الاجتهاد: يشير الشيخ محمد رضا المظفر في مذكراته عن الموضوع فيذكر انه في سنة (1930) بدء العمل من خلال ردة الفعل التي تملكت اصحاب فكرة الإصلاح بعد ان هُوجمت مدرسة النجف من قبل كتب ” عدائية ” فأثارت فيهم ضرورة بدء العمل لتأسيس جمعية للنشر والتأليف تأخذ على عاتقها واجب الدفاع عن النجف ومدرسته العلمية.
امتازت جامعة النجف بأسلوبها الفكري القديم الذي طبعته الكوفة بطابعها، طابع الآداب العربية، والعلوم الإسلامية، والروح العلوية. ومع افول مدرسة الكوفة، وظهور النجف، استوعبت هذه المدينة ما كان في الكوفة من فكر وتراث علمي حتى برزت كمدرسة جديدة مع منتصف القرن الخامس الهجري، بداية النصف الثاني من القرن الحادي عشر الميلادي بعد هجرة الشيخ الطوسي لها، اذ استقرت المركزية العلمية فيها، ومع بداية القرن الثالث عشر الهجري، النصف الثاني من القرن الثامن عشر استقرت في منهجها الأصولي.
وفي مدرسة النجف تجسدت مظاهر المدرسة العربية في نظامها ، ولغتها ، واسلوبها . فكانت حلقات الدرس التي تعقد في مساجدها لا تختلف عن حلقات مسجد المدينة المنورة ، او جامع الكوفة الكبير، او مسجد البصرة .
واستمرت مدرسة النجف بالمنهج والاسلوب نفسه فكانت تحقق النجاح تلو النجاح . وطبقت شهرتها الافاق ، واستمرت قرون عديدة تملاء صفحات تاريخ التعليم الإسلامي بعدد كبير من العلماء ، على الرغم من التقلبات والعواصف السياسية التي ابتلى بها العراق واهله .
ومع تكوين الدولة العراقية الحديثة ، وانتشار الحداثة في مختلف جوانب المجتمع النجفي ، وتغيّر نظم التعليم ، وانتشار المدارس الرسمية الحديثة التي وفرت لخريجيها فرص عمل مضمونة ، ومشاركة اوسع في جوانب الحياة العامة ، فضلا ً عن حصول تغيير فكري واسع اذ انتقل المجتمع النجفي من حالة السكون واللاوعي الى حالة جديدة من الوعي احس الناس من خلالها بأهمية تلقي العلوم الحديثة من خلال التعليم الرسمي في المدارس الحكومية على الرغم من قلتها ، ومعارضة الكثير من رجال الدين لهذه الخطوة.
يشير الشيخ محمد رضا الشبيبي في احدى مقالاته التي نشرها في جريدة الزمان سنة 1945 تحت عنوان « في سبيل التربية والتعليم « الى هذا الموضوع فيذكر ان المدّرسين والطلبة المنتمين الى المدارس الدينية حتى العقود الأولى من القرن العشرين كانوا على جهل مطبق بعلوم الحضارة و فنونها، و بعضهم يعد دراسة العلوم الحديثة ضربا من “المروق” .
بل و فوق ذلك كانوا غير ملمين بتاريخهم و بما لسلفهم الصالح من ماضي مجيد في تحصيل المعارف الانسانية وفنونها … و ادى هذا الجمود على تلك النظم القديمة، و هذا الضغط على الافكار الى ما اسماه بـ “ثورة فكرية” ، كان من تداعياتها تهافت الفتيان والفتيات على الانتماء الى المدارس والمعاهد الحديثة ، معاهد « المروق « مؤثرين بها على تلك الحياة « = = الآسنة « في مدارسهم الأولى .
وختم مقاله بالقول ان ذلك ما كان الا لجمودهم وتقصيرهم في الإصلاح وغفلتهم عن السير بموجب سنن الحياة العامة التي تسيّر الكائنات ، ومنها سنة التطور ، سنة الله في خلقه ، ولن تجد لسنة الله بديلا .
ومع زيادة اعداد الخريجين من مدارس التعليم الرسمي في النجف ، وازدياد الاقبال عليه ، خسرت المدرسة الدينية التقليدية من رصيدها نقاطاً كثيرة ، ولم تعد تحتل المكانة القديمة نفسها التي كانت تهيمن بها على عقول الناس، وعلى التعليم بشكله الكلي المطلق، حتى اضحى التعليم الحديث تحديا ً كبيرا ً امام التعليم الديني الذي ظل يراوح في مكانه ضمن منهج واسلوب قديم، لم تكن له القدرة على مواكبة ما يحصل من قفزات كبيرة في العلوم الحديثة، وما تفرضه من مفاهيم وحقائق جديدة بديهية سبق لرجال الدين ان رفضوها حتى وقت قريب .
فضلاً عما كانت تعانيه المدرسة التقليدية من نواقصها، كفقدانها لنظم التربية والتعليم، والامتحانات، والشهادات، والتخصص، وعدم وجود تقويم دراستي ثابت، وكثرة العطل والاستراحات والانقطاعات … .
كل هذا وضع التعليم الديني في مفترق طرق . اذ شعر الكثير من القائمين عليه بأنهم اخذوا يفقدون الصلة بالاجيال الشابة من الشيعة العراقيين على نحو متسارع بسبب الانطواء على الذات والعزلة عن المجتمع وعدم التفاعل معه .
فأدى ذلك الى حدوث حالة من الصراع الصامت والدعوة للتغيير والإصلاح بين اوساط المجتمع النجفي خصوصاً المثقفين منهم ، الذين قادوا الدعوة والحملة للإصلاح ونقلوها من اروقة المجالس والمنتديات النجفية الى صفحات المجلات والجرائد التي كانت تصدر في النجف او في مدن اخرى مثل مجلة الاعتدال التي كان يحررها محمد علي البلاغي , و جريدة الهاتف التي كان يحررها جعفر الخليلي , و مجلة البيان التي كان يحررها علي الخاقاني ، ومجلة العرفان التي كانت تصدر في صيدا .
وقد قاد هذه الحملة مجموعة من المثقفين العراقيين والعرب، ابرزهم جعفر الخليلي، وحسين مروة، ومحمد شرارة، ومحمد حسن الصوري، وصفاء خلوصي، ومهدي المخزومي، ومحمد علي البلاغي ، وعلي الخاقاني ، وغيرهم .
كان هناك اتجاهان بارزان لوجهي هذا الصراع، الأول : المحافظون من رجال الدين الذين يصرون على ابقاء القديم على قدمه ، وبأنه الافضل والاصلح ، بدليل ان مدرسة النجف لم ترق ولم تصل الى ما وصلت اليه الا به ، وان تراث هذه المدرسة ونتاجها العلمي الذي ملأ صفحات المكتبة الاسلامية بعدد كبير من المؤلفات والكتب شاهد على ذلك . كان هؤلاء يرفضون كل جديد من دون مناقشة ، وهم باصرارهم على القديم يجدون انفسهم في غنى عن الجديد ومشاكله.
اما الاتجاه الثاني : فقد كان يدعوا الى الإصلاح ، وقد اتخذ مسارين ، الأول : المسار الذي يمكن ان نطلق عليه بالمتمرد ، الذي كان يسعى الى القطيعة التامة مع كل ما هو قديم بدعوى التحديث ومواكبة العصر ، والذي كان يرى ان أي عودة لما هو قديم ، واي نظرة لما في الماضي ، ما هي الا صورة من صور الرجعية التي يجب ان تُرفض وتُقاوم . وان سر الاخفاق يكمن في رجال الدين وحدهم ، وهم سبب الاحباط في كل شيء.
وكان ابرز مثل هذا الاتجاه الشاعر محمد مهدي الجواهري ومحمد شرارة ، وحسين مروة . اما المسار الثاني في الاتجاه الإصلاحي الذي يمكن ان اطلق عليه بالتوفيقي او المعتدل ، والذي دعا اليه الكثير من مثقفي النجف وكان من بينهم رجال دين هم في الاساس جزء من المؤسسة الدينية التقليدية ، وكان يرى ضرورة التوفيق بين ما هو قديم واصيل ، وبين متطلبات العصر والحداثة .
ومن خلال هذا المسار التوفيقي يمكن السير بتأن وهدوء ، والانتقال بشكل تدريجي نحو تعليم ديني يستوعب ما مطلوب منه من تجديد .
كان رواد هذا التيار مجموعة من رجال الدين المتنورين منهم: الشيخ محمد حسين المظفر والشيخ محمد جواد الحجامي، و السيد علي بحر العلوم، والشيخ محمد رضا المظفر، والشيخ عبد الله السبتي، والشيخ محمد كاظم الشيخ راضي، والسيد سعيد الحكيم، والشيخ علي ثامر.
كانت بدايات هذا التيار واصوله تعود الى عام ( 1343هـ / 1925م) حينما كانوا جماعات صغيرة منفصلة ، لاتجرأ ان تُصرح بما لديها من فكرة الإصلاح ، خوفاً من سطوة المحافظين وتيارهم السائد . وقد احتاجت هذه الجماعات خمسة سنوات لكي تلتقي وتطور برنامجها الإصلاحي وتظهر به الى الوجود بفكرته المتكاملة .
ويشير الشيخ محمد رضا المظفر في مذكراته عن الموضوع فيذكر انه في سنة (1930) بدء العمل من خلال ردة الفعل التي تملكت اصحاب فكرة الإصلاح بعد ان هُوجمت مدرسة النجف من قبل كتب ” عدائية ” فأثارت فيهم ضرورة بدء العمل لتأسيس جمعية للنشر والتأليف تأخذ على عاتقها واجب الدفاع عن النجف ومدرسته العلمية ، وفي الوقت نفسه تُستثمر هذه الجمعية بعد ان تنال ثقة الجميع لإصلاح التعليم الديني و تلافي ما فيه من نواقص.
وهكذا ولد اول مشروع إصلاحي للتعليم الديني عن طريق مشروع جمعية منتدى النشر التي تولت تأسيس سلسلة مدارس كان خاتمتها كلية الفقه .
كبديل ممكن لمشروع اكيد و اكثر طموحاً لم يسمح له ان يرى النور ، الا وهو مشروع انشاء جامعة علمية تجمع شمل الطلبة وتعيد لهم تلك الحيوية التي اضاعوها وفقدوها ، وتحيي الامل في اعادة المجد لجامعة النجف في استقبال حياة علمية جديدة ، لا تقتصر على القديم فحسب ، وانما تضم لها عناصر الحداثة فتأخذ بيدها وترفعها مما هي فيه من هوة عميقة.
وقد حالفني الحظ في العثور على اصول هذا الموضوع في محفوظات وزارة الداخلية . ففي تقرير سري لقائممقام النجف شاكر حميد مؤرخ في ( 27 تشرين الأول 1932 ) كان محوره حول « تأسيس كلية دينية في النجف « ذكر فيه ، انه منذ بضعة سنوات كان بعض المتنورين من طلبة العلوم الدينية في النجف يعملون بشكل سري لتأسيس كلية دينية تجمع طلبة العلوم الدينية في النجف ، تُسن لها انظة جديدة تختلف عما يُعمل به انذاك ، وتُدرّس فيها العلوم الدينية والعلوم الحديثة كالرياضيات ، والتاريخ ، والجغرافية ، ولغة اجنبية ، وتسير على النظم والاساليب الجديدة في التدريس مثل التدريس الصفي ، والامتحانات ، والمراحل الدراسية .
و اشار الى ان دعاة هذه الفكرة هم من رجال الدين العرب ، وان عددهم اخذ يزداد كلما تقدم الوقت ، وان المعلومات المتوافرة لديه من خلال اتصالاته الخاصة والشرطة السرية بأن النشاط لنقل هذه الفكرة الى حيز العمل قد ازداد كثيراً ، وقد سرت بين صغار الطلبة المتجددين ، وبعض المتقدمين من العلماء ، وان الغرض منها تنظيم الدراسة الدينية ، واقتباس العلوم العصرية ، مع تأمين معيشة الطلبة بصورة منتظمة.
واشار التقرير الى ان هذه الجماعات مستمرة في عقد اجتماعاتها ، كما عقدوا بعض الاجتماعات الخاصة مع بعض كبار العلماء للمداولة بهذا الشأن .
وانهم قد وجهوا خطابات موقعة بـ ( جماعة من طلاب العلم ) من دون التصريح باسمائهم موجه الى المجتهدين والبارزين من العلماء العرب فقط ، منهم الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ، والشيخ محمد جواد الجزائري ، واخرون يطلبون منهم المساعدة في انجاح هذا المشروع ، و السعي في ذلك لدى الملك فيصل عند زيارته للنجف .
و حذروا وبشكل ادبي من مضار عدم دعمهم هذا المشروع الإصلاحي ، وقالوا ان في ذلك استمرار لحالة التدريس الحالية ، ولمعاناة الطلبة في معيشتهم .
وقد علق القائممقام شاكر حميد على ذلك بموجب تصوره لمشروع الكلية ، بأن الغاية منه ان يستفيد الطالب من خلال دراسته الدينية فيها كرجل دين ، وفي الوقت نفسه يعمل على تأمين معيشته بوساطة حصوله على شهادة الكلية .
لأن بعضهم كان يقضي اشهر عديدة في التجوال ما بين العشائر في المناطق الريفية لكسب قوته ، وان البعض الاخر يتدارك معيشته ويدبرها بصعوبة بالغة.
وفي تقرير لاحق بعد ثلاثة ايام اشار القائم مقام الى ان كبار رجال الدين من العرب قرروا الموافقة على فتح الكلية الدينية في النجف ، على ان تديرها هيئة تعين من قبلهم ، وينفق عليها من الاعانات والتبرعات والحقوق الشرعية .
وستضاف الى الدروس الدينية اداب اللغة العربية ومواد اخرى كالتاريخ , والجغرافية , والهندسة , والحساب , والطبيعيات . وان المعلومات المتوافرة لديه تبين ان البدء في العمل ، والشروع فيه ، ومنهاجه ، وزمنه لم يُبت فيه بعد.
ومع سنة ( 1935) توسعت دائرة الداعين الى الإصلاح التوفيقي حتى بلغ عددهم كما يذكر الشيخ محمد رضا المظفر في مذكراته ما يربو على المئتين ، وجميعهم من رجال العلم والادب ومن اهل الكلمة في النجف .
ومع ذلك لم يكن كافياً لإحداث التغيير المنشود في نظام الدراسة التقليدية ، بسبب الافتقار الى برنامج عمل واضح لهذه الجماعة ، و ان الكثير منهم لا يرغبون في إحداث تغيير كبير في المناهج و اساليب التدريس.
وعلى الرغم من هذا الهدوء والخجل في عملية الإصلاح، لم يكن من السهل تمرير المشروع، بسبب قوة تيار المحافظين، وسعة دائرة تأثيره، اذ كان من السهل جداً على هذا التيار بما اوتي من قوة النفوذ الديني والمالي، والقدرة على تحريك العامة من الناس ومن ثم توجيههم ضد المشروع وضد القائمين به , و افشاله .
وهكذا ادرك العاملون في المشروع الإصلاحي عدم امكانية القيام بمحاولة واسعة لتغيير المدرسة القديمة ونظامها التعليمي . لذلك شرعوا في اتباع منهج اكثر تواضعاً ، وانتقل محور الاهتمام لديهم من إصلاح الدراسة التقليدية القديمة ، الى تأسيس مدارس دينية على الطراز الحديث ، تكون موجهة الى تلبية حاجات الشيعة العراقيين .
واريد لهذه المدارس ان تنتهج طريقاً ثالثاً تجمع فيه مناهج الدراسة الدينية ، ومناهج الدراسة الرسمية الحديثة ، وان تكون هناك امتحانات دورية لتقييم الطلبة ، مع تقويم دراسي ثابت لأوقات الدراسة والتعطيل ، وان لا ينصب الاهتمام على الكمية بل على نوعية الخريجين .
وكان القائمون على هذا التوجه يأملون ان تنجب هذه المدارس جيلاً جديداً من رجال الدين والوعاظ الذين تعكس امكانياتهم الحاجات المحددة للشيعة العراقيين، وان يؤسس ذلك لإقامة جامعة دينية ذات طابع عربي على غرار تجربة الازهر في مصر.
وعلى هذا النحو انتهى مشروع انشاء الكلية الجامعة ، و ظهر كبديل له اربعة مشاريع لمدارس جديدة منفصلة ، كان التغيير في ثلاثة منها وهي : مدرسة الشيخ محمد جواد الجزائري ، ومدرسة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ، ومدرسة جمعية التحرير الثقافي ، محدوداً والإصلاح فيها لا يرقى الى ما كان مطلوباً للحد الذي يعيد الحيوية والجاذبية التي فقدتها المدرسة القديمة . اما المشروع الرابع فهو مدرسة جمعية منتدى النشر.
لم يكن انشاء بعض المدارس الإصلاحية كافياً لأحداث التغيير الكافي في التعليم الديني ، والدليل هو استمرار تراجع الجامعة النجفية خطوات اخرى بسبب الاصرار على المراوحة في المكان نفسه مقابل القفزات الكبيرة التي حققها التعليم الحديث . لذلك نرى ان حملات الدعوة للإصلاح استمرت من دون توقف .
ففي نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي كان هناك من يصف حالة المدرسة النجفية بأنها « وصلت الى حد الاشفاق « ، مما يطلق الخوف من ان ينتهي مصيرها الى ما انتهت اليه الحلة وسامراء عندما كانتا مراكز للعلوم الدينية .
وقال ان ما يزيد من تعقيد قضية الإصلاح ، وجود عناصر دخيلة في صفوف الهيئة الروحية ، تمسكت بأهداب الرجعية ، فأحدثت صدعاً كبيراً في كيان المدرسة الدينية، وسببت لها التقولات، واسندت لها الكثير من الاباطيل التي لا وجود لها في الدين وعلومه .
ثم اشار كاتب المقال بالقول ان من حق هؤلاء الرجعيين ان يستمروا في كتمان الحقيقة وتضليل الناس وخداعهم ، ما دام الإصلاح يقضي بإخراجهم من حضيرة الروحانيين.
ومع منتصف الاربعينيات من القرن الماضي اشتدت الدعوة لإصلاح التعليم الديني في كل جوانبه، لابل ان بعضهم طالب بإصلاح المؤسسة الدينية نفسها خصوصاً بعد وفاة المرجع الاعلى السيد ابو الحسن الاصفهاني في النجف .
اما السبب في ذلك فيشير مهدي المخزومي الى ان النجف فقدت القادة الذين يعول عليهم في توجيهها توجيهاً صحيحاً ، وفقدت الرأي العام الذي يستند الى اخلاص اولئك القادة .
فبقيت النجف تحيا حياتها العلمية بقوة الاستمرار ، الا ان قوة الاستمرار هذه اخذت تتلاشى شيئاً فشيئاً الى ان وقفت او كادت ان تقف . فأصبح رجال الدين يعنون بالمظاهر اكثر مما يعنون بالمعاني والحقائق ، و اخذ يدخل في زمرتهم اشباه اميين او اميون حقيقة ولا يملكون من صفات الطلبة الا هيئاتهم.
واخيراً يشير الشيخ محمد جواد مغنية الى موضوع الإصلاح فيقول انه ادرك ان الإصلاح يجب ان يبدأ من الجذور لا من الفروع ، وان على رجال الدين ان يوجهوا اهتمامهم لمحاربة الغش والخداع والتضليل ، وان يكونوا صريحين مع الناس ، ويتعاونوا على كل ما يحقق الخير ، ويعلنون للملأ ان الدين شرع لصالح المجتمع ، وانه خاضع لمقاييس العقل ، وهو يعبر عن آلام الناس وآمالهم ، وبهذا يكون الدين قريباً من العقول ومحبباً على القلوب .
وقال ان من المُحال ان يحقق طالب العلم رضا الله والناس مادام يرى ان الهدف من طلب العلوم الدينية هو اظهار العلم والمقدرة والصخب و الجدال في المجالس وعدم التسليم للخصم ولو كان على الف حق … ان الله لا ينظر الى الاقوال والاشكال ، والناس لا يهتمون بأن تُفحم خصمك او يُفحمك هو، انهم لا يعتنون الا بما يتصل بحياتهم، ويحقق حاجاتهم والاسلام يؤدي وظيفة ارضية، كما يؤدي وظيفة سماوية .
لذلك فهو يوصي رجال الدين بأن يسيروا مع المجتمع لا بعدين عنه او مترفعين عليه ، ويدعموا مصالحة بقوة الدين ، لكي يرى الناس الاسلام مجسماً بالعمل النافع مع العقيدة السليمة وهكذا يمكن ان يبدأ الإصلاح .
عن رسالة ( التاريخ الاجتماعي للنجف )
المصدر: ملاحق المدى