هدم قبور البقيع

هدم قبور البقيع الغرقد.. جريمة الفكر الوهابي المتطرف / الشيخ محمّد الكريطي النجفي

الاجتهاد: نعزي العالم الإسلامي وعلماء المسلمين ونخص علماء الشيعة ومحبي أهل البيت ومواليهم في كل أصقاع العالم بالذكرى الثامنة والتسعين الأليمة والفاجعة الكبيرة التي وقعت في الثامن من شهر شوال المعظم من عام 1344 للهجرة المشرّفة وهي هدم قبور أئمة المسلمين وجملة كبيرة من قبور الأولياء والصحابة بفتوى الفكر التكفيري الوهابي.

إن البقيع كلمة تطلق على الأرض التي تحتوي على أشجار شتى وقد كانت البقيع الغرقد كذلك وكان موقعها الى جانب المدينة، وقد عمد رسول الله صلى الله عليه وآله الى جعلها مقبرة حيث دفن فيها الصحابي أسعد بن زرارة وكان من الأنصار أي من أهل المدينة، ثم توفي عثمان بن مضعون فسأل المسلمون النبي الأكرم صلى الله عليه وآله عن موضع دفنه فأمرهم بدفنه في البقيع وشارك بذلك ووضع على قبر عثمان حجرا ليدل عليه فيما لو أرادوا المجيء لقبره لقراءة القرآن أو زيارته، ثم جرت بعد ذلك عادة المسلمين على دفن أمواتهم في البقيع وأخذوا يقطعون الأشجار لذلك الغرض حتى إتسعت رقعة البقيع.

فالمؤسس الأول للمقبرة هو الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، واستمرت بعده في زمن حكومة الأوائل وحكومة الأمويين والعباسيين ومن بعدهم ولم تشهد هذه البقعة أي عدوان على طول التاريخ حتى جاءت فرقة الوهابية التكفيرية الضالّة فوقع أول عدوان منهم على البقيع عام 1220 هـ من خلال مجاميع مسلحة استطاعت قطع الطريق والهجوم والاعتداء على قبور ائمة المسلمين،

وبعد الإتفاق على إزالة الأشراف من مكة وقع الهجوم الثاني على مقبرة البقيع عام 1344هـ، ولم تكتفي هذه الفرقة بهدم قبور الأئمة الأربعة ( الإمام الحسن، وزين العابدين ، والباقر ، والصادق عليهم السلام) فحسب بل عمدت الى هدم جملة كبيرة من القبور ، فقد تسالمت طوائف المسلمين على قبر في البقيع لأم البشر السيدة حواء فهدموه بالرغم من كون البعد التأريخي له يمتد لألوف السنين، وهدموا قبر عبدالمطلب وأبي طالب، وأم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله السيدة آمنة، ووالده عبدالله ، وهدموا قبر زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله التي لم يستقم الإسلام إلا بأموالها مولاتنا أم المؤمنين خديجة،

ثم دخلوا المدينة وهدموا قبري أولاد الرسول صلى الله عليه وآله إبراهيم والقاسم ، وكذلك هدموا قبور زوجات الرسول صلى الله عليه وآله، وجملة من أصحاب النبي كقبر أبي سعيد الخدري وغيره، وقبور عمات النبي وأعمامه كالعباس بن عبدالمطلب وحليمة السعيدة، وقبر فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين ، وقبر عبدالله بن جعفر الطيار ، وإسماعيل بن الإمام جعفر الصادق وغيرهم .

إنّ كبار علماء المسلمين – اليوم – وبالأخص علماء الشيعة منهم لا يتجنون على الوهابية حين يرجعونهم في المنهج الى ذات المنهج الأموي؛ ذلك لأنّ التاريخ يشهد بأنّ مروان بن الحكم الذي لعنه النبي وهو في صلب أبيه قام بالإعتداء على قبر عثمان بن مضعون وذلك برفع الحجر الذي وضعه رسول الله على قبر الصحابي عثمان، ولمّا سألوه عن دافع ذلك أجاب بازدراء شخصية عثمان قائلا وهل نجعل لهذا علامة يعلم بها قبره، فأبى أن يُرجع الحجر،

وغير خفي أنّ هذا الصحابي كان من الصالحين الأبرار الذين لا تؤخذهم في الله لومة لائم ، فلمّا أنزله النبي الأكرم صلى الله عليه وآله في قبره قال رحمك الله يا عثمان ما لبست الدنيا وما لبستك، فلم يرض اللعين مروان أن يكون لهذا الصحابي قبرا يشار إليه، ولا سيما أنّ غيره يدفن في مقابر اليهود، ولاريب أنّه ذات الدافع الذي بعث بالوهابية الى تجسيد حقدهم تجاه أولياء الله وأئمة المسلمين في البقيع؛ إذ لا تتحمل نفوسهم رؤية قباب أهل البيت شاخصة نيّرة يلاذ بها ويلجأ المسلمون لها كبيوت ربانية عبادية،

وفي القبال قبر سيدهم معاوية خربة مهجورة ولا قبر لولده اللعين، وعلى المسلمين اليوم أن يعوا أنّ الإرهاب التكفيري القائم في يومنا هذا في أرجاء مختلفة من العالم بإسم داعش والنصرة وغيرهم هو نسخة من الفكر الوهابي المتطرّف وعليهم أن يوحّدوا كلمتهم في تجريم الدولة الحاضنة للفكر الوهابي وتصنيفها ضمن لائحة الإرهاب.

ولا يخفى أنّ قبور الكثير من الشخصيات الإسلامية منتشرة في أرجاء أراضي الإسلام ولم يكن يوماً يعتقد المسلمون أنّ إقامة قبورهم بدعة، بل البدعة في الدين هي هذه الجريمة النكراء التي لاتستند إلّا على الحقد الأموي والضلال الفكري، فلم يتورعوا عن العدوان وهم يعلمون أنّ حرمة المسلم العادي ميتاً كحرمته حياً، فكيف الحال بالنسبة لقبور شخصياتِ هم من أهل البيت، وقد أذن الله أن ترفع بيوتهم ويذكر فيها اسمه فحين سأل النبي صلى الله عليه وآله عن بيت الإمام علي عليه السلام أهو منها قال نعم ومن أفاضلها ، فإذا أراد الله تشريعاً أن ترفع بيوت أهل البيت فما أقبح وأجرم أن تهدم قبورهم وأضرحتهم التي اتخذت بيوتاً يعبد فيها الله ويوحّد ،

ثم إذا كانت القبور لا فائدة منها لمَ أصرّا الأول والثاني أن يدفنا عند قبر رسول الله، وإذا كانت القبور بدعة لماذا تركوا قبرهما دون هدم ما دام المناط الفقهي لفتواهم واحد! ، ولماذا أقر القرآن ولم يعترض على تعبير النّاس عن حبهم لأصحاب الكهف حين أرادوا أن يتخذوا عليهم مسجداً ؟ وغيرها من الأسئلة.

إنّ فعلة الوهابية هذه لم تكن مخالفة للدين وسيرة علماء المسلمين فحسب ، بل هي مخالفة لما جرت عليه سيرة البشرية جمعاء من تخليد عظماءها وإقامة التذكار لهم من خلال النصب والصور وغيرها ، ولهذا ما إصرار الوهابية الى اليوم على هذا الفعل المنكر إلّا لأنّهم يعلمون أنّ تكريم وتعظيم شخصيات أهل البيت عبر تشييد قبورهم له أثره وإسهامه في كشف حقيقة الإسلام النبوي وأتباعه وتمييزه عن الإسلام الأموي وأتباعه ، فاستعانوا بهدم القبور لتغييب أي معلَم لرجال الإسلام الحق الحقيقيين حتى لو كان قبراً محاولين بذلك منع الإرتباط الروحي والمعنوي بهم لما يمثّلوه من خط قويم يتصل برسول الإنسانية ونبع صافي يورد منه الدين المحمّدي الحقيقي ، حيث لا يفترقون عن القرآن في أقوالهم وأفعالهم حتى يردون الحوض .

وبذكرى هذه الفاجعة نردد ما قاله الشاعر :
قل للذي أفتى بهدم قبورهم أن سوف تصلى في القيامة نارا
أعلمت أي مراقد هدمتها هي للملاك لا تزال مزارا

وليعلم الوهابيون التكفيريون أنّ تهديم قبور الأئمة والصالحين لن يكون سبباً في غيابهم عن أفكارنا وحياة أمتنا بل سيبقى وجودهم صورة قيمية في حاضر أحرار الأمة الإسلامية ومستقبلهم كما هي صورتهم في ما مضى من تاريخ الإسلام، وأنّى لهم محوها من القلب المفعم بالحب لهم من قبل مواليهم، فليس فعل التكفيرين إلّا جهد العاجز، وعليهم أن يعودوا الى رشدهم إن كان به بقيه.

والسلام على أئمة البقيع والصالحين ما بقي الليل والنّهار والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky