الإمام الحسين (عليه السلام) وتأسيس الحكومة الإسلامية

من المؤكد أنه لا إمكان لتحقق أهداف الدين الإسلامي بشكل كامل إلا تحت ظل الحكومة الإسلامية؛ فهي الوحيدة الجديرة بإجراء أحكام الله والمجسدة لأهداف القرآن الكريم. وهذا ما دعا الإمام الحسين – الذي يجدر به أن يكون أوعى الناس بأهداف الإسلام – إلى العمل بوظيفته الشرعية، ألا وهي دعوة الناس إلى تأسيس الحكومة الإسلامية. بقلم: المرجع الديني آية الله صافي الكلبايكاني

الاجتهاد: يعدّ تأسيس حكومة الحق والعدالة في الإسلام من الأهداف الرفيعة للدعوة الإسلامية، ومن العناصر الأساسية والمهمة في المجتمع الإسلامي، التي يقع على عاتق المسلمين في كل عصر أن يجعلوها في مقدمة برامجهم الإصلاحية والإسلامية، وأن يكونوا ساعين لتحقيقها.

إن منطق فصل الدين عن الدنيا، والسياسة عن رجال الدين، والدولة عن التديّن وأنّ دائرة حاکمية النظام الشرعي خارجة عن حدود حاکمية النظام العرفي؛ لهو منطق الخونة للإسلام وحربة بيد أعداء القرآن، فالدين لم يكن ولن يكون بمعزل عن السياسة والحكومة والمجتمع، ولا اعتبار لأيّ نظام أو قانون وراء الإسلام.

إن هدف الإسلام هو حكومة الله و حاكمية أحكامه في الأرض، واستئصال أيّ حكومة استعبادية وأيّ قانون أو نظام غير إسلامي، ومن وجهة نظرنا فإنّ هذه الآية توضح معالم تأسيس الحكومة الإسلامية: (تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ.) آل عمران / 64). لهذا فمن المتيقن أن تكون نهضة الإمام لتأسيس الحكومة الإسلامية مع توفر الظروف والأوضاع المساعدة واجبة.

لو قال أحد بأن الهدف من نهضة الإمام لم يكن تأسيس الحكومة الإسلامية؛ فإن ذلك لا يعني أن تأسيس الحكومة الإسلامية ليس من شؤون الإمام. كما أنه لو قال آخر: إن خروج الإمام لم یکن سیاسياً فليس الغرض أن السياسة بمعنی ولوج ساحة الأمور السياسية والإشراف على إجراء الأحكام وتأسيس نظام الحكم الإسلامي ليست من مهام الإمام، إنما قصدهم نفي السياسة بالاصطلاح العصري المسانخة لطلب الجاه والسلطة والاستغلال الفردي أو الجمعي.

كما أنه ليس من الصحيح تأويل الكلام القائل بفصل الدين عن السياسة بأنه ينبغي على أهل الله ورجال الدين أن لا يتدخلوا في أمور السياسية، بل ينبغي لأهل الله التدخل ويقدر الاستطاعة الاهتمام بحسن إجراء الأمور، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وولوجهم میدان خدمة الإسلام والمجتمع بشجاعة و ثبات، وهذه السياسة عين الدين، ومن أهم التكاليف الإسلامية التي لا يجدر بنا التسامح فيها أو التغاضي عنها.

فالإسلام يشمل جميع المسائل الحياتية الاجتماعية منها والفردية، فالدين والعقيدة والوطن والقانون والتدين والسياسة والصلح والحرب هي للجميع. و كل من ظن غير ذلك فهو لم يهتد إلى حقيقة الدين، ولم يأخذ تعاليم الإسلام الراقية من القرآن والسنّة
وغارق في الضلالة والهلاك.

فلو قدّر للحكومة الإسلامية أن تتأسس، لتذوّقت الشعوب طعم الحرية واستعيدت حقوق المساكين والضعفاء والطبقات المحرومة، وستری عن کثب تجليات النظام العادل والقوانين العالمية الراقية للإسلام، وحاكمية الأصول الصحيحة للمساواة والأخوة طبقأ لتعاليم القرآن. ونجاة الشعوب المحكومة بسلطة الظلم والفسق والفحشاء مثل سلطة يزيد، العيش في حكومة القرآن والأوامر الإلهية.

وتبدلت الحكومة الفردية وعبودية البشر والاختلاف في عبادة الله إلى الاتحاد والأخوة الدينية والمساواة وإلغاء العصبيات القبلية والقومية والجغرافية وقيام حكومة الإسلام العالمية التي لا تنسب إلى أيّ قبيلة أو قوم أو شعب أو مدينة أو دولة إلا لله راتق الأمور وفاتقها، ويحكم الحق والعدل والفضيلة، ويصبح مضمون إن الحكم الا لله عملياً بيّناً.

لقد كان بنو أمية يسخرون من أحكام الله، محاولين جهدهم تغيير وتبديل تلك الأحكام حتى العبادات منها كإقامتهم لصلاة الجمعة يوم الأربعاء وإقامتهم ليوم عرفة في يوم التروية وأيام عيد الأضحى في يوم عرفة (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرون ) المائدة / 44)

حينما تتأسس الحكومة الإسلامية فإنها ستقطع لا محالة الأيادي النجسة للكثير من أمثال زیاد وابن زیاد والمغيرة بن شعبة ومسلم بن عقبة وشمر وخولي الذين هتكوا الأعراض وجنوا على أموال المسلمين وخانوا وتصرفوا فيها بغير حق؛ وستحل محلها الأيادي الطاهرة كأيادي أبي ذر والمقداد وسلیمان وعمار ومیثم ورشید و قیس بن سعد وحجر بن عدی ومسلم بن عوسجة وحبیب بن مظاهر.

من المؤكد أنه لا إمكان لتحقق أهداف الدين الإسلامي بشكل كامل إلا تحت ظل الحكومة الإسلامية؛ فهي الوحيدة الجديرة بإجراء أحكام الله والمجسدة لأهداف القرآن الكريم. وهذا ما دعا الإمام الحسين – الذي يجدر به أن يكون أوعى الناس بأهداف الإسلام – إلى العمل بوظيفته الشرعية، ألا وهي دعوة الناس إلى تأسيس الحكومة الإسلامية، وإنذارهم من عاقبة التسامح فيما يختص بهذا الموضوع الذي كان سبباً في انحطاطهم الأخلاقي وفقرهم الاقتصادي؛ فطلب العون منهم في النهوض بوجه الحكومة المستبدة وإسقاطها، وأعلمهم أنه أحق الناس – باتّفاق جميع المسلمين وبنص وتعيين الرسول الأكرم بإجراء تلك التعاليم الإسلامية الإلهية الراقية؛ لذا وجه دعوة لمسلمي ذلك العصر للنهوض في وجه الحكومة الجائرة ليزيد و استرداد حقوقهم منها.

إن الإمام أنكر تلك الحكومة وأتم الحجة على الناس من خلال رسائله وخطبه وخطاباته الصريحة وقيامه بوظيفته الشرعية ( و لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنۢ بَيِّنَةٍۢ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَىَّ عَنۢ بَيِّنَةٍۢ ۗ. (الأنفال – 42). فمع أن موضوع الإيلاع والإرشاد وإتمام الحجة وإعلان بطلان حكومة يزيد، ولزوم الخروج على تلك الحكومة لإسقاطها، ودعوة جميع الناس لإحياء نظام الحكم الإسلامي يعد جزء من التحضير لنهضة الإمام الحسين، إلا أن عدم موافقة بعضهم على إسقاط حكومة يزيد وقلة الملبّين لندائه لم يفقده الأمل في تأسيس الحكومة الإسلامية؛ فضلا عن أن علم الإمام وتلك الأخبار التي وصلته من قبل الرسول الأكرم والظروف المحيطة تشير جميعها إلى عدم حصول ذلك.

مع ذلك يتعين على الإمام القيام بالوظائف المنوطة به وجداناً وشرعاً تجاه الإسلام والقرآن بأكمل وأوفى نحو باعتباره إماماً، ودفع المخاطر التي تهدد المجتمع الإنساني من حکومة یزید، و تنوير العقول والأفكار.

إن البحث الإجمالي والمختصر لكتب الحديث الشيعية والدقة في مضامين الزيارات والروايات المتعلقة بعلوم الأئمة، وكون الحق تعالى قد وهبهم علم الرسول الأكرم؛ لكفيل بأن يثبت بشكل قطعي أن الإمام كان يعلم بها ستؤول إليه الأمور المستقبلية؛ لذا لم يتنبأ بتأسيس الحكومة الإسلامية والانتصار الظاهري. ومع ذلك فإننا وحتى نكون قد درسنا الموضوع تاريخياً سنتابع البحث من خلال ما ورد في كتب التاريخ المعتبرة لدى الشيعة والسنة من قبيل الإرشاد واعلام الوری والکامل لابن الأثير وتاريخ الطبري واليعقوبي والأخبار الطوال.

 

المصدر: مقتطف من مقدمة كتاب النهضة الحسينية وعلم الإمام”ع” .. تأليف المرجع الديني آية الله صافي الكلبايكاني.

 

رابط تحميل الكتاب

http://ijtihadnet.net/%d8%b5%d8%af%d8%b1-%d8%ad%d8%af%d9%8a%d8%ab%d8%a7%d9%8b-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%87%d8%b6%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b3%d9%8a%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%b9%d9%84%d9%85-%d8%a7/

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky