الإلحاد

في موروثنا الديني ثمة نصوص تغذي الفكر التكفيري / الشيخ حسين الخشن

موقع الاجتهاد: ظاهرة التكفير والفكر التكفيري من الظواهر الخطيرة التي لازمت الإسلام منذ تاريخه الأول، وغالباً ما كانت مصحوبة بالعنف وبالقتل وبالخروج على الحاكم أو العكس أن يمارسها الحاكم ضد المحكومين وفي زمننا المعاصر عادت هذه الظاهرة لتطل برأسها جالبة الكثير من الشروخ على الفكر الإسلامي وكثير من الآلام للأمة الإسلامية.

وفي السياق استصرحت وكالة ” تنا ” الشيخ حسين الخشن الذي قال أن التكفير لم ينشأ من فراغ، إنما هو ظاهرة لها جذورها في التاريخ الإنساني والديني، وهذه الجذور يتم أحيانا العمل على رعايتها واستغلالها من قبل بعض الأجهزة التي تكيد لهذه الأمة، فيتم تنميتها ومدّها بيد المساعدة فتتحول الى قنابل تفجر نفسها في الأمة.

وأضاف، كما قلت التكفير لم ينشأ من فراغ وإنما له مناشئ في فكرنا وعلينا أن نعترف بأن في موروثنا الديني ثمة نصوص تغذي هذا الفكر التكفيري وهذه النصوص من قبيل النص الذي يعتمد عليه التكفيريون اليوم والقائل ” لقد جئتكم بالذبح” وهم ينسبون هذا الكلام الى رسول الله ” وهو كلام غير صحيح إطلاقا لا من ناحية المضمون ولا من ناحية السند، لأنه ينسب الى رسول الله أن دينه القتل والذبح، والحال أن الرسول (ص) يقول فيما حدثنا القرآن الكريم ( وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين )، فهذا الحديث الذي يعتمدون عليه منافٍ لكتاب الله وكل ما يعارض كتاب الله لا بد أن يضرب بعرض الحائط .

تابع الشيخ الخشن، إذا هناك موروث ديني لا بدّ أن يُصار الى غربلته ولا بد أن يُعمل على تنقيته من كل هذا الموروث الذي يؤسس وينمّي فكر التطرف وفكر الإرهاب .

نشأة الفكر التكفيري

وحول كيف نشأ الفكر التكفيري، قال : الفكر التكفيري في الإسلام ربما ظهرت بداياته النافرة مع الخوارج، الذين هم أول ظاهرة تكفيرية في زمن الإسلام ، فقد كفروا أمير المؤمنين علي عليه السلام، وكل من قبل بالتحكيم في صفين، ومن ثم اندفعوا الى الشارع الإسلامي قتلا وعبثا فعافوا الفساد في الأرض وقتلوا بعض أجلّة الصحابة أو أبنائهم .

لذا لعل أول ظاهرة تكفيرية في تاريخنا الإسلامي هي ظاهرة الخوارج، لافتا الى أن في التاريخ السابق على الإسلام لم تخلو معظم الديانات السماوية السابقة من جماعة قشرية فهمت الدين فهما متطرفا فكفرت كل من يخالفها الرأي وأيضا نتج عن التكفير محاولة سفك دمائهم وقتلهم.

واعتبر الشيخ حسين الخشن أن منشأ التكفير هو أولا وجود بعض الموروث المغلوط والمكتوب والموضوع على لسان رسول الله (ص) والذي لم يتم غربلته بشكل صحيح، وثانيا وجود فهم خاطئ للكثير من النصوص الدينية القرآنية أو النبوية التي تكفر بعض الجماعات، فالتكفيريين عندما قرأوا بعض الآيات التي تقول على سبيل المثال ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) فحكموا بكفر من لم يحكم بما أنزل الله، ولذلك ينظرون اليوم الى معظم الأنظمة في العالم العربي والإسلامي الى أنهم كفرة لأنهم لا يحكمون كما أنزل الله فتمسكوا بكلمة الكفر ولم يعوا أن هذه الكلمة عندما ترد في الكتاب أو السنة لا تعني إخراج الناس عن الدين، لافتا الى أن للكفر مستويات ومراتب، ولأن ليس لهؤلاء العمق في فهم النص الديني اندفعوا الى التمسك ببعض الظواهر وحكموا على ضوء ذلك في تكفير معظم المسلمين.

التكفيريون الى يومنا هذا لم يقوموا بمقاومة ضد العدو الإسرائيلي

وردا على سؤال حول ما هي العوامل التي أدت الى الإنتشار السريع للجماعات التكفيرية في العالم الإسلامي، رأى أنه بالرغم من أن بذور التكفير موجودة ربما في موروثنا وثقافتنا التي لم تتعرض للتمحيص، بيد أن هذه البذور كان قد تم السيطرة عليها الى حد ما عندما أتيح لها في عصرنا الحاضر برزت ونمت وتحولت الى أشواك مدمية وأشجار سامة، مشيرا الى أن العوامل التي أدت الى ذلك هو العامل الإستكباري الذي أراد لهذه الأمة أن تدخل في أتون هذا الإقتتال والإقتراب الداخلي موظفا بذلك هذه الجماعات التكفيرية بطريقة أو بأخرى، لذا نرى أن التكفيريين الى يومنا هذا لم يقوموا بمقاومة ضد العدو الإسرائيلي وهذا أمر مريب إذا هناك العامل الخارجي .

وأضاف الشيخ الخشن، هناك العامل السياسي الذي جعل بعض الأنظمة في عالمنا العربي والإسلامي تستغل هذه الجماعات في حربها ضد الآخر وإثارة الفتنة المذهبية لأن إثارة الفتنة تلائم هذا الجو السلطوي، وبالتالي لا بد من وقود هذه الفتنة،

مشددا على أن السلطة والنظام الركني في أكثر الدول العربية كان له غاية في تسعير ظاهرة التكفير لكي يتناسى ما نسميه بيقظة الشعوب التي قد تجرف هذا لنظام الى مزابل التاريخ، متسائلا كيف لهذا النظام أن يحمي نفسه، لذا لم يجد أفضل من أن يسعر العصبيات المذهبية والطائفية وبذلك يصبح محميا بهذه العصبيات, مؤكدا أن بعض الأنظمة العربية كان لها دور في رعاية الفكر التكفيري، وهذه العرامل التي ساهمت في رعاية الفكر التكفيري في مرحلة ما.

كيفية محاصرة الفكر التكفيري

وحول كيف يمكن للتعاون بين السنة والشيعة مواجهة هذا الفكر الهدام، أشار الى أن التعاون الإسلامي لمحاصرة الفكر التكفيري هو ضرورة، لافتا الى أن من الأولويات التي لا بد أن توضع على قائمة كل العلماء والمفكرين والمؤسسات والمعاهد العلمية والمرجعيات الدينية أن توضع على قائمة أولوياتها كيفية محاصرة هذا الفكر التكفيري.

وتابع الشيخ حسين أن هذا التكفير إذا كان في بعض مستوياته الأبرز والأوضح موجود في الوسط السني فإن المطلوب أن يتصدى قبل كل شيء علماء السنة لمواجهة هذا التكفير، فلا يمكن في ظل هذا الإحتراب المذهبي للشيعي أن يكون هو الوحيد الذي يتصدى لهذا التكفير لأن صوته قد لا يسمع لأن هؤلاء لا يسمعون، ومضيفا وعلى علماء الشيعة أيضا أن يعملوا في المقابل على محاصرة ومواجهة بعض الأصوات في الساحة الشيعية التي قد تشارك حدّ التكفير وتغذي التكفير في الجهة الأخرى، لأن هذه الفئة في الساحة الشيعية هي أيضا تشكل ظاهرة تكفيرية ولو بمستوى من مستويات التكفير.

وشدد على أن علماء السنة وعلماء الشيعة عليهم أن يعمل كُلٌ في ساحته ليأصلوا لسماحة الإسلام وابتعاده عن التكفير، وبذلك تكون الوحدة الإسلامية في أبهى صورها، مؤكدا أن من أولى أولويات مؤتمرات التقريب والوحدة الإسلامية في زماننا هذا هو العمل على محاصرة الفكر التكفيري الذي يغزوا إسلامنا ومذاهبنا.

غربلة التراث

وردا على سؤال حول هل ينفع الحوار المعتدل مع الجماعات التكفيرية لتعود الى رشدها؟ أم أن الحل الوحيد هو الإنتصار العسكري؟ رأى الشيخ الخشن أن الحل الأمني ليس هو العلاج، وإنما ضرورة لا بد منها للدفاع عن إنساننا وأهلنا وبلداننا، معتبرا أن الحل في الأساس لا بد أن يكون في جانب آخر لأن التكفير في بعض أبعاده ليس سوى ظاهرة تعتمد على فكر تكفيري إقصائي على تراث، هذا التراث لا بد من العمل عليه لغربلته، ولافتا أيضا الى أن هناك معاهد في بعض الدول الإسلامية تربي على الفكر التكفيري ولذلك إذا اعتمدنا الحل العسكري فلن تنتهي القضية لأن هناك مدارس ولاّدة لهؤلاء التكفيريين.

وأشارالى أنه لا بد من تخميد هذا الفكر ومن تفكيك البنى التحتية لهذا الفكر الذي يقوم على رؤى فكرية ، مع ضرورة العمل في بعض الأحيان على الحل العسكري والأمني لكن ليس هو الحل الكامل لهذه الظاهرة، بل إن الحل والعلاج الأمثل للمواجهة هو أن تتضافر الجهود والأيدي ويُعمل على استبدال هذه المدارس التي تفرخ الفكر التكفيري واستبدالها بمدارس أخرى تتحدث عن الإسلام المعتدل والذي يؤمن بحق لآخر والإسلام الذي يحترم الآخرين ويكرم الآخر.

الحوار والتلاقي مع المرجعيات السنية الكبرى

وحول كيف ستؤثر هزائم الإرهابيين في سوريا والعراق على أوضاع المنطقة والعالم والإسلامي، أكد الشيخ الخشن أنه علينا أن نستكمل المواجهة بفتح أبواب للحوار والتلاقي مع المرجعيات السنية الكبرى في العالم الإسلامي، فالمحاصرة والهزائم التي يتعرض لها الفكر التكفيري والجماعات التكفيرية في أكثر من بلد إسلامي هذه قد تستطيع أن تحد من اندفاعة هذه الجماعات التكفيرية في هذه الدول، إلاّ أن هناك خطوة أخرى ومسار آخر فلا بد أن يتلاقى علماء المسلمين حيث أننا لا نغفل عن ثمة مؤتمرات وجهود ومؤسسات تعمل على التقريب، لكن هناك أبواب لا بد أن تفتح بين المعاهد العلمية الأساسية ولا بد أن يصار الى تلاقي بين المرجعيات الشيعية ومرجعية الأزهر التي عرفت بتاريخها في الإعتدال، هذا التلاقي والتحاور له دور في مواجهة هذا الفكر التكفيري، ولا بد حتى مع الفكر السلفي والمتنور والذي يقبل الحوار لا بد من أن جلس معهم على طاولة واحدة لندير خلافاتنا بالحوار وليس بالسيف .

وقال على الدول الإسلامية أيضا أن تتلاقى، معربا عن أمله في أن تستفيق بعض الدول الراعية لهذه الجماعات من كبوتها وأن تعلم أن هذه الجماعات التكفيرية لن تغني عنها شيئا وأ ن سيف التكفير سوف يرتد عليها، وداعيا الى تعاون الدول الإسلامية مع إيران والعراق وكل الجماعات الإسلامية في المنطقة لكي تحاصر هذا الفكر ونتوجه الى عدونا الأوحد والأساس ألا وهو الكيان الغاصب في فلسطين.

المصدر: تنا

 

almojam

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky