الاجتهاد: في هذا البحث نقرأ للباحث الإيراني محمد رضا زائري رؤية نظرية وتطبيقية للإعلام الديني من منظور إسلامي، حيث يتطرق إلى مفهوم الإعلام في ضوء النص القرآني وما ورد بشأنه في التراث العربي الإسلامي. في الجانب التطبيقي ناقش الباحث ظاهرة القنوات الفضائية وطريقة أدائها والثغرات التي تواجهها. «المحرر»
قدمت القنوات الدينية الإسلامية على امتداد تجربتها –بدءاً بأواخر ثمانينيات القرن العشرين المنصرم- نموذجاً غنياً لدراسة ظاهرة الإعلام التلفزيوني الديني في العالم العربي. لعل الجانب الأهم في دراسة هذا النموذج هو كثرة القنوات الفضائية الإسلامية، وتنوع أساليب عملها، بما يعكس تعدد الاتجاهات والتيارات الدينية والمذهبية التي تعبر عنها.
لا يفارق الإعلام الإسلامي، مفهوم الإعلام كإطار نظري عام، إلا في الوظيفة واللغة المخصوصة التي تؤدي مادته الإخبارية. مع ذلك فإن المصطلح نفسه لا يكتسب معناه الخاص إلا من خلال تعبيرات اللغة الدينية الإسلامية. ذلك بأن كلمة الإعلام في القرآن الكريم، وفي لسان العرب وعند فقهاء اللغة، تناظرها مجموعة من المفردات المرادفة، وكل منها يعبِّر عن صنف معين من الأصناف التي تعود كلها إلى ما ندعوه في لغتنا المعاصرة بـ «الإعلام».. ونستطيع أن نجد في النص القرآني الكثير من هذه المفردات: كالخبر، والنبأ، الإيصال، والبلاغ والتبليغ، والرسالة الإرسال والرسول والدعوة..الخ..
ويمكن فيما يأتي أن نعرض المعاني والدلالات الدينية للمفردات سابقة الذكر.
أولاً: الخبر
«الخبر» مفردة محورية تلخِّص مفهوم الإعلام في اللغة وتكثّفه خاصة وفي البناء الثقافي الإسلامي عامة. في اللغة-وحسب المحدث واللغوي ابن وهب في «البرهان»- «أن الخبر استجلاء للبواطن[1]، فلولا ما أتانا من الخبر في شرح مراد الله – عزّ وجلّ – في الصلاة والصيام ومعنى الكفر لما عرفنا باطن ذلك، ولا مراد الله عز وجلّ في الصلاة والصيام، ولا كان ظاهر اللغة يدل عليه، بل كل من دعا مصلياً، وكل من أمسك عن شيء صائماً، وكل من ستر شيئاً كافراً»[2].
ثانياً: الإيصال
بين الخبر والاتصال عروة وثقى في المعنى والدلالة. ففي القرآن الكريم قوله تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}[3]. ومن هذه الزاوية، يعني الاتصال في الفهم والممارسة الدينية الإسلامية، تحويل كل خبر الى مادة للترشيد والدعوة إلى دين الله. وإذاً، فالعمل الإعلامي الإسلامي هو حقيقة أساسية من حقائق التواصل في العملية الاجتماعية، وهويمثل شتى الطرق التي يؤثر فيها المرسل أو يتأثر بها المرسَل إليه «بالبرّ والتودد وعدم الجفاء»، وقد تكون هذه الطرق مباشرة وشخصية أوغير مباشرة ولا شخصية؛ فالإعلام هوحامل العملية الاجتماعية، والتحرير الإعلامي هوالذي يحقق الوصول إلى الجماهير من خلال قناة الاتصال[4].
ثالثاً: النبأ
«النبأ» مفردة قرآنية جديرة بالملاحظة، وهي المفردة التي تحمل اسم السورة الأولى من الجزء الثلاثين من القرآن الكريم. ومن خلالها نلاحظ أن استخدام لفظ (النبأ) في النص القرآني، يقع على وجه الدقة في مجال الإخبار الإلهي لأنبيائه ورسله عن أمره بواسطة الوحي. وحين يقال: نبّأه بالشيء: أي أخبره به وذكر له قصته. والنبأ هو»الخبر ذوالشأن والقصة ذات البال. والجمع انباء»[5].
وإلى ذلك ثمة الكثير من الآيات حول «النبأ» والتي تؤدي غاية المعنى بين المرسِل والمرسَل إليه، نذكر منها ما جاء في سورة التحريم:{قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ}[6].
رابعاً: الدعوة
مفردة الدعوة تدخل في عمق الإعلام الديني، سواء ما ورد حولها في النص القرآني، أوفي الثقافة الدينية الإسلامية. يقال في اللغة على سبيل المثال: دعوتُ فلانًا؛ أي: صِحْتُ به واستدعيته. وتداعى القوم: دعا بعضهم بعضًا حتى يجتمعوا، وهو التداعي، والدُّعاة: قوم يدعون إلى بَيْعة هدى أو ضلالة، وأحدهم داعٍ، ورجل داعية: إذا كان يدعو الناس إلى بدعة أودِين، أُدخلت الهاء للمبالغة[7]. أما المدلول الاصطلاحي للدعوة: فيؤدي المراد نفسه مما سبق لنا وذكرناه من مفردات. “فالدعوة تعني تبليغ رسالة الإسلام، عقيدة وشريعة وأخلاقًا، وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة، والحض على الطاعة، والالتزام بدين الإسلام في جميع شؤون الحياة من أجل التمكين لدين الله في الأرض، والفوز بالجنة والنجاة من النار[8]”.
في السياق عينه، قدَّم العلماء والباحثون تعريفات متعددة للدعوة؛ منها أن: (الدعوة عملية إحياء لنظامٍ ما؛ لتنتقل الأمة بها من محيط إلى محيط)، وعلى هذا يُعرِّف المحقق رؤوف شلبي ـ الدعوة الإسلامية بما يأتي:
هي الحركة الإسلامية في جانبَيْها: النظري والتطبيقي.
من حيث هي: حركة بناء للدولة الإسلامية.
من حيث هي: دفاع عن استمرار وجود الدولة الإسلامية[9]
وتتحدَّث الآيات في القرآن الكريم عن الدعوة من حيث هي هداية وإرشاد، وتبليغ وإنذار، وجهاد بالقرآن الكريم، كما هي في قوله تعالى:{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[10].
وقوله تعالى:{يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[11].
كما جاء قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}[12]، وقوله تعالى:{وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا}[13]، وقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ}[14].
مما سبق يتضح أن الدعوة هي عملية دعاء وتبليغ وإنذار، وبذل للجهد، وهداية إلى الطريق المستقيم، ومغفرة الذنوب، والفوز بالجنة، والنجاة من النار. وعلى ذلك، فإن الدعوة بحسب ما يذهب إليه الكثيرون من المحققين هي: (إنذار الناس وتبليغهم دين الله تعالى، وبذل الجهد في نصحهم بالتي هي أحسن؛ للترقي بهم إلى أعلى المراتب).
ثم إن من أخص الصفات وأفضلها في الإنذار والتبليغ وهداية الناس إلى دين الله عز وجل- خصيصة التدرج، وتعني الترقي بالناس شيئًا فشيئًا، والبَدْء بالأهم ثم المهم؛ للوصول بهم إلى أعلى الدرجات).
وانطلاقاً من هذا التعريف، ينطلق الإعلام الديني الإسلامي من مبدأ شمولية الشريعة الإسلامية لجميع شؤون الحياة وسلوك الإنسان، وتتضح هذه الشمولية في الخطاب القرآني في كثيـر من المواطن، التي تؤكد عالمية الإسلام منها:
أ ـ كونه ديناً للناس أجمعين، كما في الآية: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيـرا وَنَذِيـرا* وَلَكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.[15]
ب ـ عمومية الأحكام الإسلامية: أي تشتمل على كل سلوك الإنسان وشؤونه.
ج ـ عمومية الجزاء: فالكل سيحاسب على الخيـر والشر، في الصغيـرة والكبيـرة.
د ـ عمومية التبليغ: فكل مسلم ومسلمة مسؤول عن تبليغ دينه بالقدر الذي يستطيع، وهذا عملٌ إعلامي بحت[16].
خامساً: البلاغ والتبليغ
إن المفردة الأكثر تطابقاً مع روح الإعلام الإسلامي هي تلك التي اصطلح عليها بـ «التبليغ». وهذه المفردة تؤدي مهمة مزدوجة لإعطاء الإعلام الإسلامي بعده العقائدي والاصطلاحي. فالتبليغ معناه الإيصال والبلاغ، وهي مهمة الأنبياء ومن بعدهم الأوصياء ومن بعدهم العلماء.
والتبلیغ ـ بحسب ما يعرِّفه الباحثون ـ یجب أن یکون هادفاً وقائماً علی مضمون فکري أصیل، فهو دین الله ورسالاته وتعالیمه، ولا یکون التبلیغ بنشر الفکر الخاص، أوالرأي الخاص، بل یتحتم علی المبلَّغ أن ینقل الفکر الأصیل»[17].
ونظریة التبلیغ أکدتها الآیات القرآنیة، واعتبرتها مهمة ناجزة تفرض علی أهل الهدی ومن یتبع سبیل الهدایة، ومن جملة السیاسات الکبری لعملیة التبلیغ أن یکون المبلغون علی بصیرة من أمرهم وعلی بصیرة من دینهم وعلی بصیرة من فهم الطریق والوقائع.
ومما تقدم فإن النظریة الإعلامیة في القرآن تقوم على تبليغ رسالات الله (الفکر الإسلامي وتعالیم دین الله) علی ید أناس رسالیین یدعون إلی الله (إلی رسالاته) وهم علی بصیرة من أمر دینهم وزمانهم وحیاتهم وأوضاعهم، وهم ممن یخشون الله في الوسائل والأدوات واللغة والأسباب، ولا یخشون غیرالله من الذین یصدون عن سبیل الله فلا تأخذهم في الله لومة لائم أوحسد حاسد أوشنآن معتد أوآثم.]»[18] وما ذاك ـ حسب الرأي المتفق عليه بين العلماء المسلمين ـ إلا لأنّ الدّاعي والمبّلغ الّذي یحاول أن ینقل هذه الرّسالة إلی جمهوره یری في ذلك فضلَاً کبیراً: من الناّس.
والتبلیغ لرّسالات الله في مقابل الحدیث عن الهوی والرأي الشخصي والنزعة الفردیة وإظهار الخصوصیات للمبلغ بل للرسالات وما فیها من حکمة ومنطق وعقل وفهم ووعي ودرایة ومواءمة واتساق وانسجام وغیر ذلك تستلزم الابتعاد ما أمکن عن إدخال ما هو خاص في هذه العملیة، والسعي لعدم الزیادة أو النقصان.
وکلما کان الشخص أعظم في هذه المهمّة کانت مسؤولیته أخطر في عملیّة التبلیغ، سواء لجهة أصل العملیة أو لجهة الحرص علی نوعیة التعالیم المقدمة والتي یجب أن تکون مساویة مائة بالمائة للوحي ولما نزل من عندالله تعالی، ذلك كله لتحذیر الأشخاص الذین سیسمعون قول الله تعالی بأنه لا أحد یحق له أن یتدخل في التعالیم زیادة أو نقصاناً وإن أي تقوّل فیها سیؤدي إلی هذا العذاب المشدد الألیم.» فهناك إذن، هدف إلهي لهذه العملیّة التبلیغیة یبتغي الدّاعي من خلاله هدایة أکبر عدد ممکن من النّاس وهذا عائد الى ان وظيفة التبليغ الإلهي لا نهاية لها سوی إیصال البشر إلی الکمال الإنساني حیث السعادة الأبدیة، سواء علی الصعید الفردي أو الجماعي، وهو الهدف الأسمي الذي من أجله بعث الأنبیاء، وأنزلت الکتب السماویة، ووضعت الشرائع، وسُنت القوانین الإلهیة.
وبما أن الوصول إلی هذا الهدف البعید دفعة واحدة غیر ممکن، کان لابد من التدرج في بلوغه، لذلک کان هناک أهداف جزئیة ومرحلیة تصب کلها في خانة الهدف النهائي، مثل الهدایة إلی الله تعالی، والدعوة إلی التوحید، وإظهار الأحکام الشرعیة لتعبید طرق الطاعة، وسد طرق المعصیة، وبیان الصفات الإلهیة للتخلق بمکارم الأخلاق، والتنزه عن الرذائل ومساويّ الخصال… إلخ. ولذلك قد یتمکن المبلّغ من إیصال بعض الناس إلی بعض هذه الأهداف من دون بعضها الآخر، ولیس في ذلك ضیر، فکلما اقترب الإنسان من الکمال النهائي کان ما حققه المبلّغ من نجاح أکبر، فلابد في سلوك أیة طریق من الشروع في السیر في مراحلها الأولی»[19].
وهناك عنصر مهم جدّاً في هذه العملیّة حسب نظریّة التبلیغ القرآني والذّي یتجلى في شخصیة من یدعو ویبلّغ وهم: «الرسالیون: أهل التبلیغ، حملة الرّسالة، النبي وأهل بیته وأصحابه وجمیع العلماء والفقهاء والمجتهدون والمفکرون وأهل العلم الذین یجب أن یتمتعوا بمجموعة من الصفات الخاصة والمميزة.
أي أن يكونوا:
ـ علی بصیرة من دینهم (عالمون بما یبلغون).
ـ علی تقوی من الله (یلتزمون بما یعلمون، ویلتزمون بمندرجات الرّسالة في الوسائل والأسالیب).
ـ علی بصیرة من عملهم (في معرفة الزمان والمکان والخصوصیات).
ـ لا یخشون أحداً إلا الله، حتی لا یأخذهم الرعب إلی ترک المهمة أوإلی تغییر سیاساتها وتوجیهها بما یناسب أهل الباطل»[20].
وهذا الواجب الإلهي یشمل جمیع المؤمنین بالله تعالی ولیس رجال الدّین فقط. ونجد ذلك من خلال التوکید علی دراسة المبادئ والأسس الإيمانية والعقائدية في الإعلام الإسلامي:
ولنأخذ النقطة الأولى في دراسة الإعلام الإسلامي هي ما ورد من توجيهات في القرآن الكريم وأوامره یقول تعالى:
«وانذر عشیرتك الأقربین»[21] ویقول تعالی: «والذین جاهدوا فینا لنهدینهم سبلنا…»[22] ویقول أیضا: «نحن أعلم بما یقولون، وما أنت علیهم بجبار، فذکر بالقرآن من یخاف وعید»[23]. وقوله في سورة «النحل»: «ادع الی سبیل ربك بالحکمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبیله وهو أعلم بالمهتدین»[24].
وإذن، فالأمر الآلهي هنا هو الدعوة إلی الله… والدعوة الی الله لها أسس انذاریة أو تربویة… وتتحدد هذه الأسس عندما تتحدد البیئة التي ندعو بها إلی الله… فالإنذار للعشیرة الأقربین الذین یعرفون الدعوة ویفهمون الدین ولکنهم یعرضون عنها کبر وغطرسة… والدعوة بالحکمة والموعظة الحسنة عندما یتطلب الأمر دعوة تربویة للذین یفهمون منطق الحیاة…[25]:
ولکن السؤال التي يثار في هذا المقام هو التالي: هل تصل هذه الدعوة اِلی غیرالمسلمین وتتجاوز حدود الأمّة المسلمة لتشمل النّاس جمیعاً، أو تختصّ بالأمّة المسلمة فقط؟
في الجواب عن هذا السؤال يجمع العلماء والباحثون المسلمون على: أن «من الواجب المتیقن أن تظل الدعوة مشغولة بأمر المسلمین وخاصة الأمة، تذکرّهم بحق دینهم، وتنبههم عند غفلاتهم، وتقیل عثراتهم، وتُسدّد خطاهم، وتطمئنهم إلی صحة حقائق دینهم وعظمها، وتدرأ عنها الشبهات والأباطیل، ثم تقیم الدین في مجتمعاتهم، شعائر وشرائع، في الاقتصاد والاجتماع والسیاسة وغیرها، حیاة ومنهجاً، تصدیقاً وتحقیقاً».
يضيف: «وخطاب القدوة هو أول خطاب یجب أن یُوجَّه إلی الناس من أصحاب الدعوات وحَمَلة الرّسالات ومن اتبعهم بإحسان وخلفهم بإیمان، وإلا فسیبقى الناس في حاجة شدیدة لهذا الخطاب، مهما وجه إلیهم من خطاب آخر، وإن جَمُل أوکَمُل. ولقد کان النبیون- صلوات الله وسلامه علیهم ـ قبل أن یقدموا خطاب ربهم للناس، یقدمون لهم أنفسهم- خیرین صالحین راشدین- فیجد الناس فیهم الصدق والأمانة، والبر، والحرص علی نفعهم، فیرضون بهم، ویرجون منهم، ویتخذونهم أسوة حسنة»[26].
سادساً: الرسالة
عند هذه المفردة، نصل اِلی نقطة مهمة ورئیسة وهي تتمثّل في كون الإسلام رسالة للناس أجمعين، ورسالة الإسلام رسالة عالمیة. غیرمحدودة بزمان ولا مکان، ولا بأمة ولا بشعب ولا بدولة أو جماعة. وبالتالي فهي لیست رسالة لشعب خاص یزعم أنه وحده شعب الله المختار وأن الناس جمیعاً یجب أن یخضعوا له. كما أنها لیست رسالة لإقليم معين يجب أن تدين له كل الأقاليم في الارض وتجبي له ثمراتها وأرزاقها. أو كذلك لطبقة معينة مهمتها أن تسخِّر الطبقات الأخرى لخدمة مصالحها أواتباع أهوائها أوالسیر في رکابها[27].
وفي آيات القرآن الکریم ما يؤكد علی عالمیة رسالة الإسلام نشير في ما يأتي إلى بعضها:
1) «وما هو إلا ذکر للعالمین»[28].
2) «نذیراً للبشر»[29].
3) «إن هو إلا ذکر للعالمین»[30].
4) «إني رسول الله الیکم جمیعاً»[31].
5) «لیکون للعالمین نذیراً»[32].
وکون الإسلام رسالة عالمیة فمعنی ذلك أن أحکامه صالحة لکل زمان ومکان، ومهیأة للبقاء والاستمرار والعموم.»[33] ولعل من بدیهیات الإسلام وصفاته الأصلیة – حسب الفقهاء-أنه جاء لعموم البشر ولم یأت لطائفة معینة منهم أو لجنس خاص من أجناسهم، قال تعالی: «وما أرسلناك إلا کافة للناس بشیراً ونذیراً» وقال تعالی: «قل یا أیها الناس إنی رسول الله إلیکم جمیعاً» وعموم الإسلام هذا غیرمقصور علی مدة معینة من الزمن أوجیل خاص من البشر وإنما هو عموم في الزمان کما هو عموم في المکان،
ولهذا فهو باق لا یزول ولا یتغیر ولا ینسخ، لأن الناسخ یجب أن یکون في قوة المنسوخ سواء أکان النسخ کلیاً أم جزئیاً، وحیث إن الإسلام ختم الشرائع السابقة کلها وإن محمداً (ص) هو خاتم الأنبیاء والمرسلین، فمعنی ذلك أن الشرائع الإلهیة انقطعت وأن الوحي الإلهي لم یعد ینزل علی أحد، قال تعالی: «ما کان محمد أبا أحد من رجالکم ولکن رسول الله وخاتم النبیین» وعلی هذا لا یتصور أن ینسخ الإسلام أو یغیره شيء».[34]
الهوامش
[1]- أبوالحسن بن اسحق بن سليمان بن وهب «البرهان في وجوه البيان»- تقديم حفني محمد شرف- مكتبة الشباب العربي – القاهرة – 1969 – ص 112.
[2]- سورة القصص – الآية 51.
[3]- سورة القصص- آية 51.
[4]- محمد حمد خضر- مطالعات في الإعلام – دار خضر للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت – 196- ص 56.
[5]- ابن وهب – المصدر نفسه – ص 115.
[6]- التحريم- آية 3.
[7]- ابن منظور – لسان العرب – الدار المصرية للتأليف والترجمة- القاهرة 1985 – ص 95.
[8]- محمد علي النجار – معجم ألفاظ القرآن الكريم – الجزء السادس- الدار المصرية- القاهرة 1989– ص 95.
[9]- رؤوف شلبي – الدعوة الإسلامية في عهدها المكي – مطبوعات مجمع البحث الإسلامية – المدينة المنورة – 1974 – ص 32-36.
[10]- يونس – آية 25.
[11]- الأحقاف – آية 31.
[12]- المائدة – آية 67.
[13]- الفرقان – آية 52.
[14]- المدثر – آية 2.
[15]- سبأ: آية 28.
[16]- رؤوف شلبي- مصدر سبق ذكره-
[17] بلال نعیم، بحث حول الإعلام في القرآن- دار الهادي- بيروت- 2002، ص19.
[18] المصدر نفسه، ص22.
[19]- المصدر نفسه، ص24.
[20]- المصدر نفسه – ص 25.
[21]- سورة الشعراء – 214.
[22] سورة العنكبوت – 69.
[23] سورة ق – 45.
[24] سورة النحل – 125.
[25] زهیر الأعرجي- الشخصیة الإسلامیة مؤسسة إعلامیة، دار التعارف – بيروت 1982- ص38.
[26] عبدالله الزبیر عبدالرحمن، من مرتکزات الخطاب الدعوي، دار العبيكان – الرياض – 2001- ص68.
[27]- ز. الأعرجي- الشخصية الإسلامية – مؤسسة إعلامية- مصدر سابق- ص 51.
[28]- سورة القلم، الآية 52.
[29]- سورة المدثر، الآية 36.
[30]- سورة التكوير، الآية 37.
[31]- سورة العراف، اآية 158.
[32]- سورة الفرقان، الآية 1.
[33] المصدر نفسه، ص136.
[34] المصدر نفسه، ص57.
المصدر: مجلة : الاستغراب – العدد : 11 السنة : السنة الرابعة – ربيع 2018 م / 1439 هـ
الميديا الدينية ؛ بحث في المنظور الإسلامي للإعلام الفضائي (2).. الشيخ الدكتور محمد رضا زائري
الميديا الدينية ؛ بحث في المنظور الإسلامي للإعلام الفضائي (3).. الشيخ الدكتور محمد رضا زائري