الشهيد الصدر

دراسة الهيكل الأصولي للشهيد الصدر.. معتقدات الشهيد الصدر هل هي نظرية أم مدرسة ؟

أحد المؤشرات بامتلاک الشهيد الصدر للمدرسة هو أنه في الوقت الذي کان الآخرون جمیعا مشغولین بمناقشة محتوى المواضيع ویتابعون التأملات الدقیقة وكانوا یحافظون علی النظم والترتيب التقلیدی ولا یهتمون بالتساؤلات حول الترتیب الموجود، ابرز الشهيد الصدر هيكلاً جديداً لعلم الأصول . بقلم الباحث الشيخ رضا اسلامي

خاص الاجتهاد: الشهيد الصدر و ان سلک فی دروسه العلیا التبویب الدارج فی الکفایة و لکن خلال مجموعة تسمی «بدروس فی علم الأصول» ظهر الترکیب المنشأ حدیثا من جانبه لاصول الفقه. سماحة الشیخ رضا اسلامی هو احد من هواة الشهيد الصدر علمیا و درّس حلقاته مرارا و لذلک نناقش معه فی هذه المذکرة الشفویة خصائص الترکیب الابداعی للشهید الصدر.

الشهيد الصدر في تمهید کتابه «حلقات الاصول» یبین سبب اختیاره لهیکل حدیث الانشاء من جانبه لعلم الأصول و تفوقه علی الهیاکل الاخری و منها الهيكل المختار من جانب الآخوند الراحل. و هو یعتبر عدم تعرف الطالب بأنظار الشيخ النائینی و الشيخ الاصفهانی من اهم المشاکل للکتب الدارجه قبل الحلقات، و لذلک اذا هو یدرس فی المرحلة العلیا من دروس الاصول، ففجاة یواجه أنظارهم بینما لم یتعرف بها قبل هذا ابدا.

و ثمة نقطة أخرى و هی تتمثل في عدم وجود الترتيب و التنظیم حسب الاسلوب التعلیمی، لأنه فی ترکیب تلک الکتب قد یوجد التقدم او التأخر فی المواضیع و البحوث بشكل غير لائق، احیانا یوجد تفريق المجمعات و تجمیع المختلفات.

مدرسة الشهيد الصدر

ما ذا يقصد عندما یقال الشهيد الصدر هو صاحب مدرسة؟ لان المفکّر بمجرد قیامه بمناقشات او اشکالات محددة او بمجرد قیامه بانجاز التعدیل او التکمیل فی انظار العلماء الماضین لا يعتبر صاحب مدرسة او صاحب نظریة؛ بل یلزم وصول جهودهم العلمية الی حد مقبول من التغیير و التحول حتی یعبر عنهم بصاحب مدرسة و إلّا کل عالم یخدم العلم بنحو ما، و بطبيعة الحال، ينبغي تقييم هذه الخدمات.

 يجب علی العالم الذی یعتبر صاحب مدرسة أن يُطوِّر المحاور الرئيسة للعلوم و يُحوِّل مسار العلم، و لا ينبغي أن يطلق صاحب مدرسة بلا قید و شرط على اي عالم نُحِبُّه و نقول أنها تمتلك مدرسة، و لكن نظرا الی عدة معاییر نعتبر الشهيد الصدر صاحب مدرسة اصولية.

احد المؤشرات بامتلاک الشهيد الصدر للمدرسة هو أنه في الوقت الذي کان الآخرون جمیعا مشغولین بمناقشة محتوى المواضيع و یتابعون التأملات الدقیقة و كانوا یحافظون علی النظم و الترتيب التقلیدی و لا یهتمون بالتساؤلات حول الترتیب الموجود، ابرز الشهيد الصدر هيكلا جديدا لعلم الاصول.

وبطبيعة الحال، ینبغی لصاحب المدرسة ان یحدث تغییرا ضخما و دورا هاما فی مجال تطور علم الأصول و یبرز اقتراحات هامة و مستخدمة الی حد یمکن ان یقال انه غیّر علم الاصول. لا يعني أنه يحدث تغييرا منفصلا بتمامه من السابق. و من المؤكد أن تطور العلم كان تدريجيا، و لا يمكننا أن نقدم هيكلا لا يشابه هيكله السابق تماما.

و عادة ما أي شخص یقوم بالابداع و هو يشارك 80٪ أو 90٪ مع الآخرين. و لذلک جمیع ابداعات صاحب مدرسة علی اقصی تقدیر یحدد 15./. او 20./. و لا یتوقع ان یحدث امرا عجیبا لان التکامل فی العلوم یقع بالتدريج.

الهیکل المقترح من جانب الشهيد الصدر في علم الاصول:

لعلم الاصول في شكله المعروف هیکل خماسی الأبعاد:

  1. مباحث الالفاظ
  2. مباحث الأدلة العقلية
  3. مباحث الحجج

4 – مباحث الاصول العملیة

5 – مباحث تعارض الادلة

و السؤال حالیا هو اي شيء فعله الشهيد الصدر لعلم الاصول؟

الشهيد الصدر في نفس الوقت الذي عدّل فيه الهیکل العام لعلم الاصول، قد قام بتغییر ترتیب بعض المباحث فی داخل كل قسم، مما يعني أنجز التأخير و التقدیم بشکل صحيح و لاحظ الترتیبات الطولیة بین المواضیع حيث اتخذ موقفا لبعض المواضيع خلال الهيكل. و في هذا الهيكل، اقترح بعض العناوین للمباحث التی لم تتم تسمیتها بعنوان خاص فی السابق؛ مثل عنوان “مسقطات الحكم” و عنوان ” تعارض الادلة”، الذي حل محل عنوان “التعادل و التراجیح”.

و يعتقد أنه يمكن تصميم نوعين للهيكل: تصميم تعلیمی على مستوى الدورة التی تقع قبل مستوی الخارج و تصميم تعليمي للدورة العلیا التی اشتهرت بالخارج و بالطبع، المتناسب مع دراسة الطلاب للاجتهاد و ادراکهم لمجموعة الأدلة.

كل علم يمكن أن يكون له هياكل متعددة، لأن البنية متلائمة للغرض و الحاجة. يمكنك الترتيب و ضبط العلم بطرق مختلفة. و بطبيعة الحال، ليس من المفترض “إعطاء تقدیم لما هو حقه التاخیر” و اعطاء تاخیر لما هو حقه التقدیم” و تنبغي ملاحظة هذه النقطة في الكتب المدرسية، و لكن التقدیم و التاخیر في الدراسة العلیا ليس من المتوقع على الإطلاق.

لأنه في الدروس العلیا يفترض أننا على دراية بالموضوعات فی المستوى المعتدل و مطابقا لما اشتهر. قد تتوقف المناقشة علی نقطة لم يتم تناولها من قبل الأستاذ، و لكن لدی الطالب یوجد منها التعرف اللازم مسبقا. الافتراض في الدرس الخارج هو أن هناك تصور للطالب من هذا الموضوع، و لكن ليس في مستوی السطح کذلک بل الانطباع الثاني هو یتوقف علي الانطباع الأول، بحيث يجب في كل مناقشة مراعاة التقديم او تاخیر المحتويات.

الحلقات بصفة کتاب دراسی هو نتاج مرحلتین من الدروس العلیا للشهيد الصدر. و يحكي إنه جمع تقریراته و تحریراته و بعد أن رأیها و فَکَّر فیها فقد قام بكتابة الحلقات.

مجموعة من الكتب مثل “معالم الاصول” أو “قوانین الاصول” أثارت مواضيع جيدة، و لكن الآن لا یحتاج إلى معالجتها و تکمیلها. لقد ابقت حلقات الشهید الصدر تاثیرها منذ أربعين عاما تقريبا. و بطبيعة الحال، في المستقبل، يمكن ظهور الكتب العلمية أكثرَ دقة. كما صفحنا عن عدة الاصول و معارج الاصول يمكننا أن نفترض أننا سوف نغیّر رأینا عن هذا الكتاب في المستقبل البعيد ایضا لأن كل كتاب اصولی ليس بوحي منزل و عادتا هو یكتب وفقا لاحتياجات اليوم.

لحلقات الشهيد الصدر أيضا توجد قضايا تحتاج إلى الاستعاضة عنها و تكييفها لاحتياجات اليوم، ولكن في الوضع الحالي، فهي أفضل إجابة لاحتياجاتنا العلمية على مستوى السطح.

هل كان لدى الشهيد أي ابداع؟

إن الذين قاموا بانتقاد الشهید الصدر، يقولون انه لم يكن صاحب مدرسة على الإطلاق، و لکنه أرجأ او قدّم فقط مناقشات السابقین و لم يكن لديه أي ابداع.

و ردا على ذلك، يجب أن يقال إنه من الضروري أولا تقديم تعريف للابداع و بعد هذا ایراد الملاحظات. هناك اختلاف فی معنی الابتکار والابداع و القاء النظریة. وفق اعتقادی لیس الابتکار و الابداع بمعنی خلق الموضوع من العدم؛ علی سبیل المثال حینما نقول البحث عن المصلحة السلوکیة او الحکومة و الورود یُعتبر من ابداعات الشیخ الانصاری (ره) فهل هو جاء بها من العدم؟ او ابرز رأیا حديثا یتحقق بالنظر الی مجموعة تراث السابقین؟

و المعيار الذي يعتني به المنتقدون و علی أساسه یحکمون بعدم الابداع من جانب الشهيد الصدر، لیس معیارا صحیحا. لأنه علي آساسه لم یتحقق ای ابداع في نطاق الحوزة ابدا، و إذا نقول الشهيد الصدر وفقا لهذه التغييرات التی نشاهد منه لم یکن صاحب المدرسة فلا یبقي احد نعتبره ذا مدرسة لانه يمكن العثور على آثار من الأعمال السابقة دائما في خلال عمل اللاحقین. المبتکر هو الذی یُعرّف العلاقة بشکل تنظیمی و الشامل مع التعرف علي المخصصات و المستثنیات ثم یبرزه بشکل المستجدات العلمیة و لیس الابتکار بمعنی رشح الفکری الخالص.

في بعض الأحيان یخطر امر ببال شخص ما و لكن إذا سألته: هل هذه النقطة هي توجد في جميع الحالات أو في بعض الحالات؟ ما هو معارضها؟ و ما هو یدعمها؟ لا یعرف شیئا منها. صاحب الرای فی الواقع هو رجل یدارس کل هذه الامور و یبرز ما خطر فی باله بشکل الاصل و القاعدة و یُعرّف لواحقه و آثاره و یبین تاثیره و له جهاز فکری و یعرف العلاقات جیدا و یحدَّد كل ما له تأثير عليه و كل ما يؤثر عليه.

و يمكن أن يقال فکرة «حق الطاعة» طرحت من قِبل السيد المحقق الداماد الراحل أو المحقق اللاري و ربما تكون قد أثيرت قبلهما، لان الأفكار دائما تتفاعل بعضها مع البعض. و كل من نعتبره مبتکرا و منظرا، فإنه يحدد الفكر باعتباره حزمة علمية، و يحدد العناصر التي تشكل هذا الفكر. فمثلا ما هي أساسيات هذه النظرية؟ و ما هی مقدمات هذه النظریة؟ و أين يتم تنفيذ هذه النظرية؟ او ما هو نطاقها و تاثیرها؟ ثم يتم تأسيس النظرية.

لذلك، يجب أن یعد الشهيد الصدر صاحب مدرسة اصولیة. انا قمت بتفاصیل هذا الموضوع و المؤشرات اللازمة لاثبات مدرسته الاصولیة خلال مقال سمیته « المدرسة الأصولية للشهيد الصدر» طبع فی مجلة تسمی« الدراسة و الحوزة» قبل سنوات.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky