فلسفة النهضة الحسينية

المشهد الشيعي التاريخي إزاء قراءة الثورة الحسينية .. الشيخ حيدر حب الله

منذ 1970م بالتحديد، ظهرت قفزة هامة في تاريخ دراسة الشيعة لفلسفة الثورة الحسينية، وتبلورت العديد من النظريات، التي كان بعضها ضعيفاً جداً، وبعضها أكثر حضوراً وهيمنةً على العقل الشيعي، وقد كان الإسلام السياسي الشيعي ـ كما قلنا ـ بمدارسه قد لعب دوراً في إعادة قراءة ثورة الحسين %؛ لهذا وجدنا قراءات لهذه الثورة أيضاً في العالم العربي الشيعي، كان منها قراءات: السيد محمد باقر الصدر والسيد هاشم معروف الحسني والشيخ محمد مهدي شمس الدين و…

الاجتهاد: القرن العشرين ـ وبالتحديد النصف الثاني منه ـ هو الذي شهد فتح باب الجدل في هذا الموضوع، وإلا فالشيعة قبل هذا التاريخ لم يتداولوا مسألة النهضة الحسينية ـ غالباً ـ سوى من زاوية تراجيدية لا يتم توظيفها في الإطار السياسي والنهضوي إلا نادراً، وقد لعب ظهور الإسلام السياسي الشيعي في الفترة الأخيرة بقوّة دوراً بالغاً في هذا التحوّل في قراءة الحركة الحسينية، مما دفع للانتقال من تفسير هذه الثورة مجموعةَ عناصر بكائية تراجيدية إلى توليفة من العوامل النهضوية والتغييرية،

ويدلّنا على هذا الأمر عناوين المؤلفات التي كان يكتبها الشيعة حول الحسين، وهي مؤلفات تعجّ بالمفردات التراجيدية مثل: طريق البكاء، طوفان البكاء، عمّان البكاء، أمواج البكاء، رياض البكاء، مفتاح البكاء، منبع البكاء، مخزن البكاء، معدن البكاء، مناهل البكاء، مجرى البكاء، سحاب البكاء، عين البكاء، كنـز الباكين، مبكى العيون، مبكى العينين، المبكيات، بحر الدموع، فيض الدموع، عين الدموع، سحاب الدموع، ينبوع الدموع، منبع الدموع، دمع العين، مدامع العين، مخازن الأحزان، رياض الأحزان، قبسات الأحزان، مثير الأحزان، مهيّج الأحزان، نوحة الأحزان وصحيفة الأشجان، أحزان الشيعة، بحر الحزن، كنـز المحن، بحر الغموم، بحر الغم، قصص الغم، واحة الغموم، الهم والغم، مشرط الغم، كنـز المصائب، مجمع المصائب، وجيزة المصائب، إكليل المصائب و..

بينما شاعت في كتابات المتأخرين مفردات الثورة والحماسة والسياسة بشكل لافت من قبيل: في ظلال الحرية، زعيم الأحرار، الحسين حامل لواء الحرية، الحسين سيّد الأحرار، الحسين رمز الحرية، الملحمة الحسينية، ملحمة عاشوراء، ملحمة كربلاء، رجال الثورة، رسالة الحسين الثورية وظروفها الحرجة، ثورة الحسين، ثورة الطفّ، النهضة الحسينية، نهضة عاشوراء، الأهداف الاجتماعية عند الحسين بن علي%، تحليل دوافع ثورة كربلاء، الثورة الحسينية وأهدافها الاجتماعية، الثورة الخالدة و..([1]). وهذا كلّه يؤكّد غياب التفسيرات التحليلية لهذه الثورة قبل القرن العشرين في الوسط الشيعي.

ومن إفرازات التأثير السياسي على إعادة قراءة الحركة الحسينية، صدور كتاب «الشهيد الخالد» الذي ألّفه الشيخ نعمة الله صالحي نجف آبادي (2006م) عام 1970م، فقد شكّل هذا الكتاب منعطفاً في دراسة فلسفة قيام الإمام الحسين %في الوسط الشيعي، وقد أدى هذا الكتاب إلى صخب وجدال كبيرين في الوسط العلمي الشيعي، أفضى إلى تدخل بعض كبار الفقهاء ومراجع التقليد ضدّه، مثل السيد المرعشي النجفي والسيد محمد رضا الكلبايكاني و..

وقد كتب في ردّ هذا الكتاب مصنفات عديدة بعضها كبير الحجم، وكان من الناقدين: الشيخ لطف الله الصافي والشيخ رضا الأستادي و.. كما كانت هناك انتقادات ذات طابع أكثر هدوءاً، أبرزها ما علّقه كل من الدكتور علي شريعتي والشيخ مرتضى مطهري و..

ولم يصدر موقف من بعض الشخصيات الهامة آنذاك، سيما الإمام الخميني، الذي اعتبر أن الموضوع أشغل الحوزة عن قضايا كبرى، كما كان هناك من يرى أن للمخابرات الإيرانية التابعة للشاه (السافاك) دوراً في تأجيج الفتنة([2]).

على أية حال، منذ 1970م بالتحديد، ظهرت قفزة هامة في تاريخ دراسة الشيعة لفلسفة الثورة الحسينية، وتبلورت العديد من النظريات، التي كان بعضها ضعيفاً جداً، وبعضها أكثر حضوراً وهيمنةً على العقل الشيعي، وقد كان الإسلام السياسي الشيعي ـ كما قلنا ـ بمدارسه قد لعب دوراً في إعادة قراءة ثورة الحسين %؛ لهذا وجدنا قراءات لهذه الثورة أيضاً في العالم العربي الشيعي، كان منها قراءات: السيد محمد باقر الصدر والسيد هاشم معروف الحسني والشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد باقر الحكيم وباقر شريف القرشي والسيد محمود الهاشمي والشيخ محمد مهدي الآصفي والسيد محمد حسين فضل الله وغيرهم.

وعندما نتحدّث عن تأثير الحركة السياسية الإسلامية المتأخرة على إعادة قراءة هذا الموضوع؛ فلا ننفي وجود بعض الوقفات السابقة في هذا المجال، لعلّ من أقدمها وقفة السيد المرتضى (436هـ) في كتاب: تنزية الأنبياء، قيل فيها: إنّها كانت جواباً تنزّلياً منه لبعض من لم يكن يؤمن بالإمامة سلفاً([3])، كما كان لبعض العلماء والفقهاء وقفات متواضعة في ثنايا دراساتهم الفقهية، كما سيظهر للقارئ في مطاوي هذا البحث.

والبحث في ثورة الإمام الحسين %ومنطلقاتها ومديات تعميق هذه المنطلقات طويلٌ، وقد كتب في ذلك الكثير، بل قد تحدّث بعضهم عن وجود ثمانية مناهج علمية لدراسة الظاهرة العاشورائية([4])، وسوف نحاول هنا معالجة ما من شأنه أن يتصل بموضوعنا فحسب، وإلا خرجنا عن محور البحث ودخلنا في الاستطرادات.

الهوامش

([1]) لمزيد من الاطلاع على هذا المسرد من عناوين الكتب والمصنفات، أنظر: محمد اسفندياري، كتابشناسي تاريخي إمام حسين%: 38 ـ 39، طهران، وزارة الإرشاد والثقافة الإسلامية، 1380ش/2001م، ط1.

([2]) حول كتاب (الشهيد الخالد)، والمواقف وردود الأفعال عليه، والمشهد التاريخي الذي تركه، انظر: السيد حسن إسلامي، مقال: العزاء سنّة دينيّة أم فعل اجتماعي؟، ترجمة: حيدر حب الله، مجلة نصوص معاصرة، العدد 8: 13 ـ 25، بيروت، خريف 2006م.

([3]) محمد صحّتي سردرودي، عاشورا بزوهي؛ با رويكرد به تحريف شناسي تاريخ إمام حسين: 281 ـ 282، انتشارات خادم الرضا، قم، إيران، ط2، 1385ش/2006م.

([4]) انظر الدكتور علي بيات، قيام عاشورا؛ بايدها وبيامدها (بالفارسية)، مجلة حوزه ودانشكاه، ع33: 11 ـ 22، السنة الثامنة، شتاء 1381ش.

المصدر: من مقالة بعنوان: ” الحركة الحسينية والتأصيل الفقهي لشرعية الثورة قراءات ومتابعات” للشيخ حيدر حب الله

إقرأ المقالة كاملة هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky