آية الله السيد أبوالقاسم الخوئي

برنامج يوم عمل لأستاذ الفقهاء آية الله السيد أبوالقاسم الخوئي “قدس سره”

خاص الاجتهاد: قد كانت أيام المرجع الديني آية الله السيد أبوالقاسم الخوئي (قدس سره) كلّها حافلة بالعمل الجاد، حيث كان يستيقظ قبل الفجر، فيتوضأ للصلاة وكان يتهجد إلى أن يحين وقت صلاة الصبح، ثم يصلّي ويفطر مع عائلته. وعادة ما يكون إفطاره قطعة من الخبز والجبن المحلي والشاي وكان يصرّ على أن لا يأكل وحده بل ينادي أفراد العائلة أو عمال البيت أو الضيوف لمشاركته الطعام.

وبعد الأفطار يستريح قليلاً ثم تبدأ جلسة الاستفتاءات الشرعية في الساعة الثامنة صباح كل يوم . وعندما تأتيه رسائل من مختلف بلدان العالم يصرُّ سماحته على فتحها بنفسه وقراءتها واحدة واحدة ويجيب على ما فيها من المسائل الشرعية.

وكان يحضر مجلسه بصورة شبه دائمة مجموعة من العلماء لمناقشة المسائل الفقهية وكان منهم آية الله علي البهشتي وآية الله السيد مرتضى الخلخالي وآية الله الشيخ محمد إسحاق الفياض، وحجة الإسلام والمسلمین الشيخ جعفر النائيني ” حفيد الشيخ النائيني الكبير، أستاذ السيد الخوئي وصهره”.

هذه اللجنة الدائمة كانت تضم في بعض الأيام علماء أفاضل آخرین للمناقشة،وللاستفادة من كيفية إستنباط الأحكام ولا سيما في المسائل الصعبة.

ومن الشخصيات العلمية التي كانت تحضر أحياناً مجتهدون كبار آخرون. من أمثال آية الله الشيخ مرتضى البروجردي وآية الله الشيخ علي اصغر الأحمدي

وبعد نقاشات وأبحاث يتوصل إلى إجابات فقهية يتولى الأربعة (أعضاء اللجنة الأصلية) كتابة هذه الإجابات بخط اليد ومن ثَمَّ تعرض على سماحة السيد حيث يتحقق منها فيوقع عليها بخاتمه الشريف، ولم يكن ليسمح لأحدٍ مهما كان بإستخدام خاتمه، بل كان يحتفظ به دائماً مع مفاتيحه الخاصة، ولا يمضي إلا هو بنفسه على كل رسالة أو جواب.

وتستمر جلسة المسائل الشرعية حتى قبيل وقت الظهيرة حيث يتهيأ للصلاة فيؤم الناس في جامع الخضراء الملاصق للحرم العلوي الشريف من جهة الشرق. حيث شهد هذا الجامع دروساً ومحاضرات للسيد على مدى ستين عاماً، (إلى ما قبل سنتين عندما منعته حالته الصحية من الذهاب إلى الجامع).

وبعد الصلاة يبقى فترةً وجيزةً في المسجد يتوافد فيها عليه الزائرون للسلام عليه والتبرك بتقبيل يديه الكريمتين، ثم يرجع لتناول طعام الغداء مع العائلة أو الضيوف.

وبعدها يستريح سماحته حتى الساعة الرابعة عصراً حيث يبدا مجلسه الثاني لمناقشة الأمور العامة والرسائل الواردة في هذا الخصوص.

هذه الجلسة ليست لمناقشة فتاوى شرعية وإنما لمناقشة القضايا الاجتماعية وشؤون الوكلاء ومتابعة مسؤوليات المرجعية في العالم من حوزات علمية. ومؤسسات ومشاريع وأمور عامة من قبيل إرسال برقيات التعازي أو التبريكات أو الرسائل التوجيهية للمؤمنين في جميع أنحاء العالم.

وكان ممن يديم الحضور في جلسة العصر المرحوم آية الله العظمى السيد عبد الهادي الشيرازي وحجتا الإسلام والمسلمين السيد محمد إبراهيم الشيرازي (1) والسيد محمد علي الشيرازي (قدس سره) وكذلك بعض من له علاقة بالمشاريع والقضايا الاجتماعية والإدارية والسياسية وما شاكلها. وتضم الجلسة أحيانا عشرين أو أكثر من المتخصصين في مختلف الشؤون.

وكان المدير للأمور المالية ومسؤول توزيع الرواتب على العلماء والطلاب هو العلامة الحجة الشيخ فخر الدين الزنجاني ويساعده في ذلك العلامة الشيخ أحمد الكاظمي.

وكان سماحته يحب الاكثار من التشاور وتبادل الرأي ويردِّد دائماً: “ما خاب من استشارا”.

وتستمر جلسة العصر حتى السادسة مساءً يتهيأ بعدها لتجديد الوضوء وأداء صلاتي المغرب والعشاء في جامع الخضراء أيضاً.

وبعد الصلاة يجلس في “البراني” يستقبل الناس الذين يتوافدون من المدن والبلاد المختلفة للسلام عليه والتبرك بزيارته، وغالباً ما يعرض عليه كثير منهم مشاكله، حيث يستمع إليها بعناء ويأمر بحلّها ويتابع ذلك بنفسه ويستمر المجلس حتى الساعة التاسعة مساءً وقد يتأخر أحيانا إلى الحادية عشرة ليلًا.

وبعدما يرجع السيد إلى البيت يجلس مع الأسرة حيث يلاطف أفرادها ويتباحث معهم في أمورهم العائلية الخاصة فينصح هذا الابن ويسلي تلك الحفيدة وهكذا، وكانت لغرفته بابان، واحدة تؤدي إلى المجلس والأخرى إلى بيت العائلة.

ويقول نجله عبد المجيد: كان الوالد يقضي بين عياله إذا اختلفوا في أمرٍ ما فکان مرحاً معهم، سريع البديهة إذا دخل عليه أحدٌ مهموماً أو فرحاً أو ما شابه، فينظر إليه متفحصاً ويسبقه بالسؤال مبادراً عن سبب شعوره وبما يحس به، وفي كل ليلة كان يعطي الأطفال بعض الحلوى ويوزع عليهم ما اهدي إليه من قبل الزوار، وتستمر الجلسة العائلية لمدة ساعة أو أكثر بقليل ثم ينصرفون من غرفته ويبدا سماحته بالمطالعة والاستماع إلى الأخبار العالمية حيث كان مواظبا على متابعة أخبار العالم والمسلمين على وجه الخصوص، واحيانا يشكي بأنه لم ينم الليلة الماضية لسماعه خبر مؤلم عن كارثة في هذا القطر الإسلامي أو ذاك أو سمع بمقتل المسلمين في أفغانستان أو لبنان أو فلسطين أو على جبهات القتال خلال الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

نعم كان سماحته (رض) يتابع أخبار المسلمين أولا بأول ويطلب من ابنائه والمقربين بإطلاعه على آخر الأخبار وتفاصيلها كما تنقلها الصحف والناس، ويشرف على إرسال المعونات والمساعدات وبرقيات المواساة للمناطق والعوائل المنكوبة، وكان يوزع ما يأتيه من الحقوق الشرعية على الفقراء والمحتاجين ويتابع شكاواهم(2) حتى إذا نسي أحدٌ أمراً ما ذكره به وسأله عما قام به تجاه الطلبات الواردة.

وكان يوصي من حوله بالعوائل المحترمة التي أصيبث بالضراء ويكرر دائماً «إهتموا بشأن هؤلاء الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، وكانت المعونات ترسل إليهم بطريقة سرّية وبكل هدوء لحفظ ماء وجوههم.

وعلى نطاق أوسع كان يتابع أمور الكوارث الطبيعية في مختلف أصقاع العالم الإسلامي، ويوصي بإرسال المعونات لهم والوقوف إلى جانبهم. كما كان يتأكد من الصرف على المدارس والمستشفيات ومراكز رعاية الأيتام في العراق وفي أنحاء العالم الإسلامي، وفي نفس الوقت كان يشارك جيرانه والمقربين أفراحهم وأتراحهم.

أما في البيت فقد كان يهتمّ بالأيتام ممن حوله حتى إذا تنازع أحد عياله مع يتيم قضى بالحق لليتيم، وإذا إحتج الابن الذي يحسب أنه على حق كان يذكره بأن له أب يرعاه بينما ليس للينيم أحد يلجأ إليه فلا باس بالعطف عليه.

كان “قدس سره” يمنع المحيطين به عن مجابهة أعدائه بالشدة، حيث كان يكرمهم كثيراً ويدعو لهم بالتوفيق والهداية عندما ياتون إليه ويستضيفونه سأله یوماً أحد أبنائه: هل ترجو لهم الهداية حقاً يا أبي، أم إنك تجاملهم لكونهم ضيوفاً ؟

فكان رده واضحاً وقوياً : إبدأ يا بني إنني أدعو لهم بصدق أن يهديهم الله ليكفي المؤمنين شرهم.

فلم يحمل سماحته في قلبه بغضا على احد، حتى لو كان من الحاقدين الذين كانوا يرسلون رسائل الشتم والسباب له. ويمنع من حوله من الرد عليهم. قال له احد ابنائه يوماً: يتهمونك بالبهتان والزور !! فكان ردّه: إذا كان الحق لي فأنا أبريء ذممهم.

فقال ابنه: وماذا عن حقنا نحن ابناؤك؟ أليس من واجبنا الرد على هؤلاء والدفاع عنك؟ فكان جوابه: انتم لكم حق في ذلك، ولكني ما دمتُ حياً فأنا صاحب الحق والردِّ. أما أنتم فلا تردّوا عليهم.

كان يفتح رسائله الواردة إليه باستثناء المرسلة لعائلته حيث كان يسلمها لأصحابها داخل العائلة ولم تزل مغلقة، وإذا صادف أن كانت الرسالة مفتوحة فإنه يسلمها إلى صاحبها مشيراً إليه بأنه لم يقرأ محتواها.

يقول أحد أبنائه: قلت له يوماً، سيدي ليس عندنا سرٌّ مخفي عليك. ولكنه يصرّ على عدم قراءتها… لكن الرسالة الوحيدة التي آذته وأثرت فيه كثيراً جاءت إليه قبل سنوات من ” أحد طلاب الدنيا باسم الدين”، وفد إحتفظ بها في جيب سترته الداخلية يحملها معه إينما ذهب، وأوصى بأن تدفن الرسالة معه حيث كانت الرسالة تشكك في نسبه الشريف وأنه ليس من عترة رسول الله “صلى الله عليه وآله وسلم” … وقد آلمته كثيراً إلى درجة كان يردد معها إنه يريد أن تدفن الرسالة معه ليريها إلى جده مصطفي صلى الله عليه وآله وسلم” و جدّته فاطمة الزهراء “عليها السلام” ليشتكي عندهما ممن يشكك في نسبه لهما.

الهوامش

1- معتقل لدى السلطات البعثية العراقية منذ إنتفاضة شعبان المباركة.

2 – مذكرات السيد عبد المجيد الخوئي.

 

المصدر: الكتاب: سيرة حياة الإمام الخوئي ، دراسة عن حياته العلمية ونشاطاته الفكرية والإجتماعية في إطار الحوزة الدينية

المؤلف: أحمد الواسطي

عدد الصفحات: 120 صفحة

الناشر: دار الكاتب العربي للطباعة والشر التوزيع – إبداع للنشر

الطبعة الأولى 22013م – 1434هـ

سيرة حياة الإمام الخوئي، دراسة عن حياته العلمية ونشاطاته الفكرية والإجتماعية

تحميل الكتاب pdf

12

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky