الاجتهاد: ما هو المنشأ والرّؤية التي اختلف الفقهاء من خلالها لملاحظة حقوق الطبع وحقوق التأليف؟ هل يغيّب العُرْف في هذه المسألة؟ هل يوجد تفريقٌ عند الفقهاء بين الإنسان المسلم وغير المسلم في مسألة الحقوق الفكرية؟ وما هو حكم طباعة الكتب الدّراسيّة القديمة الموجودة؟
ما بين أيدكم مقتطف من الحوار الذي أجرى الأستاذ عصام الشمّسي مع سماحة السيد منير الخباز في الحوار المسجدي بمسجد الإمام علي (ع) بالقطيف
السؤال: بالنسبة لحقوق الطبع هل لاحظ الفقهاءُ – الذين يقولون بعدم شرعيّة حقوق الطبع – هل لاحظوا الخسارة أو الضرر المترتّب على عدم حفظ الحقّ بالنسبة للمنتِج والذي ربّما قد استهلك طاقاتٍ كبيرة في هذا النتاج؟
بسم الله الرّحمن الرّحيم وصلى الله على محمّدٍ وآله الطاهرين، مسألة رؤية الفقهاء للضّرر أو للخسارات الناجمة عن تفويت حقوقِ الطبع أو حقوق التأليف أو حقوق النسخ أو ما أشبه ذلك من العناوين والحقوق، أنا هنا أتعرّض إلى منشأ اختلاف الفقهاء، منشأ اختلاف الفقهاء في ملاحظة حقوق الطبع، يعني: ما هو المنشأ والرّؤية التي اختلف الفقهاء من خلالها لملاحظة حقوق الطبع وحقوق التأليف؟
نذكر الخلاف بين السيّد الخوئي قدّس سرّه والسيّد الصّدر قدّس سرّه، يعني: السيّد الخوئي كيف رأى المسألة، والسيّد الصّدر كيف رأى المسألة، كلٌ منهما كيف نظر إليها، وبهذا يتضّح بقيّة أقوال الفقهاء، المسألة ترجع إلى قاعدةٍ تعرضنا لها في الأسابيع الماضية وهي قاعدة «لا ضرر ولا ضرار»، الرّواية الواردة النبي : ”لا ضرر ولا ضرار في الإسلام“،
هنا اختلف السّيّدان في أمرين:
الأمر الأوّل:
السيّد الخوئي يقول: هناك فرقٌ بين تفويت المنفعة وحصول الضّرر، الضّرر هو عبارة عن حصول النقص وليس عبارة عن تفويت المنفعة، يعني: هذا الرّجل الذي يبذل جهده ويبذل طاقته في صنع برنامج كمبيوتري مثلاً، أو هذا الرّجل الذي يبذل جهده وطاقته في سبيل كتاب «صنع كتاب، تأليف كتاب» هذا الرّجل ألف الكتاب، صنع البرنامج الكمبيوتري، عرضه في السّوق، كان يرجو من ورائه أن يحصل على نسبةٍ من الأرباح، لنفترض مثلاً: نسبة 30% من الأرباح، نحن إذا قلنا للناس: لا تكترثوا بحقوق هذا الرّجل! انسخوا هذا البرنامج الكمبيوتري أو اطبعوا هذا الكتاب من دون استئذانه ومن دون الرّجوع إليه! تفضّلوا!.. ماذا يحصل؟
السيّد الخوئي يقول: لا يحصل نقصٌ في أمواله، أمواله هي أمواله لم تتغيّر لا قبل النسخ ولا بعد النسخ، أمواله أمواله ما تغيّرت، الذي حصل فوات المنفعة لا حصول النقص، يعني: لم يحصل ضررٌ عليه وإنّما فاتت المنفعة، كان يرجو ربحًا بنسبة 30% فات منه هذا الرّبح لا أنّ أمواله نقصت.
السيّد الخوئي يقول: لا يصحّ أن نطبّق هنا قاعدة «لا ضرر ولا ضرار»، قاعدة «لا ضرر» موضوعها الضّرر، الضّرر يعني: النقص في المال، هذا الرّجلُ الذي نُسِخَ برنامجه بدون إذنه ما حصل نقصٌ في أمواله حتى نطبّق قاعدة «لا ضرر» وإنّما فاتت منه المنفعة، فوات المنفعة عنوانٌ والضّرر عنوانٌ آخر، الضّرر هو عبارة عن حصول النقص، ولم يحصل نقصٌ عنده، وإنّما فاتت المنفعة فقط، لاحظوا الرّؤية الموجودة عند السّيّد الخوئي.
الرّؤية المطروحة عند السّيّد الصّدر غير ذلك، السّيّد الصّدر يقول: آمنا، سلمنا معك، الضّرر هو النقص، لكنّ النقص قد يكون نقصًا حسيًا وقد يكون نقصًا اعتباريًا، النقص أعمّ من النقص الحسّي أو النقص الاعتباري، فرضنا أنّ الضّرر هو حصول النقص، فليكن، ولكنّ النقص له أقسامٌ، قد يكون نقصًا حسيًا، قد يكون نقصًا اعتباريًا،
مثلاً: الآن أنت عندما تأتي إلى إنسان مثلاً، تارة أنت هذا الإنسان تعتدي عليه بالجّرح، تجرح يده، تقطع منه عضوًا، هذا نقصٌ حسيٌ، جسده حصل فيه نقصٌ حسيٌ، تارة لا، أنت لا تقطع منه عضوًا، ولكن مثلاً – لا سمح الله – أنا أشتم فلانًا، الشّتم هذا ليس نقصًا حسيًا لكنه نقصٌ اعتباريٌ، يعني: المكانة الاجتماعيّة لهذا الرّجل خُدِشَ فيها، خدش المكانة الاجتماعيّة نقصٌ، ليس نقصًا حسيًا، ولكنه نقصٌ اعتباريٌ، النقص أعمّ، قد يكون نقصًا حسيًا، قد يكون نقصًا اعتباريًا، إهانة الآخرين نقصٌ اعتباريٌ، الخدشة في الآخرين نقصٌ اعتباريٌ.. النقص أعمّ من أن يكون حسيًا أو اعتباريًا.
لذلك هذا الرّجل المسكين، افترض شركة تصمّم البرامج الكمبيوتريّة، تصمّم أحدث المخترعات وتبذل الجهد هذه الشركة في سبيل تصميم هذه البرامج، تصميم هذه المخترعات على أحدث طراز وعلى أحدث تقنيّة، نحن نأتي ونقول: لا! ليس لها اعتبارٌ هذه الشركة! انسخوا ما تشاؤون كيفما تشاؤون من دون إذن الشركة!..
ماذا يحصل؟! ربّما لا يحدث نقصٌ حسيٌ في أموال الشركة، لكن يحدث نقصٌ اعتباريٌ، يعني: الشركة تفقد مكانتها السّوقيّة، هذه الشّركة لها مكانة بحسب الموازين السّوقيّة، بحسب الموازين الاقتصاديّة، الشّركة تفقد مكانتها واعتبارها بحسب الموازين السّوقيّة والاقتصاديّة وهذا يعدّ نقصًا اعتباريًا، صحيحٌ ليس نقصًا حسيًا لكنّه نقصٌ اعتباريٌ، وكما أنّ الضّرر ينطبق على النقص الحسّي الضّرر أيضًا ينطبق على النقص الاعتباري، لذلك «لا ضرر» كما نطبّقها في موارد النقص الحسّي نطبّقها في موارد النقص الاعتباري.
هذا خلافٌ بين السّيدين حول هذه النقطة.
الخلاف الآخر بين السّيدين في قاعدة «لا ضرر»:
السّيّد الخوئي يقول: «لا ضرر» تنفي ولا تثبت، شأنها النفي لا الإثبات، قاعدة «لا ضرر» تقول: «لا»، «لا» أداة نفي، يعني: لا يوجد في الإسلام حكمٌ يضرّ بالإنسان، ”لا ضرر ولا ضرار“ يعني: لم يشرّع في الإسلام حكمٌ يضرّ بالإنسان أو يضرّ بالمجتمع، هذا مفاد القاعدة فقط، هي لا تؤسّس أحكامًا.
السّيّد الصّدر يقول: لا، القاعدة تتكلم عن طبيعة التشريع الإسلامي وتقول: التشريع الإسلامي لا يوجد فيه أيّ حكم ضرري بل يوجد فيه أحكامٌ تدفع الضّرر وتصون الإنسانَ عن الضّرر، فهذه القاعدة نافية ومثبِتة: تنفي وجودَ الحكم الضّرري، وتثبت وجودَ الحكم الذي يصون الإنسانَ عن الأضرار، لذلك بما أنّ مخالفة حقوق الطبع وحقوق التأليف وحقوق النشر وأشباه ذلك.. بما أنّ مخالفة هذه الحقوق توجِبُ الضّررَ لابدّ أن يشرّع الإسلامُ حكمًا يصون فيه الضّررَ، يحفظ فيه الإنسانَ والمجتمعَ عن الضّرر، وذلك الحكم هو تشريع الحقوق واعتبار الحقوق حقوقًا شرعيّة.
طبعًا أنا لا أذكر هذا حتى أرجّح كلام السيّد الصّدر على السيّد الخوئي، لا، هذا مجال الترجيح البحث الفقهي، أيّهما أصحّ وأيهما أولى؟ هذا على مستوى البحث الخاص «البحث الفقهي»، وإنّما أذكر هنا نقطة الرّؤية، يعني: اختلاف رؤية الفقهاء في المسألة، هذا نظر إليها بهذا المنظار، وهذا نظر إليها بهذا المنظار، وأعتقد بهذا الجواب يتبيّن أنّ الفقهاء لماذا لم يلاحظوا الخسارة، لاحظها بعضهم، لم يلاحظها الآخر؛ تبعًا لاختلاف الرؤية التي عندهم.
السّؤال الآخر الذي يصبّ في نفس الإطار: نرى بتتبع المسائل الفقهيّة إلى أنّ الفقهاء يعوّلون كثيرًا على مسألة العُرْف، فلماذا يغيّب العُرْف في هذه المسألة بالذات؟
سماحة السيّد: العُرْف كما ذكرنا في المحاضرات السّابقة، العُرْف العقلائي، عُرْف العقلاء، عُرْف المجتمع، العُرْف تارة يقوم على الموضوع وتارة يقوم على الحكم، العُرْف الذي يقوم على الموضوع مثلاً: الفقهاء يقولون: لا يجوز بيع واستخدام أدوات القمار، هذا حكمٌ، ما أخذناه من العُرْف، أخذناه من الفقهاء، الفقهاء يقولون: لا يجوز بيع واستخدام أدوات القمار، طيّب من يحدّد أدوات القمار؟
الحكم حدّده الفقهاء لكن من يحدّد موضوعَ الحكم وهو أدوات القمار؟ من الذي يحدّد أنّ هذه أداة قمار أو ليست أداة قمار؟ هو العُرْف، نرجع إلى العُرْف: أيّها العُرْف هل النرد من أدوات القمار؟ هل البليارد من أدوات القمار؟ هل الزاتة من أدوات القمار؟ العرف يحدّد، هنا الفقيهُ يحدّد الحكمَ، أمّا موضوع الحكم يحدّده مَنْ؟ يحدّده العُرْف،
إذا العُرْف قال: النرد من أدوات القمار لأنّها تستعمل غالبًا في القمار، خلاص تكون محرّمة وإلا فلا، إذن المسألة: العُرْف المتّبع أو الذي يعوّل عليه الفقهاءُ هو العُرْف الذي يحدّد موضوع الحكم، أمّا إذا كان العُرْف يحدّد نفس الحكم لا الموضوع، العُرْف يحدّد الحكمَ نفسه، العُرْف يقول: نحن نرى الحكمَ كذا، هل يعوّل على العُرْف؟ إذا كان العُرْف يتدخل في نفس الحكم لا في موضوع الحكم هل هنا يعوّل على العُرْف؟
هنا الفقهاء يقولون: تارة يكون.. لاحظ اختلاف الرّؤية، أيضًا الآن أذكر لك أنا اختلافَ الرّؤية بين السّيّد الخوئي والسّيّد الصّدر كيف نظر هذا للمسألة وكيف نظر هذا للمسألة، الفقهاء يقولون: العُرْف الذي يحدّد الحكمَ لابدّ أن يكون عرفًا قديمًا لا عرفًا حادثًا، يعني: لابدّ أن يكون عرفًا عقلائيًا عاصر زمان الإسلامَ ورأينا أنّ الإسلام قبِلَه أو رفضه، أمّا إذا عُرْف حدث الآن «لم يكن في زمان عصر الإسلام» هل يُقْبَل أو لا يُقْبَل؟
يعني الآن أضرب لك مثالاً «انتبه إليّ، هذه مسألة خطيرة جدًا، يعني في التشريع الإسلامي»: الآن مثلاً في زمان الإسلام، في زمان الرّسول محمّدٍ ، في زمان الرّسول كان هناك أعراف عقلائيّة مختلفة، من الأعراف العقلائيّة في ذلك الزمان أنّ العُرْف العقلائي في ذلك الزمان مثلاً كما قام على البيع قام على الرّبا،
يعني: يعتبرون الرّبا معاملة مشروعة، الإسلام قال: لا، هذا العُرْف العقلائي لا أقبله ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [2] ألغى هذا العُرْف العقلائي، مثلاً: من الأعراف العقلائيّة التي كانت موجودة زمان الإسلام أنّ كلّ خبر يُوثَق به يُؤْخَذ به سواءً كان المخبِر فاسقًا أو عادلاً، متى ما سمعْنا خبرًا ووثقنا بمضمون الخبر أخذنا به بغضّ النظر عن المخبِر مَنْ هو، المهمّ وثقنا أو لا، إذا وثِق العُرْفُ بالخبر أخذوا به سواءً كان المخبِر فاسقًا أو ثقة،
جاء الإسلام ألغى هذا العُرْف، ماذا قال؟ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [3] ، لا، لابدّ أن يكون المخبِر ثقة، إذن ألغى هذا العُرْف، الأعراف التي كانت موجودة في زمان الإسلام نستطيع أن نحدّد موقفنا منها، لماذا؟ لأنّ الإسلام إمّا احترمها فنأخذ بها، أو ألغاها فنرفضها.
أمّا إذا عُرْف لم يكن في زمان الإسلام، عُرْف صار الآن في هذا العصر الحديث، في هذا العصر الحديث حدث عُرْفٌ، يعني: العقلاء منذ مئتين سنة مثلاً أو ثلاث مئة سنة جاؤوا بهذا العُرْف وقالوا: حقوق الطبع، حقوق التأليف، حقوق النسخ، حقوق.. لا يختلف حقوق الطبع، حقوق طبع كتاب، حقوق نسخ برنامج، حقوق فكّ الشفرة، شخصٌ يفكّ الشفرة مثلاً، هذا أيضًا من الحقوق،
وهكذا مثلاً ما يسمّى ببراءة الاختراع، براءة الاختراع إنسان يخترع شيئًا يُشْتَرَى منه حقه فيما اخترعه، براءة الاختراع له حقٌ فيما اخترع، إنسانٌ يخترع تصميمًا معيّنًا، يخترع فكرة معيّنة، يخترع دواءً معيّنًا، يخترع أيّ شيءٍ، هذا الإنسان تقوم شركات ومؤسّسات غربيّة أو شرقيّة تشتري منه حقه في الاختراع، حقه في التصميم، ثم تكون هي الشركة متبنيّة لهذا المُخْتَرَع ولهذا التصميم، هذا براءة الاختراع، لا يوجد فرقٌ «حقوق الطبع، حقوق التأليف، حقوق النسخ، حقوق فكّ الشفرة، براءة الاختراع..» كلها تندرج تحت عنوان واحدٍ: هل للمنتِج حقٌ أو ليس للمنْتِج حقٌ؟ هل للمنْتِج حقٌ فيما أنتج أو ليس للمنْتِج حقٌ فيما أنتج؟ كلها هذه تجتمع تحت عنوان واحدٍ: هل للمنْتِج حقٌ فيما أنتج أو ليس له حقٌ فيما أنتج؟
السّيّد الخوئي يقول: هذا العُرْف العقلائي الذي يقول: المنْتِج له حقٌ فيما أنتج، هذا عُرْفٌ جديدٌ لم يكن في زمان الإسلام حتى نعرف أنّ الإسلام رفضه أو قبِله، لذلك لا نعمل بهذا العُرْف ولا نعوّل عليه، نقول: هذه الحقوق حقوق غير شرعيّة يجوز مخالفتها وعدم الاعتداد بها.
السّيّد الصّدر ماذا يقول؟ لاحظ النكتة، لاحظ الرّؤية، يقول: صح، هذا العُرْف جديدٌ، لكن العُرْف له روحٌ، له نكتة، يعني العقلاء، المجتمع العقلائي لا يأتي ويؤسّس شيئًا اعتباطًا، صح لو لا؟! المجتمع العقلائي لا يؤسّس حقًا أو فكرة أو مشروعًا اعتباطًا هكذا، لابدّ له من روح، هذا التأسيس له روحٌ، هذا المشروع له روحٌ، ليس المهمّ أنّ العُرْف كان موجودًا في زمان الإسلام أو لم يكن موجودًا، المهمّ روح هذا العُرْف، نكتة هذا العُرْف، هل كانت موجودة في ذلك الزمان أو لم تكن موجودة؟ نكتة هذا العرف موجودة، كيف؟
الآن أبيّن لك، مثلاً: تلاحظ منذ الإنسانيّة من قبل الإسلام، ليس فقط في من الإسلام، من قبل الإسلام يوجد شيءٌ عند العُرْف العقلائي يسمّى بالحيازة وحقّ السّبق والاختصاص، كيف السّيادة وحقّ السّبق والاختصاص؟
”من حاز ملك“، رواية عن النبي : ”من حاز ملك“، شخصٌ يدخل البحر فيحوز له مثلاً عشرة كيلو سمك، خلاص ملكه، شخصٌ مثلاً يحصل على شيءٍ من الهواء فيصير ملكه، ”من حاز ملك“، عندنا شيءٌ آخر يسمّوه حقّ السّبق ”من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلمٌ فهو أحقّ به“ كلّ إنسان يسبق أخاه إلى أخذ شيءٍ معيّن مباح يكون هو الأحقّ به من غيره،
مثلاً: أنت تأتي المسجد وتجلس هنا، خلاص صار حقك هذا المكان، لا يحقّ لأحدٍ مزاحمتك، من أخذ مكانًا في المسجد لا يجوز لغيره مزاحمته، ”من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلمٌ فهو أحقّ به“، موجودٌ عندنا من قبل الإسلام شيءٌ اسمه الحيازة وشيءٌ اسمه حقّ السّبق، هذا حقّ السّبق وحقّ الحيازة يرجع إلى نقطةٍ، أنت عندما تتأمّل فيها ترى حقّ السّبق وحقّ السّيادة يرجعان إلى نقطةٍ واحدةٍ، ما هي؟ هي أنّ من بذل جهدًا في تحصيل شيءٍ كان له حقٌ في جهده، الحيازة وحقّ السّبق يشتركان في هذه النقطة، من بذل جهدًا لأجل تحصيل شيءٍ فله حقٌ في جهده.
إذن حقوق الطبع وحقوق التأليف وحقوق النشر ما كانت موجودة زمان الرّسول لكن كان روحها موجودًا في ذلك الزمان، نكتتها كانت موجودة في ذلك الزمان، موجودة في الحيازة، موجودة في حقّ السّبق، من بذل جهدًا ومن بذل طاقة لتحصيل شيءٍ فله حقٌ فيما بذل الجهدَ فيه، لذلك السّيّد الصّدر يرى حقوق الطبع سابقة وإن كان العٌرْفُ حادثًا لكنّ نكتتها وروحها سابقٌ إلى زمان الرّسول .
سؤالٌ يتعلق بحقوق الطبع، يوجد تفريقٌ عند الفقهاء بين الإنسان المسلم وغير المسلم باعتبار إذا كان الإنسان مسلمًا له حرمة في ماله وفي بقيّة حقوقه أمّا الإنسان الكافر حسب ما هو معلومٌ ليس له حرمة في هذه الأمور، فهل يفرّق الفقهاءُ بينهما في ذلك أم لا؟
سماحة السّيّد: هذا السّؤال جيّد أنّه.. يعني: هل هناك فرقٌ في الحرمة بين الكافر وبين المسلم؟ إذا قلنا بحقوق الطبع أي حقوق أخرى نحن نلحظ أنّ.. يعني الفقهاء يفرّقون بين الحكم بالعنوان الأوّلي والحكم بالعنوان الثانوي، كيف هناك فرقٌ بين الحكم بالعنوان الأوّلي والحكم بالعنوان الثانوي؟
الحكم بالعنوان الأوّلي يعني مثلاً تلاحظ النصوص الشّريفة تقرّر مثلاً: ”الإسلام شهادة ألا إله إلا الله وأنّ محمّدًا رسول الله، به حقنت الدّماء وبه جرت المناكح والمواريث“، ”من قال: «لا إله إلا الله، محمّدٌ رسول الله» حرم ماله ودمه“ إذن حرمة المال موضوعها ماذا؟ موضوعها الإسلام، الإسلام موضوعٌ لحرمة المال، فبلحاظ العنوان الأوّلي نعم، نقول: بلحاظ هذا العنوان الأوّلي الكافر ليس له حرمة، يجوز الاستيلاء على أمواله، يجوز الاستيلاء على أملاكه، يجوز مخالفة الحقوق التي له، يجوز مخالفة النظام الذي له، بالعنوان الأوّلي هذا جائزٌ لأنّ موضوع الحرمة هو الإسلام.
ولكن بالعنوان الثانوي عنوان هتك حرمة الإسلام، من أعظم المحرّمات هتك حرمة الإسلام، أنّ الإنسان المسلم يعمل عملاً يهتك حرمة الدّين أو يهتك حرمة المذهب، هذا من أعظم المحرّمات،
لذلك أنت إذا تدخل مثلاً بلاد أو حتى أنت في بلادك إذا أنت تذهب إلى أمريكا أو أوروبا وتخالف الأنظمة، تخالف الحقوق، تخالف جميع القوانين، لماذا؟! «والله غير كفار يلا اللي فيها فيها»! مخالفة الأنظمة، تضييع الحقوق، مخالفة القوانين، الاستيلاء على الأموال، أخذ بعض الأموال.. كله بحجّة أنّهم كفار ولا حرمة لهم على أموالهم ولا أملاكهم هذا إذا عُرِفَ من قِبَل المجتمع الآخر يكون سببًا في هتك حرمة الإسلام،
يعني: يؤخذ سمعة سيّئة عن الإسلام أنّ الإسلام يربّي أبناءه على السّرقة، الإسلام يربّي أبناءه على اختلاس الأموال، الإسلام يربّي أبناءه على الفوضى ومخالفة الأنظمة وعدم الاعتراف بالقوانين، إذن أنت لو عملت بالحكم بالعنوان الأوّلي للزم من هذا العمل هتك حرمة الإسلام، وهتك حرمة الدّين من أعظم المحرّمات، بما أنّه من أعظم المحرّمات لذلك لا يجوز تضييع حقوق الكفار أو اختلاس أموالهم أو مخالفة الأنظمة التي طرحت لهم مادمت تستلزم هتك حرمة الدّين وسوء سمعة الإسلام وتشويه سمعة الدّين في نظر الناس.
الآن أضرب لك مثالاً آخر، مسألة ماذا؟ مسألة المتعة، نحن صحيح نقول في مذهبنا المتعة نكاحٌ جائزٌ مثل النكاح الدّائم، المتعة نكاحٌ جائزٌ، هذا بحسب مذهبنا، لكن يصير واحد يروح بلاد الغرب ويلا كلّ يوم متعة؟! هذا إذا عُرِفَ عنه أنّه إنسانٌ يتنقل بين النساء ويتنقل بين الفتيات بحجّة أنّ المتعة أمرٌ جائزٌ ولو في الأسبوع ألف مرّة ألا يكون هذا سببًا في هتك حرمة المذهب؟!
يعني: التصدي لممارسة هذا الأمر دون مراعاة للمدى الأبعد، دون مراعاة لحرمة المذهب، دون مراعاة لسوء السّمعة، التصدّي لهذه الأمور من دون ضوابط ومن دون حدود يكون سببًا في هتك حرمة المذهب، وهتك حرمة المذهب أعظم من سائر المحرّمات، أنت لقضاء شهوة وقتيّة – دقيقة أو دقيقتين تقضي فيها هذه الشهوة – تسيء إلى سمعة المذهب، تشوّه سمعة المذهب، تشوّه سمعة المذهب أنّ هذا يشجّع أبناءه على مقارفة الزنا بلا حدود ولا ضوابط، إذن فبالنتيجة: لابدّ أن يُلاحَظ في أعمالنا كمسلمين أو في أعمالنا كشيعةٍ لابدّ أن تُلاحَظ الآفاق الأخرى، لابدّ أن تُلاحَظ العناوين الثانويّة، لابدّ أن يُلاحَظ أنّ أعمالنا لا تكون سببًا لهتك حرمة لدين ولا مذهب، لابدّ أن نلاحظ ذلك.
بالنسبة إلى حدود التصرّفات في الملكيّة بالنسبة للمشتري، أحبّ التوضيح يعني. لمّا أشتري شيئًا فيها حقوق الطبع محفوظة أو شيء ثان غير محفوظة. يعني مثلاً لمّا أشتري مثلاً بيتًا، إذا أشتري بيتًا عندي حقوق التصرّف فيه مثلاً، لكن لمّا أشتري شيئًا فيه حقوق طبع محفوظة، هل بشرائي هذا امتلكتُ هذا لشّيء بحيث أستطيع أن أتصرّف فيه تصرّفًا كاملاً أو لا؟
سماحة السّيّد: هو هذا نفس المسألة، يعني أنا الآن إذا اشتريت كتابًا وهذا الكتاب عليه حقوقٌ، على رأي السّيّد الخوئي أنّ حقوق الطبع غير شرعيّة خلاص يجوز لي شراء هذا الكتاب ونسخه والتصرّف فيه بحسب ما أريد،
وعلى من يرى – كالسّيّد الصّدر – أنّ حقوق الطبع شرعيّة خلاص لا يجوز، أنت اشتريت الكتاب لكن لا يجوز لك نسخه ولا يجوز لك طبعه إلا بإذن صاحب الكتاب، هذا تبعًا لاختلاف الرّؤيّة الفقهيّة كما ذكرنا.
يعني في هذه النظريّة الفقهيّة النظرة تشمل جانب المشتري أيضًا؟
سماحة السّيّد: نعم، تشمل المشتري، تشمل المستخدم، تشمل أيّ شخص آخر، لا فرق في هذا المورد.. تفضّلوا.
بالنسبة لعمليّة توسيط المنفعة، طيّب الشركات الناشرة لمّا تطبع كتابًا معينًا تخسر الثمن الذي لطباعة الكتاب هذا، فلو سمحنا بالنسخ أو النشر غير القانوني هذه الشّركة ستخسر أيضًا المبلغ الذي دفعته في هذا النسخ.
سماحة السيّد: إذا لزم الخسارة، نحن نقول: إذا لزم الخسارة الحسّيّة الماديّة، كلامنا في الحقّ أنّه إذا لم يلزم، إذا ترتب على النسخ أو ترتب على المخالفة في حقّ الطبع حدوث خسارةٍ ماليّةٍ على المنتِج أو المؤلِف، هذا حرامٌ بلا كلام، نحن نتكلم في فرض ألا يحصل خسارة ماليّة ولا يحصل ضررٌ ماليٌ، في هذا الفرض يقول السّيّد الخوئي: ما حصل ضررٌ، حصل فوت منفعةٍ، فلا يكون الحقّ حقًا شرعيًا، كلامنا في فرض ألا يحصل خسارة ماليّة.. بعد مداخلة أخيرة ونختم الحديث إذا أحد عنده، ما يصير كلكم عقول الحمد لله وشباب ما في مداخلات! وش دعوى؟! تفضّلوا إذا عندكم.
بالنسبة للكتب الدّراسيّة القديمة الموجودة، طبعًا هذه لو طبِعَت فسيستفيد منها المجتمع، فطبعًا هذه كتب تراثيّة قديمة ولا أعتقد أنّ الناشر موجودٌ أو حتى المطابع التي طبعتها أكيد اندثرت، فما هو حكم طباعتها؟
سماحة السيّد: أحسنت، بالنسبة إلى.. طبعًا هناك يعني استثناءٌ عند الفقهاء، يعني: الفقهاء الذين يقولون بأنّ حقوق الطبع شرعيّة – مثل: السّيّد الصّدر – لا يقولون بهذا الحكم مطلقًا، هذا الحكم إنّما يتمّ – يعني: حقوق الطبع شرعيّة – إذا لم يترتب على مخالفته مصلحة أهمّ، وإلا إذا ترتّب على مخالفته مصلحة أهمّ خلاص،
الآن مثلاً نفترض كتاب ضروري للمسلمين، كتاب ضروري يعني كتاب يحمل فكرًا مهمًا للمسلمين، كتاب يحمل فكرًا افترض مثل كتب السّيّد الصّدر أو كتب الشّيخ المطهري، كتب تحمل أفكارًا ضروريّة لبناء المجتمع الإسلامي، لو جاءت شركة وقالت: لا، نحن لنا حقوق الطبع والنسخ في هذه الكتب وبالتالي لا يحقّ لأحدٍ نشرها! وهذه الشّركة لم تتبنَ نشرها بشكل يفيد المجتمع الإسلامي، هنا يجوز مخالفة هذا الحقّ لأنّه يترتّب عليه مصلحة أهمّ، إذا ترتّب على مخالفة الحقّ مصلحة أهمّ بالنسبة للمجتمع الإسلامي أهمّ من المفسدة التي تنجم عن المخالفة
فالحقّ حينئذٍ لا يعتدّ به ولا يعوّل عليه، إذا فرضنا أنّ هذه الكتب التراثيّة أو افترضنا أنّ هذه التحف، ليس من اللازم كتب، أحيانًا تحف، أحيانًا قضايا تراثيّة قديمة، هذه نشرها مهمٌ بالنسبة للمجتمع الإسلامي، يخدم المجتمع الإسلامي، حينئذٍ إذا كان نشر هذه الكتب التراثيّة أو نشر هذه التحف التراثيّة مهمًا بالنسبة للمجتمع الإسلامي فحقوق الطبع حينئذٍ لا يعوّل عليها، يعني: مصلحة المخالفة أهمّ من مفسدة المخالفة، فتقدّم المصلحة الأهمّ على المفسدة المهمّ.
المصدر: موقع سماحة العلامة السيد منير الخباز