تعود سنّة تقرير الدروس _ وإن كانت تحصل تحت عناوين أخرى_ إلى القرن الخامس، أمّا المتعارف عليه اليوم من “تقريرات” فيرجع على أقل تقدير إلى درس السيد مهدي بحر العلوم، فقد دوّن السيد محمد جواد العاملي؛ صاحب مفتاح الكرامة بقلمه جزءً من درسه في بحث الطهارة شرحا لكتاب الوافي، وقد قام الشيخ محمد تقي (1) صاحب الحاشية بذات العمل.
خاص الاجتهاد: ويُحتمل أنّ تقرير الدروس قد انتشر في الحوزة العلمية في زمن الوحيد البهبهاني، ولا سيّما أنّ سنة التقرير الشفاهي لدروس الأساتذة قد بدأت تقريبا منذ تلك الفترة، وبطبيعة الحال باتت اليوم سنة منسوخة.
بعد تلك المرحلة باتت جميع مضامين دروس أساتذة الحوزة تُخرج على أيدي التلاميذ والطلاب على شكل كتب تقريرات،
فمثلا نجد أنّه لدى السيد علي الطباطبائي صاحب الرياض عدد من الرسائل القصيرة في علم الأصول؛ ومنها بحث حجيّة الشهرة، والتي تناول فيها أيضا بحث حجيّة الظن وهي رسالة مهمة للغاية، وما عدا ذلك يجب أن نتتبع مضامين دروسه وأفكاره ونظرياته في تصنيفات وآثار تلامذته،
ومنها كتاب مفاتيح الأصول للسيد محمد مجاهد الطباطبائي، فقد كان هناك مجموعة من الطلاب تقرر درسه كتابةً، ومنهم المولى محمد جعفر شريعتمدار الأسترآبادي، ويقال أنّ العلامة السيد علي الطباطبائي كان ضليعاً أكثر في الأصول من الميرزا القمي؛ ولكنّ كتابه “الرياض” جعله مشهورا أكثر في علم الفقه، في حين أنّ معاصره الميرزا القمي كان متبحراً أكثر في الفقه، ولكنّه اشتهر بعلم الأصول بسبب كتابه القوانين.
كما أنّ كتاب العناوين الفقهية للسيد مير عبد الفتاح هو عبارة عن تقرير دروس أبناء الشيخ جعفر كاشف الغطاء، وهو الذي كتب تقريرات دروس أولئك الأستاذة.
وفي الجيل التالي اشتهرت تقريرات السيد إبراهيم القزويني صاحب الضوابط لدروس شريف العلماء المازندراني، الذي لم يكن له تصنيفات في الأصول سوى مجموعة من الرسائل، ويجب استقصاء أرائه في كتاب الضوابط، وفي غيره من كتب تلامذته.
ومنذ زمن الشيخ الأنصاري اتسعت سنة التقرير أكثر وأكثر، وتقريرات تلميذه الكلانتري صاحب مطارح الأنظار معروفة جداً، ووصلت هذه السنة في الفترات اللاحقة وباتساع أكبر من الأصول إلى الفقه، فآراء الميرزا الشيرازي أكثر ما تُعرف عبر تقريرات تلامذته، وفي ترجمة حياة وأحوال كبار العلماء ومنهم الشيخ الأنصاري، والميرزا الشيرازي، والآخوند الخراساني وكاظم اليزدي صاحب العروة سوف نتعرّف على مئات التقريرات والتي لم يُنشر أكثرها.
واستمرت هذه السنّة في زمن الميرزا النائيني والآقا ضياء العراقي، ونعلم أنّ أهم دروس الأصول في عصرنا الحالي تقوم على أساس تقريرات دروس هذين العالمين الفاضلين، وقد وُفّقَ كلّ من آية الله البروجردي والمرحوم السيد الخوئي لأن يقوم تلامذتهما بتقرير أكثر دورات دروسهما في الفقه والأصول بدقة واستيعاب تام.
سنّة تقرير الدروس سنّة قديمة، واستناداً إلى أصول التعليم نعلم أنّها مفيدة للغاية، ونجد لها نماذج مشابهة في الغرب في مرحلة ما قبل الحداثة وما بعدها، وهذا الموضوع يحتاج إلى بحث مستقل.
(1)- الشيخ محمد تقي الأصفهاني الإيوان كيفي صاحب “الحاشية علي المعالم” و “هداية المسترشدين” المتوفي سنة ۱۲۴۸هـ.