خاص الاجتهاد: نصّ المادة 110 من الدستور الإيراني على أن توقيع مرسوم تنصيب رئيس الجمهورية المنتخب يعد من صلاحيات القائد الأعلى للثورة. ويُطلق على هذه العملية في الدستور الإيراني اسم “التنفيذ”.
ورغم أن مصطلح “التنفيذ” له جذور فقهية عميقة، إلا أنه دخل إلى المصطلح القانوني الإيراني بعد الثورة الإسلامية.
لهذا السبب، يثير هذا المصطلح العديد من الأسئلة القانونية الهامة.
بعد عرض موجز لمفهوم وطبيعة “التنفيذ” من الناحية القانونية، سنقوم بتحليل أهم الأسئلة المتعلقة به من منظور الدستور الإيراني
١. مفهوم التنفيذ وطبيعة
التنفيذ (Validation) في الفقه والقانون الخاص يعني “إضفاء الصفة القانونية على عمل قانوني قابل للإبطال”.¹ بمعنى آخر، التنفيذ هو إجراء يتيح للشخص التنازل في إبطال عمل قانوني. ولذلك يطلق على عمل التنفيذ أيضاً تسمية التأييد أو التصديق.
ومن الواضح أن العمل القانوني القابل للإبطال يختلف عن العمل الباطل. وتوضح تطبيقات هذا المصطلح في القانون الخاص هذا المعنى جيداً. مثل تنفيذ العقد الفضولي من قبل المالك²، وتنفيذ الوصية التي تجاوزت الثلث من تركة المتوفى من قبل الورثة.³ ويبدو أن تنفيذ الحكم، كما يستخدمه الفقهاء، يندرج تحت هذا السياق أيضاً.
“في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، يتم التوفيق بشكل متناغم بين “انتخاب الشعب” و “تعيين الولي الفقيه”، حيث يقوم القائد الأعلى بتعيين الشخص الذي حاز على قبول الشعب وقاعدة اجتماعية واسعة من خلال الانتخابات لرئاسة الجمهورية. وبالتالي، فإن الرئيس المنتخب الذي يحظى بموافقة الولي الفقيه يتمتع بمشروعية “دينية” و”سياسية”
إن تنفيذ حكم الرئاسة من قبل القائد هو في الحقيقة إضفاء الشرعية على رئاسته للسلطة التنفيذية.
يتخذ رئيس الجمهورية بصفته رئيسًا للسلطة التنفيذية قرارات ويقوم بإجراءات تدخل في صميم ولاية الفقيه.”
“إن قرارات الرئيس أو إجراءاته بصفته رئيسًا للسلطة التنفيذية، من حيث الجوهر، أمور تحتاج إلى تفويض ولا يمكن تنفيذها إلا بإذن مسبق أو لاحق من ولي الأمر للمسلمين، وإلا كانت فاقدة للشرعية القانونية. ولا توجد قرينة صريحة في الدستور تبين ما إذا كانت عملية التنفيذ هي نوع من “التوكيل” أم “التفويض”.
هناك فرق بين التوكيل والتفويض من ناحية المفهوم، فالوكيل يعمل بإرادة الموكل ونيابة عنه، بينما يعمل المفوَّض إليه بإرادته الخاصة. يمكن عزل الوكيل، بينما لا يمكن عزل المفوَّض إليه. يبقى حق الموكل في موضوع التوكيل، بينما يفقد الشخص حقه عندما يفوض حقًا لغيره.
قد يُعتبر الجزء الأخير من المادة 110 من الدستور دليلاً على أن تنفيذ حكم رئيس الجمهورية هو تفويض. حيث ينص الجزء الأخير من المادة 110 على أن: “للقائد أن يفوض بعض وظائفه وصلاحياته لشخص آخر”.
ولكن من غير المحتمل أن يكون مجلس صياغة الدستور قد قصد المعنى الخاص لكلمة “تنفيذ” ولوازمها في النص السابق. ويبدو أن التنفيذ هو في جوهره توكيل.
٢. فلسفة تنفيذ حكم الرئاسة
السؤال المهم الأول الذي يطرح نفسه في بحث تنفيذ حكم الرئاسة هو: ما هي فلسفة تنفيذ حكم الرئاسة؟ وبعد انتخاب الرئيس من قبل الشعب، ما هي الحاجة إلى التأييد من قبل القائد الأعلى؟
يجدر الإشارة، استنادًا إلى نظرية ولاية الفقيه، أنه في عصر غيبة الإمام المعصوم عليه السلام، تكون الرئاسة العامة وولاية الأمر منوطتين بالفقيه العادل الكامل ذي الكفاءة، وتعتبر ولاية غيره طاغوتية. وقد سبق تفصيل مباني هذه النظرية في مكان آخر، ولا يتسع المجال هنا للدخول في هذا النقاش.٤
بناءً على هذه النظرية، تكون زمام أمور المجتمع بيد الفقيه، وتكتسب ولاة الحكومة مشروعيتها بإذنه. ومن ناحية أخرى، فإن الشؤون التنفيذية للمجتمع تعد من صميم ولاية الفقيه، ولهذا السبب يجب أن يكون رئيس السلطة التنفيذية معينًا أو مأذونًا من قبله، وإلا كان فاقدًا للمشروعية.
لقد أكد الإمام الخميني (ره) مرارًا وتكرارًا على ضرورة تعيين الرئيس من قبل ولي الفقيه، وكمثال على ذلك، فقد صرح في خطاب ألقاه على أعضاء مجلس الخبراء في 12 أكتوبر 1979م، بأهمية ولاية الفقيه بشكل خاص:
تقع مسؤولية التصديق النهائي على حكم رئاسة الجمهورية على عاتق ولي الفقيه ثبوتا. من المنطقي أن يرفض ولي الفقيه التصديق على فوز مرشح لا يستوفي الشروط المطلوبة، خاصة إذا ثبت أنه تمكن من الوصول إلى هذه المرحلة عن طريق خداع الجهة المسؤولة عن الرقابة. ومع ذلك، فإن احتمال وقوع مثل هذا الأمر يعد ضئيلًا جدًا وغير مرجح.
إذا لم يعين الفقيه رئيس الجمهورية، فإن هذا التعيين يكون غير مشروع. وعندما يكون التعيين غير مشروع، فإن الحاكم يكون طاغوتًا، وطاعة الطاغوت هي معصية. والدخول في دائرة حكمه هو دخول في دائرة الطاغوت. ولا يزول الطاغوت إلا بتعيين شخص من قبل الله تعالى.
٣. الصلة بين التنفيذ والتنصيب
في كل المراسيم التي صدرت عن الإمام الخميني أو الإمام الخامنئي التنفيذ لرؤساء الجمهورية في إيران، نلاحظ أن عبارة “تنفيذ اختيار ورأي الشعب” تأتي قبل عبارة “تعيين في منصب الرئاسة”.
في وثيقة تنفيذ الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) للسيد بني صدر رئيسًا للجمهورية، ورد النص التالي: “أنا، بموجب هذا الحكم، أنفّذ رأي وانتخاب الشعب وأعين السيد بني صدر في هذا المنصب”. وبالمثل، في وثيقة تنفيذ الإمام السيد الخامنئي للشيخ هاشمي الرفسنجاني، ورد نص مشابه: “أنا… أنفذ رأي الشعب وأعين السيد هاشمي الرفسنجاني رئيسًا للجمهورية الإسلامية الإيرانية”. وتتكرر عبارات مماثلة في وثائق تنصيب الرؤساء الآخرين.
اللغة الأدبية المستخدمة في الوثائق التنفيذية تظهر صلة وثيقة بين انتخاب الرئيس من قبل الشعب وتعيينه من قبل القائد الأعلى، وتقدم إجابة واضحة لمن يرون أن تعيين الرئيس من قبل القائد الأعلى يتعارض مع مبدأ السيادة الوطنية.٦
في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، يتم التوفيق بشكل جميل بين “انتخاب الشعب” و “تعيين الولي الفقيه”، حيث يعين القائد الأعلى شخصًا للرئاسة يتمتع بشعبية وقاعدة اجتماعية اكتسبها مسبقًا من خلال الانتخابات. وبالتالي، فإن الرئيس المنتخب الذي يحظى بموافقة الولي الفقيه يتمتع بمشروعية “دينية” و”سياسية”
4. أسباب اعتبار توقيع مرسوم الرئاسة تنفيذًا
لا يوجد مصطلح “تنفيذ” صريح في دستور جمهورية إيران الإسلامية. ما ورد في هذا الشأن هو عبارة “توقيع مرسوم الرئاسة” في البند التاسع من المادة 110 من الدستور، ضمن صلاحيات واختصاصات القائد الأعلى. ولسلسلة من الأسباب التي سيتم ذكرها لاحقًا، فإن توقيع مرسوم الرئاسة في إيران يعتبر تنفيذًا.
١) محاضر جلسات مجلس الخبراء: يتضح من أقوال بعض أعضاء مجلس الخبراء الذي قام بـمراجعة الدستور النهائي لجمهورية إيران الإسلامية أنهم كانوا يرون في توقيع المرشد الأعلى وظيفة لإضفاء الشرعية.
يقول السيد فاتحي، أحد أعضاء المجلس، خلال مناقشة مسودة المادة 110 من الدستور: “لم يتضح لي ما إذا كان توقيع مرسوم تولي منصب الرئاسة إجراءً شكليًا محضًا، أو ما هي التداعيات في حال عدم التوقيع؟
رداً على ذلك، قال نائب رئيس المجلس، آية الله الشهيد بهشتي: “لا يا سيدي، هذا يكون تنفيذاً”.٧
وقبل هذه التصريحات، كان آية الله منتظري قد تحدث عن العلاقة بين الإسلام والجمهورية في نظام الجمهورية الإسلامية، قائلاً:
“إذا انتخب الشعب رئيساً، حتى لو صوت له جميع المواطنين، ولكن الفقيه والمجتهد لم يوافق على توليه الرئاسة، فإن هذا الأمر لا يمثل أي ضمانة قانونية بالنسبة لي، بل يقودنا إلى نوع من الأنظمة الاستبدادية.٨
“كما يتضح من خلال المباحثات، كان الاعتماد والابتناء على موافقة القائد الأعلى لشرعية الرئاسة أمراً مقبولاً، وكان النقاش يدور حول كيفية صياغة النص القانوني بما يتوافق مع مبدأ سيادة الشعب. ويدعم هذا الرأي اقتراح مجموعة من أعضاء المجلس بأن يقوم القائد الأعلى باختيار مجموعة من المؤهلين للرئاسة وعرضهم على الشعب للتصويت.
ولكن هذا الاقتراح لم يقبل خشية تقييد نطاق حق الاختيار الشعبي، وتم صياغة القانون بحيث يتسنى لكل من يرى في نفسه الكفاءة الترشح؛ ويتولى مجلس صيانة الدستور مهمة التحقق من توافر الشروط القانونية في المرشحين والإشراف على العملية الانتخابية؛ وفي النهاية يضفي القائد الأعلى الشرعية على الرئيس المنتخب بتوقيعه على الأمر الرئاسي
ينص قانون الانتخابات الرئاسية الإيراني (المصادق عليه في 5 أبريل 1985) على أن توقيع القائد الأعلى على مرسوم تولي الرئاسة أمرٌ لا بد منه لكي يكتسب المرسوم صفة التنفيذ.
تنص المادة الأولى من هذا القانون على ما يلي: “مدة رئاسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية أربع سنوات، وتبدأ من تاريخ تنفيذ وثيقة الاعتماد من قبل القائد الأعلى”.
وقد خضع هذا القانون لمراجعات وتعديلات عدة، إلا أن النص المذكور ظل دون تغيير في جميع التعديلات. وبالتالي، فإن التوقيع من قبل القائد الأعلى على قرار تعيين الرئيس يعتبر تنفيذاً للقانون من وجهة نظر المشرّع العادي.
٥ . الأساس القانوني لتنفيذ حكم رئيس الجمهورية”
“المقصود بالمكانة القانونية لتنفيذ حكم رئاسة الجمهورية هو تحديد ما إذا كان هذا التوقيع من قبل قائد الثورة يمثل إلزامًا قانونيًا يقع على عاتقه ضمن مهامه ومسؤولياته، أم أنه يعتبر من صلاحياته الاختيارية التي يمكن أن يمارسها أو يمتنع عنها؟” في الحالة الأخيرة، هل من حق القائد الأعلى أن يرفض تأييد قرار انتخاب رئيس الجمهورية بعد استكمال جميع الإجراءات القانونية؟”
“ينشأ هذا السؤال نظراً لصياغة نص المادة 110 من الدستور بعبارة “مهام صلاحيات القائد”، ثم ذكر مجموعة من الأمور في إحدى عشرة بنداً دون فصل واضح بين الواجبات والاختيارات. وبالتالي، لا يمكن استنباط مقصود المشرع من نص المادة 110 وحده.”
يتخذ رئيس الجمهورية بصفته رئيس السلطة التنفيذية قرارات ويقوم بإجراءات تدخل في صميم ولاية الفقيه، والتي تحتاج إلى “أذن مسبق” أو “إذن لاحق” من ولي الأمر للمسلمين، ولا تكتسب أي صفة قانونية بغير ذلك
في مجلس مراجعة القانون الأساسي لجمهورية إيران الإسلامية، تمّ التّركيز على المسألة المذكورة أعلاه، وقد طرح بعض النوّاب أسئلة حولها. من خلال سؤال آية الله مكارم الشيرازي وجواب نائب رئيس المجلس، آية الله الشهيد مرتضى مطهري، يتضح أن كليهما كانا يريان أن توقيع مرسوم تنصيب رئيس الجمهورية يعتبر من اختيارات مقام الولي الفقيه
قال آية الله مكارم الشيرازي: “…هل التوقيع من اختيارات القائد؟ لأن الجدل الذي دار صباح اليوم يفترض أنه إذا ثبت أهلية المرشح واختاره الشعب فإن القائد سيوقع بالتأكيد.١٠
قال الشهيد بهشتي، وهو يدير أرجاء الجلسة، مجيباً: “إن هذا النقاش يدور في الأساس حول وجود صفة “الاختيارات” في بعض البنود. بما أن كل ما ورد إنما هو من قبيل الواجبات والمهام، فإن حذف لفظ “الاختيارات” في النهاية لا يضرّ ولا يخلّ بمعنى النص.”١١
والجدير بالذكر أن امضاء أمر تنصيب رئيس الجمهورية يعدّ من صميم صلاحيات الولي الفقيه ثبوتا، وذلك استناداً إلى ما سبق ذكره من مباحث. ومن البديهي أنه إذا ثبت، فرضا، أن الشخص الذي فاز بالانتخابات يفتقر إلى الشروط المطلوبة، وأن ذلك التزوير قد تم بفعل من المؤسسة الرقابية، فإن الولي الفقيه له الحق في عدم تنفيذ الأمر. إلا أن هذا الاحتمال يبقى بعيد المنال ويصعب تصوره.
لقد سبق وأن حظي مرشح الرئاسة بتأييد مجلس صيانة الدستور قبل إجراء الانتخابات، وذلك وفقاً للقانون المنظم لشروط الترشح.
علاوة على ذلك، فإن المجلس المذكور يتولى مراقبة سير العملية الانتخابية برمتها، ثم يصدر تأكيداً على صحة نتائجها. وفي ظل هذه الضمانات، فإن احتمال فوز مرشح لا يستوفي الشروط القانونية يعدّ أمراً بالغ الصعوبة.
وبالتالي، فإنه على الرغم من أن تنفيذ حكم الرئاسة يعد من صلاحيات القائد، إلا أن النظام القانوني قد صمم بحيث لا يترك مجالاً لتطبيق هذه الصلاحية. ومثال ذلك كمثل المسافر الذي إذا اختار الطريق الصحيح، فإنه سيصل إلى مقصده لا محالة.
بيد أنه من الممكن أن يرتكب رئيس الجمهورية، بعد تنصيبه وتولي مهام منصبه، مخالفات جسيمة تتنافى مع واجباته الدستورية والقانونية.
بقلم: حجة الإسلام والمسلمين فرج الله هدایت نیا، عضو الهيئة العلمية بالمعهد العالی للعلوم والثقافة الإسلامیة
– khamenei.ir
الهوامش
١. جمع من الباحثين، فرهنگ فقه مطابق مذهب أهل بيت عليهم السلام (الثقافة الفقهية وفق مذهب أهل البيت عليهم السلام)، الجزء الثاني، صفحة 643.
٢. يطلق العقد الفضولي بأنه عقد يتم في مال الغير بدون إذنه، ويشترط لصحة هذا العقد تصديق المالك أو إجازته، وإلا كان باطلاً قابلاً للإبطال.
٣. في الفقه الإسلامي، لا يصح الوصية بما زاد على الثلث إلا إذا صَدَّق الورثة على ما زاد.
٤. انظر: السيد روح الله الموسوي الخميني، ولايت فقيه، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني؛ عبد الله جوادي آملي، ولاية فقيه (ولايت فقاهت وعدالت)، مركز نشر أسراء.
٥. صحيفه الإمام، الجزء العاشر، صفحة 221.
٦. انظر: السيد محمد هاشمي، حقوق أساسي جمهوري اسلامي ايران(الحقوق الدستورية لجمهورية إيران الإسلامية)، مجمع التعليم العالي بقم، الطبعة الثانية، 1375، صفحة 93.
٧. (صورت مشروح مذاکرات مجلس بررسی نهائی قانون اساسی ج.ا. ایران، ج۲، ص١١٨٩) محاضر مجلس مراجعة الدستور النهائي لجمهورية إيران الإسلامية، الجزء الثاني، صفحة 1189.
٨. نفس المصدر، صفحة 1182.
٩.نفس المصدر.
١٠. (صورت مشروح مذاکرات مجلس بررسی نهائی قانون اساسی ج.ا. ایران، ج۲، ص١١٩١) محاضر مجلس مراجعة الدستور النهائي لجمهورية إيران الإسلامية، الجزء الثاني، صفحة 1191.
١١. نفس المصدر.