماكن التي يصلون فيها جميعاً إلى النجاشي يقولون: انتهى الأمر، فأصبحنا نحن نشكّك بالأمر؛ وذلك لأننا عملنا جاهدين أوّلاً أن يكون الابتكار إرادياً وغير إلهامي؛ وثانياً: أن نجعل لتلك الأفكار جذوراً.

وعلى سبيل المثال: لقد كان بحثنا في هل أن التلقّي استقبلوه برضا لما كان لدى الأصحاب القدماء، أي تعبّداً وانصياعاً كاملاً لما قاله الأصحاب، أم تبنياً، أي كان استنباطهم؟ من الطبيعي أن البحث له منحى كبروي أيضاً، أما أمر التلقي فيرجع إلى الأئمّة الأطهار، وفي المكان الذي فيه تبنٍّ يرجع إلى الفقيه وذوقه الفقهي، ولكنْ مع هذا له حجمه وقيمته العلمية الخاصة.

والمهمّ أن نميِّز بين هذين المنحيين، والذي يعدّ عملاً شاقاً، ويحتاج إلى الكثير من المجهود في العمل التاريخي والتجذير.
في مقابل هذا الكلام كان هناك التعبّد، الذي هو أخذ الأمر على علاته.

وعلى سبيل المثال: عندما كان يجري في العالم الإسلامي في ذلك الوقت بحث المعتزلة والأشاعرة، والمذهب العقلي، وكان الشيعة بطبيعة الحال يميلون إلى المذهب العقلي، وهذا هو الصحيح.

وعلى سبيل المثال: في نفس هذه المسألة ـ المذهب العقلي ـ عندما يدور الحديث حول بعض المسائل كفلسفة الأحكام، حيث يتم التساؤل: لماذا القنوت بهذا الشكل؟ ولماذا يصدع بالتكبير هكذا؟ كان هناك بين الشيعة في ذلك الزمان خطّ متَّبع في قم والريّ وقزوين، بحيث إن التعليل لهذه التساؤلات كان تعبدياً أيضاً.

أو مثلاً: أيّام الأخباريين كان صاحب المحاسن يقول في محاسنه عن الشيخ الصدوق وعليّ بن حاتم القزويني ومحمد بن علي بن ابراهيم، وكذلك نفس هذا الكلام قد كتب في «علل الشرائع» ـ وما كتب فيها تعبّدي أيضاً ـ: إننا لا نعلم شيئاً لو لم يكتب هؤلاء.

وقال المرحوم النائيني في مناسباتٍ كثيرة في الأصول حول التعليل: إنّه يجب أن يكون عقلائياً، لا تعبدياً. فإذا قال الشارع: إنّ الصلاة ركعتين؛ لأنّي أنا أقول ذلك، فلا يوجد هناك توافق بين هذا الكلام وقاعدة التعليل؛ لأن التعليل من ناحية القاعدة يجب أن يكون عقلانياً. وطبق كلام علماء المنطق يلزم الدور، وإذا لم يكن هناك دورٌ سيكون هناك مصادرة في المطلوب.

لهذا إذا أصبح الابتكار خاصاً على الأقلّ يكون تعبدياً، وبما أننا كنا نبحث عن هذا العمل، وفي الجهة المقابلة لهذا التعبد يوجد هناك شواهد وقطع عرفي وثقة واطمئنان، لذا اضطررنا لمراجعة النصوص الأولية، والقيام بمقارنتها أكثر مع بعضها البعض، ومن ثم نزيد وننقص بها.

وبسبب قدم الزمان تغيَّر لون تلك الأدلة. وهذا العمل ينطوي على بعض المشاكل. فبناءً على ما قمتُ به وتولاّنيه الله سبحانه من لطف، اتَّخذت هذا الأسلوب من التفكير، وشئت أم أبيت لم أنجرّ وراء التعبد.

وعلى سبيل المثال: في تحقيقنا في عمل المشهور رأينا أن السيد الخوئي لديه إشكال، وهو أن عمل المشهور لا يجبر ضعف السند، ولا يكسره. وكثيرون هم مَنْ تكلم عن ذلك بالتفصيل.

وطبعاً هذا غير البحث الكبروي الذي نختلف فيه أيضاً من وجهة نظرنا مع العلماء؛ لأن العلماء في هذا القسم من الأصول قد مارسوا تفكيراً عقلائياً أكثر، وذلك مثل البحوث الفلسفية، ونحن نعتقد أن البحوث الأصولية على الأكثر ليس لقضاياها منحى حقيقي، وإنما هي قضايا خارجية.

وبدلاً من الاستدلالات التي جاؤوا بها في مسألة الشهرة والجابرية اتَّخذ علماء الشيعة منحىً آخر تحت ظروف وشروط معينة، وهي هل أن الشهرة جابرة أم لا؟ إذاً يجب علينا أن نتفهَّم هذه الشروط. لذا فإن علماء السنّة، وكثير من علمائنا، لا يتناولون هذا البحث. ومعالجة هذه القضية قد تمت منذ وقتٍ وتاريخ خاص.

ومن الابتكارات الأخرى، والتي بإمكانها أن تكون وثيقة مستقبلية، أننا نعتقد بأن العلوم الاعتبارية هي الأخرى لها تجذير، ولا يقتصر ذلك على العلوم الحقيقية.

وعلى سبيل المثال: كان يوجد لدينا في الطبّ عنوان شامل لعفونة الأمعاء، والتي غالباً ما كانت تعتبر معرفة مسبّباتها عادية.

مثلا: يقال: إنّ التعفُّن الذي في المعدة يسبِّب الإسهال. أما الآن فإن هذا الأمر يبعث على التحليل، ومتابعة المسبِّب الأصلي فيه. ويقسّم تعفُّن الأمعاء إلى ثلاثين أو أربعين قسماً، وتقاس تأثيرات كل قسم على جزء من البدن، ويظهر 30 عاملاً بعد ذلك، وكلّ واحدٍ منها له جذوره الممتدة، ودواؤه مختلف.

من رؤانا وخطتنا الاستراتيجية في العلوم الاعتبارية هي أنّه بإمكاننا أن نبحث عن الجذور، لا أن تكون عن طريق البرهان اللِّمِّي أو عن طريق العلّة في العلوم الاعتبارية، ولكن في علم الرجال والفقه والحديث يمكننا أن نجعل لها جذوراً.

وبعبارة أخرى: لو أخذنا الأمر من الأعلى فبإمكننا أن ندرس جميع الأحداث التاريخية وجذورها منذ زمن رسول الله”ص”، ومنذ بدأ الوحي الإلهي، وحتى قبل ذلك. وبإمكاننا أن نبحث تاريخ 1400 سنة، وحتى قبل هذا التاريخ المتمثِّل بعصر البعثة؛ وذلك كي نبيِّن جذور الفكر.

نماذج وتحليلات

الرجاء إعطاؤنا تحليلاً للنماذج في حالة توفّرها.

نعم، يوجد هناك عملٌ جديد أحبّ القيام به كثيراً، ولكني لم أبدأ العمل به إلى الآن، وهو أنه جاء في كتاب التوراة كثيرٌ من الأحكام القرآنية، أما تعابيره فليست محكمةً كتعابير القرآن. وبالمقارنة التي سوف نجريها ما بين القرآن والتوراة نجد أن الأحكام نفسها بينهما، ولكن تعابيرها ليست بحلاوة ومتانة وصلابة تعابير القرآن الكريم.

لذا حتّى لو أردنا أن نجري المقارنة لهذا الحدّ؛ كي نتعرّف على جذور التعاليم والأحكام، أي إنه بإمكاننا أن نؤدي الحديث والتاريخ بنفس العمل الذي قمنا به في القرآن الكريم، ونجعل روح الفكر والتحقيق هو الحاكم، ونبتعد عن روح التعبُّد. عندئذٍ بنظري أن النتيجة ستتغيَّر كاملة.

ويتّضح لنا أن هذا العمل الذي تهيّأت أرضيّته لنا الآن يوجد هناك مَنْ سبقنا إليه. وهناك مَنْ سبقني بهذا العمل، وهو العلاّمة التستري. ولكن يجب أن توضع له معايير، وأن لا يترك على علاّته. ويوجد لدينا من العلماء، مثل التستري، من خلال علم الرجال في عصر الصحابة، والذي قد وصل إلى نتيجةٍ عن هؤلاء، وهي أن الشخص الفلاني مختلَقٌ، وليس له وجود.

وهناك مثالٌ آخر، وهي حكاية جابر بن حيان، والتي ليس لها أيّ أساس من الصحة، وليس له وجود على أرض الواقع، وهي عبارةٌ عن كذب، ومن صنع الخيال. ومن الجائز توجد هناك عشرات الكتب المطبوعة والمعتبرة في العالم تتكلَّم عن جابر بن حيّان. والبعض منها قد قام كرواس بطبعه.

ومن الطبيعي أنّي لم أطَّلع على أعماله كلها. وقد سمعت أن هناك غيره قد قام بطباعتها أيضاً.

ويوجد هناك أيضاً كتاب مختار أسرار جابر بن حيان، والذي يعتبر وصفاً علميّاً مختصراً عن بعض النسخ، وقد تم حفظها في المكتبات البريطانية وغيرها. ولكنْ عند التحقيق التاريخي يتَّضح أن كل هذه النسخ ليس لها أيّ وجود في الواقع، وكل ما في الأمر أن هناك مجموعة تريد أن يشيع هذا الأمر بين العالم الذي يعمل بمسألة التعبّد، ويستغلون التعصب الديني الشديد لدى الناس، ويعتقدون بأنّهم إذا خرجوا من هذا الإطار فإنهم سوف يكفرون ـ

وعلى سبيل المثال: هناك قولٌ معروف: «مَنْ تمنطق فقد تزندق»([1]) ـ. وقد اختلقوا مثل هذه الشخصيّات.

من الطبيعي أن الأمور قد اختلفت كثيراً بعد ذلك، وأصبح العمل جيداً، والنتائج قد تقدمت لما هو الأفضل. ولكنْ علينا أن نسعى وراء الأدلة والقرائن، وأن نحيط إحاطة تامة بالتاريخ، ونحلِّل الحوادث. أصلاً الرسول”ص” نفسه يعرف أن إحدى خصائص هذا الدين، والتي من الطبيعيّ أن تعتبر مهمة جداً، وإحدى المعاجز النبوية، هي التنبّؤات الغيبية. لهذا قال: سوف يأتي من أمّتي أناس في أيّ زمان كان، وفي أي قبيلة كانت، ينفون التحريف والشبهات([2]) (وينفون عنه تحريف الغالين).

فإذا ما ترك دين رسول الله الأكرم”ص” كما هو فإنه سيصل إلى رموزٍ غيبية وطلسمات و… وطبيعة البشر باتَتْ ترغب في أن تدفع المال في مقابل أن تقوم بالأعمال المنكرة.

لذا قال رسول الله”ص”: إن ما تمتاز به هذه الشريعة هو أنه في أيّ زمان كلّما زيد أو أُنقص في هذا الدين فسوف يطرأ عليه التحريف والتلف، وقد جعل الله هذا الدين بحيث يمحي هذا التحريف. وأصل هذه الشريعة المقدَّسة كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (الحجر: 9).

وكان هذا أحد مقوّمات حفظ الشريعة المقدسة. وقد تمّ القضاء على هذه التحريفات بواسطة العلماء.

والذي نقوله الآن: بما أن الوسائل العلمية أصبحت أكثر فبإمكاننا أن نرجع بسهولة إلى الأدلة التاريخية. ويمكننا أيضاً الانتقاد بسهولة، وبإمكاننا بسهولة أكثر أن نحلِّل الأدلة التاريخية لهذا المجتمع من الناحية الاجتماعية والنفسية.

مثال آخر: قصّة زواج رسول الله”ص” من عائشة، والتي وجدها الغربيون من وجهة نظرهم فرصة؛ ليشهِّروا بالإسلام. وكما ذكرت عائشة ونقله البخاري أيضاً أن عمرها في ذلك الوقت الذي تزوَّجت به الرسول”ص” كان سبع سنين، والرسول”ص” كان في 53 من عمره، ووالد زوجة الرسول”ص” أبو بكر يصغره بسنتين ونصف السنة.

تقول عائشة: كان عمري تسع سنين. وطريقتها في نقل الرواية غير مناسب ذكرها. وكان زفاف رسول الله”ص” عليها في المدينة. لذا فإن زواج رجل عمره 55 سنة من شابة عمرها 9 سنوات مستهجن لدى الغرب. حتى أنّه قد كتب كتاب باسم جواهر المدينة، ووضع على غلافه صورة طفلة تنبئ عن أن صاحبة الصورة عائشة.

ومن الجائز أني أتكلّم بهذا الكلام لأوّل مرة أمام علماء الشيعة، وهناك مَنْ تقبَّل مثل هذا الكلام من رجال الدرس، فتابع الأمر، وكتب عنه. لقد رأيت في كتاب([3]) أعلام النساء، لابن كثير، حيث يوجد شرح عن أسماء بنت أبي بكر أخت عائشة الكبرى، والتي كانت زوجة الزبير.

وعندما قمتُ بمقارنة الأعمار والسنين لاحظتُ أن عائشة في زمان رسول الله كان عمرها 17 سنة، وعندما زفَّتْ إلى رسول الله”ص” كان عمرها 19 سنة، وليس هناك من مانعٍ من زواجها في هذا السنّ، حتّى في أوروبا نفسها، حيث يتزوج رجل عمره 90 سنة من شابّة بعمر 19 سنة.

ومن الجائز أن أهل السنّة لا يتقبلون هذا الأمر؛ لأن هذا الحديث السابق قد جاء في صحيح البخاري، ولكنٍ جاء في مصادرهم أيضاً ما قمتُ بذكره، وذكر ذلك في كتاب أعلام النساء، لابن كثير. هناك أمرٌ آخر، وهو ما ينقله أهل الشام من أن الإمام الحسين”ع” قد خرج من الدين الإسلامي، ويعرفونه على أنه مرتدّ.

والذي يقصدونه من الخارجي هي تلك الفرقة التي تخرج ضدّ الحكومة، كالخوارج الآخرين الذين قد ثاروا ضدّ الحكومة بالسلاح، أي إن الحسين بن عليّ’ ثار ضد السلطة الحاكمة بالسلاح، وذلك مثل أيّ دولة عندها نوعان من المعارضة: واحدة تلتزم النهج السياسي، وتكون معارضة، ولها مجلة، وصحيفة و…؛ وأخرى مع هذا كلّه لها نهجٌ عسكري، وتلتزم القتال في معارضتها، وهذا هو المقصود من الخارجي.

الهوامش

(*) آية الله السيد أحمد المددي الموسوي، أحد الفقهاء وأساتذة الدراسات العليا في الحوزة العلمية، في مدينة قم.
([1]) من كتب الشيعة: الانتصار، للشيخ العاملي 4: 151. ومن أهل السنة: موسوعة الغزو الفكري والثقافي 12: 234.
([2]) محمد بن أبي نصر، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يحمل هذا الدين في كلّ قرن عدول، ينفون عنه تأويل البطالين، وتحريف الغالين. (رجال الكشي: 4).
([3]) لا يوجد لابن كثير كتاب باسم أعلام النساء. ومن الجائز أنه رأى تلك الفقرة في كتاب أعلام النساء، لعمر رضا كحّالة. (أعلام النساء: 47)، حيث يذكر أن أسماء ولدت 27 سنة قبل الهجرة، وعائشة أصغر منها بعشر سنين، وسنة زواج رسول الله| في أول سنة من الهجرة.

 

المصدر: موقع الأستاذ آية الله السيد أحمد المددي على النت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign