الاجتهاد: شاع في الآونة الأخيرة تطاول أفراد من كلِّ مذهب إسلامي على المذهب الإسلامي الآخر؛ من غيبة ونميمة وبهتان واسقاط وتحقير، لمجرد أدنى اختلاف في وجهات النظر أو العادات والسلوك، وبُرِّر ذلك السلوك على أساس من الدين.
في الوقت الذي كثر حاجة العرب والمسلمين إلى لملمة شعثهم وتفرقهم ووهنهم بين الأمم، شاع في الآونة الأخيرة تطاول أفراد من كلِّ مذهب إسلامي على المذهبِ الإسلامي الآخر؛ من غيبة ونميمة وبهتان واسقاط وتحقير، لمجرد أدنى اختلاف في وجهات النظر أو العادات والسلوك، وبُرِّر ذلك السلوك على أساس من الدين.
ونحن هنا سنضع جملة من أقوال علماء الشيعة الإمامية التي حرمت هذا الفعل:
فقد ذهب المحقق الأردبيلي (ت 993) إلى أنَّ إهانة المسلم أو تحقيره أو أذيته حرام وغير جائز، فإن كان الكلام قذفاً وجب الحد على المتكلم، وإلا وجب التعزير. ثم فصّل في جزيئات وفروع هذا الأصل، وخلص إلى النهي عن غيبته أيضاً (مجمع الفائدة والبرهان: ج 13 ص 162).
ويُسأل المرجع السيد محمد حسين فضل الله عن غيبة المخالف للمذهب؟ فيجيب بشكل قاطع: “نحن نحرّم ذلك؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى خاطب المؤمنين بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}،
فالمؤمن في القرآن هو المسلم الذي يعتقد بالإسلام؛ فلذلك لا يجوز غيبة الشيعي أو غيبة المخالف، وقد كان السيّد الخوئي في (دروس في فقه الشيعة) يقول إنّ المراد بالمؤمن في القرآن هو المسلم، وذلك هو قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}، وأما {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}، فالمراد بهم المسلمون أيضاً. وعندما نزلت الآيات لم يكن هناك سنّة وشيعة، بل عندما كان الله يخاطب المؤمنين، فإنّه كان يخاطب كل المسلمين الذين اعتقدوا بالإسلام عن اقتناع، ولم يكن إسلامهم إسلام الأعراب”.
ويرى الفقيه الشيخ محمد مهدي شمس الدين أنَّ مثل قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} يعبِّر عن نصّ حاسم يقدِّم لنا أحد الأدلّة العليا للتشريع، ويجعل مبدأ الأخوة الإسلامية مبدأ حاكماً في الفقه الإسلامي، لا يقبل التخصيص ولا التقييد بهذه البساطة، فإذا جاء الفقيه إلى مفردة تشريعية تفصيلية، مثل جواز غيبة المخالف أو بهتانه أو نحو ذلك، فإنّ النص القرآني أعلاه يشكِّل دليلاً تشريعياً عالياً يسقط قيمة الأدلّة التفصيلية المعارضة له؛ لأنّ المبادئ الأساسية لا يمكن التخلّي عنها بهذه البساطة.
واعترف الفقيه المعاصر الشيخ محمد آصف محسني بأنّه لا وجود لدليل لفظي يدلّ على الجواز، ولذا احتاط بالمنع رغم إقراره بجريان السيرة على الفعل، ولكن امتداد هذه السيرة إلى عصر المعصوم وعدم نشوئها من فتاوى الفقهاء غير واضح، وقد كان المرجع الشيخ محمّد الحسين كاشف الغطاء واضحاً في رأيه عندما رأى أنَّ كلّ مَن اعتقد بالأركان الأربعة (التوحيد، النبوّة، المعاد، وأركان الإسلام، كالصلاة والصوم..) فهو مسلم ومؤمن بالمعنى الأعم تترتّب عليه جميع أحكام الإسلام من حرمة دمه وماله وعرضه ووجوب حِفْظه وحرمة غيبته وغير ذلك.
وقال السيد محمد المجاهد الطباطبائي(1242هـ): “ولا شك أنَّ الاجتناب أحوط؛ ويمكن استفادة هذا القول ممّن أطلق تحريم الغيبة كالعلامة في التحرير والمنتهى، والشهيد في اللمعة، وفي الكفاية نَقَلَ ما ذكره في مجمع الفائدة ولم ينبه على ضعفه وهو ربّما كان مشعرا بالميل إليه”.
وقال المرجع السيد عبد الأعلى السبزواري (ت 1414هـ): “وقد فُسِّر الأخ في الروايات بالأخ الإسلامي فلا وجه لحمله على الأخ الإيماني الاثني عشري”.
ويفتي بذلك أيضاً المرجع السيد محمد رضا الكلبيكاني (ت 1414هـ).
وسئل المرجع السيد محمد الشيرازي (ت 1421هـ): هل تجوز غيبة المخالف؟ وهل يجوز الكذب عليه؟ فأجاب بقاعدة عامة تسري على جميع المسلمين شيعة وسنة: “من وعد الناس فلم يخلفهم، وحدثهم فلم يكذبهم، لا يُستغاب، ولا يُكذب عليه”.
وسُئل المرجع الأعلى السيد علي السيستاني: يرجى تفسير القول التالي: “لا غيبة لفاسق”، وما هي حدود الفسق. فأجاب: “أي تجوز غيبته فيما يتجاهر فيه من الذنوب”.
وسئل: وهل المخالفين يدخلون في هذه الدائرة.. مع العلم بأننا ننتقد الكثير من تصرفاتهم التي تخالف مذهبنا كطريقة الوضوء والصيام وغيرها من الأمور التي تخالف مذهب أهل البيت (ع)؟ فأجاب: “القول المذكور غير صحيح”.
وورد في خطبة الجمعة لممثل المرجعية الدينية العليا الشيخ عبد المهدي الكربلائي في (14/ 8 /1435هـ) تحت عنوان (لا خلافات حقيقية بين الشيعة والسنة): أكد المرجع السيد علي السيستاني، في كلمة ألقيت نيابة عنه خلال افتتاح الملتقى الأول لعلماء السنة والشيعة في العراق في مدينة النجف الاشرف، بالقول: “… خطابنا هو الدعوة إلى الوحدة، وكنت ولا أزال أقول لا تقولوا إخواننا السنة، بل قولوا (أنفسنا أهل السنة)… نحن لا نفرق بين عربي وكردي، والإسلام هو الذي يجمعنا معاً…”.
فعلينا أن نعي أنَّ الاختلاف حقيقة طبيعية في إطار الوحدة الكبرى، بل هو من أكبر حقائق هذا الوجود.
وأنَّ الذي يبحث عن التصادم والتقاتل بين الدين الواحد، بل بين البشر جميعاً، لا يرون الأشياء إلا عبر أغشية من مصالحهم وأهوائهم.
وعلينا كمواطنين أن نبحث عن الحلول القريبة، وأن نقلِّل الاعتماد على أفكار آخرين يعيشون خارج توقعاتنا، فقد يكون جملة منها باطل متلبس بحق أو حق متلبس بباطل ..
المصدر: شبكة القطيف الإخبارية