الاجتهاد: بعد مرور ما يقارب عقد على الصراعات والعداء السياسي بين دول غرب آسيا، اختارت اليوم أقطاب المنطقة سياسة إزالة التوتر وإدارة الخلافات، فان استئناف العلاقات بين إيران وتركيا مع كتلة المحافظين العرب أي السعودية والإمارات ومصر، يدل على بدء عصر جديد في المعادلات السياسية الأمنية في العالم الإسلامي،
في مثل هذه الفترة، فان تولي نتنياهو واليمين المتطرف السلطة في تل أبيب مرة أخرى، جعل المشاريع التوسعية على غرار تهويد القدس المحتلة من خلال احتلال أراضي العرب القانطين في الضفة الغربية على رأس أجندتهم.
ونظرا إلى المسار التصاعدي لهذه السياسة وعدم وقوف القوى العالمية بوجه الكيان الصهيوني، اصبحت قضية توحيد صفوف العالم الإسلامي وتبني موقف واحد في مواجهة تل أبيب أمرا ضروريا أكثر من ذي قبل.
ان دراسة مسار مواقف نتنياهو السياسية حول قضية عاصمة الكيان الصهيوني ومشروع حل الدولتين وبناء المستوطنات في الضفة الغربية يدل على ان مواقفه المتطرفة لا تولي اهتماما بقرارات مجلس الأمن ومطالب الرأي العام العالمي وحقوق الفلسطينيين، فتحالف “بي بي” مع عناصر متطرفة مثل بن غفير والسياسات العدائية لنتنياهو اتخذت طابعا جديدا وتحولت إلى إستراتيجية الكيان الصهيوني الأمنية في مواجهة العرب القانطين في الضفة الغربية.
وفي هذا الإطار وفي أحدث مرحلة من انتهاكات الكيان الصهيوني استشهد 11 فلسطينيا نتيجة هجوم الجيش على نابلس، كما ان إلغاء القانون الذي يعرف بالانفصال يسمح للصهاينة العودة إلى المستوطنات التي تم إخلاءها بعام 2005 في شمال الضفة الغربية وقطاع غزة.
ان استمرار هذه العملية تعد مقدمة لاندلاع المزيد من المظاهرات في الأراضي المحتلة وظهور الانتفاضة الثالثة، كما ان زيادة التوترات في بيت المقدس يمكن ان تؤدي إلى دخول حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية والجهاد الإسلامي في مواجهة الانتهاكات الصهيونية، وفي حال تحقيق هذا السيناريو فان الشعوب الإسلامية لن تتخذ الصمت وتبدي ردة فعلها تجاه ما سيجري في فلسطين.
في ظل الظروف الراهنة حيث تقترب فيه مواقف الدول الإسلامية من بعضها البعض وتغيب التوترات الشديدة في العالم الإسلامي، تكونت أفضل فرصة لخلق حملة ضغط على الصهاينة لتغيير سياساتهم العنصرية في فلسطين المحتلة.
إن توحيد الإمكانيات السياسية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية لدول مثل جمهورية إيران الإسلامية والمملكة العربية السعودية وتركيا وقطر وباكستان ومصر وغيرها يمكن، بالإضافة إلى خلق حالة من العزلة السياسية للمحتلين الصهاينة، ان يخل بمشروع تطبيع العلاقات مع الدول العربية ويؤدي إلى إيقافه. بالطبع، لتشكيل مثل هذا التحالف، من الضروري أولا حل القضايا والخلافات المتبقية في العالم الإسلامي، مثل قضية اليمن وسوريا ولبنان والعراق، وبالتالي إزالة المساحات التي تمكن الصهاينة من التدخل في شؤون العالم الإسلامي الداخلية.
ربما لم يكن الكيان الصهيوني يعاني من أزمة إقليمية ودولية كما هو الحال اليوم. وتشير قضايا مثل الاختلاف بين السلطة التنفيذية والقضائية، وازدياد الانقسام الديني-العلماني، وسلسلة الاحتجاجات في الشوارع، وتصاعد التوترات بين العرب والصهاينة، وما إلى ذلك، تشير إلى الجو السياسي الهش داخل فلسطين المحتلة.
وعلى صعيد السياسة الخارجية لهذا الكيان فالأمور مماثلة. فبعد اشتداد الحرب الباردة بين واشنطن وبكين وبداية الأزمة الأوكرانية، لم يعد بإمكان الصهاينة إتباع سياسة توسيع العلاقات مع القوى العالمية في نفس الوقت. وعليهم في نهاية المطاف الاختيار بين موسكو أو كييف في قضية أوكرانيا، ويمكن أن يكون لهذه القضية تأثير مباشر على مستقبل هذا الكيان سياسيا.
إذا اختاروا خيار نقل معدات دفاعية أو هجومية لتجهيز الجيش الأوكراني؛ عندها وبالإضافة إلى زيادة كفاءة الأنظمة الدفاعية الروسية في سوريا، سيتم فتح أيادي المقاومة في هضبة الجولان لاتخاذ إجراءات ضد الكيان الصهيوني واستعادة المناطق المحتلة.
إن فهم البيئة الإقليمية والدولية الجديدة سيوفر الفرصة للدول الإسلامية في المنطقة ومن خلال إضعاف الكيان الصهيوني، للسيطرة على الجغرافيا السياسية للمنطقة الإستراتيجية للبحر الأحمر وقناة السويس في شرق البحر الأبيض المتوسط، وتكون قادرة على لعب دور أكثر حيوية في المشاريع العملاقة مثل طريق الحرير الصيني. ومن ناحية أخرى، فإن أي تشكيل لتحالف عسكري اقتصادي بين الدول العربية والكيان الصهيوني يمكن أن يوفر الأرضية للكتل الإقليمية للاصطفاف ضد بعضها البعض وإشعال نار الحرب.
آخر الكلام
ان التغيير في النظام العالمي سيؤدي إلى إحداث تغييرات ذات دلالات في منطقة غرب آسيا، فبعد فترة من التوترات طويلة الأمد بين القوى العالمية توفرت فرصة كي تركز الدول الإسلامية وبعيدا عن التنافس الجيوسياسي أو الصراع على المصالح قصيرة الأمد، على القبلة الأولى للمسلمين.
ان دعم القضية الفلسطينية والمقاومة في مواجهة انتهاكات الصهاينة سيؤدي إلى احتواء الكيان الصهيوني وزيادة امن دول المنطقة، ان زحف الصهاينة نحو مرتفعات الجولان السورية والضفة الغربية وبحر الأردن وصحراء سيناء يدل على أطماعها تجاه دول المنطقة، ويجعل قضية توحيد صفوف العالم الإسلامي في مواجهة مشاريع مثل تهويد القدس أو زيادة بناء المستوطنات الصهيونية أمرا ضروريا أكثر من ذي قبل.
المصدر: شفقنا + راهبرد معاصر