حدود الحائر الحسيني

حدود الحائر الحسيني الشريف / الدكتور شهيد كريم محمد

الاجتهاد: هناك اختلاف بين العلماء حول حدود الحائر الحسيني، ويبدو أن هذه المسألة طرقت لأول مرة في زمن ابن ادريس الحلي (ت 598هـ). ولاسيما بعدما أخذ البناء على القبر الشريف وما حوله بالتطور والتمدد مع مرور الأيام وتوالي عمليات التوسعة و العمران، فأصبح هناك أكثر من سور واحد حول القبر، مما أدى إلى اختلاف العلماء حول الحد الأول للحائر المقدس،

وهذا ما يشير إليه قول ابن ادریس: المراد بالحائر ما دار سور المشهد والمسجد عليه، دون ما دار سور البلد عليه، لأن ذلك هو الحائر حقيقة (1).

وقال الشيخ المفيد (ت 413هـ) في معرض حديثه عن شهداء کربلاء من بني هاشم والصحابة: إن إخوة الإمام الحسين “عليه السلام”، وبني أخيه وبني عميه جعفر وعقيل، كلهم مدفونون مما يلي رجلي الإمام”عليه السلام” في مشهده، حُفرت لهم حفيرة وألقوا فيها جميعاً وسوّي عليهم التراب، إلا العباس بن علي “عليهما السلام” فإنه دفن في موضع مقتله على المسناة بطريق الغاضرية،

وليس لقبور إخوته وأهله أثر، وإنما يزورهم الزائر من عند قبر الإمام الحسين “عليه السلام” ويومئ إلى الأرض التي نحو رجليه بالسلام، وعلي بن الحسين “عليهما السلام” في جملتهم.

وأما أصحاب الإمام الحسين “عليه السلام” الذين قتلوا معه، فإنهم دفنوا حوله، ولسنا نحصل لهم أجداثاً على التحقيق والتفصيل، إلا أنا لا نشك أن الحائر محيط بهم(2).

ويبدو أن مسألة حدود الحائر الحسيني قد أخذت مساحة من مناقشات وآراء الفقهاء، لارتباطها ببعض الأحكام التعبدية كالدعاء والصلاة مثلا (3)، ولذلك حاول العلامة المجلسي (ت ۱۱۱۱ هـ/ ۱6۹۹م) بحث هذه الموضوعة في موسوعته بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار في باب خاص، استعرض فيه آراء المتقدمين في حد الحائر، ومدى اختلافهم فيها وصولاً إلى عصره، فقال:

اعلم أنه اختلف كلام الأصحاب في حد الحائر، وبين أن اختلافهم فيه يقع على ثلاثة أوجه هي:

1- إنه ما أحاطت به جدران الصحن فيدخل فيه الصحن من جميع الجوانب والعمارات المتصلة بالقبة المنورة والمسجد الذي خلفها.

۲- إنه القبة الشريفة وما اتصل بها من العمارات كالمسجد والمقتل والخزانة وغيرها.

٣- إنه القبة الشريفة فقط.

ثم إنه عقب على هذه الآراء الثلاثة بالقول: والأول أظهر لاشتهاره بهذا الوصف بين أهل المشهد آخذين عن أسلافهم، ولظاهر کلمات أكثر الأصحاب.

قال ابن إدريس: المراد بالحائر ما دار سور المشهد والمسجد عليه الا ما دار سور البلد عليه، لأن ذلك هو الحائر حقيقة، لأن الحائر في لسان العرب الموضع المطمئن الذي يحار فيه الماء.

وذكر الشهيد في الذكرى: أنا في هذا الموضع حار الماء لما أمر المتوكل بإطلاقه على قبر الحسين “عليه السلام”، ليعفيه فكان لا يبلغه.

وذكر السيد الفاضل أمير شرف الدين علي المجاور بالمشهد الغروي، وكان من مشايخنا: أنه سمع من كبار الشائبين في البلدة المشرفة أن الحائر هو السعة التي عليها الحصار الرفيع من القبلة واليمين واليسار، وأما الخلف فما ندري ما حده..، وفي شموله لحجرات الصحن إشكال، ولا يبعد أن يكون ما انخفض من هذا الصحن الشريف يكون داخلاً في الحائر دون ما ارتفع منها..، والله أعلم(4).

وحقيقة الحال أن حدود الحائر الحسيني المشرف قد عينت بصورة دقيقة في روايتين صدرتا عن الإمام الصادق”عليه السلام” .

الأولى – إنه “عليه السلام” قال: قبر الإمام الحسين “عليه السلام” عشرون ذراعاً في عشرين ذراعاً مکسراً روضة من رياض الجنة(5).

الثانية – إن إسحاق بن عمار سأله عن حد حرمة القبر الشريف، فقال: “عليه السلام” امسح خمسة وعشرين ذراعاً من ناحية رجليه، وخمسة وعشرين ذراعاً مما يلي وجهه، وخمسة وعشرين ذراعاً من خلفه، وخمسة وعشرين ذراعاً من ناحية رأسه، و موضع قبره منذ يوم دفن روضة من رياض الجنة(6).

ولو اعتبر الذراع الواحد نصف متر أو ما يقرب من ذلك، تكون مساحة الحائر بأعلى التقديرين المذكورين قرابة (۱۲۵ متراً مربعاً). وهذه المساحة متناسبة مع ما حدده ابن ادريس الحلي في قوله المذكور سلفاً (7).

 

الهوامش

1 – السرائر، ج ۱/ص 342.

2- الإرشاد، ج۲/ ص 126. وينظر الطبرسي: إعلام الوری، ج۱/ ص4۷6 -4۷۷ (تاج المواليد
ص ۳۳؛ ابن ادريس الحلي : السرائر، ج۱/ ص 494

3- ينظر. ابن قولویه: کامل الزیارات، ص 457 ؛ المفيد: المزار، تح: محمدباقر الأبطحي. (ط ۲، دار المفيد بيروت – لبنان 1414هـ/ ۱۹۹۳م)، ص۲۰۹، الصدوق: ثواب الأعمال، ص94، الطوسي: تهذیب الأحكام، ج 6 / ص ۸۱-۸۲ : الطوسي: مصباح المتهجد، ص۵۰۹؛ ابن ادريس الحلي: السرائر، ج۱/ ص 342 ؛ الحلي: تذكرة الفقهاء، ج۱/ ص۱۸۷؛ الشهيد الأول: ذكرى الشيعة، ج 4 / ص ۲۹۱؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج 86  ص89.

4- المجلسي، بحار الأنوار، ج ۹۸/ ص۱۰-۱۱۷.

5- ابن قولویه، کامل الزیارات، ص ۲۲۲ : الطوسي: تهذیب الأحکام، ص6/ ۷۲.

6- ابن قولویه، کامل الزیارات، ص 457 الصدوق: ثواب الأعمال، ص94 المفيد: المزار، ص 34 الطوسي: مصباح المتهجد، ص۷۳۱

7- عبد الجواد الكليدار: تاریخ کربلاء والحائر الحسيني، ص۳۵-۳۶. 

 

المصدر: العدد الثالث ( من السنة الرابعة  / ذي الحجة 1438 / 2017 ) من مجلة تراث كربلاء ( مجلة فصلية محكمة تعنى بالتراث الكربلائي ) تصدر عن العتبة العباسية المقدسة.

تحميل المقالة

تراث كربلاء

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky