خاص الاجتهاد: الحقيقة أنّ الإعتقاد بالقدسية والطهارة أمور مرتبطة بالله وببيوته وبأولياءه المعصومين وبمراقدهم وأضريحتهم وليس بمن يطوف فيها ويجول داخلها وخارجها فإنّه خارج عن نطاق القدسية من دون شك وتردد بل لعلّ فيهم من توغلت الأرجاس المعنوية في صدره بمختلف انواعها وبدرجات شديدة .
في الوقت الذي نؤمن أنّ الأماكن الربّانية من الأضرحة الشريفة المقدسة طاهرة مطهّرة من كل رجس وكذلك المساجد التي هي بيوت الله في أرضه وكذا مجالس أهل البيت التي هي محل نزول البركات والرحمات فإنّ المؤمن في ذات الوقت يُدرك الفرق بين المكان المقدس والشباك الطاهر والموضع المبارك وبين المرتاد لذلك المكان .
فإنّ الجانب العقدي والرؤية القدسية لمراكز التعبد يبثان في روح المؤمن قدراً كبيراً من المعنويات التي توجب خلق الطمئنينات عنده واستبعاد الإصابة في مواطن الرحمة ،
وهذه الزاوية الولآئية المنظورة وإن كانت تحمل ترابط جميلاً بين العبد ومولاه يتمثل بإستناد العبد لمولاه الذي خلقه والى ألطاف مواليه الحجج ويبني على انّ الترابط الحقيقي كفيل بالنجاة وحده او انّ اللاجئ لمولاه يرى نفسه بحمى مولاه مادام في ضيافته ، لكنّ الحقيقة أنّ الإعتقاد بالقدسية والطهارة أمور مرتبطة بالله وببيوته وبأولياءه المعصومين وبمراقدهم وأضريحتهم وليس بمن يطوف فيها ويجول داخلها وخارجها فإنّه خارج عن نطاق القدسية من دون شك وتردد بل لعلّ فيهم من توغلت الأرجاس المعنوية في صدره بمختلف انواعها وبدرجات شديدة .
فهل يكفي الإعتقاد بالقدسية والطهرية المسلّم بها لتواترها في مجموعة المنظمومة المعرفية الواردة عن أئمة الهدى ومصابيح الدجى للإعتقاد بإندفاع إنتقال الوباء من أي شخصٍ مصاب يتحرك مع جمعنا ضمن الزائرين أو ضمن المصلّين أو ضمن الجالسين في المأتم من دون حاجة الى تحرز ؟ ! .
أليس في ذلك زيادة على حدود رؤية القداسة التي يؤمن بها الموالي .
ولعلّ قائلاً يقول : أليس كلامكم يُستشعَر منه خفاء العناية الإلهية للمؤمن في تلك الأماكن الرحمانية من المسجد والمجلس الحسيني والضريح ؟ .
أقول : إنّ المؤمن يسير وتسير معه العنايات الربانية التي لا يعيش بدونها بلاشك وتزداد في مواطن الرحمة وأيام الرحمة ، لكنّ ذلك لا يعني انّ الباري رفع تكليف الأخذ بالأسباب الطبيعية للحفظ ، اذ كما نعتقد انّه الرازق يلزمنا أن نتسبب لرزقه ، وكما نعتقد أنّه المعافي يلزمنا أخذ الدواء ، وكما نعتقد أنّه الحافظ يلزمنا التحفظ عملاً بالسنن التي اجراها لنا وسببها لنا فليست حركة الانسان معتمدة على عنصر المعجزة حتى يأتي الرزق بلا ترزق ويحصل الشفاء بلا دواء ونحصل على الحفظ والحماية بلا تحفظ … فلا يكون ذلك إلّا في الجنة .
إذن الإمتناع عن التجمعات ذات المظاهر الاسلامية من الزيارة والمسجد والمأتم ليس فراراً من ذات تلك المواطن الربانية وإنّما فراراً من احتمال الإصابة من الاختلاط الحاصل بها والذي أوجب خوفاً عقلائياً كبيراً .
وعلى ذلك يُفهم أنّ ما قام به المراجع الاعلام من ترك صلاة الجمعة ليس خوفاً من ذات الصلاة والمكان الطاهر المطهر وانّما لما تقدم من خوف الاصابة بالتجمع الحاصل بها ومن اجل زيادة الوعي الصحي ورفع منسوب الشعور بمسؤولية الحفاظ على الصحة الفردية والاجتماعية والدولية ، وليس لذلك الإجراء مساساً بالمرتكزات العقدية التي تسالمنا عليها من طهارة الاولياء واضرحتهم وبيوت الرحمن وبركات المجالس .
ولا يخفى على القارئ وجود آلاف الشواهد القديمة والمعاصرة من تعرض المؤمنين للأذى والجرح والقتل والإصابة والتمرّض في طُرُق الوصول القربوية ، فهذه مولاتنا فاطمة سيدة النساء تتورم قدماها نتيجة العبادة ففي ظرف التعبد تمرض …. وفي ظرف الصيام من مولانا علي وسيدتنا الزهراء واذا بهما يرتجفان كالفرخ … وفي حال زيارة أبي عبدالله الحسين والموالون يطوفون حول ضريحه يقتلون من قبل الوهابية في حادثة كربلاء الفجيعة وهم يطوفون …. وفي وقت تضييق الدنيا في سر من رأى على العسكري ابن رسول الله والحجة على أهل الارض ومن تحت الثرى يُحرَم المؤمن من السلام على إمامه برفع يده بل حتى بالإيماء اليه لنهي الامام عن ذلك مخافة القتل على من تولاه .
وفي حياة كل مؤمن شواهد كافية لاثبات ضرائب العمل العبادي فمن يتوضأ في ليلة شتاء قارسة بماء بارد يمرض مع أنّه يرى قدسية الوضوء ومن يمشي للإمام الحسين 20 يوماً على أقدامه تتورم ويتألم ويتمرض مع رؤيته لقدسية المشي والزيارة …. ومع ذلك لا يشكك في المعصوم ، وما ذاك إلّا لأجل التفريق بين المقدَّس وبين المقدِّس … بين العبادة وبين المتعبّد … بين المكان وبين الكائن .
بهذا التفصيل سوف نحتفظ عقدياً بحدود رؤيتنا القدسية ونفرز عنها ما هو خارج عنها وحينئذ ستنتفي اي شبهة في المقام ويتضح نطاق المسؤولية الصحية … فمن قصد الزيارة والمسجد والمجلس الحسيني دون تحرز فإنّه قد يكون عرضة للبلاء بهذا المرض أو قد يكون سبباً في نقله لإحتمال إصابته من دون علمه بذلك فلابد أن يحترز لذلك بكامل وسائل التحرز الطبية ولا يوكل الأمر الى الرؤية القداسوية لتلك المواطن إذا لا تكفي وحدها لنجاته ولا نجاة غيره منه بمعزل عن سبب الوقاية الطبيعي ، ومن الجدير بالذكر أنّ العلماء رتّبوا على الفرد آثارا شرعيةً إن أوجب نقل العدوى حتى في صورة الجهل بإصابته بذلك فيما لو لم يأتي بمقدمات الحفظ الوقائية أو قصر فيها ومنها ترك الدخول في التجمعات الاسلامية .