اختلاف المذاهب الفقهية، في بعض المسائل، فله أسباب علمية، اقتضته، ولله سبحانه تعالى في ذلك حكمة بالغة، ومنها الرحمة بعباده، وتوسيع مجال استنباط الأحكام من النصوص، ثم هي بعد ذلك نعمة، وثروة فقهية تشريعية، تجعل الأمة الإسلامية في سعة من أمر دينها وشريعتها. بقلم: علي محي الدين القرة داغي*
الاجتهاد: المقصود بالثوابت هنا الأحكام الإسلامية التي ثبتت بأدلة قطعية الدلالة والثبوت أو بالإجماع الصحيح الثابت الذي مضت عليه الأمة في قرونها الثلاثة الأُوَل .
وعلى ضوء ذلك فالثوابت تشمل أركان الإيمان الستة ( الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره من الله تعالى ) ، وأركان الإسلام الخمسة ( الشهادة والصلوات الخمس ، والزكاة والصوم والحج لمن استطاع إليه سبيلا ) ، وتشمل كذلك القيم والأخلاق الثابتة ، والأحكام الأسس العامة لأحكام الأسرة في الإسلام ، والأحكام والمبادئ العامة للمعاملات والجهاد ، والعلاقات الدولية ، والقضاء ونحو ذلك ، والخلاصة أن كل حكم من أحكام الإسلام في جميع مجالات الحياة إذا ثبت بدليل قطعي الثبوت والدلالة أو بإجماع الأمة إجماعاً صحيحاً قائماً على الدليل وليس العُرف فهو من الثوابت التي يجب الالتزام بها ، وعدم التهاون في حقها ، إلا ما هو من قبيل الضرورات التي تبيح المحظورات .
وأما المتغيرات فالمقصود بها هنا هي الأحكام التي تثبت بدليل ظني ( سواء أكانت الظنية في دلالة النص وثبوته ، أم في أحدهما ) أو باجتهاد قائم على القياس أو المصالح المرسلة ، أو العرف ، أو مقاصد الشريعة أو نحو ذلك .
من فوائد فقه الثوابت والمتغيرات:
1- معرفة ما يمكن الاجتهاد فيه وهو النصوص الظنية، أو المنطقة التي لا يوجد فيها نص صحيح خاص ، وهي منطقة العفو.
2- الاعتراف بكل خلاف ما دام نابعاً عن اجتهاد في المتغيرات من أهله وفي محله، وحينئذ يصح مشروعاً ويجب احترامه حتى ولو كان مرجوحاً عند الطرف الآخر.
3- الاختلاف في المتغيرات اختلاف تنوع وليس اختلاف تضاد، بل هو رحمة وسعة.
4- عدم الإنكار في المسائل الخلافية الاجتهادية،
وقد صدر قرار من المجمع الفقهي الإسلامي عام 1987 نص على ما يأتي:
أولاً: اختلاف المذاهب:
إن اختلاف المذاهب الفكرية، القائم في البلاد الإسلامية نوعان:
أ ـ اختلاف في المذاهب الاعتقادية.
ب ـ اختلاف في المذاهب الفقهية.
فأما الأول، وهو الاختلاف الاعتقادي، فهو في الواقع مصيبة، جرّت إلى كوارث في البلاد الإسلامية، وشقت صفوف المسلمين، وفرقت كلمتهم، وهي ما يؤسف له، ويجب أن لا يكون، وأن تجتمع الأمة على مذهب أهل السنة والجماعة، الذي يمثل الفكر الإسلامي، النقي السليم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد الخلافة الراشدة التي أعلن الرسول أنها امتداد لسنته بقوله: (عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ) .
وأما الثاني، وهو اختلاف المذاهب الفقهية، في بعض المسائل، فله أسباب علمية، اقتضته، ولله سبحانه في ذلك حكمة بالغة، ومنها الرحمة بعباده، وتوسيع مجال استنباط الأحكام من النصوص، ثم هي بعد ذلك نعمة، وثروة فقهية تشريعية، تجعل الأمة الإسلامية في سعة من أمر دينها وشريعتها.
فهذا النوع الثاني من اختلاف المذاهب، وهو الاختلاف الفقهي، ليس نقيصة، ولا تناقضاً في ديننا. فالواقع أن هذا الاختلاف، لا يمكن أن لا يكون، لأن النصوص محدودة، والوقائع غير محدودة، كما قال جماعة من العلماء فلا بد من اللجوء إلى القياس، والنظر إلى علل الأحكام، وغرض الشارع، والمقاصد العامة للشريعة، وتحكيمها في الوقائع، والنوازل المستجدة، وفي هذا تختلف فهوم العلماء وترجيحاتهم بين الاحتمالات، فتختلف أحكامهم في الموضوع الواحد، وكل منهم يقصد الحق، ويبحث عنه، فمن أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد، ومن هنا تنشأ السعة ويزول الحرج.
ولكن المضللين من الأجانب، يستغلون ضعف الثقافة الإسلامية لدى بعض الشباب المسلم، ولا سيما الذين يدرسون لديهم في الخارج، فيصورون لهم اختلاف المذاهب الفقهية هذا كما لو كان اختلافاً اعتقادياً، ليوحوا إليهم ظلماً وزوراً بأنه يدل على تناقض الشريعة، دون أن ينتبهوا إلى الفرق بين النوعين وشتان ما بينهما.
5- ومن الفوائد المرجوة لمعرفة فقه الثوابت والمتغيرات القبول بجميع أهل القبلة، دون تكفير، ولا تفسيق، وإنما النصح، وتوزيع الأدوار لخدمة الإسلام والمسلمين بين الجماعات والأحزاب السياسية.
6- ومن فوائده القبول بغير المسلمين باعتبارات شريعتنا التي حافظت على حقوقهم، وأن بيننا وبينهم مشتركات إنسانية، وبعض الثوابت العقدية الموجودة في الأديان السماوية الباقية إلى اليوم