الشيهد مرتضى مطهري

خصائص شخصية الشهید مرتضى مطهري العلمية

الاجتهاد: كان لمطهري طريقة فريدة في القراءة والدرس، ونهج خاص لم يَحِد عنه إلى آخر أيامه، فهو لم يكن ينتقل من كتاب يُطالعه إلى كتاب آخر حتى تستقر في وعيه جملة قضاياه ومسائله، ويحفظ جماع مضامينه، حتى لو استدعاه ذلك أن يقرأه مرات كثيرة، ثم يضع ملاحظاته عليه ومناقشاته له في بطاقات خاصة ويحفظها لوقت الحاجة.

تحلّى آية الله الشهيد مرتضى مطهري بجملة كبيرة من الخصال العلمية التي تميزت بها شخصيته، وقد تجلت في نتاجه العلمي وفي تدريسه وفي خطابه، وفي تجربة نضاله على حد سواء، منها :

– إيمانه العميق بما كان يدعو إليه ويُنظر له ويُجاهد من أجله، من المبادئ والمفاهيم والرؤى وصدق إخلاصه لمواقفه، وثباته على قناعاته من غير تعصب أو تزمت أو تقوقع.

– دقّة منهجه في التفكير، وعُمق طريقته في معالجة المشكلات. فهو كان يعرض للمسائل التي تشغل فكره عرضاً تفصيلياً، موضحاً تاريخها، واصفاً إيَّاها وصفاً دقيقاً وموضوعياً، رابطاً بين القضايا ربطاً منطقياً مُحكماً، مستنبطاً النتائج برؤية وحُسن تقدير، مع قدرة مشهودة على التحليل والتفسير والشرح.

كان مُطَهِّري يتمتع بعقل مُتجاوز يرفض التقليد الأعمى للأفكار حتى لو كانت راسخة ثابتة شائعة ومنتشرة ويلجأ إلى النقد الواعي والتمحيص المتبصر لكل ما يقع عليه فكره منها، من غير أن يقع تحت سلطانها أو يأسره بريقها، أو يطغى عليه تماسك منطقها. وهو لم يكن يقبل رأياً أو يرفضه إلا بحُجّة واضحة تؤكده أو برهان جلي يُعضده ويُؤيده (1).

كما كان لمطهري طريقة فريدة في القراءة والدرس، ونهج خاص لم يَحِد عنه إلى آخر أيامه، فهو لم يكن ينتقل من كتاب يُطالعه إلى كتاب آخر حتى تستقر في وعيه جملة قضاياه ومسائله، ويحفظ جماع مضامينه، حتى لو استدعاه ذلك أن يقرأه مرات كثيرة، ثم يضع ملاحظاته عليه ومناقشاته له في بطاقات خاصة ويحفظها لوقت الحاجة.

ثم إذا ما انتهى منه انشغل بكتاب آخر في موضوعه، أو قريب منه: توسعاً منه في الإطلاع على الموضوع نفسه في أكثر من كتاب. ويكرر سيرته هذه مع الكتاب الجديد من غير تغيير. وهو إنَّما كان يفعل ذلك لقناعته بأن العقل كالمكتبة ينبغي أن ترتب الكتب فيها حسب الموضوعات ليسهل الرجوع إليها عند الحاجة، فلا يختلط فيها موضوع بآخر، فيصعب عندها استجماع الموضوعات والانتفاع منها بسهولة ويسر.

ومثل هذه الطريقة في القراءة سمحت لمطهري أن يُوسع من ثقافته ومن معارفه، وأن ينتفع منها كأفضل ما يكون الانتفاع (2)

والملفت في نتاجه أنه كان يُعالج فيه من الموضوعات ما تمس إليه الحاجة ويتصل بالمجتمع وحركة الناس وبالمشكلات التي يضطرب بها الواقع، فيختار الأهم منها ثم المُهم. ولقد كان يرى في الانشغال بالموضوعات الأكاديمية البحتة التي لا تتصل بالواقع ولا تعالج مشاكله ترفاً فكرياً، يقل نفعه وتنتفي فائدته (3).

وقد كان يُعيد النظر في ما يكتب ويحذف أو يزيد حسب الحاجة، ويعرض كل ذلك على طلابه أو زملائه أو أصدقائه لينظروا فيه، ويضعوا ملاحظاتهم عليه، قبل أن يدفع به إلى المطبعة أو ينشره في الناس، ولم يكن يجد حرجاً في التراجع عن فكرة يظهر له خطؤها، أو يتبين تهافتها، أو يتضح خواؤُها، في تواضع مُلفت وأدب جَمْ.

تدريسه

أما في تدريسه ومحاضراته وخطاباته فلقد كان يملك لغة واضحة سهلة يسيرة، وقدرة فائقة على التبسيط وانسياباً جذاباً يأخذ بالقلوب والعقول، حتى إنَّ أشد الموضوعات صعوبة وتعقيداً كانت تجد في قلمه أو لسانه الوسيلة التي تجعلها أقرب إلى التناول والفهم، وتُيسرها للاستيعاب بلا عناء ولا تكلف جُهد، وهي خاصية عند مُطَهَّري لا تكشف فقط عن قدرات لغوية وتعليمية توصيلية، بل كذلك عن استيعاب شامل للأفكار التي ينشغل بشرحها وتدريسها، أو للموضوعات التي يحاضر حولها، وعن وضوح للمفاهيم يجعلها طيّعة بين يديه يُجريها كيفما يشاء ويتصرف بها حيث يهوى ويرغب (4).

ولقد كان مطهري شديد الإيمان بحرية الفكر، وبحرية التعبير والرأي، ولم يكن ذلك عنده مجرد إيمان، لا يجد طريقه إلى التطبيق ولا تُجسّده الممارسة، بل إيماناً مقروناً بعمل، واعتقاداً تؤكده الممارسة.

ولقد كان يؤكّد على الدوام على حق كل شخص في أن يُعلن عما يراه بلا خوف أو اضطهاد أو خشية قمع… وأن الإسلام يضمن حرية الفكر وحرية القول في سلامة نية وصدق قصد، ومن غير خداع أو تضليل (5)، مفترضاً أنَّ ذلك هو أفضل سبيل لمواجهة الآراء الأخرى، لأنَّ القمع والتسلط لا يُولّدان إلا الهزيمة والانكسار (6)، ولأنَّ المحافظة على تصورات الإسلام ومعتقداته إنَّما تتم من خلال العلم القائم على المنطق والعقل والإقناع والحجة في مواجهة ما يبثه الآخرون من معتقدات ويعلنونه من آراء، لا بالحجر على الأفكار وإقصاء أصحابها والتنكيل بهم (7).

ومن خصائصه أنَّه وازن بين مُقتضيات العقل في شخصيته ومقتضيات الروح، فلم يشغله اهتمامه بالمعرفة والعلوم والثقافة، واحترافه لمعالجة الأفكار والآراء، وتبحره على مشكلات، الفكر عن الاهتمام بالعبادة وتهذيب الذات وترويض النفس وتنمية الجوانب المعنوية عنده.

ولقد كان يُعرف عنه انشغاله الدائم بتلاوة القرآن والدعاء، والتزامه الصارم بالعبادة بما تعنيه العبادة من التزام ومسؤولية وبما تُجسده من مضامين إنسانية عميقة، ودلالات روحية. كل تلك الخصائص، وبعض آخر لم نذكره، كانت خصائص مطهري المفكّر والمناضل، التي جعلت من شخصيته شخصية فريدة في عطائها وفي نضالها، في قناعاتها وفي تجربة سلوكها، في مواقفها وفي ما رسمته لحياتها من أهداف وطموحات ومقاصد.

 

الهوامش

(1) مجموعة من الباحثين، جولة في حياة الشهيد مطهري، ص 256 .
(2) المصدر نفسه، ص 180 و 257.
(3) المصدر نفسه، ص 258. وانظر مجموعة من الباحثين مطهري العبقري الرسالي، مصدر سابق، ص 17 – 18 .
(4) مجموعة من الباحثين، مظهري العبقري الرسالي، مصدر سابق، ص 180 .
5) مطهري، مقالات حول الثورة الإسلامية،ترجمة: محمد جواد المهري، طهران: مركز إعلام الثورة، 1402هـ، ص 12.
6) المصدر نفسه، ص 49.
7) المصدر نفسه، ص 16؛ ويقارن: مجموعة من الباحثين، مطهري العبقري الرسالي،مصدر سابق، ص 18. 

 

المصدر: الصفحة ال103 من كتاب مرتضى مطهري الإشكالية الإصلاحية وتجديد الفكر الإسلامي – بقلم خنجر حميّة  (من منشورات مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky