الإمام-الخميني

الإمام الخميني “ره” رائد الوحدة الإسلامية في القرن العشرين

اعتبر الإمام الخمينيّ قدس سره أن هناك مسؤولية كبرى تلقى على عاتق رؤساء البلدان الإسلامية في سبيل الوصول إلى اتحاد كلمة المسلمين، مشبهاً عصرنا هذا بزمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً: “أراد رسول الله أن يحقق وحدة الكلمة في كل العالم، أراد إخضاع جميع بلدان العالم لكلمة التوحيد، وأراد أن يخضع الربع المسكون بكامله لكلمة التوحيد، بيد أن أغراض سلاطين تلك الفترة (……) منعته من نحقيق ذلك، والآن يمنعون ذلك أيضاً، وإن مصائبنا الآن هي بسببهم”.

الاجتهاد: لقد بذل الإمام الخميني قدس سره جهوداً عمليَّة كثيرة وفي شتى الميادين في إرساء ثقافة الوحدة الإسلامية ودعائمها حتى يمكننا أن نقول إنّه رائد الوحدة الإسلامية في القرن العشرين وما تلاه، كيف لا وهو رائد الوحدة الإسلامية الذي أخرج مفردة الوحدة من جدث الظلام إلى مجامع الأمّة ومسامع المسلمين عامّة، حيث استغل كلّ فرصة لينبّه المسلمين إلى هذا الأمر الذي به خلاصهم من المآسي والنكبات المتلاحقة التي مرّت بهم، لا سيّما النكبة الكبرى عندما سقطت فلسطين بأيدي الصهاينة، والعرب والمسلمون حينها لم يرفَّ لهم جفن حتى ليظن المرء أنّهم لا وجود لهم، يقول قدس سره: “إنّ كثيراً من حكومات البلدان الإسلامية ونتيجة للانهزام النفسي أو لعمالتها تنفذ المخطّطات الخيانية والرغبات المشؤومة الاستعمارية المعادية للإسلام والتي تهدف إلى ترسيخ هذه الأوضاع المأساوية للمجتمع الإسلامي والى تسليط “إسرائيل” على أرواح وأموال وأراضي الأمّة الإسلامية”1.

“لو اجتمعت هذه القدرة أي قدرة المائة مليون عربي فإنّ أمريكا لن تستطيع أن تفعل شيئاً”2.

فما هي الدعائم التي أرساها هذا الإمام العظيم في الأمّة الإسلامية والتي بعثت فيها روح الوحدة وأيقظت الضمائر؟

1- إعلان البراءة من المشركين في الحج

إنّ أهم الخطوات التي قام بها الإمام الخمينيّ قدس سره في هذا الإطار أنّه أحيا الفريضة الميتة في شعائر الحجّ وهي إعلان البراءة من المشركين وأعداء الله تعالى، ومن ثمّ وجّه أنظار الأمّة نحو فلسطين واعتبرها القضية التي تحتل الأولوية لدى المسلمين جميعاً. ومن أجل هذا جعل لها يوم القدس كمناسبة تعني المسلمين جميعهم.

فقد تحوّل الحجّ عبر العصور المتلاحقة ومن خلال سعي الأعداء إلى فريضة عادية لا تحمل في عمقها الأبعاد السياسية التي أرادها الله تعالى ليستفيد منها المسلمون، وقد نجح العدوّ لسنين طويلة في أن ينسي الناس هذه الأبعاد العظيمة لهذه الواقعة الهامّة والاستثنائية من عبادات المسلمين السياسية.

أدرك الإمام الخمينيّ قدس سره خطر هذه المسألة فأعاد للحجّ بعده السياسي لا سيّما بإعلانه أنّ البراءة من قوى الكفر العالمية ركن من أركان الحجّ ولا بدّ أن تؤدّى ليكون الحجّ حجّاً حقيقياً. يقول قدس سره: “إنّ إعلان البراءة من المشركين تعتبر من الأركان التوحيدية والواجبات السياسية للحجّ. فحاشا أن يتحقّق إخلاص الموحدين في حبّهم بغير إظهار السخط على المشركين والمخالفين، وأي بيت هو أفضل من الكعبة البيت الآمن والطاهر؟ بيت الناس لنبذ كلّ أشكال الظلم والعدوان والاستغلال والرق والدناءة اللاإنسانية قولاً وفعلاً، وتحطيم أصنام الآلهة تجديداً لميثاقه ﴿أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى﴾3 وذلك إحياءً لذكرى أهم وأكبر حركة سياسية للرسول التي عبّر عنها القرآن بقوله: ﴿وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾4.

ذلك أنّ سنّة الرسول وإعلان البراءة لن يبليا, لأنّ إعلان البراءة لا يقتصر فقط على أيام الحج. إذ على المسلمين أن يملؤوا أجواء العالم بالمحبّة والعشق للباري، وبالبغض والاستياء والرفض لأعداء الله. ويجب ألا يصغوا إلى وسوسة الخنّاسين وشبهات المشككين والجهّال والمنحرفين وألا يغفلوا لحظة واحدة عن هذا النشيد التوحيدي المقدّس والشامل.

ويعتبر الإمام الخمينيّ قدس سره أن إعلان البراءة من المشركين في هذه الفريضة التي تجمع المسلمين من كلّ أقطار العالم فرصة كبيرة لتفعيل الطاقات الخامدة وتنشيط النفوس الخاملة والناسية لقضاياها الأساسية، والساهية عن عدوها المتربص بها: “إنّنا بإعلاننا البراءة من المشركين كنّا وما نزال مصممين على تحرير الطاقات المتراكمة للعالم الإسلامي، وبإذن الله الكبير وبهمّة أبناء القرآن سيأتي اليوم الذي يتحقّق فيه هذا العمل. وإن شاء الله سيتحقّق أيضاً اليوم الذي يصرخ فيه جميع المسلمين والمتألمين ضد ظالمي العالم ويثبتوا أن القوى العظمى وأذنابهم والنفعيين هم أكثر موجودات العالم بغضاً ولعناً.

إن صرخة براءتنا هي صرخة جميع الذين لم يقدروا على تحمّل تفرعن أمريكا وتواجدها السلطوي ولا يريدون أن تخمد صرخة غضبهم وسخطهم وتذمرهم، وتُخنق في حناجرهم إلى الأبد وعقدوا العزم على العيش حياة حرة كريمة والموت أحراراً وأن يكونوا الصرخة المدوية للأجيال”5.

ويقول قدس سره: “بينما يتوجّه مسلمو الدول المختلفة في العالم إلى كعبة الآمال وحجّ بيت الله الحرام وإقامة هذه الفريضة الإلهية العظيمة والمؤتمر الإسلامي الكبير، في أيّام مباركة ومكان مبارك، فإنّه يجب على المسلمين المبعوثين من قبل الخالق تعالى أن يستفيدوا من المحتوى السياسي والاجتماعي للحجّ إضافة إلى محتواه العبادي، ولا يكتفوا بالظاهر.

فالكلّ يعلم أن أي مسؤول وأية دولة لا يمكنها إقامة مثل هذا المؤتمر العظيم، وهذه هي أوامر الباري جلّ وعلا التي أدّت إلى انعقاد هذا المؤتمر. ومع الأسف فإنّ المسلمين على طول التاريخ لم يتمكّنوا من الاستفادة بشكّل جيّد من هذه القوّة السماوية والمؤتمر العظيم لصالح الإسلام والمسلمين.

وثمّة أبعاد سياسية عديدة في الاجتماعات، والجماعات والجمعة وخاصّة اجتماع الحجّ الثمين، منها الاطلاع على مشاكل الإسلام والمسلمين الأساسية والسياسية، فيمكن من خلال اجتماع العلماء والمثقفين والمتدينين الزائرين لبيت الله الحرام، طرحها ودراستها وإيجاد الحلول لها، وتقديم تلك الحلول لدى العودة إلى البلدان الإسلامية، في الاجتماعات العامّة، وبذل الجهد لرفعها”6.

وما يميّز هذه الفريضة أنّها لا تختصّ بزمن دون آخر، بل هي فريضة للحجّ في كلّ الأزمان، إذ إنّها لن تتوقّف ما دام الحجّ موجوداً وما زالت الفريضة قائمة. يقول قدس سره: “إنّ صرخة البراءة من المشركين لم تختص بزمان خاص. هذا دستور خالد، وإن انقرض المشركون من الحجاز “فنهضة الناس” ليست مختصّة بزمان بل هي دستور كل زمان ومكان. في هذا التجمع البشري العالم تعتبر سنوياً من جملة العبادات المهمة الخالدة إلى الأبد.

وهنا تكمن النكتة التي أكّد عليها أئمّة المسلمين عليهم السلام في إقامة مجالس العزاء لسيد المظلومين إلى الأبد وبقاء صرخة مظلوميَّة آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وظلم بني أميّة عليهم لعنة الله مع أنّهم انقرضوا”7.

2- فلسطين القضية المركزيَّة

وجّه الإمام الخميني قدس سره أنظار المسلمين نحو مشكلةٍ اعتبرها أمّ المشاكل وأمّ القضايا بل القضية المركزية الأهم، ألا وهي القضية الفلسطينية، حيث اعتبر الإمام قدس سره أن هذه القضية ينبغي أن تحتلّ الحيّز الأكبر والمرتبة الأولى من بين قضايا الأمة والشعوب، وكذلك الحكام، مشخصاً داء الأمة الراهن بتجاهل هؤلاء الحكام لهذه القضية وإخراجها من حساباتهم، وإلا فلو كان الحكام والشعوب يعملون جهودهم العادية لحل هذه القضية وإزالة الورم الصهيوني من خاصرة الأمة لأمكنهم ذلك بأقل الإمكانات متى ما توفرت لديهم الإرادة الجديَّة لذلك،

يقول قدس سره: “ثمّة موضوع أشعر بأنّه يشكّل لغزاً بالنسبة لي، وهو أن جميع البلدان الإسلامية والشعوب المسلمة تعلم ما هي المشكلة، وتعلم أن يد الأجنبي تريد زرع الفرقة بين صفوفها، وتشاهد أن نصيبها من هذه التفرقة هو الضعف والزوال، وتشاهد أن دولة إسرائيل التافهة تقف بوجه المسلمين.

ولو كان المسلمون مجتمعين وألقى كلّ واحد منهم دلْواً من الماء على إسرائيل لقضى عليها السيل، ومع ذلك يقفون أذلاء أمامها. واللغز أنّهم لماذا لا يلجأون إلى العلاج الحتميّ، والذي هو اتحادهم واتفاقهم رغم علمهم بكل ذلك؟! لماذا لا يحبطون تلك المؤامرات التي يضعها المستعمرون من أجل إضعافهم؟! متى ينبغي حلّ هذا اللغز؟! ومن يتمكن من حلّه؟! من المسؤول عن إحباط هذه المؤامرات سوى الحكومات الإسلامية والشعوب المسلمة؟ هذا لغز لو وجدتم جواباً وحلاً فاذكروه لنا”8.

“إعلموا (وتعلمون أيضاً) أن الأيدي التي تريد أخذ ثرواتكم منكم ونهبها، ومصادرة كل ما تملكون من خيرات سواء فوق الأرض أو تحتها، أن هذه الأيدي لا تسمح باتّحاد إيران مع العراق، ولا إيران مع مصر، ولا إيران مع تركيا. يريدون ألاّ تتحقق وحدة الكلمة. ولكن هذا ليس تكليفكم. إن مسؤولية الرؤساء أن يجلسوا مع بعضهم بعضاً، ويتفاهموا ويحفظوا حدودهم وثغورهم، ويحافظوا على وحدة الكلمة بوجه العدو الأجنبي الذي يريد إلحاق الضرر بكم.

ولو حافظتم على وحدة الكلمة لما أمكن لمجموعة من اليهود اللصوص في فلسطين أن تفرق ملايين المسلمين لمدة أكثر من عشر سنوات، والدول الإسلامية جلست مع بعضها بعضاً تقيم المآتم. لو كان هناك توحيد في الكلمة فكيف يستطيع هؤلاء، هذه العدة من اليهود اللصوص، كيف يستطيعون أن يأخذوا فلسطين منكم، ويخرجوا المسلمين من فلسطين، ولا تستطيعون أن تعملوا شيئاً؟!”9.

فالإمام قدس سره ينبهنا إلى أن محاولة تفريق الأمّة إنّما هو بسبب إضعافنا عن مطالبتنا بحقوقنا ولا سيّما حقّ المسلمين في الأراضي المقدّسة في فلسطين.

ثم يخاطب الإمام قدس سره الحكام المسلمين والمتسلطين على ثرواتهم الطائلة، منبهاً لهم إلى الخطوات التي ينبغي اتخاذها في سبيل إرجاع حقوقنا السليبة، فيقول قدس سره:
“هذه الأمور من الواضحات، لكن يجب التذكير. وإن أولئك يعلمون بهذا الأمر أيضاً ولكن عليهم الاجتماع والتفكير ووضع هذه الاختلافات البسيطة جانباً. فالإسلام هو بأيديكم الآن.

وليعلم رؤساء الإسلام، وسلاطين الإسلام، ورؤساء الجمهورية، والشيوخ، وأصحاب المناصب في الإسلام أن لهذه الرئاسة التي منحها الله تبارك وتعالى لهم مسؤولية. فعندما يصبح الإنسان رئيساً لقوم معينين، ولشعب ما، فإنه مسؤول عن ذلك الشعب وأولئك القوم، ومسؤول عن حياتهم، والحوادث التي تمر عليهم.

إنّ الآخرين هم الذين يحتاجون لهؤلاء. إن هذا الأمر من العجائب، ومن العجائب أنّ الثروة بيد الشرق. إنّ ثروة النفط المهمة بيد الشرق وبيد المسلمين والبلدان الإسلامية. وإن سبب تقدّم أي دولة في العالم هو هذه المعادن والثروات. وكان انتصار الدول في الحروب بواسطة النفط. وهذه الثروات كلها بأيديكم! والحمد لله فان العراق يملك النفط، وإيران تملك النفط، والكويت تملك النفط، والحجاز تملك النفط، والنفط بيد المسلمين. ينبغي لأولئك أن يتملّقوا لكم ويقبّلوا أياديكم وأقدامكم، ويشتروا هذه الثروات بأسعار باهظة.

يجب عليكم أن لا تتملّقوا لهم، وإن شاء الله لستم كذلك، بل يجب عليهم أن يتملّقوا لكم الآن، فالثروة بأيديكم. ولكن تصرّف المستعمرون بشكل خدعوا فيه بعض البلدان، فتصورت أن الأمر ليس كذلك، بل عليها أن تتملق أيضاً لهم، وأن تجاملهم حتى يأخذوا ثرواتها، وهذا يستلزم الأسف الشديد”10.

وبغياب وحدة الكلمة، وعدم إيجاد رؤساء الإسلام لوحدة الكلمة بين صفوفهم، وعدم التفكير بمصائب الشعوب المسلمة، وشقاء الإسلام، وشقاء الأحكام الإسلامية، وغربة الإسلام والقرآن الكريم فإنه لا يمكن لهم السيادة. يجب أن تفكروا وتعملوا حتى تسودوا، وسوف تكونون سادة العالم لو علمتم بهذا الموضوع.

فالسيادة ستكون لكم لو عرفتم الإسلام كما هو وعملتم به كما ينبغي (العزة لله ولرسوله وللمؤمنين).

ومن هنا فإن الجمهورية الإسلامية في إيران وبتوجيهات من الإمام الخميني الراحل قدس سره وضعت في قمة سلم أولوياتها دعم القضية الفلسطينية، وإيجاد حالة من الاتحاد بين البلدان الإسلامية. يقول الإمام الخميني قدس سره عن هذا الأمر:

“إنّنا جاهزون في جميع الأحوال للدفاع عن الإسلام والبلدان الإسلامية واستقلالها. إنّ برنامجنا هو برنامج الإسلام، وتحقيق وحدة كلمة المسلمين، واتحاد البلدان الإسلامية، وتحقيق الأخوة مع جميع طوائف المسلمين في كلّ العالم، والاتحاد مع جميع الدول الإسلامية في سائر أنحاء العالم، والوقوف بوجه الصهيونية وإسرائيل، والوقوف بوجه الدول المستعمرة التي تريد نهب ذخائر هذا الشعب الفقير مجاناً وتركه ليعاني من الفقر والبطالة والبؤس.

وتتحدث الدول دائماً عن الترقي والتطور الاقتصادي مع وجود هذه الوجوه الصفراء بسبب الجوع والفقر. وإنّنا نشعر بالأسى لهذه الحقائق المرّة، ويشعر علماء الإسلام بالألم بسببها، ولو كان هذا يسمى بالرجعية السوداء، فلنكن رجعيين!”11.

3- إحياء يوم القدس العالمي إحياء للإسلام

وفي سبيل هذه القضية ولكونها محوريَّةً تهمُّ جميع المسلمين، ويمكن لها أن تساهم بشكل كبير في توحيد المسلمين، كان يوم القدس العالمي وذلك في يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان المبارك من كل عام. وقد أطلق الإمام قدس سره هذا اليوم بعد أربعة أشهر من قيام الجمهورية الإسلامية أي في تموز من العام 1979م ممّا يؤكّد على مدى حضور هذه القضية وعلى حيّز الأولوية الذي شغلته في فكر الإمام قدس سره. بل ولنا أن نقول إن المحور الأساسي الذي قامت عليه حركته السياسية بدءًا بالثورة وانتهاءً بانتصارها وما بعده كان هو القضية الفلسطينية التي تعتبر القدس ركيزتها الأولى.

وقد جاء في نص الإعلان عن يوم القدس: “أدعو جميع مسلمي العالم إلى اعتبار آخر جمعةٍ من شهر رمضان المبارك التي هي من أيام القدر ويمكن أن تكون حاسمة في تعيين مصير الشعب الفلسطيني يوماً للقدس، وأن يعلنوا من خلال مراسم الاتحاد العالمي للمسلمين دفاعهم عن الحقوق القانونية للشعب الفلسطيني المسلم”12.

ويعتبر الإمام قدس سره يوم القدس. هو يوم للتعبئة الإسلامية العامّة، فيقول: “لقد كان يوم القدس يوماً إسلامياً، ويوماً للتعبئة الإسلامية العامة”13.

وأنّه يوم المستضعفين في العالم، فيقول: “آمل أن يكون هذا الأمر مقدمة لتأسيس حزب للمستضعفين في كل أنحاء العالم. وأتمنى أن يظهر حزب باسم المستضعفين في العالم”14.

وأنّه يوم الإسلام وحكومته، فيقول: “يوم القدس، ليس فقط يوماً لفلسطين، إنه يوم الإسلام، يوم الحكومة الإسلامية، يوم يجب أن تنشر فيه الجمهورية الإسلامية اللواء في كل أنحاء العالم”15.

بل ويعتبره يوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حيث يقول: “إنّني اعتبر يوم القدس يوماً للإسلام ويوماً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويوماً يجب أن نجهّز فيه كل قوانا لإخراج المسلمين من العزلة”16.

وقد لاقى إعلان الإمام الخميني قدس سره ترحيباً كبيراً في العالم الإسلامي، إذ يحيي المسلمون في كل عام وفي الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك هذا اليوم بمسيرات واحتفالات شعبية في سائر الدول الإسلامية.

4- مسؤولية قادة البلدان الإسلامية في سبيل الوحدة:

اعتبر الإمام الخمينيّ قدس سره أن هناك مسؤولية كبرى تلقى على عاتق رؤساء البلدان الإسلامية في سبيل الوصول إلى اتحاد كلمة المسلمين، مشبهاً عصرنا هذا بزمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً: “أراد رسول الله أن يحقق وحدة الكلمة في كل العالم، أراد إخضاع جميع بلدان العالم لكلمة التوحيد، وأراد أن يخضع الربع المسكون بكامله لكلمة التوحيد، بيد أن أغراض سلاطين تلك الفترة (……) منعته من نحقيق ذلك، والآن يمنعون ذلك أيضاً، وإن مصائبنا الآن هي بسببهم”17.

وقال في إيجاب ذلك على رؤوساء البلدان: “إن تكليف رؤساء الإسلام وسلاطين الإسلام ورؤساء الجمهوريات الإسلامية أن يضعوا هذه الاختلافات البسيطة الموسمية جانبًا، فلا يوجد عرب وعجم، ولا ترك ولا فرس، بل هناك الإسلام، كلمة الإسلام، يجب عليهم أن يتبعوا رسول الإسلام في طريقته في المواجهة والصراع، ويكونوا تبعاً للإسلام”18.

خاتمة

إنّ وحدة المسلمين بكافّة شرائحهم، أمر في غاية الأهمية بل هي الأساس في أي تقدم يحرزه المسلمون، وهي الأساس لاسترجاع حقوقهم المهدورة، وهي الحائط المنيع أمام استقواء المتكبّرين عليهم. فمن هذا المنطلق لو التفت المسلمون إلى هذه النصائح الملهمة من هذا الإمام الراحل لوجدوا فيها روح التوحيد والحرص على أمر المسلمين ومقدساتهم.

علينا أن لا نغفل عن القرآن الكريم الذي يصدح بنا ليل نهار في نبذ الخلاف وتوحيد الكلمة والسعي الدائم للمّ الشمل، لكي لا نفشل وتذهب ريحنا.

إن علينا نحن المسلمين في هذه الأيام أن لا ندع أي فرصة تجمع المسلمين على الكلمة السواء تمر من دون استثمار عملي لها ولا سيّما المناسبات التوحيدية كشهر رمضان ويوم القدس، وأسبوع الوحدة الإسلامية في شهر ربيع الأول، وأيام الحج المباركة، وأن لا نغفل عن العدو المتربص بنا الدوائر.

نسأل الله العلي القدير أن يوفقنا للعمل بنهج هذا الإمام الذي أفنى عمره في سبيل توحيد الكلمة وإعلاء راية الإسلام خفاقة على أرجاء المعمورة إنه سميع مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

هوامش

1- القدس في فكر الإمام الخمينيّ قدس سره، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ص 17.
2- صحيفة الإمام (ترجمة عربية)، ج‏4، ص 152.
3- سورة الأعراف، الآية 172.
4- سورة التوبة، الآية 3.
5- أبعاد الحج في فكر الإمام الخميني قدس سره، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ص 58.
6- منهجية الثورة الإسلامية، مقتطفات من أفكار وأراء الإمام الخميني قدس سره، ص 141-142.
7- م.ن، راجع: صحيفة الإمام (ترجمة عربية)، ج‏20، ص 82.
8- منهجية الثورة الإسلامية، مقتطفات من أفكار وأراء الإمام الخميني قدس سره، ص 428.
9- م.ن، ص 429.
10- منهجية الثورة الإسلامية، مقتطفات من أفكار وأراء الإمام الخميني قدس سره، ص 429-430.
11- منهجية الثورة الإسلامية، مقتطفات من أفكار وأراء الإمام الخميني قدس سره، ص 430-431.
12- راجع: صحيفة الإمام (ترجمة عربية)، ج‏9، ص 212.
13- راجع: صحيفة الإمام (ترجمة عربية)، ج‏9، ص 224.
14- م.ن، ج‏9، ص 224.
15- م.ن، ج‏9، ص 221.
16- م.ن، ج‏9، ص 223.
17- منهجية الثورة، مصدر سابق، ص428.
18- منهجية الثورة، مصدر سابق، ص428.

المصدر: الفصل الرابع من كتاب : الوحدة الإسلامية
نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
إعداد: مركز نون للتأليف والترجمة
الإعداد الإلكتروني: شبكة المعارف الإسلامية
الطبعة الأولى: 2016م – 1437هـ

رابط الكتاب(هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky