علم الأديان في مدرسة النجف الأشرف الشَّيْخُ البلاغيُّ انموذجاً

علم الأديان في مدرسة النجف الأشرف الشَّيْخُ البلاغيُّ انموذجاً

الاجتهاد: لم تقتصر مدرسة النجف الأشرف العلمية في دراساتها على الاسلام بل شملت علم الأديان فضلاً عن رد الالحاد والشبهات، فقد سلطتْ الضوء على الديانة اليهودية والمسيحية والرسل التي أرسلت والكتب المنزّلة. بقلم: الشيخ عباس كاشف الغطاء

وأوضحتْ الوجه الحقيقي للديانتين ودافعت عن الانبياء المرسلين والرسل من ربِّ العالمين، ورفعتهم عن المستوى الوصفي الذي وصفتهم كتب الأديان المنحرفة.

وذكرتْ التناقض والتعارض بين العهدين مع ابسط مسلمات العقل الانساني والعلم، وهذا الأمر سبب ردة فعل كبيرة بازاء الدين والتدين في أوربا لرفض تعاليم الكنيسة.

كما كشفتْ مدرسة النجف الاشرف التحريف والتزييف التي تعرضتْ لها كتب العهدين ولم تقف مدرسة النجف الأشرف عند هذا الحد بل عندما أصاب العالم بأسره بموجات الإلحاد التي بدأت تنذر بالشر المستطير، انفتحتْ مدرسة النجف الأشرف على علماء الأديان السماوية لتبادل الآراء والخواطر والحوار لصد هذه الهجمات وانشئت المراكز والندوات والمؤتمرات وكتبت المقالات لبيان نقاط الاشتراك ما بين الديانات الإلهية الثلاثة والاتفاق على القواعد الارتكازية لصد الهجمات الإلحادية، وإن كانت بعض تلك المؤتمرات تضمر خلف شعاراتها بعض الاهداف السياسية الاستعمارية التبشيرية.

وقد اتسمت مدرسة النجف الأشرف بالموضوعية والحياد، فهي تدرس النص ولا تستهدف إلاَّ إلى اثبات ما يمكن اثباته من النص الديني بغض النظر عن اعتبار أي دين أو اعتبار أي فكرة دينية أخرى.

لقد نافح علماء الحوزة العلمية في النجف الأشرف بما عندهم من حول وطول في الدفاع عن الاسلام ورد جميع الشبه والاتهامات التي نسبت إلى الاسلام من قبل أصحاب الأديان السابقة على الاسلام بل حتى الافكار الوضعية التي تنقص من قدر الشرائع الإلهية، كما فنّدوا الآراء الإلحادية التي تدعي أن الاديان أفيون الشعوب أو لحاجة اجتماعية ونظريات تطوّر الانسان من دون انتساب الخلق إلى خالق الأكوان، فالحق إن علماء النجف الأشرف حراس شريعة سيد الإنام لتصديهم كل ما يمس الشريعة من اتهام أو ينفي وجودها أو يفضل ما هو أدنى منها عليها.

لقد درسوا الديانات والأفكار التي تتعرض للأديان وتعلموا اللغات التي كتبت بها، فهذا الشيخ الأكبر الشيخ جعفر المعروف بـ(كاشف الغطاء) ترك وطنه وهاجر إلى بلد احتله يهود العراق في ذلك الزمان ويدعى ببلد الكفل نسبة لمرقد نبي الله ذي الكفل للمناظرة معهم،

وقد حاول هؤلاء اليهود تهويد المسلمين من أهالي منطقة الكفل، وننقل ما رواه الأخيار الثقات وفي طليعتهم حجة الاسلام الشيخ عباس المظفر حكاية عجيبة وقعت للشيخ جعفر مع اليهود في منطفة الكفل قرب الحلة وهي (ان الشيخ جعفراً لما بلغه ان اليهودية انتشرت دعايتها في مدينة الحلة وبلدة الكفل خصوصاً عزم الشيخ جعفر على السفر لتدارك هذا الخطر العظيم وهو انتشار اليهودية في هذا البلد الكريم وكان سفره بعنوان مسح الأرض بين النجف والحلة لمعرفة المسافة وتشخيص موضع القصر والتمام من الصلاة، فلما وصل إلى الكفل أخذ يصلي بالناس جماعة ويعظ الناس ويقيم لهم البراهين الواضحة والآيات البيّنة على صحة الاسلام وصدق دعوى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،

وقد أدرك أحبار اليهود الغرض من مجيء الشيخ جعفر، وفي صبيحة يوم من الأيام بعد صلاة الصبح والشيخ على منبر الوعظ والارشاد، وإذا بالاحبار بلباسهم الديني ومنظرهم الخلاب يقفون خلف الجماهير المستمعة وينادي رئيسهم بأعلى صوته مخاطباً الشيخ جعفراً بقوله: (أيها الشيخ أليس من قول نبيكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ان علماء أمتي أفضل من انبياء بني اسرائيل؟) فما كان الشيخ جعفر إلاَّ ان يصْدِقهُ في ذلك ويقول: (بلى) وإن كان الخبر ليس ثابتة صحته عند الشيخ، ولكن لم يَسَع الشيخ في هذا المحفل العظيم التشكيك في صحته لاشتهاره عند العوامِّ،

ثم قال رئيس الاحبار للشيخ: (أليس موسى _ من أنبياء بني إسرائيل) فقال له الشيخ: (بلى انه من الرسل ذوي العزم والنبي لبني اسرائيل ومن كان في عصرهم)، فقال رئيس الاحبار: (فعلى هذا تكون أيها الشيخ أنت أفضل من موسى _ لأنك من علماء امة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولو كنت أفضل من موسى _ فآتني بما أتى به موسى فأنه كان يلقي عصاه فتنقلب ثعباناً فهل تستطيع أنت أن تأتي بذلك؟) فقال الشيخ: (نعم وأنا أبو موسى) والقى عصاه فانقلبت ثعباناً وفرَّ الجميع وولى الأحبار الدُّبُر، وإنما قال الشيخ (وأنا أبو موسى) لأن ولده الكبير الذي انقادت له الزعامة الدينية بعد أبيه اسمه موسى ويلقّب بـ(مصلح الدولتين) لأنه أصلح بين دولة فارس ودولة الترك كما ذكره التاريخ)([1]).

وقد شكك هؤلاء اليهود المسلمين بعقائدهم فتعلم الشيخ جعفر العبرية حتى يحتج عليهم بتوراتهم، وقد زاره السيد مهدي بحر العلوم في شهر رمضان فسأل الشيخ عن أحواله، فقال له الشيخ جعفر: كيف حالي وأنا أعيش مع اليهود واقرأ التوراة في شهر رمضان واتعلم العبرية فيه، فقال له السيد بحر العلوم: يا شيخ ان نصرتك للإسلام أفضل من قراءة القرآن والجلوس في محافل العلماء عند قبر سيد الاوصياء. وقد أظهر الله الحق على يد الشيخ جعفر عند مناظرته ليهود الكفل، فانكَفَؤُوْا عن المدينة وَوَلَّوا مُدْبِريْنَ.

أهداف مدرسة النجف من دراسة علم الأديان:

1- إثبات نبوة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم وإبراز معالم أصالة القرآن الكريم وأنَّهُ ليس مستمداً من مصادر العهدين. والدفاع عن القرآن العظيم والنبي الكريم وشريعته السَّمْحة وتاريخ الإسلام من كل الشبه والتخرصات والمزاعم التي أثيرت من أهل الكتاب.

2- العمل على إعادة الإعتبار للكتب المقدّسة وإزاحة الزيف عنها وتقرير واقعها الحقيقي وبالتالي إعادة اعتبارها إلى الدين الحق الذي غيبته الأهواء والأمزجة البشرية.

3- مناقشة الديانة اليهودية والمسيحية مناقشة علمية متينة مبينة التناقض والتحريف والتشويه في كتبهم المقدسة كاشفة عن مفترياتهم التي نسبوها إلى الإسلام وإلى دياناتهم وعقائدهم مظهرةً الحق في الدفاع عن قدس الاسلام وكتابه الكريم ورسوله العظيم وقدس انبياء الله وكتبه ورسله([2]).

محاور مدرسة النجف الأشرف في علم الأديان:

كانت مَنْهَجيَّةُ مدرسة النجف الأشرف في دراسة علم الأديان على ثلاثة محاور هي:

المحور الأول: هو بيان نقاط الاتفاق بين الأديان السماوية وابرازها من أجل التسامح والتعايش بين ابناء النوع البشري عموماً، وان دعوة الأديان إلى المحبة والتسامح والسلام لا إلى العنف والاحتراب والاقتتال، وخير شاهد على هذا المحور المؤتمر الاسلامي المسيحي الأول الذي انعقد في بحمدون لبنان في 22-27 نيسان 1954 الذي حضره الشيخ محمد مهدي الخالصي والشيخ علي كاشف الغطاء([3]).

المحور الثاني: هو بيان أفضلية الدين الاسلامي على باقي الأديان وانه خاتم الأديان، وما وقع من التناقض والتحريف في الكتب السماوية السابقة من التوراة والأنجيل دون القرآن، وأفضلية نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم على باقي الأنبياء وخير مثال لهذا المحور هو كتاب الرحلة المدرسية للعلامة الشيخ البلاغي الذي سنتناوله في بحثنا هذا، وكتاب (الحق المبين فيمن يجب اتباعه من المرسلين) للعلامة الشيخ هادي كاشف الغطاء.

المحور الثالث: المقارنة بين الأديان السماوية من حيث العقائد والأحكام.

أنواع الكتب المؤلفة في علم الأديان:

كانت الكتب المؤلفة من قبل علماء ومدرسة النجف الأشرف في علم الأديان على أربعة انحاء وهي:

النوع الأول: ما رُدَّ على رسالة ألفت لبيان فضيلة نبي أو دين سماوي على نبي الاسلام ودينه، فألف عالم النجف رد على تلك الرسالة بيَّن فضيلة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم على سائر الانبياء ودينه على سائر الاديان.

ومثاله ما وقف المرحوم العلامة الشيخ هادي كاشف الغطاء على رسالة صغيرة فيها من الأباطيل والشبه والاضاليل والقدح بالانبياء والحط من كرامتهم وخلاصتها تفضيل المسيح على سائر الانبياء من حيث الولادة والمعجزة والوفاة على سائر الانبياء وأنه المخلص الوحيد دون غيره والمكفر لخطايا العالم دون سواه فقام الشيخ بالرد عليها وبين منهجه في الرد على ما جاء بها بقوله: (فإن الحقيقة بنت البحث والوجدان وثمرة الجد ونتيجة الاجتهاد)

وذكر الغاية من نشر مثل هذه الرسائل (بين العوام والأميين والهمج الرعاع بتلك الطريقة التي صبغوها بصبغة دينية وطلوها بطلاء روحاني وجعلوها آلة للإغواء والاضلال وذريعة للخلاف والفساد ليتوصلوا بذلك إلى الاستيلاء على الممالك واستعباد الأمم والشعوب معززين بذلك اساطيلهم الضخمة وآلاتهم المدمرة التي اعدوها لمحق الانسانية واغتصاب حقوق البشر بأسم الديمقراطية والحرية.

وهذا مما ترفضه الديانات الحقة وتضاده روح الشرائع الإلهية التي تلطف بها الخالق على عباده لإصلاح النظام وقمع للشقاق والخلاف ورفع للتفرقة والفساد، وغير ذلك من الحِكَم والمصالح التي لا تختص جيلاً دون جيل ولا تختص بزمان دون زمان)([4]).

النوع الثاني: كتاب حواري بين شخصيات يستعرض من خلالها المؤلف أفكاره وآراءه في بيان ما وقع من تناقض في الكتب السماوية المحرّفة من انجيل وتوراة وتنقيص بشأن الانبياء بل حتى إلى ربِّ الأرباب من نسبة إليه من الصفات المذمومة القبيحة ما يتوقف عنها البيان، وخير مثال لهذا النوع كتاب الرحلة المدرسية للعلامة الشيخ البلاغي وهو موضوع بحثنا.

النوع الثالث: كتاب مستقل في بيان المُثُلِ العُلْيا في الإسلام وانه خاتم الأديان وان نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء، ولا يتم الإيمان به إلاَّ الإيمان بسائر الأنبياء الذين سبقوه وكتبهم المنزّلة من السماء.

وقد يكون سبب تأليف مثل هذا النوع من الكتب ورود رسالة إلى أحد العلماء في النجف الاشرف لحضور مؤتمر فيمتنع فيرسل كتاباً يبين قِيَم وَمُثُلَ الإسلام كما فعل المرحوم الشيخ العلامة محمد حسين كاشف الغطاء عند دعوته لمؤتمر الاسلامي المسيحي الأول المنعقد في بحمدون فألف كتاب سماه (المُثُل العليا في الاسلام لا في بحمدون) أوضح الشيخ S الاهداف الحقيقية من انعقاد مثل هذه المؤتمرات لتمرير خطط الاستعمار والامبريالية لسيطرة على الشعوب باسم الدين والحرية والديمقراطية.

النوع الرابع: مراسلات جمعت وطبعت على شكل كتاب بين عالم نجفي وعالم مسيحي كالمراسلة بين العلامة الشيخ محمد أمين زين الدين وشابٍّ مسيحي في فترة الخمسينات من القرن الميلادي العشرين تحت عنوان (رسالات السماء).

فقد أكد المرحوم العلامة الشيخ محمد أمين في كتابه (رسالات السماء) ان تفكير العالم الديني يجب ان يكون اوسع دائرة من المسلمين، فيحتم الواجب عليه بعد النعمة الإلهية بالأسلام ان يرفع قبساً لكل من لم يهتدِ إلى الاسلام وان يضيء لهم الطريق، فيقول: (أمن الحق ان يتركوا سادرين خابطين حتى يطرق الباب منهم طارق؟! والآخرون الذين لا يهتدون إلى الباب ليطرقوه، ولا يجدون النور الذي يبلّغهم ويكشف الشبهات والعقبات التي وضعت في سبيلهم؟ من هذا هو المسؤول عنهم؟ ومن الذي يعنيه القرآن العظيم بقوله: [إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ]([5]) ولمن يقول الله في كتابه [وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ]([6]) أهو قصص يسوقه الله لنا لمحض التاريخ أم تحذير يقدمه لنا للفطنة والاعتبار)([7]).

الشيخ البلاغي وعلم الأديان:

ان الشيخ البلاغي كانَتْ له الأيادي البِيْضُ والفضل العظيم على الأمة الإسلامية بما كتبه وألّفه في الرد على اليهود والنصارى وأهل الملل، وله مجاهدات كثيرة في إعلاء كلمة الإسلام. والتحذير من نشاط الجمعيات التبشيرية اليسوعية، والتحذير من الانبهار بالغرب واطروحاته الفكرية المناهضة للدين، وإبراز دور الإسلام ومواقفه من العقيدة والتنـزيه الإلهي، والتحذير من أثر المطبوعات الأجنبية الضالة ومن انتشارها، ونقده للتشريعات البشرية ومحاولة الرجوع إلى التشريعات الإلهية، والحث إلى رجوع الإنسان إلى العقل والفطرة السليمة، والتذكير بمدى أهمية الرسل للناس، وتصديه للحركات التبشيرية وكتبها والكتب السيئة الطاعنة في مقدسات الشريعة الإسلامية، ومحاولة علاج الشبهات والأفكار العقائدية في كتب الديانات الأخرى، وفضح التلاعب والتحريف بالكتب المقدسة للأديان من قبل المبشرين والأحبار والرهبان، والكشف ما وراء هذا التحريف من أهداف سياسية ونفعية ومصلحية.

دواعي تأليف الرحلة المدرسية:

ان اهتمام الشيخ البلاغي بعلم مقارنة الأديان ودواعي تأليفه للرحلة المدرسية جاءَتْ لعدة أسباب منها:

1- صد دعوة المبشرين من النصارى بنشر كتبهم وبذل الأموال الطائلة في سبيل دعوتهم، واجتهادهم بجد لنشر المسيحية من أمثال هاشم العربي وجمعية الهلال وعبد المسيح الكندي كما ذكرهم العلامة البلاغي في كتابه الرحلة المدرسية([8]).

2- إزالة آثار الكفر والإلحاد بما اصاب المجتمعات الانسانية نتيجة ما هُوَ موجودٌ من افكار وعقائد فاسدة في الديانتين اليهودية والمسيحية والمغالطات التي أدت إلى ابتعاد الناس عن الدين والالتجاء إلى المذاهب الإلحادية غير دينية.

3- بيان ان الاسلام خاتم الاديان وان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين، وفضل دين الاسلام على سائر الاديان.

خصائص ومميزات العلامة البلاغي في علم الأديان:

1- كان العلامة البلاغي مصداقاً لقول الإمام علي أمير المؤمنين _: (ثمرة العلم إخلاص العمل) فقد نقل عنه انه كان يقول: (ان مقصدي من التأليف هو الدفاع عن الحق والحقيقة، وصولاً إلى رضاء الله سبحانه وتعالى، فلا ضير ان لم يكتب اسمي على غلاف الكتاب أو يكتب أسم شخص آخر غيري)([9]).

2- كان الشيخ مصراً على محاربته للكفار الاجانب، ويعتبر نفوذهم الاقتصادي على بلداننا تمهيداً للهيمنة السياسية والثقافية والفكرية والاقتصادية والعسكرية إلى آخره، ولهذا كان لا يستعمل الحاجات والسلع المصنوعة في بلاد الغرب بل يستعمل الحاجات المنتجة في بلاد المسلمين.

3- دفاعه عن العقيدة الاسلامية من خلال صده للتيارات الفكرية والعقائدية الوافدة من الخارج، وتزيّف البدع المغرضة المستهدفة لتشويه عقيدة الاسلام والتصدي لها ودحضها بالحجة والبينة والبرهان القاطع القائم على اساس علمي متين.

4- كان يحمل لواء الاصلاح والتجديد مع الدعوة إلى التسامح والتعايش والحوار بين الأدْيانِ والطوائفِ، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.

5- بذل العلامة البلاغي كل عنايته في معالجة الانحرافات والشبهات الفكرية والعقائدية الواردة في العهدين كما وقف بكل قواه وقوته ضد التبشير المسيحي وأمام تيار الغرب الجارف الذي استشرى في العالم الإسلامي([10]).

6- لم يكن الشيخ البلاغي يطلب لنفسه ما يقتضيه مقامه من التعظيم والظهور بل كان على الضد من ذلك إذ اخفى اسمه في اكثر مؤلفاته المطبوعة كسراً لِسَوْرَةِ النفس وابتعاداً عن مزالق الهوى وسحقاً لنـزعة حب الظهور([11]).

7- ذكر العلامة البلاغي من شروط الاستاذ الذي يجب توفرها عنده حتى تتلمذ الطلاب على يديه ان يكون روحانياً، واسع العلم، حسن الاطلاع، جيد الإنصاف، شريف المكالمة، لين العريكة، حُر الضمير، عارِفاً بفلسفة التعليم، بريء التعصب، لم يستعبده الهوى ولا تأخذه في الحق لومة لائم ولا طمع في رتبة أو راتب.

8- كان العلامة البلاغي مَوْسُوْعِيّاً بحق يحيط بالمسألة إحاطةً تامّةً، فله سَعَةُ اطِّلاعٍ ومعرفة بكل فنون العلوم الشرعية.

أدواته وآلاته في علم الأديان:

1- إطّلاعُ العَلاّمةِ البَلاغيّ على كتب الأديان مثل (إظهار الحق) وكتاب (الهداية) للجمعية المصرية المسيحية المطبوع بمعرفة المرسلين الأمريكان، وكتاب (هاشم العربي) ترجمة مقالات جرجيس سايل مع التذييلات، وكتاب (الرحلة الحجازية) للشيخ غريب ابن الشيخ عجيب (وعمرة الاماني للنصارى).

2- تضلّع العلامة البلاغي في اللغة العبرية وإحاطَتُهُ بجميع طبعات الكتب المقدسة من توراة واناجيل يدل على مدى الجهد الذي بذله لمعرفة النصوص الموجودة في الكتب المقدسة وترجمتها بصورة صحيحة وتأكد من صحة الترجمة، ثم قدرته على بيان التلاعب والتحريف في التراجم من أجل تصحيح النصوص العبرية الناقصة وهو ينقل مثلاً عبارات العبرية من الاسفار مثل سِفْرُ التِّيْهِ ويقارن بين الترجمات ويرجح الترجمة الصحيحة([12]).

3- معرفته بتفسير القرآن وعلومه وتاريخ نزول آياته الشريفة، فهو ينفي قصة الغرانيق التي آياتها في سورة الحج ويرى أن آياتها مدنية بأجمعها لرواية ابن عباس وابن الزبير وقتادة والضحاك وغيرهم، خلافاً لما ذكره بعض المفسرين من انها مكية لإن فيها الحج والإذن في القتال ولم يكن ذلك إلاَّ بعد الهجرة إلى المدينة المشرفة([13]).

4- مَعْرِفَتُهُ بِعِلْمِ الحديث والدِّرايةِ، واطِّلاعُهُ على كتب الجوامع والصحاح الحديثية، ففي قصة الغرانيق نفى تكريم الرسول الاعظم للغرانيق فهو يناقش الروايات سنداً ومتناً، ويرى بعدم وجودها في الكتب الحديثية المعتمدة عند المسلمين بل وردت في بعض كتب التفسير والتاريخ المتولعة بكل غريب وملفق من صحيح وسقيم، واستدل على ضعف قصة الغرانيق واضطراب روايتها وانقطاع سندها وانكارها من قِبَلِ المحققين مثل القاضي عياض والنسفي والبيضاوي والرازي والبيهقي والنوري، وصاحب تفسير الخازن وأصحاب السير مثل سيرة الحلبي وسيرة السيد أحمد دحلان، وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على سَعَةِ اطِّلاعِ العلامة البلاغي ومعرفته بكل فنون العلوم الشرعية فهو موسوعي بحق يحيط بالمسألة إحاطة تامة، وقد أوضح العلامة البلاغي سبب ما أوْرَدَهُ بعض المفسرين في كتبهم: (بأن بعضهم يريد ان يبين سعة اطلاعه ومعرفة اسباب نزول القرآن فيثبت لذلك حتى بالواهيات فذكروا قصة الغرانيق سببا لنزول قول القرآن في مكة)([14]).

5- إحاطة العلامة البلاغي بمقتضيات عصره حيث تعلم اللغة الفارسية والانجليزية والعبرية مع معرفته الدقيقة للغة الأم لغته العربية، وقد اتقن هذه اللغات في وقت قياسي، وقد تمكن من ترجمة بعض كتبه إلى تلك اللغات، وقال السيد شهاب الدين المرعشي S (ت:1411هـ): (لقد شاهدته ولمرات عديدة يقرأ التوراة بالعبرية بمنتهى الطلاقة)([15]).

منهجيته في علم الأديان:

1- اتخذ من شكل الحوارية منهجاً في كتابه الرحلة المدرسية والحوارية بين ولد وقس اعطاهما اسماء مسيحية.

2- اعتمد في حواريته المنهج العقلي والبحث العلمي، فهو يذكر بأن الشكوك لا يحسن ان تقابلها بالتوبيخ بل الواجب مداولتها بالبيان الشافي وازاحة علتها بالبحث العلمي([16]).

3- يعرض المتناقضات التي أتت بها التوراة والأناجيل فمثلاً ما ورد في الأناجيل من أن الله واحد ثلاثة أي ان الله واحد ذو أقانيم ثلاثة، وهذا أمر وراء العقل والمعقول.

4- يبين من خلال حواريته العقائد المنحرفة والفاسدة التي دونت في التوراة مثل تجسيم الله، ويستعرضها بأسلوب حواري شائق.

5- استدلاله في حواريته من أوضح الواضحات التي تلزم الخصم فمثلاً يستدل فطرياً إذا لم يكن الشيء يرضى به الانسان ولم ترتضيه له فكيف يرضى به نبي الله بل الله ونرتضيه لهما.

6- حواريته قائمة على احترام آراء الآخرين والتحاور، وابداء البراهين والحجج لكل الاطراف والمناقشة بموضوعية والاحتكام إلى العقل والفطرة.

7- يستشف من حواريته بأنه يشير إلى أن من يقرأ التوراة والأناجيل الموجودة بين ايدينا يزداد شكوكاً وضلالاً، ويقع في حَيْرَةٍ من هذه المتناقضات التي فيها، فقد جاء على لسان عمانؤيل: (فمنذ صرت أتلو التوراة بتفهم وتعقّل صرتُ اتجرع غصص الاشكالات المهولة، ولا أجد من يشفي غلتي)([17]).

8- يعرض العلامة البلاغي الآيات القرآنية ليس بعنوان كتاب مقدّس بل لما في الآيات الكريمة من عقائد حقة توافق الفطرة السليمة وفيها الاجابات الشافية لمن كان حيران.

9- يفضح العلامة البلاغي ما كتبه القساوسة والاحبار عن القرآن الكريم من أكاذيب وافتراءات يفترون بها على الكتاب المجيد حيث ان كتاب (ثمرة الاماني في اهتداء كامل العيتاني) المطبوع بالمطبعة الانجليزية الامريكانية ببولاق في مصر سنة 1911م وفي صفحة (79) يفتري على القرآن الكريم بأن ما جاء فيه ان هارون هو الذي صنع العجل وبنى المذبح.

10- يحذر العلامة البلاغي من الوقوع في فخ التقليد والتقديس الأعمى، فإن ما جاءت به التوراة من تعدد الآلهة في سفر التكوين كفر من ضلالات الوثنية فلا يمكن الإيمان بذلك تقديساً للتوراة وعناداً انها من كلام الله كما يحذر من اللجاج والعناد([18]).

11- يَسْتَقْرِي ويتفحص بدقة التناقضات بين العهد القديم والعهد الجديد ويعرضها بصورة فنية واضحة مما يضع أصبع القارئ على أماكن التناقض بينهما فمثلاً في حادثة تكليم الله لإبراهيم في العهد القديم كلّمه في حاران وفي العهد الجديد كلّمه ما بين النهرين([19]).

12- كان أسلوب الحوارية أدبياً ممتعاً بألفاظ جزلة ومعاني سهلة تشد القارئ إلى الكتاب في تسلسل فكري مرتب.

13- رسم الشيخ البلاغي الخطوط العريضة للاستقامة في البحث والتحقيق في الديانات، فلابد للباحث الذي يريد ان يتكلّم في الديانة الخاصة ويبحث بها بحثاً علمياً ان يقتصر في بحثه على ما هو المسلم والمتّفق عليه عند تلك أهل الديانة، فلا يصح ان ينسب لتلك الديانة رأي أو قول لأحد علمائها مما ينفرد به عن سائر علمائها من ينتسب إليها

وذكر العلامة الشيخ البلاغي، أمثلة على ذلك مثل ما ذكره: (غريب ابن عجيب) كاتب الرحلة الحجازية، فأنه لما أراد ان يعترض على دين الاسلام لم يجد سبيلاً إلاَّ ان يعترض على بعض روايات الرجال التي لا عناية للجامعة الاسلامية بها فيقول: قال الازرقي، ابن جريح، مجاهد، نافع، ابن اسحاق، ابن الورد، ثم يخبط خبط التائه في اعتراضاته، ثم إذا يزيد ترويج شبهه واعتراضاته فيذكر مثلاً ألقاب توهم بأنها من ائمة الاسلام مثلاً قال فلان وهو من أئمة الحديث وروي فلان هو من رجال البخاري وغيرها. والحاصل من هذا من يريد ان يكون بحثه علمياً فلا يجادل في الاديان إلاَّ بما هو مسلم في جامعتها فلا يصح الاعتراض عليها بقول منفرد من علمائها([20]).

ملحوظاته على الكتب المقدسة:

1- إن كثيراً من أجوبة الأحبار والقساوسة لإشكالات ومعارضات العهد القديم والجديد عبارة عن أجوبة غامضة مبهمة على شكل رموز تجعل المستمع والقارئ إليها معلقاً بين السماء والأرض، فهم يدعون ويعتقدون به ويفصحون عنه بأن هذه الأجوبة فوق عقول البشر لا تستطيع إدراكها ومثال ذلك سر التثليث.

2- أوضح العلامة البلاغي مدى التسطيح العلمي لمؤلفي كتب التبشير من القساوسة والأحبار، وجهلهم في كتبهم المقدسة وعدم معرفتهم بالترجمة واللغة العربية فهم لا يعرفون ان (شمرون بن يساكر) كان مع موسى من عشيرة الشمرونيين وهو السامري المذكور في القرآن الكريم، فإن السامري في اللغة العربية تعريب (شرموني) مع إنهم نفوا وجود السامري مع موسى _([21]).

3- أطالت التوراة الكلام مع بني اسرائيل في الوعظ والترهيب والترغيب والبشرى والتخويف، ولم تذكر يوم المعاد وحشر العباد للجزاء ولا الجنة المعدة للاتقياء ولا جهنم المعدّة للإشرار، وغاية ما رغبت فيه للطاعة هو كثرة الحنطة والخمر وبركة المعجنة، وغاية ما خوّفت منه هو قلة الحنطة والخمر([22]). مع إن التوارة كتاب كبير الحجم وقد تكلمت في أمور كثيرة بكلام طويل، وتعرضت لأمور لا حاجة إليها في اصلاح البشر، بل إنها تعرّضت لأمور لا يليق بالكتاب الإلهي ان يذكرها.

فذكرتها بالشرح الطويل المزعج ومن ذلك حكاياتها الطويلة ان لوطاً زنا بأبنتيه، وان يعقوب خادع اسحاق في أخذ البركة وكذب عليه مراراً، وان روابين زنا بأمرأة ابيه يعقوب وغير ذلك من الأمور الفارغة.

ومع هذا فلم تذكر التوارة يوم القيامة وثوابه وعقابه ولا بكلمة واحدة مع ان القيامة حقيقة دينية عرفانية والالتفات إليها يتكفّل بصلاح البشر وتهذيب اخلاقهم وانتظام اجتماعهم، فكيف يليق بالكتاب الإلهي المنـزّل للاصلاح وكشف الحقائق أن يهمل هذا الأمر الكبير المهم ويجعله نسياً منسيا.

4- يَسْتَفْهِمُ العلامة البلاغي استفهاماً انكارياً كيف يرضى ان يقال في جلال الله اختياره لانقاذ عباده من الشرك والفساد رجلاً يعلم الله انه يشرك ويدعو إلى العبادة الوثنية ويصنع الأوثان ويبني مشاعر عبادتها لما في قصة هارون وبناءه للعجل والمذبح في العهد القديم، ثم يقارن ما ورد عنه في القرآن الكريم([23]).

5- يذكر العلامة البلاغي افتراءات الاحبار والقساوسة على القرآن الكريم، ثم يحصي عدد المرات التي يفترى على القرآن في كل كتاب من كتبهم، بل اوضح افتراءاتهم على كتبهم المقدسة فمثلاً جمعية كتاب الهداية قالت لم يقل الله في التوراة (وبارك الله اليوم السابع وقدّسه) مع ان هذا الكلام بعينه موجود في التوراة([24]) ومما يدهش الألباب هو قدرة الشيخ البلاغي على التدقيق والتتبع في نصوص الكتب المقدسة واطلاعه الواسع على اللغة العبرية في بيان مقدار التحريف في الترجمة والحذف أو الزيادة حسب أهواء الأحبار والقساوسة ثم يقارنها بما تنقله كتبهم المؤلفة من علمائهم المبشرين وتحريفهم للنصوص.

6- ان الاختلاف والتخليط في الرواية والتقديم والتأخير في تاريخ الوقائع وتوقيت الحوادث ممن يدعون او يدّعى لهم انهم يكتبون من وحي الله، بمنزلة المناقضة، كما ان دعوى النصارى بكون هذه الاسفار الموجودة الآن بأيديهم وحياً داحضة فارغة، وأن مؤلِّفي الأناجيل لم يكونوا مُشاهِدينَ بمرأى العين ما نقلوه وإنما أخذوه من الرواة.

7- كثيراً ما ترى هؤلاء المؤَرِّخين من كتبة الاناجيل يذكر بَعْضُهُمْ عقيدة دينية أو أمراً مهماً أو حكماً إلهياً عن عيسى ولا يذكره غيره، أو أنه يذكر حديثاً ثم ينتقل إلى غيره من دون علاقة فمثلاً هذا الخلل والتشويش لا يمكن ان يصدر عن وحي الله فضلاً عن نسب أفعال وكلام يدل على منقصة السيد المسيح أعاذه الله وإيانا من تلك التهم مثل ما ذكره يوحنا من تجرد عيسى بعد العشاء عن ثيابه وتحزمه بمنشفة لغسل أقدام تلاميذه،فهذا يوهم ان عيسى وقتئذٍ قد سرت فيه الخمرة حتى لم يكن يدري ما يفعل فإن غسل الاقدام لا يوجب التجرّد عن الثياب.

8- لقد أحسن رئيس كهنة الكنيسة الرومية كثيراً عندما منع النصارى عن قراءة الاناجيل فإن قارئها لا يلبث أن يرى ما فيها من المحال والمخالفة للواقع، ومن قرأها ولم يتبين له ذلك فالأعمى أهدى منه سبيلا([25]).

9- ان جميع ما أورده أصحاب الاناجيل الأربعة متي ولوقا ومرقس ويوحنا عن عيسى _ سواء كان أحكاماً أو مواعظ أو قصص معجزات وأحوال، فإنما هو موهوم غير محقق ولا مُعين.

أولاً: أما الأحكام والمواعظ فإنهم لم يتفقوا على ايرادها بلفظها، فترى أحدهم يوردها بلفظها الماضي وغيره بالمضارع أو الآمر، وتارة يوردها بالسلب وغيره بالايجاب والآخر بصورة استفهام، ومرة يوردها مرة وغيره يكرهها مرتين أو ثلاثة.

ثانياً: وأما قصص المعجزات والأحوال فان بعضهم يذكرها في وقت وغيره في وقت آخر فليس من ذلك كله سوى مجرد الحدس والوهم في امكان وقوع ما ذكروه على سبيل المجازفة من دون علم بكيفيته وماهيته وخصوصيته وعلاقته مما لا يعفى منه أحد من المؤرخين.

ثالثاً: أكثر ما جرى الخلاف بينهم في قضية ميلاد وانبعاثه من الموت، وارتفاعه إلى السماء مع إنها من أهم الأمور.

رابعاً: أضرب عن ذكر مولد عيسى كل من مرقس ويوحنا واختلف فيه متي ولوقا، وهنا نتسائل لأي سبب أضرب مرقس ويوحنا عن ذكر ميلاد عيسى من دون أب وهو أمر خارق للعادة.

خامساً: سكت متي ويوحنا عن صعود عيسى إلى السماء واختلف فيه مرقس ولوقا.

10- اسهبت الاناجيل الأربعة في ذكر الأمور الخسيسة والحوادث الاجنبية والكلام اللغو، وعن آلام عيسى وشكوى اليهود عليه.

11- ذكر العلامة البلاغي ان ضابط ضرب الأمثال عند العوام والخواص ان يراعوا مناسبة المثل لمورد التمثيل والتشبيه ويعيبون المثل الذي لا يناسب ويعدونه من سوء الفهم وبساطة المغفلين القاصرين فمثلاً إذا أراد أحد ان يشهي ضيفه لأكل الرطب بمدح الرطب وبيان نضجه بشدة سواده فيقول له: كُلْ هذه الرطبة فإنها مثل الخنفساء ألا ترى دبسها يكاد يسيل مثل المخاط، فما بالك بالعهدين القديم والجديد التي تنسب انها من وحي الله فإن الامثال الموجودة فيها ممجوجة وغير مناسبة

فمثلاً استجابة الدعاء تمثيلها في انجيل لوقا باستجابة الدعاء وقضاء الحاجة من أجل الضجر من اللجاجة، وتشبيه المتمردين عن المسيح ومن قبله الرسل الذين أرسلهم الله لأجل تكميل العباد بمثل انساناً غرس كرماً وبنى حائطه وبرجه ومعصرته وسلمه إلى كرامين وغاب عنهم فأرسل بعض عبيده ليأخذ من ثمر الكرم فضربوهم وقتلوا ثم أرسل آخرين ففعلوا بهم مثل ذلك فقال صاحب الكرم ماذا أفعل أرسل ابني الحبيب لعلهم يهابون فقتلوا ذلك الابن.

ومعلوم ان الله لم يرسل رسله ليأخذوا من ثمار التي انعم الله بها على عباده بل أرسلهم ليكملهم ويسعد العباد انفسهم بثمار تلك النعم، كما لا يناسب جلال الله ان يضرب له المثل بقول صاحب الكرم قول المتحيّر (ماذا أفعل؟)، ولا بقول صاحب الكرم المتوهم (أرسل ابني الحبيب لعلهم يهابون) فيخيب رجائه وينكشف وهمه ويسقط تدبيره وتستمر حيرته، ام مثل الخنفساء والمخاط أقل قبحاً من هذه الأمثال الذي ذكرت في انجيل لوقا([26]).

والحاصل ان هؤلاء المؤلفين للاناجيل لم يكونوا مشاهدين بمرأى العين ما شهروا به، وانما هي روايات مختلفة عن عيسى طارت في البلاد فنقلها كل منهم حسب ما بلغته من افواه الرواة في بلده.

هذا فيض من غيث في ملحوظات العلامة البلاغي على العهدين من توراة وإنجيل.

وفي ختام البحث نحمد الله أولاً وآخراً

المصادر

1- مضابط جلسات المؤتمر الإسلامي المسيحي الأول/ بحمدون/ لبنان/ 1954/ أشرف على طبع النسخة العربية المساعد التنفيذي للجنة مواصلة العدل للتعاون الإسلامي المسيحي.

2- مماحكات التأويل في متناقضات الانجيل/ أحمد فارس الشدياق/ تحقيق: د. محمد أحمد عمايرة/ الطبعة الأولى/ دائرة وائل للنشر/ عمان/ 2003م.

3- رسلات السماء/ آية الله العظمى الشيخ أحمد أمين زين الدين (قدس سره)/ الطبعة الثانية/ 1419هـ.

4- المسيح بين التلمود والقرآن/ صهيب الرومي/ الطبعة الأولى/ بيسان للنشر والتوزيع/ بيروت/ 2005م.

5- الدراسات الاسلامية المسيحية اليهودية المقارنة الاتجاهات/ الاهداف المناهج/ السيد سامي البدري/ الطبعة الثانية/ دار الفقه للطباعة والنشر/ بيوت.

6- البرهان المبين فيمن يجب اتباعه من المرسلين/ آية الله العظمى الشيخ هادي كاشف الغطاء R/ الذخائر/ مؤسسة كاشف الغطاء العامة/ 1420هـ.

7- المثل العليا في الاسلام لا في بحمدون/ سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء/ الطبعة الثالثة/ المطبعة الحيدرية/ النجف الاشرف/ 1373هـ.

8- مجلة المبين/ العدد التاسع/ نيسان 2007م/ مؤسسة شهيد المحراب للتبليغ الاسلامي.

9- الرحلة المدرسية والمدرسة السيارة في نهج الهدى/ المطبعة الحيدرية/ النجف الاشرف/ 1344هـ.

10- بين الجامع والجامعة/ السيد كاظم الكفائي/ مطبعة الآداب/ النجف الأشرف/ 1968م.

([1]) بين الجامع والجامعة 34.

([2]) الدراسات الإسلامية المسيحية اليهودية/ السيد سامي البدري 14/ 91.

([3]) مضابط جلسات المؤتمر الاسلامي المسيحي الأول 144.

([4]) الحق المبين فيمن يجب اتباعه من المرسلين/ الشيخ هادي كاشف الغطاء 14.

([5]) سورة البقرة، آية: 159، 160.

([6]) سورة آل عمران، آية: 187.

([7]) رسالات السماء/ الشيخ محمد أمين زين الدين 20.

([8]) الرحلة المدرسية 1/ 17.

([9]) نقباء البشر/ أغا بزرك الطهراني/ 1/ 324.

([10]) أربع رسائل للشيخ البلاغي/ محمد علي الحكيم 10.

([11]) حياة الشيخ البلاغي ونسبه/ عبد الوهاب الصافي/ مجلة الاعتدال 16.

([12]) الرحلة المدرسية 1/ 35.

([13]) المصدر نفسه 1/ 40.

([14]) الرحلة المدرسية 1/ 39.

([15]) مجلة المبين/ العدد (9)/ 269.

([16]) الرحلة المدرسية 1/ 80.

([17]) الرحلة المدرسية 1/13.

([18]) المصدر نفسه 1/ 9.

([19]) الرحلة المدرسية 1/ 43.

([20]) المصدر نفسه 1/ 109.

([21]) الرحلة المدرسية 1/ 29.

([22]) المصدر نفسه 1/ 24.

([23]) الرحلة المدرسية 1/ 34.

([24]) المصدر نفسه 1/ 41.

([25]) محكمات التأويل في متناقضات الانجيل 144.

([26]) الرحلة المدرسية 1/ 157.

المصدر: موقع الشيخ عباس كاشف الغطاء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky