مسائل الناس تتعدد عبر العصور تبعا لحاجاتهم، وإن في المذاهب الفقهية من المرونة ما يجعلها تتقبل احتياجات كل عصر، فلا يعدم الفقيه حكما لما يستجد من مسائل معاصرة. فوفاة إمام المذهب لا تعني موت المذهب، بل كل جيل يستعمل قواعد الإمام وأصوله ليعالج من خلالها واقعه الذي يعيشه.
الاجتهاد: يظن فريق من الناس كما يقول الدكتور حسان أبو عرقوب أن المذاهب الفقهية كانت صالحة في الزمن الماضي، أما الآن ومع تغير الأحوال وتبدل الأزمان ما عادت تصلح لنا، فهل هذا الكلام صحيح؟
وهنا يجيب الدكتور أبو عرقوب على هذا التساؤل بقول:
أولا– المذاهب الفقهية ليست أقولا لأئمة في الزمن الماضي فقط، بل هي مناهج وطرق في الاجتهاد، فقولنا: هذه المسألة حكمها كذا في المذهب الشافعي لا يعني بالضرورة أن هذا الحكم هو قول الشافعي في المسألة، بل إن الفقه المذهبي ينمو ويتطور كالإنسان ومعه، ليلبي حاجاته، وإلا فما قيمة الفقه إن عجز عن تلبية حاجات الإنسان؟ فهو فقه واقعي، ويعالج واقع الناس، فقولنا هذا مذهب الشافعي لا يعني جمودنا على ما قاله الشافعي فقط، بل يعني أننا نسير على ذات المنهج الذي وضعه في الاجتهاد والاستنباط.
ثانيا- بعض الأحكام الشرعية بنيت على العرف أو المصلحة، فعند تغيّر العرف أو المصلحة واختلافها من زمان إلى آخر لا ينكر تبدل الحكم تبعا لتبدل العرف أو المصلحة، ومثال ذلك: كان التقاضي في الزمن الماضي يتكون من درجة واحدة، وكان القاضي يجلس في المسجد ويقضي في كل شيء. أما الآن فهناك ثلاث درجات للتقاضي، ومحاكم مختصة، وسلك قضائي، وهذا بناء على المصلحة المتمثلة بتحقيق العدالة التي هي من أهم مقاصد الشرع، وعليه فإن الفقه الإسلامي يقبل مثل هذا التطور، ولا يختلف معه.
ثالثا– مسائل الناس تتعدد عبر العصور تبعا لحاجاتهم، وإن في المذاهب الفقهية من المرونة ما يجعلها تتقبل احتياجات كل عصر، فلا يعدم الفقيه حكما لما يستجد من مسائل معاصرة. فوفاة إمام المذهب لا تعني موت المذهب، بل كل جيل يستعمل قواعد الإمام وأصوله ليعالج من خلالها واقعه الذي يعيشه.
رابعا– الأحكام الشرعية في الفقه الإسلامي نوعان: نوع لا يتغير مهما تغير الزمن، كالعبادات، ونوع هو الأكبر والأكثر، وهو ما يعتمد على حياة الناس ويعتبر من تفاصيل معاشهم، وهذا يقوم الفقيه بالفتوى فيه بما يناسب الزمان والمكان دون مخرّجا تلك المسائل على أصول مذهبه.
والخلاصة أن المذاهب الفقهية تصلح لكل زمان ومكان؛ لأنها مبنية على الشريعة الصالحة لكل زمان ومكان.
المصدر: الدستور