الاجتهاد: ولد السيد محمد هادي الميلاني في اليوم الثامن من شهر محرم الحرام عام 1313 هـ في مدينة النجف الأشرف، في عائلة علمية معروفة بالفضل والتقوى.
كان والده المرحوم آية الله السيد جعفر من المجتهدين الأجلاء، وقد تتلمذ عند آية الله الشيخ محمد حسن المامقاني وآية الله السيد محمد كاظم اليزدي وآية الله المحقق الخراساني والفقيه النبيه صاحب مصباح الفقيه آية الله الشيخ رضا الهمداني وغيرهم(قدس سرهم).
وقد صاهر السيد جعفر أستاذه الشيخ محمد حسن المامقاني(قدس سره)، على كريمته التي كانت امرأة جليلة فاضلة، وقد قال في حقها أخوها آية الله الشيخ عبد الله المامقاني : من خير نساء عصرنا وأنجبهن وأعقلهن.
وكان من ثمرات هذا الزواج المبارك هو السيد محمد هادي الميلاني (قدس سره) وقد توفي والده وهو في سن السادسة عشرة من عمره فتكفّل به خاله الشيخ عبد الله المامقاني.
دراسته وأساتذته:
بدأ السيد محمد هادي الميلاني الدراسة في سن الطفولة فدرس المقدمات عند فضلاء النجف الأشرف، وحضر السطوح لدى المبرزين من أساتيذها مثل: آية الله المحقق الميرزا علي الإيرواني (قدس سره) صاحب الحاشية على المكاسب، وكذلك عند خاله آية الله الشيخ أبو القاسم المامقاني.(قدس سره)
وفي سنة 1330 هـ تقريباً حضر البحث الخارج في الفقه والأصول عند جهابذة الفقهاء والمجتهدين وهو في مقتبل عمره وحداثة سنّه، وتتلمذ عند:
1- آية الله العظمى العلّامة المتبحر شيخ الشريعة الاصفهاني (قدس سره)المتوفى سنة 1339 هـ حضر لديه دورة كاملة في الأصول.
2- آية الله العظمى المحقق الشيخ ضياء الدين العراقي(قدس سره) المتوفى سنة 1361 هـ، حضر لديه أكثر من دورة في علم الأصول.
3- آية الله العظمى المحقق الميرزا محمد حسين الغروي النائيني (قدس سره) المتوفى سنة 1355 هـ، حضر لديه أكثر من دورة في الأصول، وفي الفقه عدة أبواب، وقد كان مجموع حضوره عنده 14 سنة، وكان يعبّر عنه ب الميرزا الأستاذ.
4- آية الله العظمى المحقق الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني (قدس سره) المتوفى سنة 1361 هـ، حضر لديه دورتين في الأصول، وفي الفقه عدة أبواب، وبه اختص وتأثر، وكان مجموع حضوره عنده قرابة 23 سنة، وكان يعبّر عنه ب شيخنا الأستاذ.
وتجدر الإشارة إلى أن السيد الميلاني والسيد الخوئي (قدس سرهما) كانا من أكثر طلاب المحقق الأصفهاني اشتغالاً وقرباً منه وأعزهم مكانة لديه، حتى إنه كان يقول مشيراً إليهما:
عندي تلميذان كل واحد منهما خير من ألف من الطلبة المحصلين، بل نقل غير واحد من العلماء أن المحقق الأصفهاني كان يرى السيد الميلاني أدقّ تلامذته.
هذا بالنسبة لأساتذته في الفقه والأصول.
وأما في غيرها فقد درس الفلسفة عند آية الله السيد حسين البادكوبي (قدس سره) المتوفى سنة 1358هـ وأستاذه المحقق الأصفهاني (قدس سره) وقد كانا فرسي رهان في علم الحكمة كما عبّر اغا برزك الطهراني(قدس سره).
ودرس الأخلاق عند المرحوم آية الله الميرزا علي القاضي(قدس سره) المتوفى سنة 1366 هـ والمرحوم آية الله السيد عبد الغفار المازندراني(قدس سره) المتوفى سنة 1365 هـ.
ولم تغب علوم التفسير والكلام والمناظرة عن باله فقد أولاها اهتماماً وعناية، حيث حضر بحوث العلامة المجاهد آية الله الشيخ محمد جواد البلاغي المتوفى سنة 1352 هـ.
ودرس علم الرياضيات عند المرحوم العلامة السيد أبو القاسم الخونساري (قدس سره). وبهذا فقد جمع السيد الميلاني بين المعقول والمنقول.
وكان السيد الميلاني يتباحث في فترة دراسته مع بعض زملائه المتفوقين كالسيد الخوئي، والسيد حسن اللواساني (قدس سرهما) صاحب كتاب نور الأفهام في علم الكلام.
ومما ينقل وبكثرة أنه كان إذا رجع ليلاً برفقة السيد الخوئي يشتغل أثناء المشي بالمذاكرة العلمية مع السيد الخوئي حتى يصل لبيته، وفي بعض الأحيان كان يطول بهما الوقوف حتى قريب الفجر.
مشايخه في الرواية (1)
السيد الميلاني يروي عن:
السيد حسن الصدر، صاحب تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام.
السيد عبد الحسين شرف الدين، صاحب المراجعات.
الشيخ آغا برزك الطهراني، صاحب الذريعة.
السيد محمد سعيد الهندي العبقاتي.
الشيخ محمد تقي الجعفري التبريزي.
ويروي عنه كثير من الأعلام، نذكر منهم:
نجله السيد نور الدين الميلاني.
الشيخ مرتضى الحائري اليزدي.
السيد مرتضى العسكري.
مكانته العلمية:
بالنظر لاستعداداته القوية فقد حاز على درجة الاجتهاد وهو في سن مبكرة، واستطاع الإحاطة بمباني أساتذته الثلاثة النائيني والأصفهاني والعراقي -سيما مباني أستاذه الأصفهاني- الذين كانوا محور الحوزة العلمية في النجف الأشرف آنذاك، وأصبح فيما بعد موضع اهتمام العلماء والفضلاء بسبب دقة نظره واهتمامه بالتحقيق،
ولهذا دعاه آية الله العظمى السيد حسين القمي (قدس سره) للذهاب إلى الحوزة العلمية في كربلاء المقدسة، لغرض تقوية أركانها، فأجاب الدعوة ورحل إليها وأقام فيها ثمانية عشر عاماً.
وفي سنة 1373 ه قصد مشهد المقدسة لزيارة الإمام الرضا (عليه السلام) ووردها زائراً في يوم عرفة فأصّر عليه علماؤها بالبقاء وتربية الفضلاء والعلماء والقيام بشؤون المؤمنين فاستخار الله تعالى في ذلك وبقي فيها إلى آخر عمره الشريف.
ونُقل عن العلامة الكبير آية الله المحقق الميرزا كاظم التبريزي وكذلك عن الأستاذ الشهير آية الله الشيخ مجتبى اللنكراني (قدس سرهما) قولهما إن السيد الميلاني لو بقي في النجف الأشرف لتقدّم على أقرانه وكان هو الأستاذ الأعظم.
تدريسه و طلابه:
درس عند السيد الميلاني كثير من الطلبة، وعلى الأخص في حوزتي كربلاء ومشهد المقدستين، وقد أصبح كثير منهم من الفقهاء والمدرسين البارزين، وكان مشفقاً عليهم دائم النصيحة لهم، ومن نصائحه ما ذكره لحفيده السيد علي حفظه الله في رسالة بعثها إليه وهي قوله:
(إن العمدة في استكمال مراتب الفضيلة أربعة أشياء: الأول: المعارف الإلهيّة، والثاني: التقوى، والثالث: الفقه والأصول، والرابع: مكارم الأخلاق، فإنّ اجتماع هذه الأركان الأربعة في غاية الأهميّة، وهو المستعان سبحانه وتعالى.
وإنّ الدعاء والتوسّل بمقام الولاية وطلب العناية المباركة لوليّ العصر أرواحنا فداه، هي الوسيلة العظمى لنيل تلك الأركان الأربعة إن شاء اللهّ تعالى).
وممن تتلمذ عنده:
السيد إبراهيم علم الهدى، السيد حسين الشمس، السيد محمد باقر الحجة الطباطبائي، الميرزا كاظم التبريزي، السيد محمد الروحاني، السيد محمد صادق الروحاني، الشيخ حسين الوحيد الخراساني، السيد تقي القمي، الشيخ محمد رضا المظفّر، السيد محسن الجلالي الكشميري، الشيخ محمد تقي بهجت، الشيخ محمد رضا الدامغاني، الشيخ محمد تقي الجعفري، أنجاله: السيد نور الدين والسيد عباس والسيد محمد علي، الشيخ عبد النبي الكجوري، السيد محمود المجتهدي السيستاني، السيد جعفر سيّدان، الشيخ مهدي النوغاني، السيد إبراهيم الحجازي، الشيخ رجب علي رضا زاده، الشيخ مرتضى الأشرفي الشاهرودي، الشيخ مصطفى الأشرفي الشاهرودي، السيد محمد الموسوي نجاد، الشيخ مرتضى المحامي، الشيخ محمد رضا المحامي، السيد فاضل الميلاني، السيد علي الميلاني، الشيخ علي العلمي الأردبيلي، وغيرهم.
وممن استفاد من المجالس العلمية للسيد الميلاني هو المرجع الأعلى السيد السيستاني دام ظله في أول هجرته إلى النجف الأشرف سنة 1371 هـ، وكان السيد الميلاني حينها في كربلاء المقدسة، فكان السيد السيستاني يذهب في ليالي الجمع إلى كربلاء ويحضر بعدها جلسة علمية خاصة عند السيد الميلاني حول مباني المحقق الأصفهاني، وقد نُقل ذلك عن عدة، منهم المرحوم الشيخ مهدي النوغاني، وهو من أصدقاء السيد دام ظله.
ومما تحسن الإشارة إليه أن كثيراً من الأبحاث الفقهية التي ألقاها السيد الميلاني في مشهد المقدسة قد سُجّلت ونُشرت مؤخراً على شبكة الانترنت وهي في المواضيع التالية: خلل الصلاة، صلاة المسافر، صلاة الجماعة، قضاء الصلوات، الزكاة، الخمس، البيع.
آثاره العلمية:
طُبع له: حاشية على العروة الوثقى إلى آخر كتاب الاعتكاف، نخبة المسائل، منهاج الأحكام، مناسك الحج، أجوبة 110 من الأسئلة وهو إجابات لأسئلة باللغة الفارسية والعربية وهي متنوعة بين الفقه والعقائد والتفسير والمسائل العلمية، رسالة في أصالة الصحة ورسالة في قاعدة اليد، قادتنا كيف نعرفهم في خمس مجلدات، تفسير سورة الجمعة والتغابن وهو تقرير لدرس التفسير بقلم أحد تلامذته في كربلاء المقدسة.
الكلمات المعرفية وهي 168 كلمة معرفية بعضها بالعربية وبعضها بالفارسية، وقد تُرجمت الكلمات العربية إلى الفارسية وشرحها الشيخ محمد صادق كاملان ونُشرت في مؤتمر تكريم السيد الميلاني سنة 1437 هـ.
وطُبع له من التقريرات:
-محاضرات في فقه الإمامية، وهو من إعداد وتقرير حفيده السيد فاضل الميلاني، ويقع في خمسة أجزاء: اثنان في الزكاة، وواحد في الخمس، وواحد في صلاة المسافر، وواحد في البيع ثم في سنة 1437 هـ وفي ذكراه السنوية جددت طباعة هذه المجموعة بإضافة جزء سادس وهو في خلل الصلاة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الكتاب (محاضرات في فقه الإمامية) مكوّن من قسمين:
ما كتبه السيد الميلاني بقلمه وما قُرر له واستفيد من الأشرطة، ولم يتميّز ذلك في المطبوع في أغلب الموارد خصوصاً بعد محاولة توحيد الأسلوب في الكتاب.
-كتاب البيع، وهو من تقرير حفيده السيد علي الميلاني، ويقع في 4 أجزاء، اشتمل على كل المباحث التي درّسها جدّه الميلاني من كتاب البيع إلى وفاته.
-دليل الفقه، وهو في باب البيع إلى مبحث بيع الفضولي، وهو من تقرير الشيخ علي العلمي الأردبيلي.
ولا يخفى أن كل هذه التقريرات طُبعت بعد وفاة السيد (قدس سره)
وله كثير من المخطوطات، نذكر بعضها: الاستصحاب، كتاب الإجارة، تعليقة على رسالة أستاذه المحقق الأصفهاني في أخذ الأجرة على الواجبات، تعليقة على كتاب أستاذه الشيخ البلاغي (الهدى إلى دين المصطفى)، رسالة في منجزات المريض، رسالة في قاعدة لا تعاد، رسالة في قاعدة القرعة.
خصائصه و أخلاقه:
كان السيد الميلاني متصفاً بصفات جليلة وأخلاق فاضلة، فقد كان متواضعاً مؤدباً بشوشاً يتعامل مع الصغير والكبير والعالم والجاهل على أساس الاحترام وحسن الخلق،وكان ذاكراً لله تعالى في كل حال، ومما حصل له أنه (قدس سره) أجرى عملية جراحية في سنة 1382 هـ عند طبيب مسيحي يُسمّ (بلون) فأسلم هذا الطبيب لما رآه من عظيم الملكات النفسانية عند السيد الميلاني وقوة توكله على الله ودوام ذكره.
ومما عُرف به هو ابتعاده عن طلب الشهرة والظهور، وحينما يبعث المبلغين وطلاب العلم إلى القرى لتعليم الناس وتثيقفهم كان يقول لهم إني لا أجيز لكم ذكر اسمي ودعوة الناس إلى تقليدي.
ومن ذلك أنه بعد وفاة السيد البروجردي (قدس سره) طلب السيد العلامة الطباطبائي والشيخ مرتضى الحائري (قدس سرهما) وغيرهما من السيد الميلاني أن يهاجر إلى قم المقدسة ويقوم بدور السيد البروجردي وأبدوا استعدادهم لدعمه وحضور درسه تكريماً وتشجيعاً إلا أن السيد الميلاني (قدس سره) اعتذر عن ذلك وآثر البقاء في جوار الإمام الرضا(عليه السلام) والقيام بوظائفه هناك.
ولاؤه لأهل البيت (عليهم السلام)
يقول نجله السيد محمد علي: اشتهر السيد بشدة علاقته وكثرة توسله بأهل البيت (عليهم السلام) وظهر ذلك في حالاته ومحادثاته، وكانت آثار الخضوع وعلائم الخشوع تتجلى عند تشرّفه بزيارة إحدى العتبات المقدسة وتظهر على جميع جوارحه، وكان يؤكد على إقامة مجالس التعزية والسرور الخاصة بأهل البيت (عليهم السلام) ويدعمها معنوياً ومادياً ويقول: إن إقامة هذه المجالس والمناسبات من أظهر مصاديق تعظيم شعائر الله تعالى.
ومن يلاحظ مراسلاته يجد أنه يفتتحها بعد البسملة والتحميد بذكر الإمام صاحب الزمان والدعاء له وطلب مرضاته وتوفيقه، وقد اشتهرت صورة اللوحة المعلقة خلف مكان جلوسه والمكتوب عليها: ( يا صاحب العصر والزمان) وتحتها بيت من الشعر باللغة الفارسية ترجمته: كتبت اسمك الميمون ما فوق هامتي — دليل فدا رأسي لأقدامك الطهر
وفي بداية رسالته العملية العربية المختصرة (منهاج الأحكام) كتب (قدس سره): بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين وعجّل فرجهم بظهور إمامنا المهدي أرواحنا فداه، وبعد: فالعمل بهذه الرسالة مجزٍ ومبرئ للذمة إن شاء الله تعالى).
وقال في آخرها: (وليكن هذا آخر ما ساعدنا التوفيق لذكره في هذه الرسالة ونختمها بالحمد لله رب العالمين والصلاة على النبي الأكرم وآله الأئمة الطاهرين ونتوسل بالإمام الثاني عشر المهدي المنتظر صلواته تعالى عليه في أن يتصدّق علينا بالقبول).
كما مرّت نصيحته لحفيده السيد علي وكان فيها التأكيد على التوسّل بالإمام الحجة(عليه السلام).
والخلاصة: أنه “قدس سره” كان هائماً وذائباً في حب مواليه (عليهم السلام) ومستذكراً لهم دائماً سيّما إمام زمانه (عليه السلام) ونكتفي بهذه الشواهد على جانب الولاء من حياته الشريفة وسيأتي في كلماته ما يفيد أيضاً.
كراماته:
من ذلك ما حصل لسماحة الفقيه الجليل آية الله الشيخ مرتضى الحائري (قدس سره) نجل مؤسس الحوزة العلمية في قم آية الله العظمى الشيخ عبد الكريم الحائري(قدس سره) ، لقد كان الشيخ مرتضى مصاهراً للسيد الحجة الكوهكمري (قدس سره) ولما توفي السيد الكوهكمري انتقلت نصف النسخة الخطية من كتاب وسائل الشيعة إلى ابنته زوجة الشيخ الحائري، فطلبت من زوجها أن يبيعها، وكان أفضل مكان لهذه النسخة الثمينة هو مكتبة حرم الإمام الرضا(عليه السلام)، فذهب لمشهد وباع النسخة، إلا أن النقود قد صُرفت بكاملها في تلك السفرة، فتوجه الشيخ الحائري إلى الإمام الرضا(عليه السلام) وعرض حاجته وعاد لبيته مستعداً للعودة لقم المقدسة.
وفي يوم السفر وبينما كان الشيخ الحائري في محطة القطار مستعداً للسفر أرسل السيد الميلاني(قدس سره) ابنه السيد محمد علي ومعه ظرف إلى الشيخ الحائري، فلّما فتحه وجد فيه مبلغاً من المال ومعه ورقة صغيرة مكتوب فيها: ( هذا المبلغ ليس لي وإنما هو للإمام (عليه السلام) وقد أُمرت بإيصاله لكم)، وتعجّب الشيخ الحائري حيث كان المبلغ الموجود نفس مقدار المبلغ الذي باع به كتاب الوسائل!
قالوا فيه:
*قال المرجع الكبير آية الله العظمى الشيخ الوحيد الخراساني دام ظله: إن مقام السيد لم يُعرف وفي عقيدتي أن مقام ثبوته أكبر من مقام إثباته من جميع الجهات.
وقال أيضاً: تمام أفكار المحقق النائيني وتمام أنظار المحقق الأصفهاني في يد السيد الميلاني، وهذه الميزة يعرفها أهلها.
قال تلميذه المبرّز سماحة آية الله السيد حسين الشمس الخراساني (قدس سره) : لقد كان للسيد الأستاذ الميلاني شخصية قوية وحصيفة ومؤدبة، وكان كتوماً قليل الكلام فطناً، ويتمتع بذهنية ثاقبة وتشخيص صائب ودقيق للأمور، وكان بحثه متصفاً بالدقة والعمق،
فقد كان دقيقاً في الفقه والاصُول، وكان أكثر تعرّضه لأقوال الشيخ الأصفهاني والميرزا النائيني، فقد كانت أنظارهما محور البحث في درسه سيّما الشيخ الأصفهاني، حيث كان السيد معتمداً لديه وكان أكثر قدرة على فهم آرائه وبيانها، وكان هذا الأمر مشهوداً له، وكان يجلّه عند ذكره إجلالا كبيراً.
*قال الشيخ محمد هادي الأميني في معجمه: فقيه أصولي كبير، ومجتهد محقق بارع، وزعيم ديني خبير، ومن أئمة التقليد والفتيا وأساتذة الفقه والأصول والحكمة الإلهية والتفسير والبيان.
مرجعيته:
تصدى للمرجعية بعد مدة من رحيل المرجع الكبير المقدّس السيد حسين الطباطبائي القمي (قدس سره) وطُبعت رسالته العملية “نخبة المسائل” في النجف الأشرف سنة 1370 هـ، وتوسّعت مرجعيته بعد رحيل مرجع الطائفة السيد البروجردي (قدس سره) سنة 1380 هـ حيث أرجع له في التقليد جملة من الفقهاء والعلماء كالسيد العلّامة الطباطبائي والشيخ بهجت (قدس سرهما)، وبعد رحيل المرجع الأعلى السيد الحكيم (قدس سره) سنة 1390هـ اتسعت مرجعيته بشكل أكبر خصوصاً في إيران.
إنجازاته(2)
للسيد الميلاني إنجازات كثيرة، منها:
1ـ تأسيس أربع مدارس دينية في مدينة مشهد المقدّسة
2ـ بناء المدرسة المنتظرية (الحقّاني) في قم المقدّسة
3ـ إرسال المبلّغين إلى مناطق البلاد المختلفة لإرشاد الناس إلى الأحكام الشرعية
4ـ ترميم العديد من المدارس الدينية في مختلف أنحاء إيران
5ـ المساهمة في بناء الكثير من المدارس الدينية والمشاريع الخيرية في مختلف أنحاء إيران
6ـ بناء العديد من المساجد والحمّامات في القرى والأرياف
7ـ دعم وإسناد المبلّغين والكُتّاب الإسلاميين المقيمين خارج إيران، خاصّة المتواجدين في أوربا
8ـ إنجاز المراحل الأخيرة من بناء مسجد هامبورغ في ألمانيا، الذي أمر ببنائه السيّد حسين الطباطبائي البروجردي
نشاطه السياسي(3)
كان الميلاني من العلماء البارزين الذين أخذوا على عاتقهم مهمّة التصدّي لممارسات الشاه التعسّفية، وعلى الأخصّ عندما قام مجلس الأُمّة الشاهنشاهي بالتصويت على قانون الانتخابات العامّة والمحلّية، ذلك القانون الجائر الذي تصدّى له علماء الدين، ومنهم السيّد الميلاني، الذي أرسل برقية شديدة اللهجة إلى رئيس الوزراء آنذاك، وحذّره فيها من عواقب إصدار هذه اللّائحة القانونية.
ويمكن ايجاز مواقفه الأخرى بما يأتي:
1 ـ قام بكتابة رسالة إلى العلماء بمناسبة الحوادث المؤلمة التي جرت في المدرسة الفيضية بقم المقدسة، والتي قُتل وجرح فيها كثير من طلبة العلوم الدينية.
2 ـ بتاريخ 2 / 5 / 1342 هـ ش ( 1963 م ) أصدر بياناً إلى أبناء الشعب كافة، استنكر فيه إعتقال الإمام الخميني، وفضح فيه المواقف الخيانية للنظام الملكي.
3 ـ وفي رده على إستفسارات المواطنين حول المشاركة بإنتخابات الدورة الحادية والعشرين لمجلس الأمة آنذاك، أجاب قائلاً: المشاركة في الأنتخابات حرام، ومعارضتها واجب شرعي.
4 ـ بعد أن ضيّق عليه النظام ووضعه تحت الإقامة الجبرية في طهران بسبب مواقفه المتصلبة أُجبر على ترك العاصمة والرجوع إلى مدينة مشهد المقدسة، وبعد رجوعه أصدر بياناً تحدث فيه عن الممارسات اللإنسانية للنظام ضد علماء الدين.
من كلماته:
*إنّ المرآة أينما وُجّهت انعكس فيها ما واجهها، وقلب الإنسان كالمرآة، فإن توجّه إلى عالم الغيب ارتسم فيه عالم الغيب، وإنّ توجّه إلى عالم المادة ارتسم فيه عالم المادة.
وأيضاً المرآة أينما وُجّهت كان ظهرها إلى الطرف الأخر بالضرورة، فلا تحكي منه شيئاً، وكذلك قلب الإنسان فإن تولّيه لأحد يلازم تبرؤه من عدوّه، وعلى هذا يكون بين الموالاة لأئمة الهدى (عليهم السلام) وبين البراءة من أعدائهم لعنهم الله ملازمة.
*إن الموجودات بأسرها أسماء للباري بذواتها حقيقةً؛ لأن الاسم عبارة عن “ما ينبئ عن المسمى”، والموجودات تنبئ عن الباري بذواتها.
إلا أن الأسماء الحسنى –الناشئة من الصفات الجمالية والكمالية للباري عزّ وجلّ – منحصرة في محمد وآل محمد عليهم الصلاة والسلام، فإنهم قالوا: “نحن أسماء الله الحسنى” ومن قولهم هذا يُعلم أن الطريق إلى معرفة الله سبحانه منحصر بمعرفتهم؛ إذ كما نعرف الشخص الذي لم نره باسمه وصفته الخاصة كذلك الباري جلّ وعلا، فإنه وإن كان لا يُعرف بذاته وكنهه إلا أنه يمكن حصول معرفةٍ به عن طريق معرفة أسمائه الحسنى وهم محمد وآل محمد (عليهم السلام) ولذا قالوا: “بنا عُرف الله” وقالوا: “لولانا ما عُرف الله”. ولا ريب في أنه كما لا نعرف من لم نره ولم نسمع باسمه ووصفه فكذلك لولاهم لما عُرف الله.
مما ذكرناه يتضح أن كل من لم يوالي محمداً وآل محمد (عليهم السلام) فهو غير عارف بالله وغير مؤمن به؛ لأن الطريق إلى معرفة الله منحصرة بمعرفة الأئمة المعصومين (عليهم السلام) وكيف يؤمن بالله من لا معرفة له به؟! بل إنّ ما يدعيه من الإيمان ليس إلا وهماً.
وعلى هذا فالعبادة بلا ولاية ليست عبادة لله، بل هي عبادة لأمر موهوم؛ إذ لا يمكن عبادة ربّ لا معرفة له به، وقد عرفت أنه لا سبيل إلى معرفته إلا عن معرفة صفاته وأسمائه الحسنى؛ إذ الذي لم نشاهده بالعيان نعرفه في الجملة باسمه وصفته، وإلا كان مجهولاً مطلقاً، والتوجه إلى المجهول المطلق والعبادة له محالٌ.
والحاصل مما تقدّم: أنه لما كان محمد وآل محمد (عليهم السلام)أسماء الله الحسنى كانت العبادة لله بدون ولايتهم هباءً منثوراً، فبولايتهم تُقبل الطاعة المفترضة وولايتهم أساس الإسلام.
أولاده:
تزوج السيد الميلاني من ابنة خاله سماحة آية الله العظمى الشيخ عبد الله المامقاني (قدس سره) وقد أنجب منها ابنةً وولدين وهما السيد نور الدين والسيد عباس، وتزوّج بزوجة أخرى هي بنت آية الله السيد حسن الجزائري التستري (قدس سره) ورزق منها ولداً واحداً وهو السيد محمد علي.
وفاته:
أصيب السيد الميلاني بسرطان الكبد والمعدة، وظلّ يعاني الألم من هذا المرض العضال صابراً محتسباً، إلى أن انتقل إلى رحمة الله تعالى يوم الجمعة 30 شهر رجب المرجب من عام 1395هـ في مدينة مشهد المقدسة،
ولما انتشر نبأ وفاته عمّ الحزن والأسى هذه المدينة المقدسة، وصدرت بيانات التأبين من المراجع العظام والعلماء والشخصيات، وهبّ الناس للمشاركة في تشييعه، وأقيمت عليه صلاة الميت بإمامة ولده السيد نور الدين، ثم دُفن على بعد أمتار من المرقد الشريف للإمام الرؤوف علي بن موسى الرضا (عليه السلام)
وكتب: محمد جعفر الزاكي في جمادى الأولى 1438 هـ وصححتها وأضفت عليها يوم الخميس 29 رجب 1443 هـ
تمت الاستفادة الكبيرة من كتاب علم وجهاد وهو للمرحوم السيد محمد علي الميلاني نجل السيد الميلاني، ومما كتبه السيد فاضل الميلاني دام مجده في مقدمة كتاب الزكاة.
الهوامش
1- موقع ويكي شيعة
2- موقع ويكي شيعة
3- موقع ويكي شيعة
الشبكة أضافت على الترجمة المكتوبة بعض الفقرات التي لم يذكرها الكاتب فالافضل الاشارة الى تلك المواضع وانها زيادة من الشبكة.
السلام عليكم
نعم أشرنا في نهاية الخبر
شكرا لكم