الاجتهاد: الخمس وهو من الفرائض، و قد جعلها اللّه تعالى لمحمد (صلّى اللّه عليه و آله) و ذريته عوضا عن الزكاة إكراما لهم، ومن منع منه درهما أو أقل كان مندرجا في الظالمين لهم و الغاصبين لحقهم، بل من كان مستحلا لذلك كان من الكافرين.
ففي الخبر عن أبي بصير، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ما أيسر ما يدخل به العبد النار، قال (عليه السلام): «من أكل من مال اليتيم درهما و نحن اليتيم» و عن الصادق (عليه السلام): «إن اللّه لا إله إلّا هو حيث حرّم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس فالصدقة علينا حرام والخمس لنا فريضة والكرامة لنا حلال» وعن أبي جعفر (عليه السلام): «لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئا حتى يصل إلينا حقنا» وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «لا يعذر عبد اشترى من الخمس شيئا أن يقول: يا رب اشتريته بمالي؛ حتى يأذن له اهل الخمس».
نذكر فيما يلي مسألة من المسائل التي يكثر ابتلاء أصحاب الخمس بها نوعا.
إن من لا يحاسب نفسه سنين متمادية اما غفلة أو عامدا و ملتفتا إلى الحكم الشرعي، ثم التفت إلى حاله، أو ندم و بنى على أن يحاسب نفسه بالنسبة إلى كل ما مضى من السنين، فعليه أن يقسّم أمواله إلى مجموعتين ..
الأولى: الأموال التي تكون مئونة له كالمسكن و الملبس و المركب و كل ما تتطلبه حاجاته حسب مكانته و شأنه.
الثانية: الأموال التي تكون زائدة على متطلبات حاجاته من النقود و العقارات و نحوهما.
اما حكم المجموعة الأولى، فان علم إنه اشتراها بأرباح لم تمر عليها سنة، فلا خمس فيها، و لا شيء عليه، و إن علم بأنه اشتراها بأرباح قد مرت عليها سنة فعليه تخميس ثمنها وقت الشراء، و إن لم يعلم بالحال و أنها من قبيل الأول أو الثاني، ففي هذه الحالة يشك في اشتغال ذمته بخمس ثمنها على أساس أنها إن كانت من قبيل الأول فلا شيء عليه، و إن كانت من قبيل الثاني فعليه خمس ثمنها، لأن عهدته قد اشتغلت به بملاك اتلافه، و بما انه لا يدري بالحال، فلا يدري بأن عهدته مشغولة به أولا،
فالمرجع فيه أصالة البراءة، و إن كان الأولى و الأجدر به أن يصالح مع الحاكم الشرعي بنصف الخمس مثلا. و من هنا يظهر الحكم فيما إذا علم بالحال بالنسبة إلى بعض هذه المجموعة دون بعضها الآخر، فان ما علم حاله ترتب عليه حكمه، و ما لم يعلم حاله فالمرجع فيه أصالة البراءة، نعم إذا علم اجمالا بأن بعض هذه المجموعة قد اشتراها بارباح مرت عليها سنة و لكنه لا يعلم مقدارها انه نصف المجموعة أو أكثر أو أقل وجب حينئذ المصالحة مع الحاكم الشرعي بنصف الخمس.
و اما حكم المجموعة الثانية: فهو وجوب تخميس كل تلك المجموعة بقيمتها الحالية، بلا فرق بين أن تكون من الأموال التجارية أو غيرها، و بلا فرق بين أن يعلم بأنه اشتراها بأرباح قد مرت عليها سنة أو بأرباح لم تمر عليها سنة، أو لا يعلم بالحال، لما مر من ان الأظهر وجوب الخمس في ارتفاع القيمة مطلقا و إن كان في غير الأموال التجارية،
نعم إذا علم بأن قسما من هذه الأموال من أرباح السنة الأخيرة التي بنى المكلف فيها على الحساب قبل أن تمر عليها السنة لم يجب عليه خمسه إلّا إذا بقى الى نهاية العام. و إذا دار أمره بين الأقل و الأكثر لم يجب خمس الأقل إلى نهاية السنة، و انما الكلام في وجوب خمس الأكثر، باعتبار انه إن كان من أرباح السنين السابقة وجب خمسه فورا، و الّا ففي نهاية العام، و بما انه مشكوك فالمرجع فيه أصالة البراءة.
بقى هنا حالتان:
الأولى: انه يعلم في طول هذه الفترة بصرف أموال في معاش نفسه و عائلته اللائق بحاله كالمأكل و المشرب و الملبس و في صدقاته و زياراته و جوائزه و هداياه و ضيافة ضيوفه و ختان أولاده و تزويجهم و غيرها مما يتفق للإنسان في فترة حياته كالوفاء بالحقوق الواجبة عليه بنذر أو كفارة أو أرش جناية أو دين أو ما شاكل ذلك،
و في هذه الحالة فمرة كان يعلم بأنه في كل سنة من هذه السنين قد صرف في حاجياته تلك من الأرباح التي لم تمر عليها سنة، و أخرى يعلم بأنه في كل سنة منها قد صرف فيها من الأرباح التي مرت عليها سنة، و ثالثة لا يعلم بالحال، و على الأول فلا شيء عليه،
و على الثاني ضمن خمس تلك الأرباح في وقت الصرف، و على الثالث فبما أنه شاك في أن عهدته مشغولة بخمسها أولا فيرجع فيه إلى أصالة البراءة، و إن كان الأولى و الأجدر به المصالحة مع الحاكم الشرعي، و من هنا يظهر حكم ما إذا علم بالحال في بعض السنين دون بعضها الآخر، أو في بعض تلك الأشياء دون بعضها.
الثانية: انه إذا علم بوجود خسارة في بعض هذه السنوات في تجاراته، فان علم مقدار الخسارة تفصيلا في المال المتعلق للخمس منجزا ضمن خمسه، و إن علم مقدارها اجمالا ضمن المقدار المتيقن منه، و يرجع في الزائد إلى أصالة البراءة، و إن لم يعلم بالخسارة أصلا، أو علم بعدمها فلا شيء عليه من هذه الناحية.
المصدر: كتاب تعاليق مبسوطة على العروة الوثقى – ج٧ – سماحة المرجع الديني الشيخ محمد إسحاق الفياض.