حرمة حلق اللحية

الاستدلال على حرمة حلق اللحية / أستاذ الفقهاء آية الله السيد أبوالقاسم الخوئي”ره”

الاجتهاد: الدليل السابع وهو العمدة صحيحة البزنطي الدالة على حرمة حلق اللحية وأخذها ولو بالنتف ونحوه، وتدل على ذلك ايضا السيرة القطعية بين المتدينين المتصلة الى زمان النبي (صلى الله عليه وآله)، فانهم ملتزمون بحفظ اللحية ويذمون حالقها، بل يعاملونه معاملة الفساق في الامور التي تعتبر فيها العدالة. ويؤيد ما ذكرناه دعوى الاجماع عليه كما في كلمات جملة من الاعلام، وعدم نقلهم الخلاف في المقام من الشيعة والسنة كما هو كذلك والله العالم.

لا بأس بالتعرض لحرمة حلق اللحية اجابة لالتماس بعض الافاضل، فنقول: المشهور بل المجمع عليه بين الشيعة والسنة [1] هو حرمة حلق اللحية.

وقد استدل عليها بوجوه:

1 – قوله تعالى في التحدث عن قول الشيطان: ولامرنهم فليغيرن خلق الله [2]، بدعوى ان حلق اللحية من تغيير الخلقة، وكل ما يكون تغييرا لها فهو حرام.

وفيه: انه ان كان المراد بالتغيير في الاية المباركة تغييرا خاصا فلا شبهة في حرمته على اجماله، ولكن لا دليل على كون المراد به ما يعم حلق اللحية.

وان كان المراد به مطلق التغيير فالكبرى ممنوعة، ضرورة عدم الدليل على حرمة تغيير الخلقة على وجه الاطلاق والا لزم القول بحرمة التصرف في مصنوعاته تعالى، حتى بمثل جرى الانهار وغرس الاشجار وحفر الابار وقطع الاخشاب وقلم الاظفار وغيرها من التغييرات في مخلوقاته سبحانه.

والظاهر ان المراد به تغيير دين الله الذي فطر الناس عليها، وفاقا للشيخ الطوسي (رحمه الله) في تفسيره [3]، ويدل عليه قوله تعالى: فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم [4].

وقد نقل الشيخ (رحمه الله) في تفسير الاية اقوالا شتى وليس منها ما يعم حلق اللحية.

2 – ما في جملة من الروايات [5]، من الامر باعفاء اللحى وحف الشوارب والنهي عن التشبه باليهود والمجوس.

وفيه أولا: انها ضعيفة السند.

وثانيا: انها لا تدل على الوجوب، فان من الواضح جدا ان اعفاء اللحى ليس واجبا بل الزائد عن القبضة الواحدة مذموم، نعم غاية الامر انه يستفاد منها الاستحباب.

أقول: الظاهر ان الامر بالاعفاء عقيب الاحفاء ثم النهى عن التشبه باليهود ما ذكره المحدث القاساني (رحمه الله) بعد نقل الحديث [6]، من أن اليهود لا يأخذون من لحاهم بل يطيلونها، فذكر الاعفاء عقيب الاحفاء، ثم النهى عن التشبه باليهود دليل على أن المراد بالاعفاء ان لا يستأصل ويؤخذ منها من دون استقصاء، بل مع توفير وابقاء بحيث لا يتجاوز القبضة فتستحق النار.

وعلى هذا فلا دلالة في ذلك على حرمة حلق اللحية، لان المأمور به حينئذ هو الاعفاء وابقاء اللحية بما لا يزيد على القبضة، وهو ليس بواجب قطعا.

وأما النهى عن التشبه بالمجوس عقيب الاعفاء والاحفاء، فالمراد به ان لا تحلق اللحية وتترك الشوارب كما يصنعون، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان المجوس جزوا لحاهم ووفروا شواربهم، وأما نحن نجز الشوارب ونعفي اللحى، وهي الفطرة، وعليه فلا يدل هذا النهى على حرمة حلق اللحية وترك الشوارب معا، فان نفي التشبه يحصل بفعل أي منهما.

وأما ما يقال من أن الروايات لا تدل على وجوب الاعفاء لاشتمالها على قص الشوارب وهو مستحب اتفاقا.

ففيه: ان ظهور الامر في الوجوب انما ترفع اليد عنه بمقدار ما ثبت فيه الترخيص، وقد حققنا ذلك في موضعه.

3 – رواية الجعفريات [7] الدالة على أن حلق اللحية من المثلة ومن مثل فعليه لعنة الله.

وفيه أولا: انها مجهولة السند.

وثانيا: ان المثلة هو التنكيل بالغير بقصد هتكه واهانته، بحيث تظهر آثار فعل الفاعل بالمنكل به، وعليه فتكون الرواية دالة على حرمة هتك الغير بازالة لحيته لكون ذلك مثلة والمثلة محرمة، فلا ترتبط بحلق اللحية بالاختيار، سواء أكان ذلك بمباشرة نفسه ام بمباشرة غيره.

وثالثا: ان اللعن كما يجتمع مع الحرمة فكذلك يجتمع مع الكراهة ايضا فترجيح أحدهما على الاخر يحتاج الى القرينة المعينة، ويدل على هذا ورود اللعن على فعل المكروه في موارد عديدة، وقد تقدمت في مسألة الوصل والنمص، ومن تلك الموارد ما في وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) قال: يا على لعن الله ثلاثة: آكل زاده وحده، وراكب الفلاة وحده، والنائم في بيت وحده.

ومن ذلك يظهر بطلان الفرق بين اللعن المطلق وبين كون اللعن من الله أو من رسوله، بتوهم ان الاول يجتمع مع الكراهة لكونه ظاهرا في البعد المطلق، بخلاف الثاني فانه يختص بالحرمة لكونه ظاهرا في انشاء الحرمة.

أللهم الا أن يقال: ان الرواية المذكورة ضعيفة السند ولم نجد في غيرها ورود اللعن من الله على فعل المكروه، وعليه فلا بأس في ظهور ذلك في الحرمة.

4 – ما دل على عدم جواز السلوك مسلك اعداء الدين، ومن شعارهم حلق اللحية [8].
وفيه أولا: انه ضعيف السند، وثانيا: ان السلوك مسلك اعداء الدين عبارة عن اتخاذ سيرتهم شعارا وزيا، وهذا لا يتحقق بمجرد الاتصاف بوصف من اوصافهم.

5 – قوله (صلى الله عليه وآله) لرسولي كسرى: ويلكما من امركما بهذا، قالا: أمرنا بهذا ربنا – يعنيان كسرى – فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لكن ربي أمرني باعفاء لحيتي وقص شواربي [9].

وفيه أولا: ان الرواية ضعيفة السند.

وثانيا: ما تقدم من أن المأمور به انما هو الاعفاء وهو ليس بواجب قطعا.

6 – قوله (عليه السلام): اقوام حلقوا اللحى وفتلوا الشوارب فمسخوا [10].

وفيه: ان الرواية وان كانت ظاهرة في الحرمة الا أنها ضعيفة السند.

7 – وهو العمدة صحيحة البزنطي [11] الدالة على حرمة حلق اللحية وأخذها ولو بالنتف ونحوه، وتدل على ذلك ايضا السيرة القطعية بين المتدينين المتصلة الى زمان النبي (صلى الله عليه وآله)، فانهم ملتزمون بحفظ اللحية ويذمون حالقها، بل يعاملونه معاملة الفساق في الامور التي تعتبر فيها العدالة. ويؤيد ما ذكرناه دعوى الاجماع عليه كما في كلمات جملة من الاعلام، وعدم نقلهم الخلاف في المقام من الشيعة والسنة كما هو كذلك والله العالم.

 

الهوامش

[1] في فقه المذاهب: الحنفية قالوا: يحرم حلق لحية الرجل، المالكية قالوا: يحرم حلق اللحية، والحنابلة قالوا: يحرم حلق اللحية، والشافعية قالوا: أما اللحية فانه يكره حلقها والمبالغة في قصها (فقه المذاهب الاربعة 2: 44- 46. وفي سنن البيهقي باب سنة المضمضة عن عائشة قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): عشر من الفطرة: قص الشوارب واعفاء اللحية – الحديث (سنن البيهقي 1: 52). وفيه عن ابن عمر عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: اعفوا اللحى واحفوا الشوارب (سنن البيهقي 1: 149). وفيه عنه (صلى الله عليه وآله): جزوا الشوارب، وارخوا اللحى، وخالفوا المجوس (سنن البيهقي 1: 150). وفيه عن النبي (صلى الله عليه وآله): نهى عن نتف الشيب، وقال: انه من نور الاسلام، وعنه (صلى الله عليه وآله): لاننزعوا الشيب – الحديث (سنن البيهقي 7: 311).
[2] النساء: 118.
[3] في تفسير التبيان: وقوله تعالى: ولامرنهم فليغيرن خلق الله، اختلفوا في معناه، فعن ابن عباس: فليغيرن دين الله، وروي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام)، وقال مجاهد: كذب عكرمة في قوله انه الاخصاء، وانما هو تغيير دين الله الذي فطر الناس عليه في قوله: فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم، وقال قوم: هو الوشم، وقال عبد الله: لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتفلجات المتغيرات خلق الله، واقوى الاقوال قول من قال فليغيرن خلق الله بمعنى دين الله، بدلالة قوله: فطرة الله – الاية، ويدخل في ذلك جميع ما قاله المفسرون، لانه إذا كان ذلك خلاف الدين فالاية تتناوله – انتهى كلامه بأدنى تفاوت (التبيان 1: 471).
[4] الروم: 29.
[5] عن الصدوق قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حفوا الشوارب واعفوا اللحى، ولا تتشبهوا باليهود (الفقيه 1: 76، عنه الوسائل 2: 116)، مرسلة. قال: وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان المجوس جزوا لحاهم ووفروا شواربهم، وأما نحن نجز الشوارب ونعفي اللحى، وهي الفطرة (الفقيه 1: 76، عنه الوسائل 2: 116)، مرسلة. عن معاني الاخبار باسناده عن علي بن غراب، عن جعفر بن محمد، عن ابيه، عن جده (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حفوا الشوارب، واعفوا اللحى، ولا تشبهوا بالمجوس (معاني الاخبار: 291، عنه الوسائل 2: 116)، ضعيفة للحسين بن ابراهيم وموسى بن عمران النخعي والحسين بن يزيد وعلي بن غراب.
[6] الوافي، باب جز اللحية 4: 99.
[7] عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حلق اللحية من المثلة، ومن مثل فعليه لعنة الله (الجعفريات: 157، عنه المستدرك 1: 406)، مجهولة لموسى بن اسماعيل.
[8] عن الفقيه باسناده عن الصادق (عليه السلام) انه قال: أوحى الله الى نبي من أنبيائه: قل للمؤمنين لا تلبسوا لباس اعدائي، ولا تطعموا مطاعم اعدائي، ولا تسلكوا مسالك اعدائي، فتكونوا اعدائي كما هم أعدائي (الفقيه 1: 163، علل الشرايع: 348، عيون الاخبار 2: 23، عنهم الوسائل 4: 385)، موثقة للسكوني.
[9] راجع المستدرك 1: 407، عن الكازروني في المنتقي.
[10] عن حبابة الوالبية قالت: رأيت امير المؤمنين (عليه السلام) في شرطة الخميس ومعه درة لها سبابتان يضرب بها بياعي الجري والمارماهي والزمار، ويقول لهم: يا بياعي مسوخ بني اسرائيل وجند بني مروان، فقام إليه فرات بن احنف فقال: يا امير المؤمنين وما جند بني مروان؟ قال: فقال له: أقوام حلقوا اللحى وفتلوا الشوارب فمسخوا – الخ (الكافي 1: 280، اكمال الدين: 536، عنهما الوسائل 2: 117)، مجهولة لمحمد بن اسماعيل وعبد الله بن ايوب وعبد الله بن هاشم وغيرهم. قال في مرآة العقول: الوالبية نسبة الى والبة، موضع بالبادية من اليمن، وفي النهاية: الشرطة اول طائفة من الجيش تشهد الوقعة، والخميس ومنهم من يشدد ولعله تصحيف: الجيش، سمي به لانه مقسوم بخمسة اقسام: المقدمة والساقة والميمنة والميسرة والقلب، وقيل: لانه تخمس فيه الغنائم. والدرة – بكسر الدال وتشديد الراء – السوط، والسبابة – بالتخفيف – رأس السوط، والجري – بكسر الجيم وتشديد الراء والياء – نوع من السمك لافلوس له، وكذا المارماهي – بفتح الراء -، وكذا الزمار – بكسر الزاء وتشديد الميم -، والمسوخ – بضم الميم والسين – جمع المسخ – بالفتح – وانما سموا بالمسوخ لكونها على خلقتها وليست من اولادها، لانهم ماتوا بعد ثلاثة ايام، كما ورد في الخبر، وجند بني مروان قوم كانوا في الامم السالفة – انتهى كلام المجلسي.
[11] عن محمد بن ادريس في آخر السرائر نقلا عن جامع البزنطي صاحب الرضا (عليه السلام) قال: وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يأخذ من لحيته؟ قال: أما من عارضيه فلا بأس، وأما من مقدمها فلا (مستطرفات السرائر: 56، عنه الوسائل 2: 111)، صحيحة. ورواها علي بن جعفر (عليه السلام) في كتابه، الا أنه قال في آخرها: فلا يأخذ (قرب الاسناد: 122، مسائل علي بن جعفر (عليه السلام): 139، عنهما الوسائل 2: 111). وموضوع حرمة حلق اللحية هو اعدامها، وعليه فلا يفرق في ذلك بين الحلق والنتف وغيرهما مما يوجب ازالة الشعر عن اللحية، أما مقدار اللحية في جانب القلة فلم يرد في تحديده نص خاص، فالمدار في ذلك هو الصدق العرفي. وعلى هذا فإذا اخذت بمثل المكينة والمقراض أو غيرهما بحيث لم تصدق اللحية على الباقي كان حراما.

 

المصدر: کتاب مصباح الفقاهة لآية الله العظمى السيد أبوالقاسم الخوئي الجزء : 1 صفحة : 406
 

2 تعليقات

  1. صحيحة البزنطي هي في الواقع مرسلة.

    • جزيل الشكر للتعليق على الخبر
      في الواقع خلاف فيه
      یقول البعض ان مراسیل المشایخ الثلاثه : محمد بن ابی عمیر، احمد بن ابی نصر بزنطی و صفوان بن یحیی، حجة ومعتبرة ولا تضر مراسيلهم بالرواية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky